متاهات منطقية في الغيبيات الإسلامية: الجزء الثالث – الله

الأصول والسببية:

ببساطة, لا يقدر أحدكم أن ينكر أنه لم يفكر مطلقاً بالسؤال التالي: من خلق الله؟ أتذكر انا حينما كنت صغيراً تراود على ذهني هذا السؤال مراراً وتكراراً. فمن خلق الله؟ لقد حاولت أن أجد إجابات مقنعة من المؤمنين على هذا السؤال, وفي الحقيقة لا أجدها مقنعة أبداً بل تبتعد كثيراً عن المنهج الفكري والعقلاني بإجابة يمكن إختصارها بأن الله لم يكن بحاجة الى خالق لأنه إله. ولكني لا أدري من أين أتوا بهذا الإستنتاج. فحينما بحثت كثيراً في الديانات والميثيولوجيات القديمة وجدت أنها لا تتبنى هذا الإقتراح. فما يقارب الـ 99 بالمئة من الهة الإغريق والفراعنة والسومريين وحضارات أخرى من الإنكا والإتزيك وغيرها يقال أن لها خالق أيضاً. فمن خلق الله يا ترى.

حينما أورد عبارة أن الإنسان والكون ليس بحاجة لخالق. فلدي تفسيراتي المنطقية والعلمية لهذه العبارة, ولا أوردها عبثاً مطلقاً. فبعد كل التقدم العلمي وجدنا أن الإنسان نتيجة بيولوجية تطورية. ووجدنا أن الزمن وهماً إخترعناه ووضعناه على جدراننا بشكل ساعة. ويمكن أن نفترض – بشكل أمن جداً – بأن الكون ليس له بداية. كل هذا كان نتيجة لدراسة علمية وأبحاث ومنهج صارم يخضع للأدلة التجريبية. فأي أدلة تجريبية وجدها المؤمنون ليطلقوا إدعاءهم يا ترى؟

لو فرضنا وجود الإله .. فلن نعثر مهما حاولنا على حجة منطقية نفسر فيها من خلق ذلك الإله .. إلا واحدة, وهي أن الإنسان من خلق الإله والإله يقبع كفكرة في دماغ الإنسان
لو فرضنا وجود الإله .. فلن نعثر مهما حاولنا على حجة منطقية نفسر فيها من خلق ذلك الإله .. إلا واحدة, وهي أن الإنسان من خلق الإله والإله يقبع كفكرة في دماغ الإنسان

هل كان لله خياراً في خلقنا؟

أعتقد أن السؤال واضح. ولكن دعني أصوغه بشكل أخر: ماذا لو لم يخلقنا الله؟ هل الله بحاجة لخلقنا؟ هل الله بحاجة لصلواتنا؟ ماذا لو أجمعنا على ترك الصلاة وعلى ترك الإعتراف به؟ هل سيزول كيان الله؟

لقد تمت صياغة هذه الحجة المنطقية بشكل جيد كالتالي:

لنفترض وجود الله, في لحظة ما قرر أن يخلق شيء ما. لماذا خلقه؟

  1. خلقه كي يعبده ويرى عظمته ويقدسه ؟

هذا الإله ليس كاملاً لإنه بحاجة لشيئ ما يعظمه ويعترف له بقدراته.

  1. شعر بالوحدة والملل وأراد أن يستأنس ببعض المخلوقات؟

هذا الإله ليس كاملاً لأن الملل ليس من الكمال.

  1. خلقه لأن الألوهية لا تكتمل إلا بالمخلوقات؟

إذن الألوهية ليست كمالاً بحد ذاتها. ولا تتسق مع الصفات المعطاة للإله الإبراهيمي (الإسلامي المسيحي اليهودي). فإما أن يكون ليس كاملاً, وإما أن يكون ليس إلهاً.

  1. خلقه بدون سبب؟

هذا الإله يخلق عبثاً بدون غايات. والعبث صفة تدل على الإفتقار للحكمة.

  1. خلقه لحكمة إلهية لا يعملها إلا هو؟

هذا إعتراف بأن الإيمان بالله مناف للعقل والمنطق. فلماذا يحمل الله البشرية ما لا طاقة لها.

رهان الشيطان

كلما أقرأ عن الشيطان وعن معركته مع الله, في سبيل إما أن نكون مخطئين أو نكون صالحين, أتصور هذا وكأنه رهان يدور بين الله والشيطان. فالله خلق عباده كي يطيعوه وخلقهم على فطرة سليمة. ولكن الشيطان راهن الله بأن “يغوينهم أجمعين” وقبل الله ذلك الرهان. فإن إنتصر الشيطان في رهانه مع الله داخل نفس بشرية معينة, فستدخل تلك النفس البشرية الى الجيم. وإن خسر الرهان ستدخل النفس البشرية الجنة. ولكني لا أرى نفسي في تلك المعادلة إلا ضحية رهان سخيف. ما علاقتي أنا بطبيعة الإتفاق والرهان الذي دار بين الله والشيطان؟ ما هو ذنبي كي أصبح الضحية؟

الحجة يمكن صياغتها بالشكل التالي:

  1. الله خلقنا على فطرة سليمة تدعو للخير بشكل عام
  2. إبليس يحاول ان يغير من هذه الفطرة السليمة ليجعنا نفعل الشر بشكل عام
  3. البشر يقعون تحت تأثير العاملين (1) و (2) أعلاه
  4. الله يراقب تأثير وقوع هذين العاملين (1) و(2) أعلاه على البشر وسيرسل عاقبتهم الأخروية تبعاً لهذا التأثير
  5. لن يتدخل الله ولن يسقط تأثير العامل (2) (عامل إبليس).
  6. إذن البشر هم ضحية إتفاق أو رهان بين الله وإبليس.
الشيطان يكسب الرهان

خلق إبليس

بغض النظر عن الرهان القائم وبغض النظر الإتفاق الذي دار بين الله والشيطان. ولكنني أعتقد أن المؤمنين من الممكن أن أجدهم متفقين جميعاً أن إبليس هو سبب رئيسي لمعظم الشر الموجود في البشرية, أليس كذلك؟ ولكني نادراً ما أجدهم يطرحون السؤال التالي: لماذا خلق الله إبليس. جميعنا نعلم قصة أنه كان فرداً من الجن وكان عبداً مطيعاً حتى رفعه الله إلى السماء. ولكن لا نعلم لماذا رفعه الله الى السماء وهو سيتمرد عليه يوماً ما.

بالإمكان صياغة هذه الحجة كالتالي:

  1. الله عليم كل شيء (مطلق المعرفة والعلم).
  2. الله عليم بما سيفعل خلقه في أي وقت.
  3. كان الله عليماً بما سيفعل إبليس (حادثة التمرد على الله وإغواء البشر) قبل أن يخلقه.
  4. ولكن الله خلق ورفع إبليس إبليس على الرغم من علمه.
  5. الله هو المسؤول عن كل ما يصيب البشرية من شرور نتيجة لإبليس.
الله والشيطان حينما كانو أصحاب
الله والشيطان حينما كانو أصحاب

خلق الملائكة:

لنتفق على أن الله قدير على كل شيء, دون الحاجة الى أي شيء, هو قدير على كل شيء. فلماذا خلق الملائكة إذاً؟

تابع معي:

  1. الله قدير على كل شيء
  2. الله خلق الملائكة
  3. هل بإمكان الله الإستغناء عن الملائكة؟
  4. نعم, إذن لماذا خلقها؟ عبثاً؟
  5. لا, إذن هو ليس كاملاً.
فكر .. لماذا خلق الله الملائكة ؟
فكر .. لماذا خلق الله الملائكة ؟

حتماليتها قليلة جداً ولكنها ممكن

الإفتراض التالي هو راديكالي جداً, ولكنه إحتمالية ممكنة مهما كانت قليلة. وحينما نتكلم عن الله والإلهيات, فعلينا الأخذ بجميع الإحتماليات. جميعنا نعلم بأن الله خلق البشر, وستكون عاقبتهم الأخروية وفقاً لإيمانهم به أولاً, وأعمالهم ثانياً. فلنفرض الإفتراض التالي إذا: تخيل أن البشر جميعهم كانت لديهم أعمالاً حسنة وصالحة جداً ولكنهم أجمعوا على أن لا يؤمنوا بالله منذ بدء التاريخ وحتى قيام الساعة. هل سيدخلون النار جميعاً؟ هل سيغير الله قوانينه وحبه لذاته وفقاً لأعمال البشر؟

  1. فلنفرض أن البشر جميعاً كانت لديهم أعمالاً حسنة
  2. فلنفرض أن البشر جميعاً لم يؤمنوا بالله
  3. هل سيعذبهم جميعا؟
  4. نعم؟ إذن الله ليس عادلاً. فعلى الرغم من جميع الأعمال الحسنة التي قاموا بها عذبهم لمجرد أنهم لم يؤمنوا به.
  5. لا؟ إذن الله غير من قوانينه السامية والأبدية وفقاً لأعمال البشر. إذن قوانينه وضعية وليست حتمية. وهذه ليست من صفات الألوهية.
  6. إن كان سيتدخل في عقولهم ليغرز فيهم الإيمان قسراً فهذا سيدخلنا في مشاكل منطقية أخرى:
  7. أولاً لماذا إذن لا يدخل الإيمان قسراً في عقول من لا يؤمنون به اليوم.
  8. إنعدام حرية الإرادة لديهم, فإن دخلوا الجنة, فليس لما فعلوا, بل لما فعل الله بهم قسراً.

والأن بعكس المحاججة المنطقية أعلاه يمكن أن نضع أخرى كالتالي:

  1. فنلفرض أن البشر لم يخطئوا أبداً ولم يأكل أدم ولا حواء من ثمرة المعرفة في الجنة.
  2. هل سيبقون في الجنة؟
  3. نعم, ما الغرض من خلقهم إذاً؟
  4. لا, لماذا سيخرجهم الله من الجنة إذاً؟

شاهد الفيديو التالي وإستمتع بالسيناريوهات المضحكة

https://www.youtube.com/watch?v=7Z69w_ASBoE

معضلة الشر

يمكن التعبير عن معضلة الشر بصيغة رسمية كالتالي:

  1. إن كان هنالك إلهاً موجوداً فصفات الإله تتفق مع وجود الشر.
  2. ولكن صفات الإله الإبراهيمي لا تتفق مع وجود الشر.
  3. بالتالي, فالإله الإبراهيمي ليس ولن يكون موجوداً.

ما أقصده في صفات الله, في النقطة الثانية أعلاه, هي الصفات المطلقة الثلاث: مطلق القدرة, مطلق العلم, مطلق الرحمة. وهي الصفات التي تعزوها الأديان الأبراهيمية لإلهها. تقود هذه الصفات الإلهية الثلاث المطلقة الى صعوبات ومتاهات منطقية لم يخرج اللاهوتيون منها بسرعة طوال قرون. فكيف يمكن التوفيق بين الصفات المطلقة أعلاه لله ووجود الشر.

الله … شرير ؟
الله … شرير ؟

المقدرة المطلقة

  1. على فرض أن الله مطلق القدرة.
  2. هل يقدر الله أن يخلق مادة كيميائية قوية جداً لا يستطيع حتى هو أن يحطمها.
  3. إن كانت الإجابة بنعم, فالله ليس مطلق القدرة, لإن هنالك ما لا يستطيع فعله وهو تحطيم هذه المادة التي خلقها للتو.
  4. إن كانت الإجابة بلا, فالله ليس مطلق القدرة, لأنه لا يستطيع أن يخلق مثل هكذا مادة.

هذه الحجة المنطقية التي أدرجتها أعلاه, ليست سوى لتفسير أن مبدأ القدرة المطلقة هو مبدأ فاسد منطقياً ولا يمكن له أن يوجد.

قادر على كل شيء .. ولكنه يشاهدك تستمني
قادر على كل شيء .. ولكنه يشاهدك تستمني

كلمة اخيرة..

هناك الكثير من المتاهات المنطقية الأخرى, والتي لن يساعدني الوقت في ذكرها وإحصائها جميعاً لكثرتها. بإمكانكم مراجعة المصادر أدناه في الملحق, ولكن الهدف من هذه المقالات الثلاث هي أن أبين أن الإيمان بالله والغيبيات التي لا يمكن لنا أن نختبرها مناف للمنطق ومناف للعقل السليم. ولعل السبب وراء أن أغلب المؤمنون لا يفكرون في هذه المغالطات هي أدلجة سابقة تعرضوا لها في طفولتهم, ترهيب من الله, ترهيب من الجحيم, ترهيب في جميع هذه الكيانات الميتافيزيقية. حتى أصبحوا “لا يسألون عن أمور تسوءهم”. ولعل هذا السبب وراء تحريم إبن تيمية وغيره من المسلمين الأصوليين المنطق وعلم الكلام. فشكراً للمنطق, وشكراً للعقل.

هل يريد الله أن يمنع الشر ولكنه غير قادر على ذلك ؟ إذن هو ليس مطلق القدرة هل يقدر ولكنه لا يريد فهو خبيث إذاً هل هو قادر ويريد فلماذا يوجد شر إذا ؟ هل هو غير قادر ولا يريد فلماذا نسميه إلهاً
هل يريد الله أن يمنع الشر ولكنه غير قادر على ذلك ؟
إذن هو ليس مطلق القدرة
هل يقدر ولكنه لا يريد
فهو خبيث إذاً
هل هو قادر ويريد
فلماذا يوجد شر إذا ؟
هل هو غير قادر ولا يريد
فلماذا نسميه إلهاً

الإلحاد ينكح أم الأديان منذ ألاف السنين

ملحق: عنواين كتب قيمة تعتبر مرجعاً جيداً في موضوع التناقض المنطقي للأديان وغيبياتها

  • The Improbability of God by Michael Martin
  • The Impossibility of God by Michael Martin
  • Atheism – The Case Against God by George H. Smith
  • Atheism: A Philosophical Justification by Michael Martin