تيم ميتشن هو كوميديٌ ومؤلفٌ موسيقيٌ ساخرٌ من المملكة المتحدة، كما اُشتهر بأعماله الساخرة الكوميدية من الدّين والأفكار المُعلّبة، ويقدّم مينشن في قصيدة “العاصفة”، والتي قدّمها مع خلفيّة من موسيقى الجاز، مواجهةً مع شخصيةٍ تتبنى العلوم الكاذبة والأديان والمعتقدات الجديدة المتمثلة في تبنّي العلاجات الروحيّة والقوى الخارقة والعلوم الكاذبة والنظرة السلبيّة للعلم؛ حيث يواجهها بطريقته الساخرة الفنية المعهودة في قصةٍ طريفةٍ حدثت معه على العشاء في زيارةٍ لأحد الأصدقاء، ولقد ترجمناها بكل حرصٍ حتى لا تفقدَ زخمها الموسيقي.

في شمال لندن في شِقةٍ عالية

 ذات جدرانٍ بيضاء زاهية

 وسجّادةٍ بيضاء، وقطةٍ بيضاء

مقسّمةٍ بألواح الأرز البيضاء الباهية، مليئةٍ بالتحف والفن والطموح

كان المضيف طبيبًا، ذكيًا، صاحب عيادةٍ طبيةٍ، حبيبته جميلةٌ، وممثلةٌٌ مسرحيةٌ

 قد كان جارًا لنا، وصديقًا قديمًا، مشوّقًا في حواره

وجميع الضّيوف متمتعون بالصحبة والسّمر، لهذا جئناهم للسهر

قد كان فيما بينهم، فتاةٌ ضيفةٌ غريبةٌ، مجهولة الديار والأمر

 حقيقةً كانت مريبة

 قد استضافها ذاك الطبيب، بكلّ ترحيبٍ طيّبٍ

 من أستراليا جاءت إلينا، في شمال لندن حلّتْ علينا

 كانت من أحد معارفه، أو من أقاربه

 وعندما تعارفنا، أعجبتْني وفتنتْنَي، قد أبهرَتْني في الجمال

 شخصيةٌ ذات خصالٍ، بلون عينيها الغامقتين، ولون شعرها الأسود الفتّان

لكن حينما الفتاة همّتْ بالجلوس، حلّ الوجل واشْمَأزتِ النفوس

 رأيْتُ وشم جناح عفريتٍ على ظهرها وفوق مؤخّرتها، ثم قالت: 

أنا من برج القوس في عالم الأبراج،

حينها غارَتْ أفكاري في الحيرة وشعرْتُ بالانزعاج،

وازداد إحساسي بالوجوم والغرابة الجارفة،

عندما قالت: إن اسمها «العاصفة»

الحديث في البدء كان مسليّا، كان الحديث خالياً من الأوهام والمعارف والأخبار الحديثة

 لكن بحضور «عاصفة» تلك الأجواء لم تدم بردّها على شيءٍ قلته:

«أنتَ لا تستطيع أن تعرف عن أي شيءٍ، فالمعرفة ما هي إلا مجرّد رأي»

هي ارتأت قول ذلك الأمر، خلال احتسائها كأسًا من الخمر

 لم يكن قولها هذا سيؤدّي لنهايةٍ سعيدةٍ، ونحن مازلنا في بداية الزيارة الكريمة

 ونحن نحتسي مشروباتنا قبل الوليمة

فتحتْ زوجتي عيناها ورمقتني رمقةً مخيفةً تتوسّلني بصمت

 أن تكون نفسي معها لطيفةً، ليس ذلك من حكمتكَ، أن تتجاهل تحذير زوجتكَ

 فقاومتُ الرغبة في الجدال، ومنعتُ نفسي عن السؤال:

«هل كانت المعرفة أو الرأي سبباً في القرار

في أن تغادري الشِقة في هذا الصباح من خلال الباب الأمامي،

وليس من خلال النافذة في الطابق الثاني؟»

الطعام كان لذيذًا، وبينما نحن على المائدة نحومُ، امتنعتِ «العاصفة» عن أكل اللحوم

هي جالسةٌ تأكل بنهمٍ وسعادةٍ

الطبيب الذي خفّ رأسه من النبيذ، بدأ يتحدّث عن تاريخ الطب القديم 

عندها فاجأتنا العاصفة بإصرارٍ معارضةً مخالفةً:

«لكن جسم الإنسان لغزٌ لا تدركه العقول،

العلم يقع في هاوية العالم المجهول،

عندما يحاول تفسير طبيعة الروح»

المضيفة زوجة الطبيب وزوجتي، رمقتاني بأعينٍ من حديدٍ

 هي مثل زوجتي تخال أن قد يكون هناك احتمالٌ أني سأبدأ بالردح والانفجار

 وأخوض معها في النقاش والحوار

 في إحدى نوادري التي أبدأ فيها بالسخرية والجدل والملام، لكنّني قلت لهما: 

لا تقلقا، لن أفعل، لن أفعل، سأبقي فمي مغلقاً، اطمئنّا لن أفعل

 وما أريد إلّا التمتّع بالطعام والشراب 

وبالرّغم من أن العاصفة بدأت بالاستفزاز، وجارتْ ولسعتْ كلسع العقارب

 فمازلتُ أتمالكُ ذلك الاهتزاز، فلا نيّة لديّ في هزّ ذلك القارب

 حيث أصبح الحوار كالأمواج والنوائب، كاسمها متعلّقٌ بالكوارث والمصائب

 لا تظهر أي اعتبارٍ للسهرة والركب والقارب

 واستمرّت: «شركات الأدوية هي العدو الخطير؛ لأنها تدعم الإدمان على العقاقير

 على حساب العلاج الطبيعي الفريد الذي يحصل الجسم منه على كل ما يريد

 إنهم في الحقيقة ليسوا أخلاقيين، ومليئين بالجشع والجنون

 لماذا تعاطي العقاقير كان حلًا بينما الأعشاب تكون محلها حلّاً؟

 لماذا نستخدم المواد الكيميائية، ونحن نملك علاجات الهوميوباثي[1] المائية؟»

بالرّغم من محاولاتي وصمودي في السيطرة على بروقي ورعودي

 فقد ظهر تشقّقٌ صغيرٌ في سدّ دبلوماسيتي المنيع، وقلتُ لها مقاطعاً: 

بالتعريف، الطبّ البديل إما أن يكون غير مثبت الفعالية، أو مثبتًا في انعدام الفعالية

 هل تعلمين ماذا يسمّون الطبّ البديل الذي أثبت فعاليته في علاج العليل؟ إن ذلك يسمى «طبًا»

قالت: «إذًا، أنت لا تؤمن بالعلاجات الطبيعية الآنفة؟»

قلت لها: بالعكس تمامًا عزيزتي العاصفة،

في الحقيقة قبل أن آتي لهذه الدار أخذتُ علاجًا مأخوذًا من قشرة شجر الصفصاف

مسكّناً للألم

 ودون أعراضٍ ومعلوم الأوصاف،

له اسمٌ غريبٌ، ذكّريني يا مهجتي،

ما اسمه يا زوجتي؟ 

هل ماسبرين؟ أو كان باسبرين؟ 

 نعم نعم، اسمه الإسبرين الذي دفعت من أجله دولارًا في الصيدلية أسفل هذه الدار 

هدأ الجدال قليلًا، بينما كانت المضيفة تجمع الصحون

 وعندما جاؤوا بعد العشاء بالتحلية قالت «العاصفة» بجدّيةٍ وثقةٍ عاليتين:

«شكسبير قالها أولاً: (توجد أشياءٌ في السموات والأرض فوق فهمك ومقدرتك أكثر من الأشياء الموجودة في فلسفتك) 

العلم فقط أحد الطرق لعمل العقول، والذي يكشف لنا بعضًا من العالم المجهول

 فهو لا يفسّر الحب والعاطفة، ولا يفسّر الأمور الروحانية

قراءة الطالع، كيف للعلم أن يفسّر التخاطر، وما خلف الحياة وقوّة الصلاة؟»

وبينما أنا أحدّق فيها بذهولٍ، شعرت وكأنني أرنبٌ عالقٌ في حفرةٍ من الكلام الفارغ المهول

 ربما كان اقتباس شكسبير، الذي أُلْقِي في غير مكانه ودون تدبيرٍ

 أو أن الكأس السادس من النبيذ أحدثَ التأثير، لكن سدّ الدبلوماسية بدأ في الانهيار

 والشخص الحقير الذي بداخلي بدأ بالانفجار، ولم يعدْ بمقدوري الهدوء والانتظار 

-عذرًا، أنا لا أعني الطعن بكِ (عاصفة) لكن لا وجود لشيءٍ اسمه الطالع

 قراءة الطالع كقراءة الأفكار والعقول، علامات النجوم، خطوط الكفّ

 كلّ ذلك عبثٌ وهراءٌ، تسير حسب المزاج والأهواء

 فالذين يمارسون هذه الأمور لا يقومون بتوظيف مهارةٍ أو علومٍ

 فهم إما أن يكونوا كذّابين أو مرضى ومجانين، وكذلك الذين يدّعون أنهم يسمعون أوامر من الإله

 والمعالج الروحي الذي يدّعي أنّ مداركه تملك يدًا سحريةً مباركةً، وبالمناسبة

لماذا نرى الأمر عادياً، و نقبل من يتظاهر وينادي أنه يستطيع التحدّث مع الأموات والأجداد؟ 

أليس هذا ضربًا من الجنون؟

امرأةٌ مات ابنها الحنون، يكذّبون عليها

 وبعواطفها يتلاعبون ويخبرونها أنهم على اتصالٍ بالعالم الآخر من أجل ما لديها من مالٍ

 إنه لأمرٌ مثيرٌ للاشمئزاز، هل نحتاج أن نوضّح شيئًا هنا؟

إنّ الواقع يخلو من مثل هذا في الحياة، هل فعلًا ما زلنا في زمن الخزعبلات؟

 هل مازال عقلنا يحمل تلك الحكاية أنّ بابا نويل يجلب لنا الهدايا؟

 وأنّ مايكل جاكسون لم يخضع لعمليات تجميلية؟

هل مازلنا مذهولين بخدع السيرك والألعاب الخفية لدرجة تجعلنا نعتقد أن الأموات يتواصلون مع المعتوهين بالأصوات مثل جون ادوارد[2]؟

العاصفة، ورغم الحُجّة والسخرية استمرّت في إطلاق مقولاتها بدقّةٍ مذهلةٍ 

كقنّاصٍ يستخدم الهراء كذخيرةٍ قائلةً:

«أنتَ عنيدٌ، وشديد التأكّد من موقفكَ، لكنّكَ صراحةً أقول لكَ: إن أفقكَ ضيّقٌ، ستكتشف أن إيمانك الأعمى بالعلم والمنهج التجريبي كإيمان أيّ متعصبٍ أصوليٍ»

«نعم، هذه نقطةٌ مهمّةٌ، دعيني أفكّر بها قليلًا، نعم، لا انتظري لحظةً، أنا مخطئٌ

 هذا مجرّد هراءٍ بكلّ الصفات، العلم يغيّر رأيه حسب المعطيات والإثباتات

 والإيمان إنكار المعطيات والإثباتات؛ ليحفظ الإنسان معتقده من التغيير

إذا أريتيني مثلًا أنّ علاج الهوميوباثي يعمل فسأغيّرُ رأيي في لحظتها وأمتثلُ

 سوف أنقلب كقطعةٍ نقديةٍ راقصةٍ، سأكون محرجًا للغاية، وعقليتي ناقصةٌ

 لكني سأركض في الشوارع صارخًا، إنها معجزة، معجزةٌ مذهلةٌ!

خُذي الفيزياء، وارميها في المزبلة، كيف سيكون للماء ذاكرة؟

 وبينما ذاكرته لقطرةٍ ضائعةٍ من عصير البصل تبدو مطلقةً وقويّةً

 فإنه وبطريقةٍ ما تنسى كلّ البراز الذي مرّ عليها!

أنتِ أثبتي لي أن هذا يعمل، وكيف يعمل،

وعندما أصحو من هذه الصدمة سآخذ سكيناً حادةً،

وسأحفر كلّ هذا الكلام على قضيبي.»

أصبح الجميع ينظر إليّ، والغضب يسيطر عليّ

 فأسررتُ إلى النفس، من يتورّط في فلسٍ إن أكملها إلى درهمٍ فلا بأس، فقد سبق السيف العذل

 وإذا كان الكلام من فضّةٍ، فقد صار الآن من ذهبٍ 

الحياة مملوءةٌ بالألغاز، نعم، ولها أجوبةٌ بامتيازٍ، ولن يعثر عليها أناسٌ لا يعملون

 يتظاهرون بالحكمة ويتساءلون: (أليست الحياة لغزًا غامضًا؟ لنقعد هنا ونتأمل، لنتصل بالقسيس الأهبل، لنذهب ونشاهد برنامج أوبرا[3] تقوم بمقابلةٍ مع ديباك شوبرا[4])

إذا كنتِ ستشاهدين التلفاز، فعليكِ مشاهدة كرتون «سكوبي دو[5]»

هذا البرنامج كان جميلًا، وله الكثير من الحكمة والقبول؛ لأنه في كلّ مرةٍ يكون في الكنيسة غولٌ

 أو في المدرسة شبحٌ مهولٌ

 عندما ينظرون في النهاية إلى من تحت القناع، يكون دومًا البوّاب الأخرق أو حامل المتاع

 لأنّ من خلال التاريخ الطويل، كلّ لغزٍ تمّ حلّه بالتفصيل تبيّن أنه ليس سحرًا

 هل الفكرة أنّ يومًا ما ستخيفكِ معرفةٌ تكتسبينها في مكانٍ ما؟

 هل الفكرة أنّ في ظهيرة يومٍ ما على موقع الويكيبيديا ستجدين معلومةً ما ممكن أن تنوركِ، تخيفكِ؟

هل الفكرة أنّ عدم وجود قوةٍ خارجيةٍ تصدم مشاعرك الوجودية، لدرجة تجعلكِ تفضّلين البقاء في ضبابيةٍ لعدم قدرتكِ على استخدام غوغل؟

أليس هذا كافيًا؟ فقط هذا العالم؟ فقط الوجود المعقّد المذهل اللامتناهي المُسمّى بالعالم الطبيعي؟

 كلّ هذا ليس كافياً؟!

 كيف لنا أن نفشل في الحفاظ على اهتمامنا وذهولنا بسحر هذه العظمة؟ 

هل نحتاج إلى تبخيسها باختراع الوحوش والأساطير الرخيصة؟ 

إذا كنتِ تحبين القراءة لشكسبير أعيريني أذنكِ قليلاً: 

«طلاء الذهب بلون الذهب، وتلوين الزنبق بلونٍ مصطنعٍ ونثر العطور على البنفسجات فقط أمرٌ غبيٌّ وساذجٌ[6]»

أو شيءٌ كهذا، أو ماذا عن أغنية لويس أرمسترونغ؟ 

«أرى أشجارًا خضراء، وأيضاً زهورًا حمراء[7]»

وإن كنتِ تمجّدين الإله كريشنا أو فيشنو بطريقةٍ قديمةٍ معلّبةٍ مذلّةٍ للنفوس

 فلا بأس بهذا، لكن ما يمنحني النشوة هو هذا:

 أنا مجرّد ذرةٍ صغيرةٍ، جاهلةٍ، وغير مهمةٍ من الكربون، لديّ حياةٌ واحدةٌ فقط

 وهي قصيرةٌ وغير مهمةٍ أيضًا

 لكن بفضل التقدّم العلمي الحديث أستطيع العيش لضعف الزمن الذي عاشه جدّ جدّ جدي وإخوته من أعمامي وعماتي

 ضعف المدّة لعيش حياتي هذه، ضعف المدّة لأحبّ زوجتي

ضعف المدّة من الأصدقاء والصحبة والنبيذ

ضعف المدّة لنتناول الطعام مع الأصدقاء

 ضعف المدّة لنضحك على الوجوديين الساذجين جميلي الطلّة

 الموشومين بجنياتٍ على مؤخراتهم، وفراشاتٍ على صدورهم

وإذا كنتُ قد أهنتُ أحداً ما فخذوا مني هذه الخاتمة، فكلّ شيءٍ سيكون كما كان، هيّا ننسى الدقائق العشر الماضية من كلامي هذا الموّجه لكم، وننسى معها فرصتكم بالتفكير وتغيير قناعاتكم.


الهوامش:

[1] الهوميوباثي: العلاج بذاكرة الماء، وهو من العلوم والعلاجات الكاذبة التي تقوم على الدجل.

[2] جون ادوارد: John Edward McGee, Jr. دجّالٌ تلفزيونيٌ شهيرٌ يدّعي قدرته على قراءة المستقبل، والكلام مع أرواح الأموات.

[3] برنامج أوبرا : برنامجٌ تلفزيونيٌّ شهيرٌ يتميّز بالسذاجة.

[4] ديباك شوبرا : Deepak Chopra معالجٌ دجّالٌ شهيرٌ يدعي إستخدام القوى الروحية والنفسية.

[5] سكوبي دوو : Scooby-Doo مسلسلٌ كرتونيٌّ وبوليسيٌّ أمريكيٌّ، يعالج القضايا الغامضة، من إنتاج السبعينيات.

[6] الاقتباس الأصلي لشكسبير : “To gild refined gold, to paint the lily, to throw a perfume on the violet, to smooth the ice, or add another hue unto the rainbow, or with taper-light to seek the beauteous eye of heaven to garnish, is wasteful and ridiculous excess.”

[7] مقدّمة أغنيةٍ شهيرةٍ للويس آرمسترونغ بعنوان What A Wonderful World تتغنّى بجمال الحياة.

 [featured_article_source issue_url=”http://www.arabatheistbroadcasting.com/magazine/061348233753″ issue_name=”مجلة الملحدين العرب : العدد التاسع عشر /شهر يونيو / 2014″]