يلجأ الكثير من المؤمنين على اختلاف أديانهم، إلى طرح الإعجاز العلمي أو المعجزات كدليلٍ على صحة وجود الإله أو صحة الدين، ولكن في الواقع، أيّ إنسانٍ مطلّع وإن كان مؤمنًا صادقاً في إيمانه، يعرف مغبّة الوقوع في هذه المغالطة. وسأحاول أن أشرح لماذا يعُتبر اللجوء للمعجزات أو الإعجاز العلمي حجةً فاسدًةً أو حتى سلبيةً تؤذي موقف المؤمن بدل أن تدعمه.

الإعجاز العلمي يأتي دومًا على شكلين رئيسيين، إمّا عن طريق مطابقة نص ٍّديني لحقيقةٍ علميةٍ حقيقيةٍ، أو عن طريق التدليس وادّعاء أنّ نصًا ما يقول بالحقيقة العلمية بينما هو لا يفعل.

بالنسبة للسلوب الثاني، لن يكون محور كلامي، فهو بالنهاية ليس حجةً لا على المؤمن ولا على الملحد، لأنه يحيد عن الحقيقة ويطعن في قيمة الواقع لحساب مشاعر وعواطف وما يتمناه المؤمن، وأعتقد أنّ كلينا – المؤمن بصدق والملحد – مقتنعون تمامًا بكون الذي يلجأ إلى التزوير والتدليس لا قيمة لكلامه لابتعاده عن المغزى الحقيقي من أيّ بحث، وهو الوصول إلى الحقيقة، ويفضِّل فرض وإثبات ما يتمناه ويريده أن يكون واقعًا من خلال ألاعيب واحتيالاتٍ بدل الوصول إلى فهمٍ ٍّحقيقي للواقع.

والأمثلة كثيرٌةٌ على هذا التوجه من الإعجاز العددي في القرآن المتمثل بتطابق عدد كلماتٍ معينةٍ مع عدد كلماتٍ أخرى وليس إنتهاءً بالادعاءات الكاذبة، تمامًا كالقول بأنّ النمل مصنوع من الزجاج أو أنّ جسم الإنسان مكونٌ من الطين.

وعلى الرّغم من الموقف المخيّب للآمال الذي يتخّذه المؤمن العاقل المثقف بترك هذه التدليسات تنتشر وهو صامت تمامًا ومكتوف الأيدي، على أساس أنّ الكذبة البيضاء قد تكون وسيلةً لإقناع شخصٍ بشيءٍ يعتبره حقيقةً شيئاً مقبوًلًا، فأنا لن أتطرّق لنقد هذه الإعجازات أو تفنيد أكاذيبها، ما سأتكلم عنه هو فكرة استخدام الإعجاز العلمي نفسه.

الالتجاء للمعجزات أو الإعجاز العلمي متشابهان جدًا بالوظيفة، وتستخدم كدليلٍ على صحة الادّعاء الغيبي الخارق للطبيعة، على اعتبار أنها دليٌلٌ سليمٌ على صحة الموقف.

يلجأ الكثير من المؤمنين إلى الإعجاز والمعجزات عندما تنقطع بهم السبل في إثبات ادّعاءاتهم، فعمليًا كلنا يدرك أنّ البيّنة على من ادّعى، وأنّ من يقول بوجود شيء فعليه هو أن يثبت صحته بالدليل المقبول السليم.

إنّ الادّعاءات الخاصة والكبيرة تحتاج إلى أدلةٍ خاصةٍ وكبيرةٍ أيضًا. ليست كل الادّعاءات متساويةً، فإذا قلت لك مثًلًا، أّنيّ تناولت وجبة العشاء في مطعمٍ فاخرٍ، فإنّ الدليل المطلوب لإثبات هذا الادّعاء يكفي أن يكون فاتورة طلباتي من هذا المطعم، ويمكن التحقق من دقتها ومصداقيتها بسهولة، ولكن إذا كان ادّعائي أكبر، مثل قولي بأّنيّ تناولت طعام العشاء في مطعمٍ فاخرٍ على كوكب المريخ، فإن الفاتورة لن تكون كافيةً كدليل، ويتوجب على تقديم ما هو أكثر منها كتفسيرٍ لكيفية وصولي إلى هناك والعودة بهذه السرعة، وعن إثبات وجود هذا المطعم مع تقديم أدلةٍ إضافيةٍ على هذه التفاصيل. بخلاف الادّعاء السابق بسبب اختلاف حجم الاّدّعاء.

محاججة الإعجاز كمغالطةٍ منطقية

تزخر الادّعاءات الإعجازية بالمغالطات المنطقية والمحاججات الفاسدة، من محاولة تغيير عبئ الدليل إلى استخدام المصطلحات الملغومة، وليس انتهاءً بمحاججة رجل القش. وعلى الرغم من كل هذا وبالإضافة إلى عدم وجود أي تطبيقٍ ٍّحقيقي مفيدٍ للإعجازات العلمية، وكونها دومًا تحدث بأثرٍ ٍّرجعي، حيث أنه لا يكُتشف الإعجاز والمعلومة إلاّ بعد عثور العلم عليها، إلاّ أنّ لها أثراً كبيراً جدًا لدرجة أنه غير ملاحظٍ حتى في جعل المؤمن يؤمن بما يؤمن به أساسًا.

ولكن الجذر الأساسي الذي أريد التركيز عليه هنا، هو كون المحاججة بالإعجاز العلمي هي محاججةٌ من خلال الجهل وتتلخص في الشكل البسيط الآتي:

أنا لا أعرف إذا الله موجود

أنا لا أعرف تفسيراً للظاهرة «س» ← إذًا «ع» هو التفسير للظاهرة.

كل المحاججات التي تطرح الإعجاز العلمي تعتمد على هذه المغالطة، حيث أنهّا تعرض سؤاًلًا محيرًا لا يوجد له تفسيرٌ، وهو كيف وصلت هذه المعلومة المعينة المحددة (وأعني في حال وجود ٍّنص واضحٍ) إلى ٍّنص لا يمكن لمقدمه أن يكون لديه القدرة أو الإمكانيات للوصول لهذه المعرفة،

أي تسليط المؤمن الضوء على ظاهرةٍ غريبةٍ، وهي وجود معلومةٍ ما في مكانٍ خارج إطارها التاريخي والثقافي، أي أنّ الظاهرة تطرح السؤال »كيف وصلت المعلومة إلى هنا؟

وبدل البدء في البحث عن تفسيراتٍ معقولةٍ وإجابةٍ صحيحةٍ لهذا السؤال، يتم القفز مباشرًةً من وجود هذا السؤال إلى أحد الاستنتاجات والفرضيات العديدة التي تفسر هذه الظاهرة، وفرض ارتباطٍ ٍّحصري بين الظاهرة وهذا التفسير بالذات متجاهًلًا مسؤولية الربط بين الظاهرة (وجود المعلومة)، وبين التفسير (وجود قوىً خارقة)، ومتجاهًلًا واجبه في تقديم أدلةٍ كافيةٍ ومناسبةٍ تثبت صحة هذا الاستنتاج.

عدم معرفة الإجابة على هذا السؤال لا تعني أبدًا أن الإجابة «ع» هي الإجابة الصحيحة. فما يزال الوقت مبكرًا جدًا، والطريق طويٌلٌ أمام مقدم هذه المحاججة لإثبات صحتها، والكثير من الأحرف الأبجدية والرموز والأسماء لفرضياتٍ أخرى قادرةٍ على تفسير أو إيجاد إجابةٍ للسؤال المطروح.

عجز الاعجاز المعجز

لا يوجد عيبٌ في قول: لا أعرف…! إنها الإجابة السليمة المحترمة التي تشرفّ أي إنسانٍ لا يمتلك التفسير المناسب الصحيح، بدل افتراض إجاباتٍ فاسدةٍ تعوق الاستمرار والبحث عن الإجابات الحقيقية الصحيحة، وتقتل الفضول حول السؤال المطروح.

محاججة طرح المعجزة بالنسبة للمنهج العلمي

المنهج العلمي يقوم على عدة أسسٍ تضمن الوصول إلى الحقائق وتجربتها واختبارها، وتصفية المعارف من المعلومات غير الدقيقة وغير الصحيحة على الدوام. وهو منهجٌ رصينٌ، أعتقد أنه ذروة ما توصل إلى إنتاجه الجنس البشري إلى اليوم.

وهذه البنية للمنهج العلمي، تسبب مشكلةً للمعجزات، فهي دومًا غير قابلةٍ للتحقق من صحتها، أو تعتمد على العواطف والانحياز التأكيدي والإيمان والتصديق بها لكي تقوم بوظيفتها كمحاججة.

المعجزات وإن كانت قادرًةً على إقناع المؤمن بصحة شيءٍ يؤمن به أساسًا، فهي عاجزٌةٌ تمامًا عن إقناع أي عقلٍ متفتحٍ ٍّنقدي ينهج المنهج العلمي، حيث أنّ المعجزات تدّعي وجود خللٍ في الطبيعة خارجٍ عن المألوف ولا يحدث في الأحوال العادية. وهذا الخروج عن المعتاد يحدث لأهدافٍ معينةٍ خاصة.

ورغم ضخامة ادّعاءٍ كهذا، فإنهّ لا يقدّم أي تفسيرٍ مساوٍ لهذا الادعاء بالحجم، بل ولا يقدم أيّ دليلٍ على صحة ادّعاء حدوث المعجزة نفسها غير قصصٍ تراثيةٍ أو معلوماتٍ غير موثقةٍ منقولةٍ قيل عن قال من مؤمنين بصحة المعجزة أصًلًا، أو عن طريق الإيمان والتصديق بمعلوماتٍ خاطئةٍ كأساسٍ لتصديق وجود المعجزة.

الاختبار العلمي للمعجزاتأي أنّ المعجزات تعزل نفسها بشكلٍ كاملٍ عن المنهج العلمي لتحمي نفسها من عملية التدقيق والتحقق وإثبات صحتها والتأكد من أنها حقًا حدثت بشكل علمي موثقّ.

أعتقد أنّ صاحب أيّ ادّعاءٍ معجزٍ خارقٍ للطبيعة، سيكون متلهًفًا لإثبات ادّعائه لكّلّ من لا يصدّقه إذا كان صادقاً.

العلم لا يعمل على إثبات وجود الخوارق، ولا يعمل على إثبات بطلانها، هو يعمل بتجردٍّ وحيادية.

وأجزم لكم أنّ أيّ عالمٍ سيكون متحمسًا جدًا لدراسة ظاهرةٍ حقيقيةٍ خارقةٍ للطبيعة في حال توثيقها بشكلٍ صحيحٍ وإثبات وجودها، وستتسابق المؤسسات العلمية حول العالم للغوص في محاولة تفسيرها وتقديم نظرياتٍ قادرةٍ أن تغيّر حياة البشرية للفضل.

جيمس رانديولكن كّلّ المعجزات تفتقر لهذه الشجاعة، وأطرح مثاًلًا جميًلًا قدمه المفكر والكاتب ولاعب الخفة السابق جيمس راندي «James Randi» في الولايات المتحدة حيث أنه قدم جائزة نقدية تقدر بمليون دولار لأي شخصٍ من أيّ مكانٍ في العالم يستطيع أن يثبت وجود قوةٍ أو ظاهرةٍ خارقةٍ للطبيعة.

هنا (جيمس راندي) لم يتطرّق إلى تفسيرات هذه الظواهر، ولم يدخل في مهاتراتٍ فرعيةٍ حول منشأ المعجزات وما خلفها وغاياتها، أو إلى ادّعاءات أصحابها بأنّ مصدرها إلهيٌّ أو دينيٌّ أو روحيٌّ أو غير ذلك.

هو فقط طالب بإثبات وجود الظاهرة عن طريق تقديمها بشكلٍ ٍّعلني تمامًا، وفي بيئة المنهج العلمي التجريبي الذي يقوم على القياس والاختبار العلني لتحديد وجود الظاهرة أو عدم وجودها.

وقام على مرّ سنواتٍ طويلةٍ بكشف الكثير من الدجاجلة والسّحرة والمدّعين الذين يدّعون وجود قوىً خارقةً في البلورات أو التواصل الروحي أو حتى الحديث مع الموتى.

وما زالت جائزته موجودًةً لليوم تنتظر أيّ شخصٍ يستطيع إثبات وجود شيء خارقٍ للطبيعة، لا ينتمي للعالم الفيزيائي الحقيقي الذي نعيش فيه، وتكسر قوانين الطبيعة وتتجاوزها.

وغنيٌّ عن الذّكر أنهّ إلى الآن لم ينجح أحدٌ في إثبات أي ادّعاء، على الرّغم من مرور عدة عقود.

خلاصة:

بالنسبة للملحد أو المشكك، على المؤمن أن يدرك تمامًا، أنّ الالتجاء للمحاججة من الجهل عبر طرح الإعجازات العلمية أو تقديم قصص المعجزات غير الموثقة ولا المدروسة لا يمكنه أبدًا أن يعتبره حجةً إلى جانبه، أو له أيّ تأثيرٍ على الملحد، بل هي تمثل بالنسبة للملحد مجردّ محاولاتٍ يائسةٍ من قبل المؤمن عند نفاذ ذخيرته. الملحد ينظر إلى المؤمن الذي يستخدم هذه المحاججات بعين الشفقة واليأس وخيبة الأمل، حيث يدرك عندها أن محاوره ومناظره لا يمتلك شيئاً، بل ويرى بوضوحٍ كيف أنّ المؤمن بهذه الحالة يقع في مغالطاتٍ منطقيةٍ ومحاججاتٍ فاسدةٍ متعمّدًا. ليس لإثبات صحة كلامه إّنمّا للانتصار في معركةٍ كلاميةٍ (دونكيشوتية) تكون ضحيتها الأولى الحقيقة والعقل والمنطق على مذبح عواطف وأمنيات المؤمن.

3jz_5

مجلة الملحدين العرب: العدد العاشر / شهر سيبتمبر / 2013