التصميم الكوني الذكي ؟ التوليف الدقيق ؟ بل التخريف العتيق

التوليف الدقيق .. أم التخريف العتيق ؟

الحیاة البشریة حساسة جدا للظروف الفیزیائیة على الأرض. فلو لم یكن الغلاف الجوي شفافا للضوء في ما یسمى بالمنطقة المرئیة من الطیف الكهرومغناطیسي، ولو لم توفر الشمس الضوء في تلك المنطقة، فلن تكون لأعیننا أي فائدة. ولكن، هل هذا يعني أن الشمس والأرض قد صممتا خصیصا بهذه المواصفات لأن الأعین البشریة حساسة للطیف المرئي من الضوء؟ رغم السذاجة التي تبدو على هذا الإقتراح، فنحن نسمع براهین مماثلة تقدم كأدلة على التصمیم الذكي في الكون. بالطبع فهذه البراهین لا تقدم بذلك الشكل تماما، بل مغلفة بقشرة لغویة ذات رنین علمي. ولكن حین تنتزع هذه القشرة، لن یبقى لدینا إلا محتوى أرق من تلك القشرة نفسها يدل على سخف الإدعاء وبطلان الحجة.

المبدأ الإنسي the anthropic principle

خلال العقود الماضية, قدم اللاهوتيون وبعض العلماء المؤمنين دليلاً جديداً على وجود إله خلق الكون بإهتمام وحرص شديد منه على تواجد الإنسانية فيه. فهم يسألون: كيف أمكن للكون أن يحصل على هذه المجموعة الفريدة من الثوابت, بحيث انها تكون مؤلفة بـ”دقة” و”إتقان” لأجل الحياة كما هي فعلاً, إلا بالتصميم الهادف – تصميم يضع في خاطره الحياة وربما الإنسانية. لقد صنفت براهين التوليف الدقيق بشكل خادع بعض الشيء تحت وصف المبدأ الإنسي the anthropic principle وهو مصطلح صاغه الفلكي براندون كارتر عام 1974.(1)

إساءة فهم الفيزياء وضعف الحجة عند إستخدام الوحدات

عدة من الأمثلة على التوليف الدقيق التي توجد في الأدبيات اللاهوتية وكتب المبادئ الإنسية تعاني من إساءات فهم بسيطة للفيزياء. فعلى سبيل المثال أي إشارات الى التوليف الدقيق لثوابت مثل سرعة الضوء وثابت بلانك أو ثابت جذب نيوتن لا قيمة لها لأن كل هذه ثوابت إعتباطية تحدد قيمها وفقاً لنظام الوحدات المستخدم. وحدها الأرقام “عديمة الوحدة” – اي التي لا تعتمد على نظم الوحدات كالنسبة بين قوة الجاذبية والكهرومغناطيسية –  لها معنى.

نعاني اليوم من حجج لا يكف المؤمنون عن إستخدامها وتمر مرور الكرام تحت أنوف العالمين ببطلان هذه الحجج على أنها أكاذيب بيضاء. وما يهمنا منها هو “الدقة” أو “التوليف الدقيق” في ثوابت تعتمد إعتماداً حاداً ومباشراً على نظم الوحدات. فيؤكد احد اللاهوتيين أنه لو كانت كتلة النيوترينو 5 × 10 -34 بدلاً من 5 × 10 -35 كيلوغراماً, فأن كتلة الجذب الإضافية ستؤدي الى كون متقلص لا متوسع. يبدو هذا توليفاً دقيقاً بقدر جزء واحد في 10-35 كيلوغرام, فكم دقيق هذا الرقم وكم كان تأثيره بالغاً!(2)ولكن هذا أشبه بالقول : لو كان مايكل جوردان اقصر بجزء واحد في 10-16 من وحدة السنة الضوئية لما كان لاعب سلة مشهور فلوهلة أولى على هذا الرقم الخاص بمايكل جوردان لتراه انه توليفاً دقيقاً. ولكنك لو دققت في الموضوع لوجدت ان 10-16 سنة ضوئية في الحقيقة تساوي متراً كاملاً, بالطبع فإن المتر الكامل سيكون تأثيره بالغاً على مايكل جوردان ولكن ماذا عن النصف متر وماذا عن الربع متر وماذا عن العشرة سنتمترات وماذا عن السنتمتر الواحد وماذا عن الملمتر ؟ بوسعي هنا أن استمر في طرح وحدات ضئيلة جداً تصل الى المايكرومتر وأصغر من ذلك, وحين اتخذها لقياس طول مايكل جوردان سنجد ان هناك مدىً شاسعاً يصل الى ملايين المايكرومترات ينتج في حدوده لاعب كرة سلة بارع طويل القامة, وهذه هي المغالطة التي وقعوا فيها. لقد تم إستخدام هذه الطريقة في التلاعب بالوحدات وبالأرقام ليبدوا وكأن التوليف الدقيق قد حصل مراراً وتكراراً وقام الفيلسوف (روبرت كلي) بتقديمها ودحضها واحدة تلو الأخرى (للإطلاع على دراسته : http://philpapers.org/rec/KLETRO-2 ).

حسناً.. ماذا عن القيم عديمة الوحدة ؟

عند إقصاء القيم ذوات الوحدات, يتبقى لنا من المبدأ الإنسي ومن حجج التوليف الدقيق عامة, القيم التالية والتي يدعى بأنها أساسية لتشكيل الكون كما نعرفه:

  1. نسبة القوة الكهرومغناطيسية الى قوة الجاذبية: القوة الكهرومغناطيسية أشد بـ 39 درجة عِظَم order of magnitude من القوة الجاذبية. لو كانت القوى أكثر تقارباً في الشدة, كانت النجوم لتنهار طويلاً قبل أن تكون للحياة فرصة للتطور.
  2. كثافة طاقة الفراغ : كثافة طاقة الفراغ للكون هي على الأقل أوطاً بـ 120 درجة عِظَم من بعض التخمينات الفرضية. لو كان الكون في أي لحظة بالحجم الذي ترجحه هذه الحسابات, فإنه كان لينفجر سريعاً.
  3. نسبة كتلة الإلكترون الى الفرق بين كتلة النيوترون والبروتون: كتلة الإلكترون أقل من الفرق بين كتلة النيوترون والبروتون. لهذا يمكن لنيوترون حر أن يتفكك إلى بروتون وإلكترون ومضاد نيوتيرنو. لو لم تكن هذه الحالة, سيكون النيوترون مستقراً ومعظم البروتونات والإلكترونات في الكون المبكر كانت لتتحد لتكوين نيوترونات, مما يترك القليل من الهيدروجين يعمل كمكون رئيس ووقود للنجوم.
  4. نسبة كتلة النيوترون الى كتلة البروتون: النيوترون أثقل من البروتون, ولكن ليس أثقل بحيث لا يمكن للنيوترونات أن ترتبط في نوى, حيث يمنع قانون حفظ الطاقة النيوترونات من التفكك. دون النيوترونات لن تتوفر لدينا العناصر الثقيلة الضرورية لبناء الأنظمة الحياتية.
  5. إنتاج الكاربون: لدى نواة الكاربون مستوى طاقة محفز عند حوالي 7.65 مليون إلكترون فولت MeV دون هذه الحالة سوف يصنع كاربون غير كافي في النجوم لتشكيل أساس الحياة بإستخدام المبدأ الإنسي The anthropic principle تنبأ الفلكي فريد هويل بمستوى الطاقة هذا قبل أن يتم تجريبه.

كل هذه العبارات يمكن التعبير عنها بشكل عديم الوحدات, ولكن هي كسابقها يمكن دحضها كما سنرى.

القوى الكهرومغناطيسية ونسبتها الى بقية القوى

شدة القوى الكهرومغناطيسية يحددها معامل عديم الوحدات (α) يسمى هذا المعامل ثابت التركيب الدقيق fine structure constant يعتمد على قيمة الشحنة الكهربائية المنفردة, وهي مقدار شحنة الإلكترون. ولكن (α)  ليس ثابتاً. فمن النموذج القياسي للجسيمات والقوى نعلم أن (α)  هذا يتفاوت مع الطاقة فلا بد أنه تغير بسرعة شديدة خلال اللحظات الأولى للإنفجار الكبير حين تغيرت الحرارة بعدة درجات عِظَم خلال كسر ضئيل من الثانية. ووفقاً لفهمنا الحالي ففي البيئة شديدة الحرارة في بداية الإنفجار الكبير, كانت القوى الأربعة المعروفة موحدة كقوة واحدة. وكان الكون بدأ في حالة من التناظر التام أي تناظر اللاشيء الذي بدأ منه وهكذا بدأ (α) مع قميته الطبيعية؛ خصوصاً أن الجاذبية والكهرومغناطيسية كانتا متساويتين في الشدة. ولكن هذا التناظر لم يكن مستقراً ومع برودة الكون, أدت عملية تدعى تفكك التناظر التلقائي spontaneous symmetry breaking الى فصل القوة الواحدة الى الأربعة أنواع الأساسية التي نتعامل معها وتطورت شداتها الى قيمها الحالية ولم تمر بالتوليف الدقيق ولكن كان على النجوم كي تتكون – وبالتالي الحياة كي تنشأ – أن تنتظر حتى تنفصل هذه القوى بما يكفي وتصل الى شدات مناسبة, وكان هذا الإنتظار كسراً صغيراً من الثانية. وحتى بعد ذلك استمرت القوى بالإنفصال مع إستمرار الكون في البرودة ولكن هذا كان بطيئاً بحيث يمكن لكل الأغراض العلمية على مقياس الزمن البشري البسيط إعتباراها ثابتة. لذا يمكننا القول بأنها ليست مؤلفة توليفاً دقيقاً بل هي ليست ثابتة أساساً, قيمتها الحالية تسمح بالصورة المألوفة للكون, وكل ما في الأمر سوء فهم للفيزياء.(3)(4)

هل الكاربون والجزيئات العضوية مؤلفة بدقة ؟

دعنا نلقي نظرة أكثر تفصيلاً على النقطة 5, التي تؤكد أن التوليف الدقيق ضروري لإنتاج الكربون, وحدة البناء الأساسية للحياة. لقد إستخدم الفلكي فريد هويل المبدأ الإنسي ليتنبأ بنجاح بوجود مستوى طاقة نووية في الكاربون قدره 7.65 مليون إلكترون فولت. ولكن ليفيو وأخرون قد أثبتوا ان إنتاج الكاربون في النجوم لا يعتمد بشكل حساس على على مستوى الطاقة النووية ذاك. بل إنه يعتمد على على الحالة الإشعاعية لنواة الكربون المكونة من ثلاث نوى هليوم, وهو يقصر عن كونه عالياً جداً فينتج كاربوناً بنسبة 20 بالمئة فقط. أي أنهم قاموا بدحض المبدأ الإنسي بما يخص الكاربون بشكل مباشر.(5) ولاحظ الفيزيائي الفائز بنوبل ستيفن واينبيرغ أن هذا ليس توقعا صعباً على أية حال.(6)

بالمختصر المفيد, الأوكسجين والكاربون هما ضمن العناصر الكيمياوية الأسهل إنتاجاً في التفاعلات النووية التي تحدث في النجوم المحتضرة. فمصدر الطاقة الرئيس في النجوم هو إندماج ذرات الهيدروجين وتحولها الى الهيليوم. أما نواة الهيليوم المتشكلة من بروتونين وإلكترونين والتي يرمز لها بـ 2He4 فهي مستقرة جداً – كما توقعت ذلك ميكانيك الكم.

يمكن لنواتي هيليوم أن تندمجا لتكوين نواة بريليوم كما يمكن لنواة هليوم أخرى أن تندمج مع البريليوم لإنتاج الكاربون ويمكن أيضا لنواة هليوم أخرى أن تندمج مع الكربون لتعطي الأوكسجين. لاحظ التفاعلات التالية:

كل من هذه النوى الناتجة مستقر جداً ولهذا ستصمد للأبد. حين يفرغ النجم في النهاية من الطاقة فإن هذه العناصر ضمن غيرها من الجدول الدوري, والحديد بالخصوص, ستتوزع في الفضاء إما بالتبخر أو بإنفجارات هائلة جداً تسمى بالسدم المتفجرة supernova في حالة النجوم الضخمة جداً.

بإختصار فإن التوليف الدقيق ليس ضرورياً على الإطلاق لإنتاج الكربون أو الأوكسجين أو أي من العناصر الأخرى الأساسية للحياة. بل هذه العناصر في الحقيقة ضمن الأسهل تكويناً بواسطة التفاعلات النووية الشائعة.

لقد أثبت الحيافلكيون astrobiologists أن الجزيئات العضوية تنشأ ضمن مدى واسع من الظروف, بما فيها تلك التي وجدت على الأرض المبكرة وتلك الموجودة في الفضاء كما يشير دايفيد دارلنغ في كتابه life everywhere. ويضيف دارلنغ, إن القول بأن نشأة المادة المكونة للحياة في الفضاء تؤكده مشاهدة هذه الجزيئات في نيازك تم تحليلها مباشرة بعد إصطدامها  بالأرض – بحيث كان تأثير تلوثها بالمادة الأرضية أقل ما يمكن – ولعل المكونات الأولى للحياة أتت من الفضاء بعد تشكل الأرض.(7)

هل طاقة الفراغ مؤلفة بدقة ؟

والأن دعنا نتفحص دعوى أن طاقة الفراغ الكونية مؤلفة بدقة. عادة ما نتخيل الفراغ خالياً من المادة والطاقة. ولكن, وفقاً للنسبية العامة, فطاقة الجذب يمكن أن تخزن في إنحناء الفضاء الخالي, فميكانيك الكم تفيد بأن الفراغ قد يتضمن طاقة النقطة صفر zero point energy في أدنى مستوى.

أطلق واينبيرغ على هذ الأمر مشكلة الثابت الكوني cosmological constant problem, بما أن كثافة طاقة الفراغ تكافئ معاملاً في نظرية إينشتاين للنسبية العامة يسمى الثابت الكوني, والذي يتعلق بإنحناء الزمكان الخالي. واقترح بعض العلماء تسميتها مشكلة طاقة الفراغ vacuum energy problem. تقدم حسابات غير متقنة قيمة لكثافة طاقة الفراغ هي أكبر بحوالي 120 درجة عِظَم من قيمتها العظمى المستمدة من المشاهدات. بما أن هذه الكثافة ثابتة, فيبدوا أنه لابد من أنها قد ولفت بهذه الدقة منذ الكون المبكر بحيث سمحت قيمتها اليوم بوجود الحياة.

حتى سنوات قريبة, كان يُظن أن الثابت الكوني يساوي الصفر تماماً, وفي هذه الحالة لم تكن هناك أي حاجة للتوليف الدقيق. لكن في العام 1998, كان مدهشاً امجموعتي بحث مستقلتين تدرسان السدم المتفجرة البعيدة, إكتشاف أن التوسع الحالي للكون يتسارع. وقد أكدت مشاهدات احدث من باحثين أخرين هذه النتيجة: أن الكون يتداعى! ربما يكون مصدر هذا التسارع الكوني طاقة معتمة dark energy غير معروفة بعد, وهي تكّون 70 بالمئة من كتلة الكون. إحدى الأليات الممكنة هي التنافر الجذبي gravitational repulsion بواسطة الثابت الكوني, أي بواسطة حقل طاقة الفراغ, الذي توفره النسبية العامة.

إن كانت الحال كهذه, فإن مشكلة الثابت الكوني تطفوا مجدداً. ولكن ما المسؤول إذا عن الثابت الكوني ؟ إن الثابت الكوني ليس المصدر الوحيد الممكن للتنافر الجذبي. فوفقاً للنسبية العامة, أي مجال مادي سيكون متنافراً إن كان ضغطه سالباً بما يكفي. لقد إقترح المنظرون وأولهم العالم الفيزيائي لورانس كراوس أن الطاقة المعتمة قد تكون مجالاً مادياً يسمى بالجوهرية quintessence ولا يتطلب هذا أي توليفاً دقيقاً.(8) ويجب أخيراً ان ننوه بأن علماء الفيزياء الكونية لا يزالون غير مقتنعين تماماً بأنه يلزم الإستعانة بالطاقة المعتمة لتفسير التسارع الكوني المشاهد وقد قدموا اليات بديلة مؤخراً.

ثم يأتي ويليام كرايغ (الشهير بمناصرته للمبدأ الإنسي والتوليف الدقيق) ليقتبس من ستيفن هوكينغ ويلمح في إقتباسه على أنه مؤكداً لما يحمله المبدأ الإنسي. ستيفن هاوكينغ في كتابه A Brief History of Time يذكر التالي: ” لو كان معدل التوسع في الكون أكبر بنسبة قليلة جداً – قد تصل الى جزء واحد من الاف ملايين الملايين – لكان الكون قد تداعى قبل أن يصل الى حجمه الحالي”.(9) هذا ما نقله ويليام كرايغ نصاً في كتابه Reasonable Faith. ولكنه نسي (أو تناسى) أن ينقل لنا القصة كاملة, ففي نفس الكتاب يكمل ستيفن هاوكينغ :”معدل توسع الكون (في النموذج التضخمي للكون) سيكون قريباً جداً من القيمة المطلوبة ويتم تحديد ذلك عبر كثافة الطاقة للكون. مما يفسر لنا القيمة الدقيقة جداً له دون الحاجة لإعتبار أنه قد تم وضعها أو إختيارها بشكل دقيق”.(10)

أشكال أخرى للحياة ؟

يبدو الكربون العنصر الكيماوي الأنسب ليكون كتلة البناء لنوع من الأنظمة الجزيئية المعقدة الذي يطور صفات حيوية. وحتى اليوم, تُظهِر مواد جديدة مشكّلة من الكربون صفات مهمة وغير متوقعة, من التوصيل الفائق الى المغناطيسية الحديدية. نحن نتوقع أي حياة توجد في الكون أن تبنى على الكربون, أو على الأقل تقوم على كيمياء عناصر ثقيلة بوسعها إنشاء نظم حياتية معقدة. ولكن هذا لا يتوجب أن يكون صحيحاً في كل كون بإمكانه أن يوجد. فعلى الرغم من أن كل أشكال الحياة المكتشفة في كوننا ظهر أن لها نفس التركيب الأساسي, فهذا لا يقتضي أن الحياة مستحيلة تحت أي ترتيب أخر من القوانين والثوابت الفيزيائية الأخرى التي بوسعها إنشاء جدول دوري مختلف جداً عن جدولنا الدوري المعروف بل ربما إنشاء نظم أخرى لترتيب عناصر كيميائية معينة, فلا يمكننا أن نضع حداً لهذه الإمكانيات ضمن مخيلتنا.

لا يسعنا سوى تخمين الشكل الذي قد تتخذه الحياة على كوكب أخر تحت ضروف مختلفة. سيكون رائعاً لو توفرت أمثلة أكثر عن الحياة ولكنها غير متوفرة. وأي تخمين أو تحديد للشكل الذي قد تتخذه الحياة في كون يمتلك كتلة إلكترون مختلفة, شدة تفاعل كهرومغناطيسي مختلفة, أو قوانين فيزياء مختلفة هو أمر يقع ضمن إشكاليات كبيرة. نحن ببساطة لا نمتلك المعرفة الكافية لنحدد أشكال الحياة الممكنة ضمن فهمنا البسيط وتعريفاتنا تحت ضروف مختلفة.

المؤمنون الذين يجادلون بأن الكون مؤلف بدقة للحياة الأرضية يتحملون عبء إثبات أن الشكل الوحيد الممكن للحياة هو الشكل المتوارد على قشرة بسيطة جداً من الكون تعرف بسطح الأرض, أساسه الـ DNA. عليهم أن يثبتوا بأن الـ DNA والأحماض الأمينية التي يحتويها هي الميكانيكة الوحيدة التي يمكن أن تبني عليها الحياة صورها وأشكالها. ولا يمكنني إلا أن أتخيل حجم هذا العبء, والتجارب اليائسة التي ستوضف لإزالته.

لقد أشار الى ذلك الفيلسوف غيلبرت فولمر وبين أن حجة التوليف الدقيق فاسدة منطقياً. تلخيصاً لتحليله الأكثر تفصيلاً يمكننا القول بأن برهان التوليف الدقيق يتطلب مجموعة من الحقائق حول كوننا (U1), قد تكون مجموعة مختلفة (U2) . ولكن في هذه الحالة لا يمكننا إستخدام (U1) – وهي كل ما نعرفه – للحكم على (U2). وهذا تناقض واضح لحجة التوليف الكوني الدقيق مع النظرية العلمية وشروطها, فلا يمكننا طرح نتيجة معينة, ووضع سمة مميزة عليها, والحكم على نتائج أخرى بحسب هذه النتيجة.(11)

دراسات تشير الى أكوان ممكنة أخرى بثوابت مختلفة :

دراسة ستينجر حول أعمار النجوم المناسبة لإنشاء العناصر الثقيلة والسماح بتطور الحياة

هنالك معاملات أربعة فقط هي ضرورية لوصف الخصائص الواسعة للكون كما يوجد اليوم: كتلتا الإلكترون والبروتون والشدات الحالية للتفاعلات الكهرومغناطيسية والقوية.(12) لقد قام الفيزيائي فيكتور ستيجنر بدراسة كيف يعتمد العمر الأدنى لنجم إعتيادي على هذه العوامل العوامل وما إن كان عمر هذا النجم مناسباً كي يسمح لتطور الحياة في كتابه The Unconscious Quantum وبتغييرها عشوائياً في مدى كبيرٍ كثيراً ما يفوق عدة درجات عِظَم من مقاديرها الحالية, وجد أن أكثر من نصف النجوم ستتجاوز أعمارها البليون سنة. تحتاج النجوم الكبيرة لأن تعيش عشرات ملايين السنين أو أكثر لأجل تصنيع العناصر الثقيلة. والنجوم الأصغر مثل شمسنا تحتاج أيضاً حوالي بليون سنة كي تسمح للحياة بالتطور ضمن نظام الكواكب خاصتها. والأرض لم تتشكل حتى إلا بعد تسعة بلايين سنة على الإنفجار الكبير. إن إشتراط النجوم طويلة العمر يحققه مدى واسع من المعاملات الممكنة. وبالتالي فالكون بالتأكيد لم يؤلف بدقة لأجل هذه الخاصية.(13)

ويقول أيضاً فيكتور ستينجر: “إحدى الأخطاء الجسيمة لدراسات المبدأ الإنساني the anthropic principle هو أن الباحثين يغيرون قيمة معامل واحد مفترضين أن سائر المعاملات تبقى ثابتة ومن ثم يرتكبون نفس الخطأ بأن يتوجهوا الى حساب إحتماليات بلا معنى بناءاً على هذا الإفتراض الفاضح في خطأه أن كل العوامل مستقلة عن بعضها, أما في دراستي فقد إعتنيت بجعل كل المعاملات تتفاوت في الوقت ذاته”

دراسة تدحض المبدأ الإنسي بواسطة المنطق الرياضي:

قام إثنين من الفيزيائيون الكونيون, وهما Michael Ikeda و Bill Jeffry  بدحض التوليف الكوني الدقيق بواسطة المنطق الرياضياتي. لن تتسع هذه المقالة أن أعرض لكم تفاصيل المعادلة الرياضية المستخدمة ولكنهم توصلوا الى هذه النتيجة:

وبهذه المعادلة أستنتج الفيزيائان أن إمكانية أن يكون الكون مؤلف بشكل دقيق بواسطة إله ما هي إلا إحتمالية قليلة جداً, وإحتمالية أن تكون هذه الثوابت والأرقام جاءت بشكل طبيعي هي أكبر منها في الحقيقة.(17)

دراسة أنثوني أجواير لنشوء الحياة العاقلة:

ومن أفضل الدراسات في هذا المجال هي دراسة أنثوني أجواير المنشورة أكاديمياً في جامعة كورنيل – إحدى الجامعات المرموقة جداً – لقد قام أجواير بتفحص الأكوان التي قد تنتج حين قام بتغيير معاملات كونية ستة إعتبرها أساسية لنشوء كوننا الحالي بدرجات كبيرة من العظم ووجد أن بإمكانه بناء تصورات للكون حيث يمكن بشكل معقول أن تنشأ نجوماً وكواكباً وحياة عاقلة.(14)

دراسة كريغ هوغان لجامعة واشنطن:

قام هذا الأخر بعمل دراسة مشابهة وتفحص فيها الثوابت المطروحة على أنها مؤلفة بشكل دقيق وتطرق الى المبدأ الإنسي the anthropic principle بشكل مباشر ووجد نتائجاً مشابهة لنتائج دراسة أنثوني أجواير.(15)

دراسة جامعة كيوتو في اليابان

كما قام فيزائيون نظريون في جامعة كيوتو في اليابان بإثبات أن العناصر الثقيلة الضرورية للحياة ستكون موجودة حتى في النجوم الأولى بغض النظر عما كانت عليه المعاملات المضبوطة لتكون النجوم. ونشرت الدراسة أكاديمياً في جامعات أخرى مرموقة كـأكسفورد وكورنيل أيضاً.(16)

فلتقم أنت بدراستك الخاصة !

نعم عزيزي القارئ, بإمكانك أن تقوم بدراستك الخاصة في هذا الأمر ولن تتطلب منك سوى 5 ثواني. لقد وفرت جامعة كولرادو الأمريكية مشروع “الإله القرد” Monkey God بإمكانك أن تلعب دور الإله هذا وأن تضع قيماً إعتباطية لكل من الـ Fine structure constant  والـ Strong interaction constant وكتلة البروتون وكتلة الإلكترون ليقوم البرنامج بصناعة كون حسب القيم التي أدخلتها. من الطبيعي أن تعترض قائلاً : ليست هذه هي القيم الوحيدة التي تحدد الكون. ولكن هناك العديد من الدراسات التي اشارت لهذه القيم الأربع على أنها هي الأساسية في تحديد المعاملات المهمة لنشوء الحياة في الكون راجع مثلا دراسة نشرتها مؤسسة The Royal Society of London.(12)

النتائج التي ستعرض لك هي: أقل قدر ممكن لعمر النجوم اللازمة لتصنيع العناصر الثقيلة وأهمها الكاربون – وبالتالي تصنيع الحياة – وحجم ذلك النجم, وقطر وكتلة الكوكب المناسب للحياة, وطول اليوم, وطول السنة, والعديد من المواصفات اللازمة للحياة. أنشئ كونك الخاص بقيمك الإعتباطية العمياء دون أي خبرة مسبقة وستذهلك النتائج :

 http://www.colorado.edu/philosophy/vstenger/Cosmo/monkey.html

نظريات تفسر نشوء هذه الأرقام بشكل طبيعي: نظريات الأكوان المتعددة

بدأ العلم الحديث يتجه وبقوة نحو عدم وحدانية كوننا هذا, فحين ظهرت مشكلة القياس في ميكانيك الكم وضع العالم إيفريت Everette الشهير فرضيته حول وجود عدد لانهائي من الكوان المستنسخة اللازمة لتغطية كل الإحتمالات الكمية الممكنة.(18)وفرضية أخرى وضعها Lee Smoline عن الداروينية الكونية Cosmolgical Darwinism كان لها دوراً في إفتراض وجود أكوانٍ أخرى.(19) ونظرية الـ Chaotic inflation أي التضخم العشوائي وضعها العالم Andrie Linde وتقترح هذه النظرية نشوء كوننا عبر تقلبات كمية في الفراغ والتي تقتضي أننا نعيش ضمن فقاعة منتفخة من عدد هائل وربما غير محدرد من الفقاعات التي تمثل كل واحدة منها كوناً بثوابت فيزيائية مختلفة.(20)

حسناً, ما دخل هذه النظريات في التوليف الكوني الدقيق ؟ نضرب مثالاً بسيطاً : تخيل لو أنك أمسكت ببندقية أوتوماتيكية تطلق 20 طلقة في الثانية ورميت أحد الجدران لمدة ساعة كاملة, فتقريباً يمكننا القول بأن 99% من الجدار سيكون مصاباً بطلقاتك, ولو كان على هذا الجدار بقعة حمراء كان هدفك هو إصابتها, فإنه ورغم عشوائيتك ستتمكن من إصابة هذه البقعة الحمراء. هكذا هي الحال مع الأكوان المتعددة فكل كون له ثوابت فيزيائية معينة وبحسب النظريات المذكورة أعلاه فلا بد من أن أحد الأكوان هذه أصاب الثوابت الكونية الحالية.

ومن أحدث وأهم النظريات بهذا الخصوص هي نظرية ستيفن هاوكينغ, المسماة Top-Down Cosmology والتي تقترح على أن الكون كانت لديه بدايات عديدة وثوابت عديدة وذلك بالإستناد على قانون التراكب الكمي وجزءاً بسيطاً جداً منها نجح في أن يكون له دور في الوضع الحالي للكون. وبحسب نظرية هاوكينغ هذه فإنه من غير المنطقي أن نقول بأن الكون تم توليفه بثوابت فيزيائية معينة, لأن الكون في الأساس يقوم بــ”إختيار” الأوضاع المناسبة طبيعياً مما قاده لأن يكون في وضعه الحالي.(21)(22)

الهدر

لو كنت سأبني بيتاً لأسكن فيه, ربما سأبني فيه حديقة ومساحات مقسمة بجدران فتكون أحدها مطبخاً والأخرى غرفة نوم والأخرى غرفة إستقبال .. وهكذا. ربما سيكفيني على الأقل مساحة 200 متر مربع وعلى الأكثر 1000 متر مربع. ولكن ما المعنى من بناء بيت مساحته تريليونات الأمتار المربعة يحتوي على الكثير من التضاريس الجغرافية والمساحات والفضائات المجهولة التي يستحيل بعد مليون سنة أن أصل لها عبر أحدث وسيلة نقل في العالم ؟ وماذا لو قلت لك إنني حتى لو وصلت الى تلك الفضائات المجهولة فلا يمكنني البقاء لجزيئة من الثانية فيها لما تحتويه من ضروف غير ملائمة لي.

هكذا يمكن لحجة التوليف الكوني الدقيق أن تقلب رأساً على عقب ضد ذكاء الله, فلو خلق الله الكون لغرض تطور الحياة البشرية, فمن العقلاني أن نتوقع كوناً ملائماً تجاه الحياة البشرية. لماذا قد يرسل الله إبنه الوحيد ليموت ميتة مؤلمة لأجل خلاص حبة كربون بلا قيمة ؟ لماذا يولي لحبة الكربون هذه إهتماماً فائقاً كهذا ؟

وبالفعل فإن الأسطور التوارتية وشبيهتها القرأنية هي أشد شبها بما قد يتوقعه المرء من خالق كامل, يضفي للأرض مركزية رائعة. ولكن هذا ليس ما نراه؛ فالأرض ما هي إلا نقطة زرقاء باهتة, الأرض ليست دائرة ممهدة ثابتة في وسط السماء تحيط بها الشمس والقمر والكواكب وتتمركز فيما بينهم تحت سقف من النجوم المعلقة لتكون رجوماً للشياطين, كما تصفها أدبيات الأديان الإبراهيمية. ما الأرض إلا كوكب واحد بين عشرة كواكب أخرى يدور كأقرانه حول نجم هائل هو الشمس. ذلك النظام الشمسي هائلٌ جداً على مقياس المسافات البشرية فالأرض تبعد مئة وخمسين مليون كيلومتر عن الشمس وبلوتو يبعد حوالي ستة بلايين كيلومتر وغيمة مذنبات أورت تمتد على بعد ثلاثين تريليون كيلومتر عن الشمس. رغم أن الفضاء بين الكواكب يتضمن كويكبات أصغر, مذنبات, وغباراً, فالنظام الشمسي يتركب أساساً من فضاء خالي لا تبدو له أية وظيفة.

وراء النظام الشمسي نجد فضاءً أوسع بكثير. فثاني أقرب نجم (بعد الشمس) بروكسيما سنتوري Proxima Centauri يبعد أربعين تريليون كيلومتر وهو جزء من نظام ثلاثي النجوم يدعى ألفا سنتوري Alpha Centauri. لاحظ أن الأنظمة عديدة النجوم ليس لها أي دور للإستقرار المداري الذي نعيش فيه على الأرض وهو دليل على أخر على أن الحياة ليست على قمة أولويات الكون إن وجدت تلك الأولويات. إن شمسنا ونظامنا الشمسي بعيدان جداً عن مركز المجرة, تلك المجرة التي تحتوي تقريباً مئتين الى أربعمئة بليون نجم أخر وتسمى درب التبانة. ونسبة لحزمة النجوم التي نراها عبر السماء في كل ليلة فمجرتنا المرئية هي قرص لولبي مسطح قطره حوالي مئة ألف سنة ضوئية, وسمكه حوالي عشرة ألاف سنة ضوئية. ولن تتخيل مهما حاولت حجم تلك الإبعاد. ودرب التبانة هذه ليست سوى واحدة من حوالي مئة مليون مجرة في الكون المرئي أذكر منها غيمتا ماجلان الكبيرة والصغيرة Magellanic Clouds  ومجرة المرأة المتسلسلة Andromeda , ناهيك عن الكون اللامرئي, أي الذي لم تصل إلينا إشعاعاته بعد. تخيل أن الضوء القادم من الكون اللامرئي إستغرق 13.7 مليار سنة ولم يصل إلينا بعد.

لعلك تسأل إذن: كم هو حجم الكون؟ إن أبعد مجرة مشاهدة هي أبيل Abell والتي تبعد عنا 13.2 مليون سنة ضوئية. بما أنه إستغرق ضوءها 13.2 بليون سنة ضوئية ليصل إلينا وأفضل تخمين لنا عن عمر الكون هو 13.7 بليون سنة ضوئية, فنحن لا نرى سوى هذه المجرة كما كانت بعد 500 مليون سنة ضوئية فقط على بداية الإنفجار الكبير. ولأن الكون لم يزل يتمدد منذ صدر الضوء عن أبيل, فهذه المجرة تبعد اليوم حوالي أربعين بليون سنة ضوئية. تخيل, علينا أن ننتظر أربعين بليون سنة ضوئية كي نرى المجرة كما هي حالياً. وماذا لو قلت لك أن علم الفيزياء الكونية يقترح أن كوناً أوسع يقع وراء الكون المرئي.

إن كان نموذج الإنفجار الكبير التضخمي للكون المبكر صحيحاً, ففي فترة زمنية ضئيلة (حوالي 10-35 من الثانية), توسع الكون في الحجم بعامل ربما يستحيل تخيله. إليك أحد التخمينات لهذا العامل: أكتب الرقم 1 ثم إتبعه بمئة صفر. ثم إرفع الرقم 10 إلى ذلك الأس (10 أس 10100). لم أكن قادراً على التفكير بأي مثال من الخبرة الشائعة أو العلم للمساعدة على تخيل ذلك الرقم.

بإختصار, لو أن الله خلق الكون كمكان خاص للبشرية, فيبدوا أنه قدر أهدر قدراً هائلاً من المستحيل تخيله في الفضاء الذي لن تظهر فيه البشرية أبداً. كما أنه قد أهدر الكثير من الوقت فبدلاً من ستة أيام, إحتاج لتسعة بلايين سنة كي يصنع الأرض وبليون سنة أخرى كي يصنع الحياة, ومن ثم أربعة بلايين سنة أخرى ليخلق البشرية. والبشر لم يمشوا على سطح الأرض إلا لحوالي واحد بالمئة من عمر الأرض. في الواقع حين تتأمل في الأمر لماذا يحتاج الله كامل القدرة ستة أيام ؟ ألن تكون له القدرة على خلق كل شيء في لحظة ؟

فلنتأمل أيضاً في الهدر الجسيم للمادة. فالمئة بليون مجرة وكل منها يحتوي ما يقارب المئة بليون نجم, تتكون من “مادة ذرية”, أي عناصر كيماوية. والقسم المرئي منها يمثل نصفاً بالمئة من مجموع الكتلة في الكون. 3.5 بالمئة فقط هي المادة الذرية الغير مضيئة, ومنها 2 بالمئة فقط يتكون من عناصر أثقل من الهيليوم, ونصف بالمئة من هذه العناصر الثقيلة يتألف من الكاربون. لذا فنجد أن الكاربون يؤلف 0.0007 من كتلة الكون المرئي واللامرئي. فهل يمكننا أن نتصور أن الله صمم الكون خصيصاً بحيث يكون قادراً على تصنيع الكاربون الضروري للحياة ؟

تشكل المادة المعتمة غير المعروفة للأن 26 بالمئة من كتلة الكون, في حين أن معظم الكون حوالي 70 بالمئة, هو “طاقة معتمة” لا تزال غير معروفة الطبيعة. وعلى أساس هذا التفكيك نرى أن 96 بالمئة من كتلة الكون ليس أصلاً من نوع المادة المتعلقة بالحياة وحتى الطاقة يتم هدرها؛ فمن كل الطاقة التي تشعها الشمس يستخدم فوتونان من كل بليون فوتون لتدفئة الأرض, وباقي الفوتونات يذهب عبثاً للفضاء.

لهذا بوسعنا ان نمثل الأرض والكون بأننا ركاب في مركبة فضائية بسيطة معطلة ولن تسير الى الأبد وكل ما نستطيع فعله هو الإستكشاف من موقعنا الحالي والبحث عن ما جاء بنا الى هنا وكيف وصلنا الى هذه المرحلة من التنوع والتعقيد. ومن ناحية أخرى, بوسعنا أن نغلق شبابيك المركبة وأن نمنع التفكير وأن نصوغ إشاعات مضللة عن مركزيتنا وعن أن الكون خلق من أجلنا بواسطة ساحر يجلس في أعلى المركبة وله حملة عرش لينزلوا به من حين لأخر. بوسعناً أيضاً أن نصدق قصص سانتاكلوز وبوسعنا أن نختلق المزيد من الأساطير. كل شيء ممكن أن نختلقه في عقولنا ولكن سيبقى للحقيقة رأي أخر.

مغالطات وتناقضات أخرى

تمثيل الإله الإبراهيمي كمؤلف دقيق جداً تحسب عليه في الحقيقة..

تخيل مهندس صوتي يعمل على أغنية للبيتلز, واضعاً توليفه الدقيق عليها في الأستوديو ليضع القيم المثالية لها بدئاً من التردد الصوتي المناسب وضغط الصوت ومستوى شدة الصوت وإنتهائاً بالكثير من القيم الأخرى, لينتج أخيراً أغنية البيتلز الشهيرة   all you need is love. فمن ناحية نجد أن هذا التوليف الدقيق لهذه الأغنية كان لا غنى عنه وأي تغير طائش ليكون بمثابة حماقة تحل على واحدة من أفضل الأغاني على الأطلاق, فمن الذكاء إذاً أن يقوم المهندس الصوتي بوضع هذه القيم. ولكن لو نظرنا الى الموضوع نظرة أخرى لنجد أن المهندس الصوتي هذا كان محدداً بهذه القيم ولم يكن له غنى عنها وإلا لخسر عمله وتوجه الى الحانات ليعمل نادلاً فيها. فهل كان لله حين وضع توليفه الكوني الدقيق غنى عن هذه الأرقام ؟ هل كان الله محدداً بهذه الأرقام بحيث أنه لولاها لما كان له عبيداً ولما كان إلهاً ؟ هل إستطاعت هذه الأرقام أن تفرض نفسها على الله دون سواها ؟

لقد وقعوا في الفخ !

وعلى الرغم من كل هذا فالمؤمنون وقعوا في فخ نصبوه لأنفسهم. فمن ناحية يدعون – دعاة التصميم الذكي –  بأن الطبيعة وحدها غير قادرة على إنشاء الحياة كما نراها اليوم إلا بتدخل إلهي ليضع لمسته السحرية على الكاربون وعلى الأحماض الأمينية مهما كانت معاملاتها وثوابتها الفيزيائية والكيميائية وهم في هذه الناحية ينكرون ظاهرة التطور ونظريتها التي وضعها داروين وكل نظرية تفسر نشوء الحياة بصورة طبيعية. ومن ناحية أخرى يدعون – دعاة التوليف الكوني الدقيق – أن الطبيعة قادرة على إنشاء كل هذا ولكن عليها أولاً ان تقع ضمن ثوابت فيزيائية وكونية محددة بعدها ستتمكن الحياة من التطور عبر الأحماض الأمينية بقيم وثوابت معينة. فهل يمكننا أن نعتبر إدعاءهم الأخير إعترافاً بظاهرة التطور ونكراناً لأسطورة أدم وحواء ؟ ونكراناً واضحاً وصريحا لدور الله في دوران الفلك وإستقرارها المدعى وإعتماداً مباشراً على قوانين فيزيائية طبيعية لادخل لأية إله فيها, وكأن الله وضع تلك القوانين وتركها وحدها تائهة لتنتج الحياة البشرية بعد 10 بلايين سنة.

وأخيراً..

اقول قولي هذا وأترككم مع سطور من الذكر الحكيم للفيلسوف فولتير متهكماً في قصته القصيرة “كانديد” لتتأملوا ولو قليلاً فيها:

“يمكن إثبات أن الأشياء لا يمكن ان تكون غير ما هي عليه؛ لأن كل الأشياء قد خلقت لغاية ما, فيلزم بالضرورة أنها خلقت للغاية الأفضل. لاحظ مثلاً أن الأنف مصنوعة للنظارات, ولهذا نلبس النظارات. والسيقان ظاهر انها صممت للجوارب وتبعاً لذلك نرتدي الجوارب. والصخور صنعت كي تنحت وتبنى منها القلاع, ولهذا يملك مولاي قلعة عظيمة؛ لأن أعظم بارون في المقاطعة يجب ان يسكن على أفضل وجه. الخنازير أريد لها أن تؤكل, ولذلك نأكل لحمها طوال العام. أولئك القائلون بأن كل شيء جيد, لا يعبرون عن رأيهم بشكل صحيح؛ فعليهم أن يقولوا أن كل شيء بأفضل حال ممكن.”(23)

الهوامش:

(1)       Large number coincidences and the anthropic principle in cosmology – Brandon Carter

(2)       هنالك الكثير من الأمثلة من هذا النوع من الحجج التي تعتمد على التوليف الدقيق للوحدات وتقع في نفس المغالطة للإطلاع عليها راجع كتاب The Creator And The Cosmos للمؤلف Hugh Ross.

(3)       Spontaneous symmetry breaking in the O(N) model for large N http://prd.aps.org/abstract/PRD/v10/i8/p2491_1

(4)       http://cosmo06.ucdavis.edu/talks/watson.pdf

(5)       مجلة nature  العدد 340 في العام 1989 : المقال متوفر على الرابط التالي : http://www.nature.com/nature/journal/v340/n6231/abs/340281a0.html

(6)       http://www.nybooks.com/articles/archives/1999/oct/21/a-designer-universe/

(7)       David Darling: Life Everywhere. P33-51

(8)       Lawrence M. Kraus: Quintessence The Search For Missing Mass In The Universe

(9)       Stephen Hawking: A Brief history of Time. P121

(10)   Stephen Hawking: A Brief history of Time. P128

(11)   Gilbert Fulmer: A Fatal logical Flaw in the anthropic principle design argument : http://philpapers.org/rec/FULAFL

(12)   Press, Ligthman: Dependence of Macrophysical Phenomena on the Values of the Fundamental Constants. http://rsta.royalsocietypublishing.org/content/310/1512/323

(13)   Victor Stenger: The Unconscious Quantum. Prometheus Books:1995

(14)   Anthony Aguirre: The Cold Big-Bang Cosmology as a Counter-example to Several Anthropic Arguments: http://arxiv.org/abs/astro-ph/0106143

(15)   Craig J. Hogan: Why The Universe Is just So: http://ned.ipac.caltech.edu/level5/Hogan/Hogan_contents.html

(16)   Takashi Nakamura: The Minimum Mass of the First Stars and the Anthropic Principle: http://arxiv.org/abs/astro-ph/9612113

(17)   للإطلاع على تفاصيل الدراسة قم بزيارة الرابط التالي: http://quasar.as.utexas.edu/anthropic.html

(18)   http://www.oxfordscholarship.com/view/10.1093/acprof:oso/9780199546961.001.0001/acprof-9780199546961

(19)   http://edge.org/conversation/-cosmological-evolution

(20)   http://curiosity.discovery.com/question/chaotic-inflation

(21)   Stephen Hawking: Populating the Landscape: A Top Down Approach

(22)   http://www.dailygalaxy.com/my_weblog/2009/12/did-the-universe-have-an-infinite-number-of-beginnings-stephen-hawking-says-yes-.html

(23)   http://www.literature.org/authors/voltaire/candide/chapter-01.html

ملحق (1) : كود برنامج الـ monkey god ومن لديه خلفية برمجية ولديه إعتراض عليه فليطرحه رجاءً.. أنا بإنتظار إعتراضه

<!doctype html public "-//w3c//dtd html 4.0 transitional//en">
<html><head><meta http-equiv="Content-Type" content="text/html; charset=iso-8859-1"><meta name="GENERATOR" content="Mozilla/4.73 (Macintosh; U; PPC) [Netscape]"><title>The "Toy Universe" Program</title><!-- Based on the True BasicTM program by Victor J. Stenger --><script language="JavaScript">
  <!-- Begin applet code --------------------
  var c = 2.99792458e8;     
  var h = 6.626075e-34;     
  var hb = h/2/Math.PI;          
  var G = 6.67259e-11;      
  var eV = 1.602e-19;       
  var GeV = 1e9 * eV;       
  var MeV = 1e6 * eV;       
  var cm = 0.01;            
  var km = 1000;            
  var hr = 3600;            
  var day = 24 * hr;        
  var yr = 365 * day;       
  var ly = c * yr;          
  var fs = 137;
  var alpha = 1.0/fs;
  var alpha_s = 0.2;
  var mp = 1.67e-27;
  var me = 9.11e-31;
  function Reset() {
    fs = 137;
    alpha = 1.0/fs;
    alpha_s = 0.2;
    mp = 1.67e-27;
    me = 9.11e-31;
    document.inputs.fs.value = fs;
    document.inputs.alpha_s.value = alpha_s;
    document.inputs.mp.value = mp;
    document.inputs.me.value = me;
    Calc();
  }
  function Randomize() {
    fs = 137 * Math.pow(10, Math.random()*20-10);
    alpha = 1.0/fs;
    alpha_s = 0.2 * Math.pow(10, Math.random()*20-10);
    mp = 1.67e-27 * Math.pow(10, Math.random()*20-10);
    me = 9.11e-31 * Math.pow(10, Math.random()*20-10);
    document.inputs.fs.value = trim(fs);
    document.inputs.alpha_s.value = trim(alpha_s);
    document.inputs.mp.value = trim(mp);
    document.inputs.me.value = trim(me);
    Calc();
  }
  function Calc() {
    me = document.inputs.me.value;
    mp = document.inputs.mp.value;
    alpha_s = document.inputs.alpha_s.value;
    fs = document.inputs.fs.value;
    alpha = 1.0/fs;
    var rb = hb/(alpha*me*c);
    var Eb = Math.pow(alpha,2.0) * me * Math.pow(c,2.0)/2.0;
    var rN = hb/(alpha_s*mp*c);
    var EN = Math.pow(alpha_s,2) * mp * Math.pow(c,2)/2;
    var alpha_G = G * Math.pow(mp,2)/hb/c;
    var tstar = Math.pow(alpha,2)/alpha_G * Math.pow((mp/me),2) * 
        hb/mp/Math.pow(c,2);
    var mstar = mp/Math.pow(alpha_G,1.5);
    var	Rplanet = Math.sqrt(0.1) * 2 * rb * Math.pow((me/mp),.25) * 
        Math.pow((alpha/alpha_G),.5);
    var Mplanet = Math.pow((0.1),(1.5)) * 2 * mp * Math.pow((me/mp),.75) * 
        Math.pow((alpha/alpha_G),1.5);
    var Tday = 2 * Math.PI * Math.pow(2,1.5) * rb/c * 
        Math.pow((mp/(me*alpha*alpha_G)),0.5);
    var Tyr = .2 * rb/c * Math.pow((mp/me),2)/Math.pow(alpha,6.5)/
        Math.pow(alpha_G,.125);
    var N1 = alpha/alpha_G*mp/me;
    var N2 = c*tstar/rN;
    document.result.rb.value = trim(rb*100) + " cm";
    document.result.EbeV.value = trim(Eb/eV) + " eV";
    document.result.rN.value = trim(rN*100) + " cm";
    document.result.ENMeV.value = trim(EN/MeV) + " MeV";
    document.result.tstar.value = trim(tstar/yr) + " yr";
    document.result.mstar.value = trim(mstar) + " kg";
    document.result.rplanet.value = trim(Rplanet/km) + " km";
    document.result.mplanet.value = trim(Mplanet) + " kg";
    document.result.tday.value = trim(Tday/hr) + " hr";
    document.result.tyr.value = trim(Tyr/day) + " days";
    document.result.N1.value = trim(N1);
    document.result.N2.value = trim(N2);
  }
  function trim(n) {
      var orig = n;
      var exp = Math.log(n) / Math.log(10);
      exp = Math.floor(exp);
      if(exp > 2 || exp < -2) {
        n = n / Math.pow(10,exp);
        n = Math.round(n * 100) / 100;
        n = n + "e" + exp;
      }
      else {
        n = Math.round(n * 100) / 100;
      }
      return n;
  }

</script></head><body bgcolor="#FFFFFF" onLoad="Reset();"><form name="inputs"><center><table BORDER=0 CELLPADDING=2 ><tr><td>Fine structure constant:</td><td><input name="fs" type="text" value="0" size="15"></td></tr><tr><td>Strong interaction constant:</td><td><input name="alpha_s" type="text" value="0" size="15"></td></tr><tr><td>Mass of proton (kg):</td><td><input name="mp" type="text" value="0" size="15"></td></tr><tr><td>Mass of electron (kg):</td><td><input name="me" type="text" value="0" size="15"></td></tr><tr><td ALIGN=CENTER COLSPAN="2"><input type="button" value="Calculate the Universe" onClick="Calc();"><input type="button" value="Create a Random Universe" onClick="Randomize();"><input type="button" value="Reset the Universe" onClick="Reset();"></td></tr></table></center></form><p><form name="result"><hr><center><table BORDER=0 CELLPADDING=2 ><caption><center><!-- 1 --><br><!-- 2 --><br><!-- 3 --><br><!-- 4 --><br><!-- 5 --><br><!-- 6 --></center></caption><tr><td>Minimum star lifetime:</td><td><input name="tstar" type="text" value="0" size="15"></td><td>Bohr radius:</td><td><input name="rb" type="text" value="0" size="15"></td></tr><tr><td>Mass of star:</td><td><input name="mstar" type="text" value="0" size="15"></td><td>Hydrogen bonding energy:</td><td><input name="EbeV" type="text" value="0" size="15"></td></tr><tr><td>Radius of planet:</td><td><input name="rplanet" type="text" value="0" size="15"></td><td>Nucleon radius:</td><td><input name="rN" type="text" value="0" size="15"></td></tr><tr><td>Mass of planet:</td><td><input name="mplanet" type="text" value="0" size="15"></td><td>Nucleon binding energy:</td><td><input name="ENMeV" type="text" value="0" size="15"></td></tr><tr><td>Length of day:</td><td><input name="tday" type="text" value="0" size="15"></td><td>N1:</td><td><input name="N1" type="text" value="0" size="15"></td></tr><tr><td>Length of year:</td><td><input name="tyr" type="text" value="0" size="15"></td><td>N2:</td><td><input name="N2" type="text" value="0" size="15"></td></tr></table></center></form><hr></body></html>