قبل مدة قرأت بندا جاء في النظام الداخلي لنقابة المعلمين في الأردن، وهي – لمن لا يعلم – نقابة تحت التأسيس ويجب أن يكون النظام الداخلي فيها ممنهجا بأسلوب قانوني واضح يتيح لمن يعتلي كرسي النقابة بأن يسير وفق نهج مؤسسي يمنع أي تلاعب ولا يترك أي مجال لترك أي قرار تابعا لأهواء الأشخاص، ذلك أن النقابة يجب أن تسير وفق إطار مؤسسي واضح وصريح.

ينص البند على : “يخصص مبلغ 12 ألف دينار أردني تصرف كمساعدات وهبات للأعضاء المنتسبين للنقابة”. انتهى النصإن اعتماد مثل هذا البند في النظام الداخلي سيجعل التصرف بهذه الأموال خاضعا لأهواء النقيب والمجلس المركزي ،وبالطبع عزيزي القاريء أنت تعلم أن مركز النقيب وأعضاء المجلس غير دائمين، فهو مركز خاضع للانتخابات كل سنتين وعليه فإن التصرف بهذه الأموال سيكون دائما خاضعا لأهواء من يعتلي هذا الكرسي، من هنا نقول أن المشرع قد أخطأ في وضع هذا البند، رغم أن الذي يقرأ البند لأول مره، سيقول أنه بند انساني ويجب اعتماده، إلا أننا سنوضح الآن وجه الخطأ في اعتماد مثل هذا البند.

المشرع كان قد غفل عن توضيح بعض النقاط مثل:

  1. توضيح وتفسير بما لا يقبل الشك والتأويل ما هي الحالات التي يمكن أن تندرج تحت باب مساعدة
  2. توضيح وتفسير بما لا يقبل الشك والتأويل ما هي الحالات التي يمكن أن تندرج تحت باب هبة
  3. توضيح قيمة المبلغ الذي يجب أن يتم صرفه في كل حالة
  4. توضيح طرق اعتماد صرف المبالغ المالية
  5. توضيح نسبة التصويت لاعتماد الحالة من قبل إجمالي أعضاء المجلس المركزي
  6. عدم اعتماد صندوق أو آليه لعمل هذا الصندوق بغية التوثيق المالي
  7. توضيح إذا ما كانت قيمة المساعدة المالية يمكن أن تصرف لنفس الشخص أكثر من مرة
  8. لم يقم المشرع بتوضيح إذا ما كانت المساعدة مستردة وكذلك كيفية استردادها، فالمساعده تختلف عن الهبة
  9. توضيح ما هي الحالة الأهم ومن هو الأحق بالحصول على المساعدة أو الهبة

وفقا لما سبق، سنجد أن مثل هذا البند لا يمكن أن يعتمد كتشريع قانوني يعتمد في عمل المؤسسات المنظمة، وأنه إن تم ترك هذا البند كما جاء، فإنه سيترك المجال لتحديد كل ما ذكر أعلاه وفقا لأهواء المجلس المنتخب في تلك الفترة.

قد يقول أحدهم أنه لا مانع أن يقوم مدير المؤسسة بتقييم هذه الحالات كل على حدى، هنا نرد عليه بالقول أن هذا القول يمكن أن يعتمد – من وجهة نظر البعض- إذا كان هذا البند سيختص بالفترة التي سيحكم بها ذلك المدير، إذ أنه لا يمكن أن تكون قرارات كل المدراء اللاحقين هي نفس قرارات المدير الأول، وكذلك تقديراتهم للحالات التي يمكن أن تعتمد كمساعدة أو هبة، فما يراه المدير الأول مساعدة، يمكن أن يسنه المدير الثاني كهبة، كذلك يمكن أن يأتي أحد المدراء الذي سيجتهد بإيقاف العمل بهذا البند وفقا لرؤيته للظروف الراهنة بعمل تلك المؤسسة، ولكن هذا سيفتح المجال للبعض أن يأتي مطالبا بهذه المساعدة أو الهبة بناء على أنها تشريع في النظام الداخلي الذي لا يحق لأحد أن يعدل عليه، وهنا سنقع في مشاكل عدة من حيث أن معظم منتسبي تلك المؤسسة سيرون أن لهم الحق في الحصول على هذه المساعدات أو تلك الهبات.

النص التشريعي:

ان كل ما جاء اعلاه لم يكن الا مقدمة للدخول في نص تشريع الهي جاء في القرآن لا يقل في عدم وضوحه عما جاء في البند آنف الذكر، الا وهو ما جاء في الاية التشريعيه التي تقول:
” وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ” (المائدة:38)

وايضا القارئ لهذه الايه سيقول في نفسه، ما أعظم الاسلام فهاهو يسن عقوبه رادعة جدا لكل من سرق مما سيؤدي الى ان يقوم كل من تسول له نفسه بالسرقه بالتفكير الاف المرات قبل الاقدام على هذا العمل، ذلك ان العقوبة رادعه وقويه جدا، ولكن، هل هذا صحيح؟

لنأتي الى تحليل هذا التشريع بنفس الطريقة التي حللنا بها ذلك البند في تشريع نقابة المعلمين، سنجد الاتي:

  1.  لم يقم المشرع بتحديد معنى كلمة قطع، فنحن نتحدث اللغة العربية، ومعنى قطع يمكن ان يحتمل عدة معاني
  2.  لم يقم المشرع بتحديد الحالات التي يمكن اطلاق صفة سرقة عليها – بمعنى انه لم يتم تعريف معنى السرقة
  • اقطع عنه الماء والغذاء
  • اقطع عليه الطريق
  • اقطع له من القماش ذراعا
  • اقطع عليه سبل النقاش

3- لم يقم المشرع بذكر الشروط التي يمكن ان ينطبق عليها اقامة الحد – بمعنى، هل من يسرق رغيفا او دينارا سيكون عقابه كمن يسرق قوت الشعب وامواله؟
4- لم يقم المشرع بتحديد مكان القطع – فهل سيتم القطع من الرسغ ام من الكتف؟
5- لم يقم المشرع بتحديد السن الواجب وقوع الحد فيها، فهل الطفل او ذلك البالغ حديثا سيقع عليه الحد كالرجل البالغ الراشد؟
6- لم يبين المشرع ان كان يمكن ان يوجد اي استثناءات،،،، اما لاقامة الحد،، او حتى لتعليقه، وفقا لمتغيرات الحياة في هذا المجتمع او ذك
7- لم يقم المشرع بتوضيح ان كان يمكن تكرير اقامة الحد على نفس الشخص.

الاجتهاد:

ما هو الاصطلاح الشرعي لمعنى الاجتهاد؟ باختصار نقول هو: (بذل المجهود في العلم بأحكام الشرع) بمعنى ان هناك مجموعة من البشر ممن لهم علم ودراية في القرآن والسنة يقومون بربط الاحداث بين حياة الرسول وبين ايات القرآن والاخذ منها بغية توضيح امرا طارئا لم ياتي فيه نصا قرآني او توضيحا لنص فيه لبس، من ناحية اخرى، يمكن ان نعيد هذا التعريف للاجتهاد بشكل اخر فنقول: انه تدخل بشري لاكمال النقص الذي جاء في التشريع الالهي وكذلك وضع تشريعا بشريا لم ياتي فيه اي نص قرآني.

وفي نص الايه اعلاه اوضحنا لكم اللبس، وهنا ياتي دور الاجتهاد لكي يحدد كل تلك النقاط التي اثرناها حول النقص واللبس في اية تشريع اقامة حد السرقة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا،، لماذا قام الاله بوضع تشريع يحتار في تنفيذه البشر؟،، لماذا يترك تشريعا مهما مثل تشريع حد السرقة ليكون عرضة لاهواء البشر؟

هنا سياتي احدهم ليقول، ان من اهم وظائف الرسول هي توضيح الاحكام الشرعية التي يم يوضحها الله في كتابه ولنا في الصلاة خير مثال (رغم ان تشريع الصلاة لا ينقص في لبسه وعدم وضوحه عن تشريع حد السرقة) وقد يطرح علينا تساؤلا يقول فيه، هل تريد من الله ان ينزل لنا مجلدات من الكتب يوضح بها كل ما يتختص في تنفيذ التشريعات الالهيه، فنقول له، ان لم يجد الاله طريقا اخر غير الكتب كي يسن لنا تشريعات تسيير حياتنا كبشر، فنعم،، لما لا؟

لابد انك عزيزي القارئ تعرف ان كتابا مثل (تاريخ الامم والملوك للطبري) قد وصل الى خمسة اجزاء وان هناك من اطلع عليه كاملا، بل انه اصبح مرجعا تاريخيا ينهل منه علماء التأريخ الاسلامي، وكذلك لدينا العديد العديد من الكتب البشرية التي وصلت اجزائها الى 9 اجزاء واكثر، فهل كان صعبا على الاله ان ينزل تشريعات واضحه حتى لو تعدت العشرين جزأ؟ رغم انه لن يحتاج لذلك ، وسناتي لتوضيح هذه النقطه لاحقا.

يمكن لذلك الشخص ان يطرح علينا سؤالا اخر هنا، فيقول ، وما دور الرسول في هذه الحالة،،، الرسول (ومن صفته) هو من يوصل رساله من شخص لاخر، فوظيفة الرسول، هي التبليغ بكل ما ياتيه من وحي من عند الاله، ولم يكن في يوم من الايام ولا في لغة من لغات البشر ان كان معنى الرسول ان يسن التشريعات، ويتجلى هذا المعنى واضحا في الدين الاسلامي عندما نقرأ تصريحا واضحا في احد ايات القرآن التي تقول (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) وايات اخرى تؤكد ان وظيفة الرسول هي التبليغ لا اكثر (ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) وقد يحتج علينا بالايه التي تقول (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ولكن هذه الايه ايضا تخضع تحت بند الرسول، بمعنى انه لا يسمح للرسول بان ياتي بشيء من عنده،، ولتوضيح الايه نقول، ما اتاكم الرسول – عن الله – فخذوه، وما نهاكم عنه – عن الله ايضا – فانتهوه،، ونفهم هذا المعن من الايه من خلال الصفة التي اطلقها الله على ذلك الرجل الذي اختاره ليبلغ رسالته وهي صفة الرسول

ونضيف ان التشريع وتوضيحاته في القرآن يفترض به ان لا يتعدى حجم القرآن الحالي في حال قام الاله بالاهتمام بتوضيح تشريعاته بدلا من الاهتمام بزيجات رسوله ومشاكله مع عمه وكبار قريش كامثال الوليد وابو الحكم وبدلا من الرد على من يتعرض للرسول بسوء ويصفه بانه ابتر، وايضا يمكن اختزال القرآن ان نحن اسقطنا تلك الايات التي لا داعي لها، وكمثال على ذلك نورد هذه الايه ( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم) فآيات مثل هذه لا يجدر بالاله ان يتطرق لها في كتاب قصد منه توجيه البشر في حياتهم ومعاملاتهم التي يفترض بها ان تقودهم نحو المدينه الفاضلة، ذلك ان ما جاء فيها لم يضف او ينقص شيئا مما اعتاد عليه المجتمع، نحن كبشر عندما نستلم رسالة فاننا نفترض ان نقرا بها شيئا جديدا لا نعلمه، فان احتوت الرسالة امورا نعلمها مسبقا، فاننا لن نهتم بها وسنلقي بها جانبا، فهي لم تضف شيئا لحياتنا، فما بالك عزيزي القارئ ان كانت هذه الرسالة موجهة للبشر من عند اله مقتدر خالق لكل هذا الكون
ايضا كان يمكن اختزال القرآن لو حذفنا منه كل ذلك التكرار الممل والذي يتمثل في كثير من الاحيان بتكرار ايات كامله وليس مجرد كلمات، ثم يجب ان لا ننسى كل تلك القصص التي نقلت عبر العديد من الكتب التي اختصت في نقل التراث، خصوصا بعد ان نعلم ان رد البشر الذين نزل عليهم القرآن بعد ان سمعوا تلك القصص كان: ان هي الا اساطير الاولين، بمعنى ان ذلك المجتمع كان يعرف هذه القصص جيدا.

الخلاصة:

الاله وفقا للنظرة الدينيه يجب ان يكون هو الخالق لهذا الكون، وبما انه خالقا للكون، فهو خالقا للبشر ايضا، وبما انه خالقا للبشر، فهو يعرف تماما ان البشر متعددوا اللغات والثقافات وما هو خلقي ومقبول عند مجتمع، فهو غير خلقي وغير مقبول عند مجتمع اخر، ولان الاله كان قد انزل عدة كتب قبل القرآن وبما انه عرف ان البشر لم يلتزموا بتلك الكتب فلماذا يصر على اعادة نفس التجربة في كل مرة؟ ويرسل كتبا تاركا فيها المجال مفتوحا لاهواء البشر!!

مما سبق ذكره نستشف ان هذا الكتاب (القرآن) لا يمكن ولا باي شكل من الاشكال ان يكون كلاما الهيا، وقد علمنا ان ايات القرآن ثابته لا يوجد بها اي تعديل او حذف او اضافه، في المقابل فان حياة البشر دائمة التغيير، فانه ليس من المنطق ان نعتمد كتابا جاء قبل اكثر من 1430 عام، كتابا لا يملك ادنى مقومات الدستور، كتابا يوجد به تفضيلا واضحا لفئة من البشر وفقا لعقائدهم وفكرهم على البقية من افراد المجتمع الواحد، بل ويصنف البشر الى حر وعبد، ليكون دستورا نحتكم اليه في القرن الواحد والعشرين.

وهنا نطرح السؤال الاخير، هل فعلا صدقت هذه الايه (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) نترك الاجابه لكم.