حين أتصفح المواقع والمنتديات الإسلامية والصفحات المختصة بنقاش فكرة الأديان واللاوهتيات وتلك الباقة من الأمور, أجد ان كثيراً من المؤمنين يقومون بمقارنة الله كأستاذ في مدرسة الحياة فمن فشل في إختباره حلت عليه جحيمه ومن نجح في إختباره توافد عليه الجزاء الحسن والعاقبة الحسنة. حسناً, رغم أن الموضوع سخيف نوعاً ما, ولكن لنعطيه أهميته نظراً لكثرة إيراده.
تخيل معي أستاذ في مدرسة أعطاك منهجاً مقرراً, فإن قمت بمذاكرته وأجتزت إختباره ستنجح وترتقي لمكانة افضل وإن لم تجتز أختباره سيقوم بمعقابتك, أمر منطقي, أليس كذلك ؟ ولكن هل تصح هذه الحالة للمقارنة مع كيفية تعامل الله مع عباده ؟ من وجهة نظري فإنها مقارنة فاشلة في أعلى المقاييس ولكن سأقوم بإفتراض تعديلات عليها كي تصلح نوعاً ما.
تخيل الأن سيناريو أخر, أنت شخص يتيم, ليس لك منزل, تعيش في المدرسة, لم ترى الأستاذ يوماً ولم تلتقي به, ولكن قيل عنه أشيائاً كثيرة, وقيل أنه سيقوم بإختبارك يوماً ما. من الجيد معرفة ذلك, ولكن ماذا عن المادة المقررة ؟ زملائك الطلاب والذين يبلغ عددهم 7 مليار طالب متواجد حالياً, ناهيك عن الطلاب الذين سيتلحقون غداً أو بعد غد والطلاب السابقين.
رأي زملائك الطلاب في هذا الأختبار:
- 2.1 مليار شخص أعطوك منهجاً كي تدرسه وأسموه “المسيحية”
- 1.5 مليار شخص أعطوك منهجاً أخر وأسموه “الإسلام”
- مليار شخص أخر أعطوك منهجاً مختلفاً أسموه “الهندوسية”
- مليار شخص أخر أعطوك منهجاً مختلفاً أيضاُ أسموه “البوذية”
- 28 مليون شخص, جاءوا اليك وقالوا لك إن المنهج المطالب به أنت يسمى “السيخية” وهو متواجد عندهم حصراً
- 14 مليون شخص قالوا لك أنهم يحملون منهجاً جاءت منه المناهج الأخرى جميعها وهو المصدر الأساسي ولا يحثوك على قراءته ولا يمنعوك منها.. وعلمت ان منهجهم يسمى “اليهودية”
- 7 مليون شخص, قالوا لك لا بأس, إن منهجنا جامعا لجميع المناهج الأخرى وأخذ منها أفضلها, ذلك المنهج يسمى “البهائية”
- 2.6 مليون شخص جاءوا اليك أيضاً, وبدؤا يقصون عليك حكايات مصدرهم “زرادشت” وأسموا منهجهم “الزرادشيتة”
وهكذا إلتقيت بكثير من الطلاب وتعرفت على كثير من المناهج.. بلغ عدد المناهج 4 الاف و 200 منهج !
ولكن .. علمت بعض النقاط الهامة جداً …
- عليك إختيار منهجاً واحداً فقط .. لا غير .. منهجاً واحداً كي تقوم بدراسته ,, ولو قمت بدراسة غيره ستفشل في إختبار الأستاذ..
- أن كل منهج يختلف عن الأخر, وحتى لو تشابهت المناهج فيما بينها فعليك أن تختار المنهج الذي قام الأستاذ بكتابته.
- أن جميع هذه المناهج لديها وجهة نظر معينة تدعي أنها الأصح والباقي خطأ.
- داخل كل منهج من هذه المناهج يتواجد الكثير المتناقضات والطوائف ولا يتفق الطلاب التابعين لهذه المناهج على حلول تشملهم بل هنالك ما يسمى بـ “المذاهب” فمثلاً لدى المنهج الإسلامي يوجد المذهب “السني” والمذهب “الشيعي” وداخل المنهج المسيحي لديك المذهب “المورموني” والمذهب “الكاثوليكي” والمذهب “البروستانتي” ولا يقتصر الأمر على ذلك بل هنالك الكثير المذاهب, بل تظهر المذاهب بشكل دوري وبأعداد من المستحيل حصرها بأرقام..
أحسست نوعاً بالظلم وظهرت لديك رغبة في الإعتراض على الأستاذ, فعلمت أن أي إعتراضاً على طريقة الأستاذ في التعامل مع طلابة تعتبر جريمة لا يمكن تناسيها وتؤدي بك الى عقاب أبدي.
وعلمت أيضاً أن هذا الأستاذ, ورغم أنك لم تره ولن تره ولم ولن تلتقي به, ولكنه يتحكم في أدق تفاصيل حياتك بل يتحكم بطريقة سير الإلكترونات في الذرات المكونة لجسمك وجسم زملائك وجسم السبورة والمقعد وكل شيء, لديه قدرة مطلقة, في الحقيقة هنالك بعض النقاط الأخرى الهامة التي علمتها
- هو من وضعك في هذه المدرسة غصباً عنك ولم يكن لك خيار في هذا.
- أجبرك على خوض هذا الإختبار, ولم يكن لك خياراً في ذلك أيضاً.
- يعلم كل ما تفعل ويراقبك في كل شيء.
- بوسعه أن يغير أي شيء في حياتك.
- كتب لك, (لجميع الطلاب) ما ستختار من منهج مسبقاً .. وكتب لك ما ستفعله مسبقاً .. وفيما ستقضي وقتك .. وجمع ما كتبه عنك في لوح أسماه “اللوح المحفوظ” ولكنه سيحاسبك على أية حال.
حينما كنت تسير في ممرات المدرسة, إلتقيت بطلاب يدرسون المنهج الإسلامي ويقومون يقتل وإيذاء طلاباً يدرسون منهاجاً أخرى, ولم تكن هذه الحالة الوحيدة فهنالك العديد من الحالات التي شهدتها والتي لا تعد ولا تحصى يقوم فيها طلاباً من المنهج الفلاني بإيذاء طلاباً أخرين من من منهج أخر. ولا يقتصر الأمر على ذلك, فهناك العديد من النزاعات الدامية بين الطلاب الذين يدرسون نفس المنهج ولكن بمذهب وطرق حل أخرى.. والتبرير الوحيد لهؤلاء الطلاب المشاغبين والقتلة والمجرمين هو إختلاف المناهج.
في يومٍ ما, إلتقيت بمجموعة يبلغ عددها 1.1 مليار شخص, هؤلاء لا يتبعون أي منهجٍ, ليس لديهم منهج, يقلولون عن كل تلك المناهج بأنها مجرد كذبة كبيرة, قالوا لك بأن هذا الإستاذ لا وجود له, ولكنه مجرد أسطورة, وحتى إن تواجد فهو أبعد ما يكون عن كل ما وصف به من قبل المناهج والطلاب الذين إلتقيت بهم.. لست تعيش في مدرسة, بل هذه التي تعيش فيها أسمها كوكب الأرض تتواجد بالقرب من مليارات الكواكب والنجوم الأخرى داخل المجرة, وهذه المجرة تتواجد قرب مليارات المجرات الأخرى التي قد تظاهيها في الحجم, لا مركزية ولا أهمية لهذا المكان.. فسألتهم من أين يستقوم معلوماتهم ؟ وماذا عن بديل للمناهج الكاذبة الأخرى ؟ فأجابوك أن لديهم ما يسموه بـ “المنهج العلمي” وهو ليس كالمناهج الأخرى جميعاً مبني على الإيمان الأعمى, بل هو منهج مبني على الإختبارات والتجارب, شأنه أن يحسن ويرتقي بوجودك في هذا الكون… ومسألة تصديقه, أي هذا المنهج, هي أمر خياري, ولكنك ستحتاجه بين الحين والأخر.. بل يحتاجه جميع أتباع المناهج الأخرى ويلجأون الى إستخدامه حين يتعرضون لما لا يقدر على مساعدتهم في إلههم, حين تصيبهم الإنفلونزا أو اي داء او اضطراب شبيه… هذا المنهج لا يمكن تكذيبه.. علماً بأننا نرحب بأي شخص يود تكذيبه ولكن بشرط ان يكون تكذيبه مبني على أسس التجارب والإختبارات …يتبع هذا المنهج عباقرة العالم بدئاً من ديمقراطوس وهيبوقراطوس وسيغموند فرويد وبرتراند راسل وباول ديراك وبيتر هيغز ووارين بفيت وكارل ساغان وجورج كارلين وستيفن جاي جولد وريتشارد داوكينز ودانيل دنيت وستيف ووزنياك وإنتهائاً بإينشتاين وستيفن هاوكينغ وألان تورينغ وروزلاين فرانكلين ونيل ديغرايسي تايسون والفريد كينيزي وإيوجين سكوت وتوماس إيدسون ومارك زوكربيغ.
منشورات ذات شعبية