سام هاريس: السعادة والتجارب الروحية

هذا المقال مترجم عن عالم الاعصاب سام هاريس نقلا من حديثه في AAI 2007 convention

السعادة والتجارب الروحيةسأعطيكم موجزًا عن الظاهرة التي أتكلم عنها، لدينا شخص من أتباع ثقافة معينة يلاحظ أن الحياة صعبة ويلاحظ أنه يعيش أحسن حالاته، فلا يوجد شخص مُقرّب منه يموت ولا يوجد جيشٌ جرارٌ قادمٌ من بعيد وثلاجته مليئة بالجعة والطقس جيد، ورغم أن الأمور لديه بأفضل ما يكون فهو مازال يبحث عن سعادته وكل ما يحصل عليه هو الراحة المؤقتة، هذا ما لاحظناه جميعاً حيث أننا ما زلنا قيد البحث عن السعادة والراحة والهدوء التي ستكون مصدرًا للفن والموسيقى والأدب.

سعادتنا تطير منا باستمرار وأفضل ما يمكننا القيام به هو محاولة تجديدها قدر استطاعتنا وحتى استمتاعنا بالنجاح المهني لا يستمر لأكثر من عدة ساعات وربما يدوم ليوم ولكن بعدها سيسألك الناس: ما التالي بالنسبة لك؟

قد يقول البعض: لا شيء بالتحديد لقد حققت ما أريده وسأقضي بقية أيامي أتناول الآيس كريم إلى أن أموت!

وحتى عندما تكون الأمور بأحسن ما يمكن فإن البحث عن السعادة وإبعاد عدم الرضا والملل سيستمر والموت وفقدان الأحباب على الأقل هو ما يتداخل مع خططنا، مما يقود البعض إلى التساؤل:

هل هناك صيغة أخرى، صيغة محدّثة لا تعتمد على مصادر السعادة التي نجدّدها باستمرار وتجّنبنا الأشياء المحزنة؟ نوع لا يعني أن السعادة هي وجود طعامك المفضل بفمك دائمًا، أو وجود أصدقاءك وأحبابك بقربك دائمًا، أو لديك كتب جيدة لقرائتها أو لديك خطط جيدة لعطلة نهاية الأسبوع، هل من الممكن أن نكون سعداء قبل أن يحصل شيء؟ قبل أن نحقق أمانينا؟ في ظل غياب مصاعب الحياة من أمراض وما شابه؟

هذا السؤال يقبع بوعي كل شخص، نحن نعيش جواب هذا السؤال والبعض يعيش حياة تقول: لا يوجد شيء أهم من السعي وراء الرضا لحظةً بلحظة، تجديد مصادر سعادتنا من كل النواحي سواء عاطفياً وفكرياً، أي بمعنى أننا نُبقي قدمنا على دوّاسة السيارة ونقود حتى ينتهي الطريق من تحتنا.

ويتسائل آخرون عن اتّباع استراتيجيّة مختلفة، والشيء الذي يدفعهم لهذا السؤال هو الدين وسماع كلام شخصيات مثل بوذا ويسوع ويتبعون تقنياتهم مثل التأمل والصفاء الروحي لتدريب أنفسهم لمحاولة اكتشاف مستويات أبعد من الرضا، قد يذهبون بسبب هذا إلى كهفٍ ما أو صومعةٍ لعدة أشهر.

لمَ على أي شخصٍ أن يفعل هذا؟

السعادة والتجارب الروحية

إنها تجربةٌ بسيطةٌ ومنطقها سهل، ألا وهو التالي: بما أنّه يمكننا الوصول إلى السعادة بدون تجديد مصادر سعادتنا الدنيوية، فيجب بهذه الحالة أن نزيلها نهائيًا من عندنا وبالتالي سنجد شخصًا معتكفًا في مكان ما بالصحراء أو بكهفٍ ما، ويشعر بالسعادة لأنه سيتذكر أنه تزوج حبيبته من المدرسة الثانوية مثلاً.

إنهم يبحثون عن الرضا في الحبس الانفرادي – وهو موضوعنا هنا – التي هي أساساً تعتبر أحد أنواع العقوبة ويتم العقاب بها حتى في السجن نفسه، فالكثير من الناس سيفضّلون مشاركة الزنزانة مع آخرين حتى لو كانوا قتلة ومُغتصبين أكثر من أن يقضوا مدة بحجرة صغيرة منفردين، ومع ذلك نلاحظ أنه ومنذ آلاف السنين يقول البعض أنهم قد وُجدوا لذلك النوع من السعادة وتحت ظروف تشابه الحبس الانفرادي.

بالنسبة لنا كأناس منطقيين – سواء ادّعينا أننا ملحدون أم لا – فإنه لدينا الخيار في معرفة كيفية حل هذه المعضلة، فإن بحثنا في دليل للطب النفسي لوجدنا أن أعلاه يقع تحت قائمة الاحتيال والوهم الديني، أو أن هؤلاء الناس قد كانوا مهتمّين بهذه التجارب بداعي الضرورة والروحيّة.

و الآن سأتكلم من نطاق دراستي، فإنه ليس لدي شك أن بعض الناس الذين أثبتوا أنّهم فاهمون وواعون قد حققوا بعض الاكتشافات عن الطبيعة الوجودية باستخدام أساليب روحية مثل التأمل، دعونا نزيح كل ما وراء الطبيعيات والروحيات وما شابه، فما وجده القدماء لا يتعدّى فكرة أنك لا تستطيع العيش خارج نطاق وعيك، أنت مجرد جزء من المحادثة بينك وبين نفسك، عندما نرى شخصاً يمشي بالشارع مكلّمًا نفسه سنقول عنه مريض نفسي، لكننا نكلّم أنفسنا بصمت باستمرار طوال اليوم، نتذكر باستمرار محادثاتنا السابقة مع الغير، نفكر بما كنا نستطيع قوله وبما كنا سنقوله ذلك الوقت، والاستمرار بهذا بصمت لكي نبقى في حدود مجال العقلانية البشري.

إلا أن كلام القدماء يقول: هذه ليست الطريقة، هناك طريقة أخرى للنظر لهذه الظاهرة:

التشخيص أو التعريف الفاشل للفكرة هو مصدر أساسي للمعاناة البشرية، وأي شخص سيكسر هذه التعويذة سيكون قد وجد الراحة النفسية وهذا ما قد فعله بوذا ويسوع.

والآن بعد أن أثرت انتباهكم بهذا، عليّ القول إننا بإهمالنا لهذه الأفكار كملحدين سنكون في موقف متأخر لأن ملايين الناس قد مرّوا بهذه التجارب والملايين قد أحسّوا بها، هذه التجارب قد تكون من أهم الأشياء في حياتنا وإذا تجاهلناها ولو قليلاً بسبب تشابكها مع الدين سنبدو اقل حكمة من أكبر مجانين خصومنا الدينيّين.

لا أعرف ما إذا كان الكون حقًا كما قال جي بي اس هول (ليس أغرب مما نفترض بل أغرب مما نحاول أن نفترض) لكنه بالتأكيد غريب لنا كملحدين نحاول أن نكون ممثلين للإلحاد، فنحن نحاول أن نعطي لأنفسنا وللناس حسًا بأننا نستطيع أن نتعمّق بأسرار الكون، كمُتبنّين للحقيقة فإننا نعرف أن هذا الغموض سيحتاج لبعض الوقت لحلّه ولا نستطيع التفاعل مع هذا الغموض بالوقت الحالي لأننا لا نستطيع تفسيره باستخدام ما نفسر به أي شيء آخر.

لكن هذا ليس مشكلة لحياة الإنسان، هذا ليس مشكلة لسعادة الإنسان، لكننا مجبورون على اقناع عالم يعيش بالوهم والأساطير حيث أن الحب والفضول قليل وحيث أنه لا يجب أن تعيش وترعب نفسك بوهم قصص من العصر الحديدي، إنها مهمّة صعبة جداً ولا توجد مهمّة ثقافية تستحق الجهد أكثر منها، إنه مستقبل يستحق بكل جدارة أن نقاتل لأجله، إنه المستقبل الوحيد الذي سيحافظ على بقاء جنسنا حيث أن الإنسان سيقدّر أخيه الإنسان مهما اتبع ومهما صدّق حتى لو لم يكن يملك دليلاً.

الطريق إلى هذا يكون من خلالنا ومن خلال الصدق العلمي والفكري وتسهيل نشر هذا ولا أرى طريقاً أسرع لهذا من الإلحاد.

السعادة والتجارب الروحية

مجلة الملحدين العرب: العدد الرابع عشر / شهر يناير / 2014