إلقاء القبض على : هارب من الجنة

أسمي محمد عبدالإله, كان عمري 27 سنة حين أحسست بأخر نفس يدخل صدري, إستنشقت ذلك النفس بعد إنفجار سيارة مفخخة في طريق على أطراف بغداد وضعها عبادك الطائعين من أفراد “دولة العراق الإسلامية”, كنت متوجهاً الى كركوك نحو الشمال, وقتها كنت مسلماً ملتزماً بتعاليم ديني إلى حد ما, دينياً كنت أفضل من أقراني. فبينما كانوا يقضون ساعة أو ساعتين من الليل على شاشات الحاسوب يتابعون ما تنشره صفحات الفيسبوك أو يتغزلون بعدة فتيات ممن وعدوهن بوعود الزواج الكاذبة, كنت أنا أقضي تلك الساعتين أقرأ القرأن, ذلك الكتاب الذي أنزلته الى نبيك محمد. أنا أمامك الأن يا الله, بعد أن قضيت 27 سنة في حياة الدنيا ورعاً تقياً ملتزماً غاضاً للبصر, لم أنكح يدي يوماً ما, ولم أتبول واقفاً, صحيح أنني لم ألبس جلباباً قصيراً, ولكنها كانت للعادة والضروف والوظيفة أسباب تمنعني. أقف اليوم بين يديك من بعد ان القوا القبض عليّ هؤلاء المجرمين ممن تسميهم الملائكة.. كنا في دنيتنا نصف كل إنسان رحوم متعاطف بالملاك, ولكنني لم أرى من هؤلاء سوى ابشع ما أتصور, فأحدهم يخرج أرواح الناس ويأخذهم من احبابهم والأخر ينفخ الصور كي يثقب الأذان وأخرون يرمون بشراً ذو أحاسيس في النار, وأخرون رأيتهم بأم عيني يقتادون أمي الحبيبة من شعرها ليرموها في النار عارية… أقف الأن أمامك مكللاً بسلاسل الحديد المنصهرة التي وضعوها عليّ هؤلاء المجرمين, أطلب طلباً واحداً, ألا وهو أن لا تعيدني لما تسميه الـ”جنة” وما أسميه أنا سجن حضيرة الحيوانات, نعم يا إلهي, بعد قيام الساعة تغيرت كل مفاهيمي, كنت سابقاً أدعوا صديقاً محبوبا لي بالـ”ملاك” والأن أود ان اعتذر له, فتلك التسمية أراها الأن شتيمة.. كنت سابقاً أود أن أدخل الجنة, وأنا الأن أفضل الحياة الدنيا بألاف المرات, كنت سابقاً أتخيلك رحيماً, والأن أنا اتساءل كيف تصف نفسك بالرحمة وقد قمت برمي تريليونات البشر في حفرة تحترق الى الأبد, هل ترميهم فيها لأنهم إتبعوا ظلالات الشيطان ؟ ألست أنت من خلق الشيطان ؟ كيف تصف نفسك بالرحمة ؟ في حياتي السابقة كان من يقتل او يجرح او يسرق او يعذب شخصاً واحداً فقط نسميه بالمجرم بغض النظر عن ما تبريراته التي يدعيها لفعلته هذه, كان مجرماً, والأن أنا أقف امام من يعذب تريليونات البشر ويسمي نفسه الرحمن الرحيم !! من أنت يا إلهي ؟

أرجوك لا تضعني في الجنة, أستحلفك بحق محمد وإبراهيم وموسى وعيسى, لا تضعني في الجنة مرة أخرى, أشتقت لزوجتي (سارة) وهي في النار تحترق, نعم, أعترف أنها كانت تاركة للصلاة, ولكنها كانت بارة ولم تصب أي أحد بسوء, وعلى ذكر السوء, لماذا أرى من قام بوضع تلك السيارة المفخخة التي أودت بحياتي في الجنة, صحيح أنه كان يصلي ويصوم وعابد تقي, ولكنه كان مجرماً !! ولست أنانياً كي أطلب منك تعذيب من قام بقتلي فقط, بل إلتقيت في الجنة بمن قام بقتل أخي (عثمان), وعلى ذكر أخي, بحث عنه فلم أجده, قيل لي إنه يعذب في النار لأنه كانت لديه قناة على الـ”يوتيوب” ينشر فيها بعض الأغاني… أود أن أراه أو أسلم عليه على الأقل.. وهل تعلم بمن ألتقيت أيضاً في الجنة ؟ إلتقيت بعمر بن الخطاب (الذي رضيت عنه) وعلي بن إبي طالب (الذي كرمت وجهه) كانوا يمزحون ويضحكون فيما بينهم, كانوا فعلاًً سعداء, يتبادلون كؤوس الخمر وتتدلى قربهم أثداء بعض حور العين, كم كرهت الموقف !! هؤلاء الإثنين تسببوا بحروب وقتل وتشريد ومغازي وويلات وسبي وتفجير وتفخيخ وتهجير بين طوائف المسلمين, تسببوا بفراقي لجاري (أبو عبد الزهراء), ليجلسوا جلستهم الحيوانية هذه ؟  ويتفهوا ببعض النكت البذيئة محتسين أطيب الخمور بينما تدق نواضرهم على فروج وأثداء نساءهم العاريات من حور العين اللواتي يجلسن قربهم. حور العين .. ااااه وما أدراك ما حور العين, التقيت قبل 863 سنة بأختي أم عبد اللطيف وكانت تبكي على باب قصرها الذهبي, لأن زوجها شغل نفسه طوال تلك المدة بنكاح حور العين وشرب الخمر والعسل والطيبات ولم يكلمها ولا كلمة واحدة, في الحقيقة كنت أشك بحبه لها منذ الحياة الدنيا, ولكنه مع ذلك كان زوجها فوجب عليها أن تكون معه في يوم القيامة, أوتدري لماذا ؟ لأنك يا إلهي قد قمت بحصر كل معاني الزواج السامية بكلمة “نكاح” فلا حب ولا إرتباط عاطفي, مجرد نكاح.. أختي هي حالة من بين مليارات الحالات التي شهدتها في الجنة من نساء تزوجوا بغير حب في الدنيا, ووجب عليهم أن يكونوا مع أزواجهم في الجنة..

أختصرت أنت يا إلهي كل ما في الزواج من حب وتعلق عاطفي وثيق بكلمة نكاح, ولا أود أن أتباهى, لكنني لم أكن كذلك, فمن الخطايا التي وزنتها عليُّ في ميزانك اللعين, كانت أنني أحببت إبنة جارنا (سارة) وتزوجتها عن حب, وكبف للحب أن ينشأ دون أن أكلمها على أنفراد وأتغزل فيها وتتغزل فيَّ, هل هذه خطيئة, ااااااه كم أشتقت لها, وهي الأن تتعذب في جحيمك الأبدية, أود أن اراها بعد يوم عمل شاق لتقبلني وتسقيني ماءاً بارداً أخرجته تواً من الثلاجة فحينها أنسى كل تعب, أود أن اراها وقد حرقت الغداء وأزعل عليها لتأتي فتراضيني, أود أنا أخذها في عطلة ربيعية الى ريف بغداد, أود ان انجب منها أطفالاً ليأخذوا منها عيونها الخضراوية, أود أن اوبخهم وأمنع عنهم المصروف, أو أن يأتي إلي أحدهم فيطلب مني أن أشتري له موبايل, أود أن أفرح بزواج إبنتي وأقبلها على هامتها وأخبرها بأن الأمور ستسير على ما يرام وأودعها لتذهب الى بيت زوجها في فستانها الأبيض الذي حلمت منذ طفولتها بارتداءه, أو أن يطرق على مسامعي كلاماً يقال عن إبني وعن نجاحه الدراسي, ويأتي إليَّ إبني ويطلب من عندي السيارة ليذهب مع رفاقه, هذه هي راحتي, وأنت يا إلهي إختصرت كل مفاهيم الراحة والسعادة بنكاح أبدي وغلمان ومشروبات كحولية, ذهبت الى ذلك النهر الذي تسري فيه أطيب المشروبات الكحولية كي أنسى ما حل بي منكَ ومن جنتك, فأكتشفت صحة ما يوصف به بأنه لا يسكر؟ فهل أصبح عصيراً أم مشروباً ؟ سلبت مني إنسانيتي, سلبت مني شخصيتي سلبت مني هويتي, من أنا الأن ؟ ومن أنت كي تفعل هذا بي ؟ ..

وأخيراً, بلا عناء وشقاء لا يوجد راحة وإمتلاء, وبلا حزن لا يوجد سعادة. والحزن والمعاناة والتطلب والترجي هي صفات إنسانية لا يمكنك أن تنتزعها من عندنا وإلا لأصبحنا حيوانات, ولأصبحت جنتك حضيرتنا. في الحقيقة ما يكاد يميزنا عن الحيوانات هي هذه السمات, فالحيوان ينكح أيضاً, والحيوان يشرب ويأكل أيضاً, والحيوان يجلس لساعات طويلة في مكان مفضل له, نسميها نحن حضيرة ويعتبرها هو الجنة. أود أن أعود إنساناً, بحق محمد وإبراهيم وموسى وعيسى عليك, لا تعيدني الى حضيرة الحيوانات تلك.