أحمد حسن علي القبانجي، باحثٌ وكاتبٌ إسلاميٌ ليبراليٌ عراقي. وُلد في النجف في 2 يناير 1958، تنقّل بعدها بين سوريا ولبنان وإيران، وهو مستقرٌّ الآن في موطنه العراق. تميَّز بفكره المختلف وجرأته في الطرح،  وتحليقه بعيدًا عن السرب ،يكفي أن تضع إسمه في محرّك البحث، حتى تظهر لك العناوين التي يعتبرها البعض مثيرةً للجدل سواءً في محاضراته ومقالاته أو كتبه، لذلك إن اتفق الملحدون والمسلمون على شيء، سيكون حيرتهم واحترامهم للسيد أحمد القبانجي، نرحب بك في مجلة الملحدين العرب و نشكرك على قبول الدعوة.

في النجف تتلمذت في الحوزة الدينية ودرست الفقه والأصول، ما الذي أضافته لك هذه الدراسة، وماهو رأيك في أساليب التعليم الديني بشكلٍ عام؟ وكيف أفادتك في معترك المجتمع لاحقًا؟

ج: من الطبيعي أن تضيف لي الدراسة فی الحوزة أمورا کثيرةً لم أکن أعلمها وخاصةً فی المجال الديني ،ولکنّ السؤال عن فائدة هذه الدراسة لي وللمجتمع وأقولً للأسف أّنّ هذه الدراسة التي استغرقت سنواتاً مديدةً لم تکن لها أيّة فائدةٍ بل مجردّ مضيعةٍ للوقت واستهلاکٍ للطاقات، ولکنني أحاول الآن الإستفادة منها لنقدها وبيان زيفها وعدم مصداقيتها عسی أن يکون ذلک مدعاةً لإحداث تغييرٍ جادٍ في الدراسات الدينية نحو الأفضل.

هل يرى القبانجي اليوم أّنّ أفكاره قد وصلت للناس أم أنها ما تزال في طور النهوض؟ وما هو تقديرك لحجم المتابعين لك والمتأثرين بك، وهل تراهم قوةً فاعلةً أم هامدة؟ وهل تواجدهم يقتصر على العراق أم تعدَّى الحدود الجغرافية برأيك؟

ج:الظاهر أَّنَّ أفکار الحٍداثة وصلت إلی الناس سواءٌ بواسطتي أم بواسطة مفکرين آخرين، ونحن نشهد اليوم صحوةً من نوعٍ جديد، فقد تبيّن للناس خواء وزيف مقولات الإسلام السياسي، وکذلک سائرالإيديولوجيات ،وآخرها ما شهدناه في مصر وتونس من رفض الأحزاب الإسلامية، بل قد وصل الوعي بالناس إلی حدٍّ أخذوا ينتقدون الفکر الديني والفقه والشريعة وحتی القرآن أيضا، وهذا يشيرإلی زوال المقدسات والتابوات والخطوط الحمر التي کانت تکبّل العقل العربي و تجعله خاضًعا للماضي والتراث. أما المتابعين والمتأثرين بأفکارالحداثة فهم اليوم قوةٌ فاعلةٌ ونشطةٌ رغم قلة الإمکانات وًصعوبة العمل في أجواء التکفير والثقافة الماضوية والطائفية التي تعيشها المجتمعات العربية، وخيرمثالٍ علی قوة هذا التيار التنويري الصاعد في العراق علی وجه التحديد هو أنَّ إيران التي أخافت حکومات المنطقة بقوّتها وجبروتها ومخابراتها، خافتمن مجموعات المثقفين الذين خرجوا في تظاهراتٍ ضد إيران في بغداد والبصرة وأجبروها علی إطلاق سراحي رغم أّنّ الاتهامات التي ُوجّهت لي ليست هيّنة.

ماهي نظرتك المستقبلية لأفكارك على أرض الواقع؟ هل أنت متفائٌلٌ بشأنها؟

ج: التفاؤل ليس للأفکار بل لمدی استيعاب الناس لها والإنتفاع منها في الحياة وأری أننا لابد أن نکون متفائلين، خاصةً أن هذه الأفکار متماهيةٌ مع العصر ومنسجمةٌ مع متطلبات الواقع بخلاف الأفکار الماضوية التي يحملها رجال الدين والتي لا تنسجم مع الواقع والحياة الحديثة.

كيف نُعُرفّ القبانجي.. هل هو سني.. شيعي.. معتزلي.. قرآني أم له تصنيفٌ خاص؟

ج: القبانجي يرفض کل إطاٍرٍ يحدد إنسانيتهُ ويرفض جميع المذاهب، ويری أَّنَّ السنة علی باطلٍ بقدر ما الشيعة علی باطل أيضا، بل إنَّ الإسلام اليوم ليس هو الإسلام الذي عندالله بل هو إسلامٌ ودينٌ من إفرازات المجتمع، ولا يرقیً بالإنسان في مدارج الکمال والمعنوية والأخلاق، ويکرّس في الإنسان التعصّب والجهل والخرافة والإحتراب الطائفي.  وقد أصبح اليوم عاملاً علی تخلف الأمة وسبباً مهماً من أسباب التوحش وعدم الإنفتاح علی الحضارة والحداثة.

المسيحية واليهودية..كيف تنظر إليهما وما رأيك بالنسبة للبهائية التي تنتشر مؤخرًا في دولٍ عربيةٍ مثل مصر؟

ج: المسيحية واليهودية وکذلك البهائية وسائر الأديان والمذاهب الأخری، کلها ليست من الله بما فيها الإسلام الحالي، وکما قلت آنفا هي من إفرازات المجتمع کما قرّره عالم الإجتماع الألماني (دورکايم) وذلك لحفظ نسيج المجتمع وتقوية اًلأواصر بين أفراده،  فحال الدين هنا حال القومية واللغة والوطن، في کونهم عناصر لتقوية الهوية الاجتماعية لأفراد المجتمع. أما الدين الإلهي فهو الإيمان الخالص الذي يعيشه الإنسان بقلبه علی شکل حبٍ وتوکلٍ علی الله والتزامٍ بالقيم الأخلاقية والمثل الإنسانية، وهذا الذي نطلق عليه کلمة وجدان. فالوجدان هوصوت الله في کل إنساٍنٍٍ وعلی کل فرد أن يتحرك في حياته من خلال الإصغاء إلی صوت وجدانه مهما کان دينه ومذهبه لأن الله ينظر إلی قلوبکم ولا ينظر إلی صورکم کما ورد في الحديث.

ذكرت في أكثر من منتدى ولقاء أنك ترفض الفهم الحرفي للنصوص والعقائد، فما هي نظرتك للنص القرآني ومفهوم الكمال الذي يتصف به والحديث والسنة والأثر .. كيف تنظر إليهم؟

ج: يجب الأخذ بآليات علم الهرمنيوطيقا في فهم النص الديني وبدونه لا نستطيع استيحاء مقاصد الوحي ولا يمکن فهم ما جاء به النبي لأن الفهم الحرفي للنصوص کما هوالسائد في المؤسسات الدينية يدعو إلى الجمود علی فهم القدماء للنص بينما الحقائق والثقافات متغيرةٌ بتغير حاجات الناس وأفکارهم وتبعًا لذلك تتغير الأحکام الشرعية والفکر الديني وهذا يعني:

1- عدم جواز اقتطاع النص من سياقاته وتطبيقه علی ظروفٍ أخری تختلف کثيرا عن الماضي.

2- الاعتراف بتأثير مباني وقبليات المفسر والفقية علی فهمه للنص ولذلك لزم تنقيًح هذه المباني  والقبليات وضرورة أن تکون معقولة ومتناسبة مع العصر.

3- عدم ليّ عنق النص لإخضاعه لرغبات القاریء أو المفسر وبالتالي الخروج بنتائج تتقاطع مع  العقل والواقع ومقاصد الشرع

4- فهم المجازات والاستعارات الواردة في النص والقيام بترجمةٍ ثقافيةٍ للنص من خلال منهج    الرمزية في النص وعدم تصوّر أن کلمات النص يُقصد منها المعاني اللغوية أو تعکس الواقع    الخارجي وتحکي عنه، فالمقصود منها ماوراء النص من توصياتٍ وأحكامٍ إنشائية.

غالبًا ما تحتكم إلى الفلسفة في أطروحاتك..ما هي قيمة الفلسفة بالمقارنة مع باقي القيم؟

ج: السؤال فيه بعض التبسيط فلا توجد لدينا فلسفةٌ واحدة، بل فلسفاٌتٌ متعددةٌ وليس هناك معيارٌ فلسفيٌّ واحدٌ للإحتکام إليه. غاية الأمر أّنّ الفلسفة تقوّي العقلانية في الإنسان، وهذا هو ما نحتاج إليه في فهم الدين في العصر الحاضر بعد أن تلوث الفکر الديني بالکثير من الخرافات والعقائد اللاأخلاقية. وهذا هو مايحاربه رجال الدين بقوة أي يحرمّون الفلسفة ويحذّرون من العقلانية بحجّة أّنّ دين الله لا يُصاب بالعقول وأن العقل البشري عاجزٌ عن فهم الدين والشريعة والنتيجة بقاء الناس متخلفين يرزحون بقيود الجهل والتبعية للمشايخ وعندما يتقبل عقل الإنسان الخرافات باسم الدين فلا يمنع أن يکون إرهابياً في مابعد.

العلم بات اليوم يتخطّى حتى بديهيات البشر العقلية فما وجهة نظرك بتعارض العلم الحديث مع النصوص الدينية؟

ج: العلم لا يتخطّی البديهيات بل إّنّ البديهيات تتغير، ففي کل عصرٍ بديهياته النظرية والعملية، فمّرةً کانت نظرية بطليموس تمثل بديهيةً في علم الهيئة القديم، حتی جاءت نظرية کوبرنيکوس وأضحت بديهيةً لاحقًا. وكانت نظرية الشورى والبيعة بديهيةً في الماضي والآن حلت محلها الديموقراطية. أما تعارض العلم الحديث مع النصوص الدينية فمسألةٌ أکيدة، ولکن يمکن حلّها باتباع المناهج الحديثة في علم اللاهوت ومن خلال التمايز تارةً في المنهج وتارةً أخری في لسان الدين ولسان العلم أو في الوصفية في العلم والمعيارية في الدين، أي أّنّ العلم يصف ظواهر الطبيعة ويکشف عن قوانينها بينما الدين يوصي الإنسان باتباع سلوكٍ معينٍ، وهذا يعني أّنّ العلم يختص بالعقل النظري بينما الدين ناظرٌ إلی العقل العملي. وهناک نظرياٌتٌ أخری في هذا المجال لا يسع المقام لذکرها.

هناك الكثير ممن يقولون بإعجاز القرآن العلمي والبلاغي، هل توافقهم الرأي؟ وأين مكمن الإعجاز في القرآن برأيك؟

ج: لقد أثبُّتُّ في محاضراتي وکتابي سّرالإعجاز القرآني وبأدلةٍ کثيرةٍ عدم وجود أيّ إعجاٍزٍ علميّ أو بلاغيّ أو غيبيّ في القرآن کما يدّعي علماء الإسلام ولا مجال هنا لتفصيل الکلام في هذا الشأن. أمّا الإعجاز القرآني المعقول في نظرنا أحد أمرين: 1-الصرفة کما ذهب إليه المعتزلة والسيد المرتضی من الشيعة .2-الإعجاز الوجداني.

يتميَّز القبانجي بنهجه المنفرد في التفكير والتحليل، ما هو مفهومك ومنظورك لعالم الغيب بشكلٍ خاص؟

ج: عالم الغيب تارةً يُقصد به الميتافيزيقيا، وأخری ما وراء العالم الظاهر، وثالثة مايختص به الله من علمٍ، وأحيانا يُقصد بالسؤال عن عالم الثبوت وأخری عن عالم الإثبات لعالم الغيب، فهل أنه موجودٌ أساسا؟ً وعلی فرض وًجوده ماهی الأدلة التي تثبت وجوده؟ وأيضا هل يمکن إثبات ذلك بالعقل أم لابد من الاستعانة بالنص؟ وماهي حدود ودائرة عالم الغيب؟ ولهذا نقوًلً أن هذا السؤال غامٌضٌ ويحتاج إلی بيان المقصود منه. ولکن أقول بكلمة ولکي لا أدع السؤال بدون جواب، أن الماديين عموما لا يؤمنون بعالم ماوراء المادة سواءً الروح أو الله أو الکائنات المجردة، بينما يتفق العرفاء من کل الأديان وًالثقافات البشرية علی وجود عالمٍ آخر في باطن هذا العالم الظاهر فکل شيءٍ من العلم والإنسان والنص الديني له ظاهرٌ وباطن. ونحن علی هذه العقيدة.

في محاضراتك طرحت فارقًا نوعيًا للنظرة الغيبية للمطلق ومفهوم ارتباطها بالإله، كيف يعرّف أحمد القبانجي الله والمطلق وما هو الفارق بينهما بحسب فلسفته؟

ج: ما المقصود بکلمة بينهما؟ لم يرد في السؤال إشارة إلی الثاني. وعموما نری أن مسألة الارتباط بالله ليست مسألةً عقليةً وفکريةً ونظريةً، بل هي مسألةٌ عاطفيةٌ وإحساسيًةٌ وقلبيةٌ، فالعقل النظري لا يستطيع التدخل في هذا المجال کما أثبته کانت. وهذا هو ماعليه العرفاء من المسلمين وغيرهم، فالإنسان في بداية الأمر قد يشعر في باطنه بالميل والرغبة للارتباط بالله ثم يتحرک في هذا السبيل إلی أن تتضح له الصورة شيئاً فشيئاً، فالإيمان بالله لا يأتي من العقل بل من حاجة الإنسان لله.

الله ..كيف تراه..أو كيف تعرفّه؟                                

ج: السؤال يحتاج إلی کثير للإجابة عنه، والرجاء عدم طرح أسئلة في غاية العمق والشمولية مثل هذا السؤال، بل ينبغی تحديد المطلوب بشکلٍ واضح. لأن الله نفسه کلمةٌ غامضة، وکذلك رؤيته ومعرفته .فهذه المسائل من الأمور التي أتعبت الأنبياء والعرفاء والفلاسفة.ولکن ينبغي الحديث عن الإيمان بالله لا الله نفسه، فالإيمان بالله أهم من الله لأن الإيمان هو الذي يحدد مصير الإنسان ويرسم حياته. والله لا يتدخل في حياة الإنسان إلاّ من خلال الإيمان، فالإنسان يتواصل مع الله من خلال إيمانه فمن لا يوجد لديه إيماٌنٌ في قلبه لا يوجد الله في حياته،  وإن کان يعتقد في ذهنه بوجود الله، وهذا يعني أن الإيمان هو الحب لا العقيدة بالله، فمن لا يوجد حبٌ في قلبه لا يوجد الله في حياته.

ماهو رأي أحمد القبانجي بالطائفة السنية؟

ج: هل المقصود بالطائفة السنية من وجهة نظرٍ مذهبية؟ أي الکلام عن المذهب السني أم السنة کأفراد؟ وهل السؤال عن السنة من جهة أخلاقهم أو صحة عقيدتهم أو انتمائهم لوطنهم أم عقلانيتهم؟ السؤال غامٌضٌ أيضا و يحتاج إلی بيان المقصود ولا أعلم لماذا أسئلتکم فضفاضة. علی أيّة حال قلت آنفاً أن المذهب السًني حاله حال المذهب الشيعي في کونه منتوج بشري وليس من الله، وقد يمتاز السنة عن الشيعة بأنهم أخذوا من الإسلام جانبه السياسي والحکومي ولذلك يطالبون بالحکومة الدينية کأصلٍ في الدين الإسلامي. بينما أخذ الشيعة جانب المعارضة في تاريخ الإسلام ولذلك فهم أکثر عاطفيةً من السنة وبالتالي هم أکثر خرافةً من السنة. والسنة بدورهم أکثر قساوةً من الشيعة لأن الحکومة تستدعي ذلك.

فالإرهاب أکثر تجذّرا في صفوف السنة بقدر ما الخرافة في صفوف الشيعة وکليهما ليس من الله في شيء .وبما أن الشيعة مذهبًٌ قد تم إنتاجه لاحقا وقد بدأ کمعارضة سياسية، فکل من يخالف الحکومة الدينية والخلفاء يلتحق بالتشيع ويتستر بالدين وًيتهم السلطة بأنها هي التي خرجت من الدين لئلا يُتهم بالارتداد والمروق من الدين ولذلك کثر الکذب والدسّ في مذهبهم، بينما نجد أن القوي وهم أهل السنة لايحتاجون إلی الکذب والغلو بل تحتاج الحکومة إلی القوة والسيف. ومن هذه الجهة أيضاً نجد أن الشيعة قلما يتمسکون بالنبي أو القرآن لأنه کان حاکما والقرآن بدوره يؤيد القوة والحکومة والسيف. في حين أن السنة يتمسکون دوما بالقرآن وسنة النبي لأنً فيهما تأييدٌ لمذهبهم وإسباغٌ للمشروعية علی حکومتهم ولوکان علی رأسها صدًام حسين.

هل تعتقد أن الله سينتقم من الملحدين لأنهم لم يؤمنوا به ؟

ج:هذا يرتبط بتصورنا عن الله، فإذا کنا نتصور أنه مثل صدام يجبر الناس علی الاعتراف به وبرئاسته فلابد أنه سينتقم منکم ومن جميع من لا يؤمن به لأن الإيمان به يمثل کمالاً له وضرورةً من ضرورات وجوده .ولکن إذا کان تصورنا عن الله بأنه خلق الخلق ليفيض عليهم من جوده وکرمه وفضله فهذا يعني أنه يحب خلقه جميعا، ونعتقد بوجود قانوٍنٍ أخلاقيّ في الکون کما هو حال القوانين الطبيعية في العالم، وهذا القانون الأخلاقي يؤثرًسلبا وإيجاباً علی الإنسان بالنظر لأعماله، فإن عمل خيرا فسوف يحصل علی الخير وإن شراشراً فشر، والملحد الذيً يعمل الخير ويعيش الحب للأخرين فسوف يحصلً علی الخير في حياته والمؤمن الذي يعتقد بوجود الله ولکن لا يتحرك بمقتضی هذا الإيمان ولا يعمل الصالحات ولا يسدي المعروف للآخرين بل يعيش الأنانية والنفعية فسوف يلاقي الشر.

كيف يمكن أن تميز بين مسلمٍ يتبع الإسلام لأنه تعلم الإسلام بنفسه، وبين من يتبع الإسلام بالطاعة العمياء؟

ج: الإسلام التقليدي والاجتماعي هوالذي يطالب الفرد بالطاعة العمياء، ولکن من تخلص من ضغط المجتمع والدين الاجتماعي ورجع إلی وجدانه وعقله فسوف يتبع الإسلام الحقيقي، وهذا الإسلام ليس بالتعلم بل بالحرکة في خط الخير والصلاح وقد يستلزم في بداية الأمر تضارباً مع المجتمع والأفکار السائدة فيه.

كيف كانت ردة فعلك عندما وُجّهت إليك الدعوة للقيام بمقابلة على صفحات مجلة الملحدين العرب؟

ج: لم أشعر بردّة فعلٍ لأن الکثير من أصدقائي هم من الملحدين، ولا يوجد في ديني التمييز بين الناس علی أساس العقيدة والمذهب والفکر بل علی أساس الإنسانية والقيم الأخلاقية. وأعتقد أن الإلحاد منهجٌ للحياة کما أن الإيمان منهجٌ للحياة أيضاً، فمن لم يجد الله في عقله وحياته يحق له أن ينکره بل يجب عليه إنکاره لئلا يقع في فخ الازدواجية . أي إن الملحد لا يجد الله في عالمه ولا يحتاج إليه فعندما يقول أن الله غير موجود فقوله صحيحٌ تماما. وعندما يقول المؤمن أن الله موجود فصحيحٌ أيضا لأنه يحتاج إلی الله ويجده دائما في عالمه وحياته، فاللهً ليس من قبيل الأشياء الموجودة في العالم خارج الإنًسان بل هو مرتبط مع ذات الإنسًان.

الملحد العربي ..كيف تنظر إليه وما هي وجهة نظرك الخاصة عنه؟

ج: أعتبر هذه الظاهرة أمرا مبارکاً وتدل علی وجود حرکةٍ تکامليةٍ في الإنسان العربي، بحيث أخذ يخرج من القمقم ولا يأبه لضغط اًلعرف والمجتمع والدين التقليدي المفروض علی الفرد منذ الطفولة، وقلت أّنّ هذا الدين ليس من الله وقد يتحول إلی صنم يُعبد من دون الله، وعلی کل إنساٍنٍ يحترم حريته وعقله أن يخرج من هذا الدين کما خرج المسلمون الأوائل من دين الشرك إلی دين التوحيد، فالبداية في حرکة الکمال أن يرفض الإنسان آلهة المجتمع مهما کانت أي يقول (لا إله) وهو الإلحاد، ثم يکون هذا الإلحاد مقدمةً وطريقًا للإيمان الحقيقي، فلا ينبغي أن يتصور الملحد أنه قد وصل إلی المحطة الأخيرة، وبهذا المعنی يکون الإلحاد مقدمةً ضروريةً للإيمان، ولکن أکثر ما أخشاه علی أحبائی الملحدين أمران:

1- أن يسقطوا في شراك النفاق والازدواجية وذلك خوفا من ردة فعل المجتمع تجاههم فيسيطر الخوف عليهم من الناس فلا يعلنوا عن إلحادهم وبذلكً سوف يتورطون بأقبح رذيلة أخلاقية وهي النفاق، فإما أن يشهروا عن إلحادهم بشجاعةٍ کما هو حال بعض العظماء من أمثال الشهيد حسين مروة وفهد وهادي العلوي وغيرهم من الشيوعيين من أصحاب الوجدان الحي، أو يستمروا علی دين الناس التقليدي. لأنني أعتقد أّنّ أهم شيءٍ للإنسان هو حريته واستقلاله، فإذا فقدهما فکل شيءٍ سيکون سيّان. الإلحاد أم الإيمان، الإسلام أم الکفر، شيعي أم سني، مثقف أم عوام. ولايکون حالهم حال بعض الشيوعيين المعاصرين الذين يرفعون لافتةً علی باب مقر الحزب: نعزي الإمام صاحب الزمان (عج) والمرجعية الرشيدة باستشهاد فاطمة الزهراء(ع).

2- أن يکون إلحادهم نابعًا من رغبتهم في عدم تحمل المسؤولية وعدم الالتزام بالقيم الأخلاقية.

ما هو رأيك بالنسبة لتسليط الضوء إعلاميًا على ظهور الملحدين العرب مؤخرًا؟

ج: قلت آنفا أن هذه الظاهرة مبارکةٌ وتوحي بوجود حراكٍ نحو العقلانية والتمدن والتحرر من أغلال العرف والقداًسات الزائفة.

في مصر اليوم يتم كتابة دستوٍرٍ جديدٍ وقد ظهرت مطالباٌتٌ من الملحدين المصريين بتمثيلهم في الدستور..فما  وجهة نظرك في مسألة الحقوق الإنسانية وحقوق المواطنة بخصوص الملحد العربي وظهوره الخجول على الساحة السياسية مؤخرًا؟

ج: لا أتفق مع هذه المطالبة من الملحدين ويکفي المطالبة بالعلمانية التي تستوعب جميع الفئات دون تمييز فلا يکون الملحدون طائفةً منفصلةً عن المجتمع، فالمواطنة تکفل للجميع حقوقهم، هذا من الناحية السياسية ، ولکن يجب العمل والتحرك بهذا الاسم علی الصعيد الثقافي لتحريك العقل العربي وکسر الجمود الثقافي والديني. وعلی أية حال فإني أعتبر ماجری في مصر من ثورةٍ ضد الحزب الديني مفتاحٌ للتقدم والإزدهار والإنسانية وأعتقد أن هذه الثورة هي أول ثورة بالمعنی الصحيح بعد الثورة الفرنسية أي ليست بدوافع إيديولوجية ودينية بل بدوافع إنسانية وعقلية.

لو أن إبنك أو أحد أقاربك صارحك بأنه ملحد.. كيف سيغير ذلك من علاقتك به؟

ج: لا يؤثر ذلك في طبيعة علاقتي به إذا کان إلحاده نابعٌ من عقله ووجدانه، أي لا يكون إلحاداإلحاداً قشرياً. فکما أن الإيمان بلحاظ أفراده ينقسم إلی: إيماٌنٌ قشريٌ وإيماٌنٌ معنويٌ، فکذلك الإلحاد ينقسم إلی: إلحادٌ قشريٌ وهوما يکون وليد الأهواء والرغبة في الانسلاخ من التکليف الأخلاقي والديني وعدم تحمل المسؤولية ،والإلحاد المعنوي وهو وليد الحس الإنساني والوجداني بکثرة الشرور في هذا العالم وعدم الشعور بوجود الله في العقل أو الوجدان، وبسبب مايراه الإنسان من قتلٍ وظلمٍ وعدواٍنٍ وسفك دماء الأبرياء باسم الله والدين، فمثل هذا الملحد يدفعه وجدانه إلی إنکار الله الإسلام أو إله الأديان الأخری، فهو ملحدٌ معنوي.

خاتمة: ما هي الرسالة التي توجهها للقراء من ملحدين ومؤمنين على صفحات مجلتنا؟

ج: أقول: في هذا العصر الذي نعيش فيه القتل العشوائي والطائفية والکراهية للآخر والانسلاخ من الذات الإنسانية، أری أننا بأشدّ الحاجة ليس إلی الدين بل إلی القيم الأخلاقية والعودة إلی الوجدان والحب وترسيخ قيم الإنسانية، أي أننا نعيش أزمةً حقيقيةً في هويتنا الإنسانية بعد أن استولت علينا هوياٌتٌ زائفةٌ وغير حقيقيةٍ کالهوية الدينية والمذهبية والقومية وأمثالها. فبعد أن ثبُت زيف هذه الهويات لابد من الرجوع لهويتنا الحقيقية وهي هوية الإنسانية، فنکون إنساناً قبل أن نکون مسلماً أو شيعيًا أو ملحدًا.

مجلة الملحدين العرب: العدد الحادي عشر / شهر أكتوبر / 2013