في نقد التوليف الدقيق – الجزء الثاني

بدئنا هذا المقال بجزء أول كانت مقدمته عرضًا مفصلاً بعض الشيء حول تاريخ وتقديم حجة التوليف الدقيق، واستخرجنا عددًا لا بأس به من الأخطاء العلمية والرياضية والمنطقية من هذه الحجة، وتوصلنا إلى استنتاج مفاده أن الادعاء القائل بأن الكون تم توليفه بشكل دقيق لسكنى البشر، هو أسخف إدعاء أطلقه المؤمنون ويمكن إثبات بطلانه تجريبيًا ومنطقيًا.

وعلى الرغم من أنني أعتقد بأن الجزء الأول كان أكثر من كافٍ لكي يقوض كل محاولة لوضع هذه الحجة في نقاش لاهوتي، إلا أنني سأخصص جزء آخر يقع بين يديك حاليًا لكي أناقش بعضًا من الأمور العلمية التي لم أتطرق اليها في الجزء الأول، والتي يمكن أن تجعل من نفسها تفسيرات كافية لهذا التوليف الدقيق المُدعى.

 

العقلانية في تبيان الكيفية

منذ مطلع الثمانينات، وحتى بداية الألفية الحالية، حصلت أراضي العراق على مجموعةٍ كبيرةٍ من الجثث التي كانت تدفن بشكل جماعي. إذ كان صدام حسين وأعوانه يقومون بجمع المعارضين لحربه على جاره الفارسي، التي طالت ثمان سنوات، وتبدء إعدامات جماعية يصل عدد ضحاياها – في الحدث الواحد – إلى العشرات، أغلبهم من الشيعة المناصرين للثورة الإيرانية. لقد كانت هذه الفترة فترة عصيبة جدًا – كما هي الفترة الحالية – على العراق، ووصل عدد ضحايا الإعدامات الجماعية إلى مئات الآلاف.

دعنا نطرح سيناريو افتراضي على واحدةٍ من هذه الأحداث. فلنفرض أنه تم جمع عشرة أشخاص شيعة وتم نقلهم – بعد التحقيق – إلى منطقة نائية ليتم إعدامهم. وبالفعل، تم رصهم واحدًا جنب الآخر، وتم رفع الأسلحة في وجههم، وكانوا معصوبي الأعيّن، وبعد انتظارهم لمدة عشرة ثواني، صاح المسؤول: أطلق النار. وبالفعل سمعوا – وهم معصوبي الأعيّن – إطلاق عيارات نارية، إلا أنهم كانوا لا يزالون في كامل وعيهم، ولم يشعروا بأيِّ شيء! كيف يمكن أن يحدث ذلك يا ترى؟

للإجابة على هذا السؤال، دعنّا ندخل في تفكير أحد هؤلاء الضحايا. لقد سمع هذا الضحية المسؤول وهو يصيح بصوته المشؤوم: “أطلق النار” وسمع بالفعل بعد ذلك عدة إطلاقات نارية، لم يرى الكيفية، إلا أنه لا يزال على قيدِ الحياة. فما الذي حصل يا ترى؟ بالطبع، هنالك عدة احتمالات، فقد تكون هذه الطلقات النارية فارغة مغشوشة أو قد يكون مطلقيِّ النار مجموعة من الجنود الغير مدربين بشكل جيد، وربما كانوا يسمعون أوامر تنادى لوحدة مجاورة، ربما كانت هنالك ظاهرة في الطقس كالرياح أو غيرها جعلت الطلقات النارية تميل عنهم، ربما كانت هنالك ظاهرة فيزيائية لم تكتشف في ذلك الوقت بعد، جعلت الطلقات النارية تفقد وقودها في منتصف الطريق وتسقط أرضًا، وربما تم إطلاق النار عليهم بالفعل وتم إصابتهم إلا أنهم لم يشعروا بشيء لموت الأعصاب وتجاوز الألم مقدارًا يكون فيه محسوسًا. هنالك كمٌ هائل من الاحتمالات التي قد تجعل ذلك أمرًا ممكنًا. إلا أن هذا الضحية كان مؤمنًا بالله، وعلى مذهب شيعة أهل البيت، وتذكر أنه كان ينادي “يا حسين” و “يا زهراء” قبل إطلاق النار، فجميع الاحتمالات السابقة ستعتبر باطلة ولا يجوز – بل يحرم في بعض الأحيان – التفكير بها. لا بد وأنه “الحسين” بإرادته المجردة، دون أيِّ عوامل طبيعية أو فيزيائية، هو من أنقذ هذا المسكين من الإعدام.

هكذا بالضبط تسير سلسلة أفكار المؤمن في جميع المواقف التي يصعب عليه تفسيرُها، أو يُوجد أكثَرُ من احتمال لتفسيرِها، تراه يقول “قدرة القادر” أو غيرها من المصطلحات الدينية التي تجعل من إلهه الغير محسوس سببًا لأمورٍ ماديةٍ محسوسة. وبالفعل يمكن تعميم هذا المنطق لكي يشمل حجة التوليف الدقيق. فعلى الرغم من وجود تفسيرات كثيرة وكبيرة واكتشافات علمية وعلماء يبحثون في مختلف أنحاء العالم وفي مراكز بحوث تمتد اليابان شرقًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية غربًا ويكتشفون بشكل متواصل واضعين نظريات ضخمة ونماذج علمية ناجحة جدًا وفق منهج تجريبي مفيد جدًا، إلا أننا نرى صديقنا المؤمن العزيز يرمي جميع ما سبق ذكره جانبًا، وبشكل مثير للسخرية؛ يتهم كل من يفكر به بالضلالة.

سنكمل ما بدأناه في نقد حجة التوليف الدقيق واضعين أيدينا على هذه “الضلالة”، فعلى الرغم من أننا خرجنا باستنتاج أن الكون لم يتم توليفه بشكلٍ دقيقٍ لأجل سكنى البشر، ولكن دعنا نتساءل الأسئلة التالية: ما هي التفسيرات الطبيعية لهذه الثوابت الفيزيائية؟ لماذا هي بهذه الأرقام وليست غيرها؟ هل يمكن أن يوجد الكون إن تغيرت؟ وهل هي ثابتة أساسًا؟

احتمالات ويليام لاين كرايغ الثلاث

كما أشرت في الجزء الأول من هذه المقال، فإن أفضل من يقوم بعرض هذه الحجة وأكثر من يقدمها هو الدفاعي اللاهوتي Christian Apologetic ويليام لاين كرايغ William Lane Craig. وعادة ما يشير إلى ثلاثة احتمالات يمكن لها أن تفسر هذه الأرقام ويكون احتمال وجود مصمم خارق للطبيعة الله ثالث هذه الاحتمالات وأكثرها نجاحًا بحسب ما يدعي. الاحتمالات الثلاث لويليام لاين كرايغ هي التالية:

  1. أن تكون ضرورة فيزيائية Physical Necessity.
  2. أن تكون مصادفة Chance.
  3. أن تكون بسبب وجود مصمم خارق للطبيعة God.

سنناقش الأن هذه الاحتمالات، وسنرى ما إن كان من حقنا فعلاً إهمالها والميل إلى وجود مصمم خارق للطبيعة.

الشيخ العلامة ويليام لاين كرايغ قدس الله سره

الضرورة الفيزيائية Physical Necessity:

يُقصد بالضرورة الفيزيائية للثابت الفيزيائي، هو أن هذا الثابت الفيزيائي لا يحتمل قيمة أخرى نتيجة لمعادلة رياضية. وأبسط مثال على ذلك هو النسبة الثابتة Pi π، فمهما كان قطر الدائرة اختر أي عدد بدئًا من الواحد إلى المليار فحين تقوم بتقسيم محيط الدائرة على هذا العدد ستجد النتيجة نفسها، وهي: 3.14159265359، وذلك بسبب الشكل الهندسي للدائرة والذي يحدد العلاقة بين قطرها ومحيطها. هذا ما نقصد به بالضرورة الفيزيائية.

وبالعودة إلى الكون، دعنا نطرح مثالاً يخص التوليف الدقيق.  ولنأخذ قانون كولوم الذي يصف تجاذب وتنافر الشحنات المختلفة والمتشابهة:

قانون كولوم

حسنًا، لاحظ هذا المعامل الذي أتى في القانون أعلاه كأسٍ قيمته 2 يعتلي الأساس r. وافترض أننا قمنا بتغييره إلى 1.5 أو إلى 3؛ فبكل بساطة، لم يكن للكون فرصة أن يوجد إن فعلنا ذلك، سواء كان يحمل حياة في داخله أم لا. وكما أعتدنا من أحبائنا المؤمنين، الأخذين بالأدلة الفيزيائية على وجود الله، أنهم عادة ما يعتمدون على نقص معلومات المتلقي العلمية. فهذا الأس 2 الذي نراه أعلى الأساس r لم يأتي إلا بسبب ضرورة فيزيائية وضعتها أساسيات الهندسة المجردة. فهو تعبير عن علاقة سطح الجسيم الكروي إلى مربع نصف قطره.

فأي إدعاء للتوليف الدقيق هنا يسقط تلقائيًا، لأن الهندسة والرياضيات الابتدائية لا تسمح لأي معامل أخر.

المصادفة

الاحتمال الثاني، في سلسلة احتمالات ويليام لاين كرايغ الممكنة هو أن تكون هذه القيم مجرد مصادفة. وبكل تأكيد – وكما أعتدنا من المؤمنين جميعًا – يسخر كرايغ من كل من يضع هذا الاحتمال سخرية لا يستطيع التوقف عنها.

لكي نفهم المصادفة، وتطبيقها على التوليف الدقيق، دعنا نطرح المثال التالي: لو كان لدينا مجموعة من ورق اللعب، ولو قلت لك أنني سأقوم بسحب ورقة وأن هذه الورقة هي: “أص كبة ♥ A Ace of hearts”، فاحتمالية أن يحدث ما أقول بالفعل هو 1\52، لاحظ أن هذه الاحتمالية استنتجناها على فرض أن لدينا 52 ورقة أوراق اللعب القياسية وأن جميعها مختلفة. ولكن هذا الأمر لا ينطبق بتاتًا على القيم الكونية، فنحن لا نملك أي معلومة عن القيم الممكنة وأحيانًا لا نعلم ما إن كانت مرتبطة فيما بينها وفق نظرية أو نموذج معين. والجدير بالذكر أن هنالك أوراق لعب خاصة يبتاعها مؤدي ألعاب الخفة “السحرة” تتألف من 52 ورقة جميعها تحمل نفس القيمة، فلربما يلعب الله معنا بعضًا من ألعاب الخفة خاصته.

وعادة ما يدعي المؤمنون أيضًا بأن حدوث مصادفة ذات نسبة احتمالية قليلة جدًا لا بد وأن يتطلب معجزة ما. دعنا نعود إلى أوراق اللعب في فحص هذا الادعاء، فلو كانت لدينا 52 ورقة قياسية تحمل قيمًا مختلفة، فإن احتمالية سحب ورقة معينة منها تكافئ 1\52 = 0.01923، ولو قمنا بإعادة خلطها وسحب ورقة مجددًا، فاحتمالية ظهور نفس الورقة تكافئ 1\2047 = 0.00048، ولو كررنا هذه العملية لثلاث مرات سنحصل على احتمالية تكافئ 1\140608 = 0.000007، وهكذا تقل الاحتمالية بصورة لوغاريثمية حتى تصل إلى أعداد قليلة جدًا تقترب إلى الصفر، أو تساوي الصفر بدقة 5 منازل عشرية. لا يبدو ذلك أمر ممكن الحصول وقد يدعي البعض أنه يتطلب معجزةً لحصوله، إلا أن الحقيقة تفيد بحصوله طوال الوقت، فبزيارة واحدة لكازينوهات لاس فيغاس سنرى خروج عشرات الرابحين في ليلة واحدة. فلا بد وأن يكون مقامريّ لاس فيغاس هم أكثر عبيد الله قربًا إلى قلبه. ومن يدري، لعلهم جميعًا أنبياء ومرسلين حتى أصبح الله يوفر لهم هذه المعجزات طوال الوقت.

أوراق اللعب

هل هذه الثوابت ثابتة فعلاً؟

أعتقد أن هذا السؤال هو سؤال يجرح حجة التوليف الدقيق في صميمها. فمن الجدير بالذكر أننا نحتاج الثوابت الفيزيائية الكونية لوضع صيغ عاملة من النماذج الرياضية لوصف مشاهداتنا. ولكن قيم الثوابت الفيزيائية هذه مستمدة بشكل كامل من قياسات تجريبية، فلا يوجد لدينا أية نظرية تتوقع قيمة ثابت كوني كسرعة الضوء أو كثافة طاقة الفراغ أوميغا أو ثابت البناء الدقيق آلفا. في الحقيقة، نحن لا نعلم ما إن كانت هذه الثوابت الأساسية في الفيزياء هي ثوابت بالفعل.

مؤخرًا، تم تقديم بحوث علمية مراجعة تدلي بتحليل لبيانات فلكية تشير إلى أن الثوابت الكونية هي ليست ثوابت في الحقيقة. كيف حصل ذلك؟ حسنًا، فلنأخذ سرعة الضوء على سبيل المثال، فهو وصفٌ لسرعةِ انتقالِ الضوءِ عبرَ الفراغ. ولكن هذه السرعة – بحسب معادلات ماكسويل – تبين أنها يتم تحديدها من خلال الخواص الكهربائية والمغناطيسية للفراغ في الأساس.

فإن تغيرت خصائص الفراغ الكهربائية والمغناطيسية فستتغير سرعة الضوء تبعًا لذلك. النموذج الحالي للفراغ لا يستبعد ذلك. وبالعودة إلى نموذج الانفجار التضخمي الكبير نجد أن أنه يقترح توسعًا كبيرًا للغاية للفراغ ويمكن بحسب ذلك ان نعتقد بأن سرعة الضوء لم تكن ثابتة في جميع الأوقات. قمت بضرب مثال الضوء لأنه أبسط مثال ويعد ثابتًا كونيًا لا مجال للتلاعب فيه. ولكن يمكنك عزيزي القارئ أن تقيم استنتاجاتٍ مشابهة لقيم وثوابت كونية أخرى. على أية حال، فإن المعلومات المتوفرة في هذا الخصوص قليلة جدًا، فيمكن أن ينطبق هذا على جميع الثوابت الفيزيائية أو قد لا ينطبق على أيٍ منها، ولا يسعني إلا ان أشير بأن هذا هو موضوع بحث نشط في السنوات العشر الأخيرة وحتى الأن. هذا ليس كلامًا لي أنقشه على أسطرٍ نتيجةً لحرية التعبير عن الرأي التي منحت لي هنا، هذا كلام عدد من البحوث العلمية المرموقة وعدد من النماذج الكونية المقترحة[1][2][3][4].

لقد ركز على هذا الموضوع عددًا من الباحثين في مختلف أنحاء العالم وبالتحديد كانت محط اهتمامهم هو ثابت البناء الدقيق Fine Structure Constant آلفا α والذي يحمل في طياته سرعة الضوء وثابت بلانك وشحنة الإلكترون وخواص الفراغ. ويا للمصادفة أن يكون هذا الثابت الكوني الدقيق محط اهتمام مجموعة أخرى من الناس، ولكنهم ليسوا علماء، إنهم فلاسفة اللاهوت الدفاعي – أمثال كرايغ وشلته – حين يقدمون حجة التوليف الدقيق. ولسوء حظ المجموعة الأخيرة – أي مجموعة اللاهوتيين – وجد أن الثابت الكوني الدقيق هذا، ليس ثابتًا على أية حال، فهو متغير في أماكنٍ مختلفة من الكون[5].

ولكن ماذا يعني إن ثابت البناء الدقيق، وربما غيره من الثوابت الأخرى، تختلف تبعًا للمكان؟ ألا يعطي هذا لمكان المشاهد observer خصوصية على أقل تقدير؟ ألا يمكن أن نعده مؤلفًا بشكل دقيق في هذه المكان على أقل تقدير؟ الجواب المختصر هو: كلا. فالكون واسع إلى درجة كبيرة جدًا حتى يصعب على أي عقل بشري استيعاب حجمه، ويحدث في هذا الكون المنظور فقط مدىً واسع وكبير من الاحتمالات فلا معجزة ولا كيان خارق مطلوب إن حدث أي شيء قليل الاحتمالية أو غير متوقع. تمامًا كما لو أعطيت بندقية minigun أوتوماتيكية لشخص أعمى وطلبت منه أن يصيب بقعة حمراء على جدار ما، فسيطلق من سلاحه آلاف الطلقات بجميع الاتجاهات وعاجلاً أم أجلاً ستصيب أحدها البقعة الحمراء المرادة.

سلاح minigun

وحتى بغض النظر عن الجدال العلمي الحاصل حول ما إن كان هذا الثابت الكوني متغيرًا أم لا وهل هذا الأخر متغير أم لا، نجد أن بعض هذه الثوابت لم تكن بقيمها الحالية في الكون المبكر وفقًا لنماذج نظرية الانفجار الكبير التي تتضمن تفكك التناظر التلقائي Spontaneous Symmetry Breaking. بل حتى أن ثابت البناء الدقيق – الذي تلكمنا عنه قبل قليل – وبما أنه يصف نسبة القوة الكهرومغناطيسية إلى قوة الجاذبية، فمن النموذج القياسي للجسيمات والقوى نعلم أن α هذا يتفاوت مع الطاقة فلا بد أنه تغير بسرعة شديدة خلال اللحظات الأولى للانفجار الكبير حين تغيرت الحرارة بعدة درجات عِظَم خلال كسر ضئيل من الثانية. ووفقاً لفهمنا الحالي ففي البيئة شديدة الحرارة في بداية الانفجار الكبير، كانت القوى الأربعة المعروفة موحدة كقوة واحدة. وكان الكون بدأ في حالة من التناظر التام أي تناظر اللاشيء الذي بدأ منه وهكذا بدأ α مع قيمته الطبيعية؛ خصوصاً أن الجاذبية والكهرومغناطيسية كانتا متساويتين في الشدة. ولكن هذا التناظر لم يكن مستقراً ومع برودة الكون، أدت عملية تدعى تفكك التناظر التلقائي spontaneous symmetry breaking إلى فصل القوة الواحدة إلى الأربعة أنواع الأساسية التي نتعامل معها، وتطورت شداتها إلى قيمها الحالية؛ ولم تمر بالتوليف الدقيق، ولكن كان على النجوم كي تتكون – وبالتالي الحياة كي تنشأ – أن تنتظر حتى تنفصل هذه القوى بما يكفي وتصل إلى شدات مناسبة. كان هذا الانتظار كسراً صغيراً من الثانية. وحتى بعد ذلك استمرت القوى بالانفصال مع استمرار الكون في البرودة ولكن هذا كان بطيئاً بحيث يمكن لكل الأغراض العلمية على مقياس الزمن البشري البسيط اعتباراها ثابتة[6].

دعنا نتحدث عن ثابت كوني أخر، وهو معامل الكثافة Density Parameter أو كما يدعى بأوميجا Ω في بعض الأحيان. هنا نجد المؤمنين يقتبسون من كتاب الكون التضخمي The Inflationary Universe للعالم آلان جوث Alan Guth قوله: “أن تغير ضئيل جدًا في ثابت معامل الكثافة سيؤدي ذلك إلى انهيار مبكر للكون قبل أن تكون هنالك فرصة للحياة كي تتطور”[7]. في إحدى مناظراته قام المدون الإسلامي آدم دين Adam Deen أحد مقلدي المرجعية العظمى ويليام لاين كرايغ قدس الله سره باقتباس هذا النص كي يبين كم أن كوننا مؤلفًا بشكل دقيق[8]، ولكنه نسيَّ أن يكمل لنا ما قاله آلان جوث، إذ يستأنف حديثه في نفس الكتاب وفي نفس الصفحة قائلاً: “هذا النوع من التبريد الخارق يمكن أن يفسر لنا سبب أن الكون مسطحًا للغاية – وهنا يكمن حل معضلة التوليف الدقيق التي أشار إليها بوب دايك”. حجتهم تكون صالحة إن كنّا سنستخدم الكونيات الكلاسيكية ولكن مع نظرية الانفجار التضخمي The Inflationary Big Bang لآن جوث وزملائه، يمكن لهذا الثابت الفيزيائي أن يبدأ بأي رقم كان وسيقوده عمليات طبيعية تؤدي به إلى قيمته المطلوبة [9].

لقد لاحظ هذه النقطة كبير القوم ويليام لاين كرايغ، ولكنه حاول أن يقنعنا بأنه لا توجد بيانات حالية تدعم نظرية الانفجار التضخمي. ولسوء حظه – مرة أخرى – لم تكن البيانات لطيفة معه وخصوصًا بيانات WMAP في تقرير السبعة سنين[10] وفي تقرير التسعة سنين أيضًا[11]، إذ كانا كلاهما أدلة كافية تشير بشكل جيد جدًا إلى نموذج الانفجار التضخمي. ثم أتت مؤخرًا بيانات BICEP2 في مايو 2014 في القطب الجنوبي التي كانت إحدى أهم وأكثر الأدلة وضوحًا ودعما لنظرية الانفجار التضخمي[12].

ما هو الإنفجار الكبير التضخمي؟ وما علاقته بالتوليف الدقيق؟

دعنا نتوقف عن رمي المصطلحات العلمية هنا وهناك ونتساءل: ما هو الانفجار الكبير التضخمي؟ نموذج الانفجار الكبير التضخمي، هو النموذج الأكثر نجاحًا في الوقت الحالي لوصف الكون المبكر. يقترح هذا النموذج أن الكون في عمره البالغ 10-35 ثانية ولَّد جاذبية طاردة repulsive gravity قوية – على المقياس الكوني – أدت إلى توسع الكون بمعامل 1030. إلى أن وصل عمره 10-33 ثانية أخذت الجاذبية أن تكون على طبيعتها الجاذبة بدلا من الطاردة. وإن اتبعنا هذا النموذج فسنجد أن الكون أقل حساسية للقيم والثوابت الكونية من نموذج الانفجار الكبير القياسي[13]، لذا سنجد أن التوليف الدقيق بدأ يتلاشى بمجرد إتباعنا لهذا النموذج. وعلى أية حال، فإن هذا النموذج يحتاج المزيد من العمل وهو موضوع بحث نشط جدًا خصوصًا وأن مناصريه من العلماء كثيرون، والمشاهدات التي تثبت تنبؤاته بدأت تتجلى.

نموذج الإنفجار الكبير التضخمي

نظريات الأكوان المتعددة

أطلنا حديثنا أعلاه في هذا الجزء وفي الجزء السابق، ولم ندخل بعد في نظريات الأكوان المتعددة. نظريات الأكوان المتعددة بإمكانها أن ترمي حجة التوليف الدقيق، بغض النظر عن كل ما قيل أعلاه، إلى مزبلة المستقبل وليس مزبلة التاريخ. مزبلة المستقبل: هو أحد الأكوان الموازية لكوننا سيستخدمه البشر لرمي نفاياتهم لكي يتخلصوا من التلوث البيئي، وفي حالتنا هنا، سنتخلص من التلوث الفكري.

هل هنالك مكان في العلم لشيء كـ الأكوان المتعددة؟ فإن كان الكون هو كل شيء موجود على الإطلاق، فكيف لنا أن نقترح وجود أشياء أخرى خارج إطار الـ “كل شيء على الإطلاق”، فسنجعل كل منهما إذًا داخل دائرة “كل شيء على الإطلاق” ونسمي تلك الدائرة “الكون”. هنا تظهر لنا بوضوح مشكلة المصطلحات العلمية، فالعلماء حين يذكرون مصطلح “الكون” في مناسبات غير رسمية، ما يقصدون به فعليًا هو الكون المنظور The Observable Universe وهو ذلك الجزء من الكون الذي نتمكن من ملاحظته وسبب كونه محدودًا هو أن الضوء ذو سرعة محدودة، فلم يكن للضوء وقتًا كافيًا لكي يصل إلينا من مكانات أبعد. فما الذي تقصده نظريات الأكوان المتعددة بـ “الكون” يا ترى؟

بداية، يجب أن نعلم أن هنالك ثلاث نماذج رياضية، مستقلة عن بعضها تمامًا، تقترح وجود الأكوان المتعددة.

النموذج الرياضي الأول: ما يدعى بـ Brane Theory:

أقتُرِح هذا النموذج نتيجة لعدم قابلية نظرية الأوتار String Theory تنبؤ عدد الأبعاد لكوننا الملاحظ. فاقترح بعض علماء الفيزياء النظرية أن كوننا الملاحظ ما هو إلا سطح ثلاثي الأبعاد داخل كون أكبر يحتوي على تسعة أبعاد. تماما كما تكون لديك ورقة معينة مكونة من بعدين فقط داخل كتاب مكون من ثلاثة أبعاد. وكما يُسمح لوجود هذا الكون خاصتنا، فهنالك أكوان أخرى يطلق عليها اسم Membranes أو Branes اختصارًا تمامًا مثل الكتاب الذي يحتوي على عدةِ صفحات.

النموذج الرياضي الثاني: العوالم المتعددة خاصة الفيزياء الكمومية:

بشكل يدعو للاستغراب، لا يزال العلماء غير قادرين على فهم كيفية انهيار الدالة الموجية wave function في أمثلة مشابهة لقطة شرودنغر المثال الأكثر شهرة حينما تكون تلك القطة المسكينة حية وميتة في ذات الوقت حتى تتفاعل مع العالم الخارجي فتكون إما حية أو ميتة. فلا يوجد تفسير يقع في نماذج الكون الواحد لكيفية انتقال القطة من حالتين إلى حالة واحدة ولا لكيفية أختيارِ أي من الحالات. وبإمكانك الاطلاع على أمثلة أخرى شبيهة لتجربة قطة شرودنغر، كتجربة الشق المزدوج Double Slit Experiment وتجربة التخاطر الكمومي Quantum Teleportation وتجربة ستيرن-جيرلاك Stern-Gerlach Experiment وإختبارات بيل لعدم المساواة Tests of Bell’s Inequality[14]. فالحل لهذه المشكلة يأتي عبر افتراض أن جميع الأحداث الممكنة هي حقيقية بالفعل وكل حدث ممكن يقع في كون موازٍ لكون أخر، ولكننا نعيش في أحد هذه الأكوان فقط ولا يمكننا ملاحظة إلا أحدها.

ما قمت به هنا هو أنني بسطت هذه النظريات إلى درجة بالغة، إلا أن في طياتها كثير من البيانات والحسابات الرياضية والقياسات التجريبية.

النموذج الرياضي الثالث: الفقاعات الكونية Bubble Universe:

الفكرة هنا نابعًة أساسًا من الرياضيات التي تقع خلف الكون التضخمي Inflation[15]، فقد تم اقتراح نموذج التضخم اللانهائي Eternal Inflation والذي يقترح وجود عدد لا نهائي من الأكوان ذو قيم فيزيائية مختلفة. مما يذكرنا بمثال الرجل الأعمى وسلاح الـ minigun الذي ذكرناه في الأعلى. فأن كان لدينا عدد لا نهائي من الأكوان بقيم مختلفة فلا بد أن أحدها يحمل القيم التي تسمح بوجود النجوم ذوي الأعمار الطويلة والثقوب السوداء والحياة أيضًا.

قد يجادل المؤمنون بأنه لا يوجد عواقب يمكن ملاحظتها لنظرية الأكوان المتعددة هذه، أو ربما لا تتنبئ نظرية الأكوان المتعددة بأي شيء يمكنه اختباره تجريبيًا. ولكن هذا عكس ما تقوله الحقيقة. فقد أشار عدد من العلماء المرموقين في الفيزياء النظرية كآلان جوث Alan Guth[16] وآليكساندر فيلينكن Alexander Vilenkin[17][18] وأنتوني أغيري Anthony Aguirre[19] والكثير غيرهم، مرارًا وتكرارًا في أوراق علمية مراجعة كثيرة إلى اختبارات تجريبية وتنبؤات قد تؤكد لنا نظرية الأكوان المتعددة وتجعل منها نظرية علمية رصينة.

في الحقيقة، نشر بعض العلماء ورقة علمية أشارت تتفحص بيانات WMAP مشيرة إلى أربع ملاحظات شاذة وتقترح أنها نتيجة اصطدام الفقاعات الكونية bubble collisions وبذلك فأنها قد وجدت أول دليل على وجود الأكوان المتعددة[20]. على أية حال، فإن هذا الدليل لا يعد كافيًا لدى المجتمع العلمي. ولكن هذه هي بالضبط مهمة مركبة فضائية اسمها Plank، تابعة لوكالة الفضاء الأوربية ESA، من المفترض أن تقوم بتصوير إشعاع الخلفية الكونية بدقة أعلى بكثير من بيانات WMAP التي اعتمد عليها البحث[21].

fine-tuning-11

بعيدًا عن نظريات الأكوان المتعددة، بعيدًا عن كل هذا

حتى لو أزحنا نظريات الأكوان المتعددة جانبًا، وأزحنا نموذج الانفجار التضخمي جانبًا، فسنجد أن لدينا عددًا من النظريات التي تتكهن بأحداث ما قبل الانفجار العظيم واضعة تفسيرات طبيعية لوجود هذه الثوابت الفيزيائية، ومن الأمثلة على هذه النماذج هو نموذج الانفجار الكبير الدوري Cyclic Big bang والذي يفترض انفجارات كبيرة حدثت لهذا الكون بقيم مختلفة، والأن بعد عددٍ من الانفجارات الكبيرة حدث أن أتى هذا الكون بهذه الثوابت. لقد تم اقتراح هذا النموذج لدى كثير من العلماء وبتمثيلات رياضية جيدة جدًا، من بينها الـ Loop Quantum Gravity[22] ونموذج Conformal cyclic cosmology خاصة العالم روجر بينروز Roger Penrose [23] وغيرهم.

مثال آخر هو نموذج الـ Top Down Cosmology الذي وضعه العالم ستفين هاوكينغ والذي يقترح على أن الكون كانت لديه بدايات عديدة وثوابت عديدة وذلك بالاستناد على قانون التراكب الكمي، وجزئًا بسيطًا جدًا منها نجح في أن يكون له دور في الوضع الحالي للكون. وبحسب نموذج هاوكينغ هذا فإنه من غير المنطقي أن نقول بأن الكون تم توليفه بثوابت فيزيائية معينة، لأن الكون في الأساس يقوم بـ “اختيار” الأوضاع المناسبة طبيعيًا مما قاده لأن يكون في وضعه الحالي[24][25].

أما النظرية الأخيرة التي أود الخوض بها هي نظرية معروفة باسم الداروينية الكونية Cosmological Darwinism. وأيُّ عالم أكثر من داروين يرغب المؤمنون بسماع اسمه؟ وضع أحد أكثر نماذج هذه النظرية رواجًا العالم Lee Smolin. ببساطة، النظرية هذه تفترض وجود عملية مشابهة للتطور البيولوجي الداروني ولكنها على مقايسٍ كوني تجعل من الكون أن يظهر بأنسب قيمٍ للثوابت الفيزيائية[26][27].

جميع هذه النظريات والنماذج، بدئًا من نظريات الأكوان المتعددة وحتى النظريات التي ذكرناها في هذه الفقرة، هي أفكار علمية محضة، أي أنه يمكن تمثيلها رياضيًا، وهي قابلة لأن يتم تخطئتها، ويمكن إيجاد أدلة على صحتها، وتدلي بتنبؤات يمكن التحقق منها، والبحث العلمي جارٍ ونشط عليها. قد يهمل المؤمن هذه النظريات ويضعها جانبًا لأنها مجرد “تكهنات” – كما يصفها ويليام لاين كرايغ.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ألا يجب عليهم معاملة فرضية وجود الله بنفس الطريقة؟ أي مركبة فضائية وأي مهمة لوكالة ناسا أو وكالة الفضاء الأوربية ستمكننا من فحص ما تتنبئ به فرضية وجود الإله؟ وهل لهذه الفرضية تنبؤات أساسًا؟ أليس من حقنا أن نلاحظ مؤخرة الله على الأقل في إشعاع الخلفية الكونية؟

ظهر الحق وزهق الباطل… ظهور مؤخرة الله في إشعاع الخلفية الكونية .. ماهو ردكم أيها الملحدين؟

هل كوننا حساس فعلاً لتغير هذه الثوابت؟

يجيب المؤمنون على هذا السؤال بـ “نعم” بدون أيِّ تفكير. ومن يجرؤ على خدش مصداقية ويليام لاين كرايغ؟ إن قال كرايغ لا كون بدون هذه القيم، فلا كون إذًا. اعتاد المؤمنون على طريقة التفكير هذه، وهذا هو بالضبط ما يجعلهم مؤمنون، وطريقة التفكير المعاكسة هي بالضبط ما تردنا ملحدين. فليحيا إذًا الفيلسوف اليوناني يوريبيديس حين قال: “شكك بكل شيء، تعلم شيء ما، لا تجيب على أي شيء”.

لقد قامت العديد من الدراسات بتغيير هذه القيم رياضيًا ملاحظة الكون الذي سينتج عن هذا التغير وما إن كان سيدعم نشوء النجوم ذات الأعمار الطويلة أم لا. وهذه بعضٌ منها:

دراسة فيكتور ستينغر:

قام الفيزيائي فيكتور ستينغر بدراسة كيف يعتمد العمر الأدنى لنجم اعتيادي على مجموعة من العوامل التي عدها ضرورية لنشوء النجوم ووصف الكون بشكل عام كما هو اليوم، وتفحص ما إن كان عمر هذا النجم مناسباً كي يسمح لتطور الحياة، وبتغييرها عشوائياً في مدى كبيرٍ كثيراً ما يفوق عدة درجات عِظَم من مقاديرها الحالية، وجد أن أكثر من نصف النجوم ستتجاوز أعمارها البليون سنة. تحتاج النجوم الكبيرة لأن تعيش عشرات ملايين السنين أو أكثر لأجل تصنيع العناصر الثقيلة. والنجوم الأصغر مثل شمسنا تحتاج أيضاً حوالي بليون سنة كي تسمح للحياة بالتطور ضمن نظام الكواكب خاصتها. والأرض لم تتشكل حتى إلا بعد تسعة بلايين سنة على الانفجار الكبير. لذا، وبحسب ما وجده ستينغر، فإن اشتراط النجوم طويلة العمر يحققه مدى واسع من المعاملات الممكنة، وبالتالي فالكون بالتأكيد لم يؤلف بدقة لأجل هذه الخاصية[28].

ويذكر فيكتور ستينغر ملاحظة هامة للغاية قائلاً: “إحدى الأخطاء الجسيمة لدراسات المبدأ الإنساني the anthropic principle هو أن الباحثين يغيرون قيمةَ معامل واحد مفترضين أن سائر المعاملات تبقى ثابتة ومن ثم يرتكبون نفس الخطأ بأن يتوجهوا إلى حساب احتماليات بلا معنى بناءًا على هذا الافتراض الفاضح في خطأه في أن كل العوامل مستقلة عن بعضها، أما في دراستي فقد اعتنيت بجعل كل المعاملات تتفاوت في الوقت ذاته”[29].

في الحقيقة لم يكن فيكتور ستينغر الوحيد من أدلى بهذه الملاحظة فقد قام باحثون أخرون بنفس الدراسة ولاحظوا نفس الأمر[30].

دراسة أنتوني أغيري:

تفحص أنتوني أغيري الأكوان التي قد تنتج حين قام بتغيير معاملات كونية أساسية لنشوء كوننا الحالي بدرجات كبيرة من العظم ووجد أن بإمكانه بناء تصورات للكون حيث يمكن بشكل معقول أن تنشأ نجومًا وكواكبًا وحياة عاقلة[31].

دراسة كرايغ هوغان:

قام هذا الأخر بعمل دراسة مشابهة وتفحص فيها الثوابت المطروحة على أنها مؤلفة بشكل دقيق وتطرق إلى المبدأ الإنسي the anthropic principle بشكل مباشر ووجد نتائجاً مشابهة لنتائج دراسة أنتوني أغيري[32].

دراسة جامعة كيوتو في اليابان:

قام فيزيائيون نظريون في جامعة كيوتو في اليابان بإثبات أن العناصر الثقيلة الضرورية للحياة ستكون موجودة حتى في النجوم الأولى بغض النظر عما كانت عليه المعاملات المضبوطة لتكون النجوم[33].

دراسة أدامز:

ملهمًا بنظرية الأكوان المتعددة، قام فريد الفيزيائي النظري فريد أدامز Fred Adams بتفحص أكوان ذو ثوابت مختلفة، وأختار هذه الثوابت بشرط أن لها أثر على أعمار النجوم. ووجد ان 25% من الظروف الابتدائية للكون يمكن لها أن تكون نجومًا ذو أعمارٍ كافيةٍ لدعم الحياة[34].

ويكثر عدد هذه الدراسات بشكل لا يسمح لي بأن أذكرها جميعًا، فماذا عن الاستنتاج الذي يمكن أن يستمد من هذه الدراسات؟ من أنا كي أكتب هذا الاستنتاج؟ دعوا محرري مجلة Scientific American يضعون لنا استنتاجهم ونقرأه:

“These findings suggest that our universe may not be as “finely tuned” for the emergence of life as previously thought.”

بالعربي: “إن هذه الاكتشافات تقترح أن كوننا ليس مؤلفًا بشكل دقيق كما كان يعتقد سابقًا”[35].

وأخيرًا

خرجنا من الجزء الأول باستنتاج مفاده: إدعاء ان الكون مؤلفًا بشكل دقيق لأجل الحياة هو أسخف إدعاء طرحه المؤمنون على الإطلاق، وأن سخافته يمكن وصفها بأنها سخافة كونية. وفي هذا الجزء وضعنا الحياة جانبًا وتفحصنا الأرقام المدعاة بأنها مؤلفة بشكل دقيق. بينّا كيف يمكن للضرورة الفيزيائية والمصادفة أن يكونّا ذو قوة تفسيرية أكثر مما يعتقد المؤمنون، وبينّا احتمالية أن تكون الثوابت الفزيائية المدعاة هي ليست ثوابتًا في الحقيقة، ثم عرجنا على نظريات الأكوان المتعددة موضحين كيف أنها مدعومة بشكل علمي رصين وأنها يمكن لوحدها أن تقذف حجة التوليف الدقيق إلى “مزبلة المستقبل”، وعرضنا بعض النماذج العلمية التي يمكن أن تجعل من نفسها تفسيرات قوية جدًا لهذه الأرقام دون أن يكون لنا حاجة بنظريات الأكوان المتعددة، وفي نهاية المطاف أوضحنا بواسطة دراسات مراجعة علميًا أن أعمار النجوم وخصائص الكون المفيدة للحياة لا تعتمد على الثوابت الفيزيائية التي يُدعى أنها مؤلفة بشكل دقيق، وأنهينا كل ذلك باقتباس من مجلة Scientific American يطعن في شرف هذه الحجة بشكل مباشر وواضح وباللغتين العربية والإنكليزية. حقيقةً، لا أعلم ما يمكن فعله أكثر من هذا. ولكنّي أعلم أن كل هذا – وللأسف – قد لا يغير شيء في نفسية المؤمن. إذ يبقى الإيمان إيمانًا والعقلانية عقلانيةً.


الهوامش:

[1] Berman, Marcelo Samuel. “Cosmological models with variable gravitational and cosmological “constants”.” General Relativity and Gravitation 23.4 1991: 465-469.

[2] Teller, Edward. “On the change of physical constants.” Physical Review 73.7 1948: 801.

[3] Xu, Lixin, Jianbo Lu, and Wenbo Li. “Time variable cosmological constants from the age of universe.” Physics Letters B 690.4 2010: 333-336.

[4] Webb, J. K., et al. “Indications of a spatial variation of the fine structure constant.” Physical Review Letters 107.19 2011: 191101.

[5] Ibid.

[6] Stenger, Victor J. The comprehensible cosmos: where do the laws of physics come from?. Prometheus Books, 2006.

[7] Guth, Alan H. The inflationary universe: The quest for a new theory of cosmic origins. Random House, 1998.

[8] Adam Deen, Brendan Larvor, “Does Allah God exist?”. Muslim Debate Initiative. Retrieved: December 5, 2014.

[9] Guth, Alan H. “Eternal inflation and its implications.” Journal of Physics A: Mathematical and Theoretical 40.25 2007: 6811.

[10] WMAP 7th Year results, Nasa.gov, Retrieved: December 5, 2014.

[11] WMAP 9th Year results, Nasa.gov, Retrieved: December 5, 2014.

[12] David A. Aguilar., and Christine Pulliam. “First Direct Evidence of Cosmic Inflation”. Harvard Smithsonian Center for Astrophysics. Retrieved: December 5, 2014.

[13] Greene, Brian. The fabric of the cosmos: Space, time, and the texture of reality. Random House LLC, 2007.

[14] Gerry, Christopher C., and Kimberley M. Bruno. “The quantum divide.” 2013.

[15] Guth, Alan H. “Inflation and eternal inflation.” Physics Reports 333 2000: 555-574.

[16] Ibid.

[17] Vilenkin, Alexander. “Predictions from quantum cosmology.” Physical Review Letters 74.6 1995: 846.

[18] Vilenkin, Alexander. “Making predictions in an eternally inflating universe.” Physical Review D 52.6 1995: 3365.

[19] Aguirre, Anthony, Matthew C. Johnson, and Assaf Shomer. “Towards observable signatures of other bubble universes.” Physical Review D 76.6 2007: 063509.

[20] Feeney, Stephen M., et al. “First observational tests of eternal inflation.” Physical review letters 107.7 2011: 071301.

[21] JA Tauber, ESA, the Planck Scientific Collaboration, et al. “The planck mission”. In: Advances in Space Research 34.3 (2004), pp. 491–496.

[22] Bojowald, Martin, Roy Maartens, and Parampreet Singh. “Loop quantum gravity and the cyclic universe.” Physical Review D 70.8 2004: 083517.

[23] Penrose, Roger. “Before the big bang: an outrageous new perspective and its implications for particle physics.” Proceedings of EPAC. 2006.

[24] Hawking, Stephen W., and Thomas Hertog. “Populating the landscape: A top-down approach.” Physical Review D 73.12 2006: 123527.

[25] The Daily Galaxy web page: Did the Universe Have an Infinite Number of Beginnings? Stephen Hawking Says “Yes”. Retrieved: December 5, 2014.

[26] Smolin, Lee. “Cosmological natural selection as the explanation for the complexity of the universe.” Physica A: Statistical Mechanics and its Applications 340.4 2004: 705-713.

[27] Smolin, Lee. “The status of cosmological natural selection.” arXiv preprint hep-th/0612185 2006.

[28] Stenger, Victor J. The comprehensible cosmos: where do the laws of physics come from?. Prometheus Books, 2006.

[29] Ibid.

[30] Harnik, Roni, Graham D. Kribs, and Gilad Perez. “A universe without weak interactions.” Physical Review D 74.3 2006: 035006.

[31] Aguirre, Anthony. “Cold big-bang cosmology as a counterexample to several anthropic arguments.” Physical Review D 64.8 2001: 083508.

[32] Hogan, Craig J. “Why the universe is just so.” Reviews of Modern Physics 72.4 2000: 1149.

[33] Nakamura, Takashi, Hideya Uehara, and Takeshi Chiba. “The Minimum Mass of the First Stars and the Anthropic Pinciple.” Progress of theoretical physics 97.1 1997: 169-171.

[34] Adams, Fred C. “Stars in other universes: stellar structure with different fundamental constants.” Journal of Cosmology and Astroparticle Physics 2008.08 2008: 010.

[35] Jenkins, Alejandro, and Gilad Perez. “Looking for life in the multiverse.” Scientific American 302.1 2010: 42-49.