ماهي الانسانية؟ علاقتها بالدين؟ انواعها؟ تساؤلات اخرى (الجزء الثاني)

هذا المقال منقول عن مدونة بن باز «نبضات بن باز: عقلانية انسانية متحررة»

هناك انواع كثيرة من الانسانية ليست من تخصص المدونه هنا ولكن ما ساركز عليه هو الانسانية العلمانية والانسانية الدينية والفرق بينهما ثم الرد على بعض الشبهات مثل هل الانسانية العلمانية دين؟ وهل ان الانسانية العلمانية تناسب المتدينين؟

الانسانية العلمانية تتشارك مع انواع الانسانية الاخرى المباديء الاساسية وهو الاهتمام بالبشرية واحتياجات ورغبات البشر، واهمية الخبرات الانسانية. بالنسبة الى الانسانيون العلمانيون فانه الانسان هو من يجب ان يكون محور اهتمامنا الاخلاقي.
ان ما يفرق الانسانيين العلمانيين عن باقي الانسانيين هو مفهوم العلمانية وهذا المصطلح له مفهومان مهمان:
1- في المقام الاول: الانسانية العلمانية هي بالضروره غير دينية. وهذا لا يعني ابدا انها ضد الدين او معادية له. هناك فرق شاسع بين ان تكون لاديني وبين ان تكون معاديا للدين. صحيح ان الانسانية العلمانية تنتقد الدين في مظاهره المختلفة. لكن النقطة الاساسية في كونها لادينية تعني انها لا علاقة لها بالمذاهب الروحية والدينية او السلطات الدينية.
ان العلمانية في الفكر الانساني العلماني تعني فلسفيا ان قبول مباديء الانسانية يعني ادراك قيمتها وملائمتها وليس لانها ذات اصول ربانية او انها يجب ان نعبدها. كما انه لا يوجد اي اعتقاد ان مباديء الانسانية هي مقدسه بالمفهوم التقليدي الذي يعني انها لا تخضع للسؤال والنقد.
2- الانسانية العلمانية تتطلع الى التفريق بين الدين والدولة وتتطلع الى حكومة علمانية لا تعطي اهتمام خاص لاي نظام ديني وتتطلع الى ثقافة علمانية تقدر التنوع في وجهات النظر الدينية.
ان هذه الثقافة العلمانية هي التي تسمح بنقد الاعتقادات الدينية بدلا من اعتبارها وقاحه وغير ملائمة بحسب مفهوم هذه الاعتقادات انها يجب ان لا تكون خاضعة للنقد. بهذا المفهوم الذي ذكرناه نستطيع ان نرى ان العلمانية هي الشريك الملاصق للمباديء الانسانية التي تقدر التفكير الحر والسؤال بلا قيود مهما كان الموضوع.

ما هي الانسانية الدينية ؟

 
ان الانسانية المعاصرة مرتبطه بالعلمانية ولكن لا يجب ان ننسى ان الانسانية لها محفزات دينية مرتبطه بها. خاصتا في عصور الاسلام الذهبية وعصور النهضه الاوروبية.
مما جعلها تكون في ذلك الوقت متاثرة بتلك الاديان، اما الان فالانسانية اكثر تنوعا خاصتا في الغرب.
ان اي اعتقاد ديني يتضمن اعتقادات انسانية ومباديء يمكن اعتبارها انسانية دينية. اذا الانسانية المسيحية والاسلامية يمكن ادراجهما تحت مفهوم الانسانية الدينية.
اعتقد في الحقيقة انه من الافضل ان نصف هذا الموقف بالدين الانساني (اي ان الدين هو من تأثر بالفلسفة الانسانية التي سبقته) على ان يتم تسمية الموقف بالانسانية الدينية التي تعني (ان الانسانية هي في طبيعتها دينية)
على كل حال، الانسانية الدينية تتشارك مع انواع الانسانية الاخرى المباديء الاساسية بالاهتمام بالبشرية ورغبات الانسان واحتيجاته وهمية خبراته وان الانسان هو محور اهتمام الاخلاق.
ان وجود تيار ديني في الانسانية المعاصره شيء لا يمكن انكاره ومهم.
ان ما يفرق الانسانية الدينية عن باقي انواع الانسانية يتضمن المواقف الاساسية ووجهات النظر حول ما يجب ان تعنيه كلمة انسانية. فاالانسانيين الدينين يعاملون انسانيتهم بطريقة دينية. وهذا يتطلب تعريف الدين من منظور وظيفي، وهذا يعني تعرف الوظائف النفسية والاجتماعية للدين وتفريقه عن انواع الاعتقاد الاخرى.
ان وظائف الدين كما يقول الانسانيون الدينيون تتضمن اشباع الاحتياجات الاجتماعية لمجموعه من البشر مثل ( تعليم الاخلاق، مشاركة الاحتفالات الدينية، وتكوين المجتمع) واشباع الاحتياجات الشخصية مثل ( اكتشاف معنى الحياة، وكيفية التعامل مع المصائب والاحزان والمثل العليا)
بالنسبة الى الانسانيين الدينيين فانهم يرون ان الدين تم ايجاده لاشباع هذه الاحتياجات واذا فشلت العقيده في تلبية هذه الاحتياجات فان الدين يفشل، ان هذا الموقف يضع الافعال والنتائج فوق العقائد والتقاليد و يتماشى مع مباديء الانسانية وهي ان المساعدة والحل لن يجدها سوى الانسان. مهما كانت مشاكلنا سوف نجد الحل في جهودنا ولا يجب ان ننتظر اله ياتي لنا لينقذنا.
 
الانسانية الدينية كي تحقق اهدافها الاجتماعية والشخصيه فانها تمارس بطريقة دينية يعني طائفة وطقوس.
بل ان بعض الانسانيين الدينين يذهبون الى ابعد من ذلك بقولهم ان الانسانية هي بالاساس دينية في طبيعتها. وهذا يعني ان الاحتياجات النفسية الاجتماعية التي تم ذكرها يتم اشبعاها من خلال الدين فقط.
ان مثل هؤلاء يعتقدون انه حتى الانسانية العلمانية هي دين وهذا ما يبدوا تضارب وتخبط في فهم المصطلحات

مقارنة الانسانية العلمانية بالانسانية الدينية:

ان طبيعة الانسانية الدينية وعلاقتها بالانسانية والدين هو شيء مهم لكل الانسانيين من جميع انواعهم. فبعض الانسانيين العلمانيين يرون ان مصطلح الانساني الديني هو تناقض. وبعض الانسانيين الدينين يرون ان كل الانسانيين هم دينيين حتى وان كان علماني.
 
من الصواب اذا؟
واجابة هذا السؤال تعتمد كليا على كيفية تعريفك للمصطلحات. الكثير من الانسانيين العلمانيين يستخدمون التعاريف الجوهرية للدين وهذا يعني انهم يقولون ان هناك اعتقادات اساسية او مواقف هي جوهر الدين. واي شيء لديه هذه السمات هو دين واي شيء ليس له هذه السمات فليس دين
ان اشهر جوهر للدين هو الاعتقاد في القوى الخارقة. ولانهم يعرفون الانسانية على انه مذهب طبيعي بالاساس فيكون استنتاجهم ان الانسانية لا يمكن ان تكون دينا. فمن التناقض بمكان ان يؤمن الطبيعي بالقوة الخارقة.
وتحت هذا المفهوم للدين يمكننا الاعتقاد في الانسانية الدينية على انها توجد في سياق وحالة المؤمنين الذين، يدخلون بعض المبادئ الانسانية في رؤيتهم للعالم. قلنا سابقا انه من الافضل تسميتهم بالمتدينين الانسانيين لان الدين هو من تاثر بالفلسفة الانسانية.
مع اهمية التعاريف الجوهرية للدين فانها محدودة جداا وتفشل في معرفه اتساع الدين وما يتضمنه للبشرية في حياتهم وتعاملهم مع الاخرين. ان التعاريف الجوهرية للدين تبدوا كانها مثالية الوصف ولكنها محدودة التطبيق في الحياة الحقيقية.
ربما بسبب ذلك يميل الانسانيون الدينين الى اختيار تعاريف وظيفية للدين، اي انها تتعرف على اهداف الدين( النفسية والاجتماعية) واستخدام ذلك لوصف الدين.
ان وظائف الدين التي يقصدها الانسانيون الدينيون كما قلنا مسبقا تتضمن اشباع الاحتياحات النفسية والاجتماعية لايجاد معنى الحياة. وهم بذلك يقولون ان انسانيتهم دينية في طبيعتها.
لسوء الحظ فان التعاريف الوظيفية للدين ليست افضل كثيرا من التعاريف الجوهرية، لانه ببساطه التعريفات الوظيفية غامضة جدا ويمكن تطبيقها على على اي اعتقاد او نظام ثقافي. سيقول احدهم ولكن الدين يطبق في كل مناحي الحياة وسيكون الرد ان كان كذلك فالتعريف الوظيفي لن يفيد في وصف اي شيء !!
اذا من الصواب؟ هل تعريف الدين واسع لدرجه انه يسمح بالانسانية الدينية؟ ام انها مجرد مفهوم متناقض؟
ان المشكله هنا تكمن في افتراضنا ان تعريف الدين يجب ان يكون اما جوهريا او وظيفيا وبالتالي فان الموقف يتحول الى قطبين. بعض الانسانيين الدينيين يزعمون ان كل الانسانية هي دين (من المنظور الوظيفي) وبعض الانسانيين العلمانيين يقولون ان الانسانية لايمكن ان تكون دينية في طبيعتها (من المنظور الجوهري)

اذا هل يوجد حل وسط ؟

في الحقيقة صعب لان الدين في حد ذاته معقد جدا لنجد له تعريف مبسط يفيدنا هنا. وان وجدنا تعريف مبسط سنجد انفسنا ندخل في نفس التضارب مره اخرى.
كل ما يمكن قوله هنا هو الملاحظة الاتية ان الدين يتم تعريفه بشكل شخصي غير موضوعي. لا ننكر ان هناك صفات موضوعية ملموسة للدين تصفه ، ولكن في النهاية سيختلفون حول اولوية تلك الصفات وايها اهم وطبعا هذا باختلاف الاعتقاد والشخص!
وبسبب ذلك فان جوهر الدين للاسلام مثلا ليس بالضرورهي اسس وجوهر المسيحية، وبالتالي ليس من حق المسيحي مثلا تعريف الدين للمسلم او العكس. وهذا الامر ينطبق على الملحدين فليس من حقهم ان يصروا على ان هناك اشياء ما يجب ان تكون من جوهر الدين، وهذا ايضا ينطبق على الانساني العلماني فهو لا يستطيع تعريف كلمه دين. ونفس الامر للانسانيين الدينين ليس من حقهم وصف الانسانية العلمانية بالدين
، لو كانت الانسانية دينية بطبيعتها لشخص ما ، اذا فهي دينه. ان من حقنا ان نسال ان كانوا يعرفون الامور بشكل جيد ، بامكاننا التساؤل ان كان اعتقادهم يستحق هذا الوصف، بامكاننا نقد خصائص اعتقاداتهم هل هي عقلانية ام لا. ولكن ما ليس بامكاننا هو ان نصر على انه لا يمكن ان يكون انسانيا ومتدينا.

هل الانسانية العلمانية دين ؟؟

 
وهنا نسال هل الحركات النسوية دين ؟ هل نركس حياتنا لها ؟ هل الشيوعية دين ؟ هل الليبرتارية دين؟ فهم يكرسون دعمهم للسوق الحر. هل النباتية دين ؟ ان قلنا على كل هذا دين فان تعريف الدين يصبح واسع جدا وينطبق على كل شيء. اذا افترضنا انك لاعب كمال اجسام وضعت وقتك كله لهذه الرياضه ومعظم حياتك هل انت هكذا متدين ؟ لو قلت نعم فيصبح كلامك بلامعنى لانه خطأ واضح في استخدام اللغة.
هناك مشكله اخرى وهي ان كلمه علماني تعني لاديني. وبالتالي ما اغرب هذا الدين الذي يكون اسمه الدين اللاديني. ولو كانت الانسانية العلمانية دينا لاسقطنا عنها صفة العلمانية. وهذا يعني انه يوجد فقط انسانية دينية ولا يوجد انسانية علمانية !!!!!
مشكله الاصوليين هم انهم يعتقدون ان الدين وحده هو مصدر الثقافة، لكن في الحقيقة ان الثقافات والفلسفات تاثرت كثيرا باليونان والرومان والحضارات القديمة ايضا. بل ان الانسانية يعود الى تلك الحضارات التي سبقت الدين

هل من الممكن ان تتماشى الانسانية العلمانية مع بعض التعاليم اللاانسانية الدينية؟

 
ان ابراهيم بحسب القران والانجيل رجل صالح لانه نجح في اختبار الله بقتل ولده وشحذ سكينه وكان مستعدا الا ان اتته المعجزة الالهيه بفداء ابنه. ماذا لو قام احد الاباء اليوم بقتل ولده بحجه ان الله ارسل له ذلك في المنام؟ بالتاكيد سيرمى في مصحة عقلية، واكاد اجزم انه لن يجد انسان واحد يصدقه او يتعاطف معه.
اعتقد ان هناك الكثير من المؤمنين سيتفقون على ما اقوله الان وهو انه ان آمنا بالله فانه ليس كل اوامره يجب ان تطاع وتنفذ. فنحن ننظر الى الاخلاق على انها مسئولية نتحمل نتاجها بغض النظر عن ان الله يريد هذا ام لا.
اعتقد انه لو عملنا استفتاء في وسط المجتمع لسؤالهم ان كانوا سيقتلون اولادهم ان طلب الله منهم ذلك؟ ربما نفاجأ بأن الاغلبية سترفض. وهذا سيكون اكبر دليل على قوة الاخلاق الانسانية والعقلانية الانسانية.
يقول لينوس بولينج الحاصل على نوبل ” ان الانسانية هي فلسفة تقديم الفرحة لخدمة الصالح العام للبشرية جمعاء، وتطبيق افكار علمية جديدة للتقدم العلمي لمنفعه الكل”