قيمنا الأخلاقية بين التشريع الإلهي والتشريع الإنساني
كتبه: فيكتور ستينغر – ترجمة وتحرير: النجفي“أي حيوان كان، متصف بغرائز اجتماعية واضحة المعالم، من بينها العاطفة الوالدية والولدية، سيمتلك حتمًا حسًا أخلاقيًا أو ضميرًا، ما أن تصبح ملكاته العقلية متطورة بقدر الإنسان أو مقاربة له.” – تشارلز دارون
“أرني فعل خير فعله المؤمنون، وسأؤتيك بملحدين فعلوا مثله. ولكن هنالك أفعال شر لم يقدم على فعلها إلا المؤمنون.” – كريستوفر هيتشنز
الحبل الممدود إلى الماكنة العظمى
كل أديان العالم تزعم أنها الحكم الأمر والناهي على السلوك البشري بمعاييره الأخلاقية، وينعى قادتها باستمرار – منذ نشأتها وإلى اليوم – ما يدعون أنه التفسخ الأخلاقي الذي يرونه في المجتمع. ويؤكدون أن لهم الحق في إخبار سائر البشر ما هو الصح وما هو الخطأ لأنهم يملكون حبلًا ممدودًا خاصًا يصلهم بماكنة تعريف الصح والخطأ – أي علم الله.
بل حتى المؤسسات العلمانية تقر لهم بهذا الزعم. فكلما ظهر شأن أخلاقي في ميدان السياسة، مثل بحوث الخلايا الجذعية أو متى يجب فصل أجهزة دعم الحياة، ينادى على رجال الدين ليقدموا حكمتهم. ومن جهة أخرى، فأراء الملحدين، المفكرين الأحرار، والإنسانيين نادرًا ما تستشار وكثيرًا ما تستهجن.
والمعنى هو أن الملحدين والإنسانيين هم بشكل ما أعضاء غير مرغوب بهم في المجتمع، أشخاص لن ترغب في دعوتهم إلى منزلك. فوفقًا للمحامي فيليب جونسون، يعتقد “غير المؤمنين” بأن البشر أتوا من القردة، وهذه العقيدة هي مصدر لعديد من “شرور” المجتمع، بما فيها المثلية، الإجهاض، الأفلام الإباحية، الإبادة الجماعية. وبإمكاننا القول إن فيليب جونسون هذا يعتقد أن هذه الشرور أم تكن موجودة قبل أن يحيى دارون.[1]
مهما كان شائعًا قول إن الدين هو مصدر السلوك الأخلاقي، فما تقوله البيانات هو ما يهمنا. لم أرى أي أدلة على أن غير المؤمنين يقترفون جرائمًا أو أي أفعالٍ غير اجتماعية بنسب أكبر من المؤمنين. بل العكس، فوفقًا لإحصائيات من مكتب السجون الفيدرالي، يشكل المسيحيون حوالي 80 بالمئة من خريجي السجون، بينما يقف تعداد الملحدين إلى ما يقارب الـ 0.2 بالمئة[2]. يجدر الإقرار أن هذه البيانات لم تنشر في مجلة علمية، ولكني أظن أنه من الأمن أن نستنتج أن الكفار لا يملؤون السجون. فالدراسات المنشورة تشير إلى أن خطر تعرض الأطفال للإيذاء الجنسي على يد فرد من أفراد العائلة يتزايد كلما كانت الطائفة الدينية للعائلة أكثر تحفظًا، أي كلما كانت تعاليم النصوص المقدسة وسائر العقائد تطبق بحرفيتها[3]. وبالمثل فاحتمال إيذاء الزوجات تزداد مع صلابة تعاليم الكنيسة أو المسجد فيما يخص أدوار الجنسين والقوامة،[4] ولا أعتقد أنني بحاجة إلى إعادة ذكر قصة المرأة في الإسلام بين الأحاديث “الشريفة” وآيات الذكر “الحكيم”.
معايير جيدة ولكنها مشتركة
هدفي في هذا الموضوع ليس أن أقر على الناس ما يتوجب فعله. فأنا هنا أحاول أن أتصرف كإنسان حيادي، أشاهد ما يفعلونه وأتساءل عما تخبرني به هذه المشاهدات حول صحة الادعاءات التي ملأت إذناي.
يخبرنا الوعاظ بأن أي معايير أخلاقية شاملة لا يمكن أن تأتي إلا من مصدر واحد – الإله الخاص بهم. وإلا فستكون المعايير نسبية، تعتمد على الثقافة وتختلف عبر المجتمعات والأفراد. ولكن البيانات تشير إلى أن أكثرية البشر من كل الثقافات والأديان أو حتى بدون الأديان تتفق على مجموعة مشتركة من المعايير الأخلاقية. ومع أنه يمكن العثور على فروق خاصة، فيبدو أن هنالك معايير شاملة. وكما لاحظ الإناسي anthropologist سولومون أش: “نحن لا نعرف عن مجتمعات تحقر فيها الشجاعة ويمجد الجبن، وفيها يعتبر الكرم خطيئة والجحود فضيلة”.[5]
ومع أننا نعيش في مجتمع القانون، فأكثر ما نقوم به لا يحدده القانون بل نؤديه نحن طوعًا. على سبيل المثال، لا يوجبنا القانون على إنشاء مؤسسات خيرية، ولكن هناك الكثير من الأفراد على مختلف معتقداتهم الدينية يؤسسون لأفعال خيرية والأمثلة هنا كثيرة. ولربما تطرح فرصًا كثيرة نفسها للغش أو السرقة، حيث تكون احتمالية القبض علينا مهملة، ولكن معظمنا لا يغش أو يسرق. ومع أن القاعدة الذهبية (عامل الأخرين كما تحب أن تعامل) لا تطبق دومًا بالحرف، ولكننا عمومًا لا نحاول إيذاء الأخرين. وبالفعل، فنحن نبدي تعاطفنا الغريزي إزاء أي شخص أو حيوان يمر في ضائقة ولربما نقوم بتصرف في محاولة لرفع الأذى عنه. نتوقف عند حوادث السيارات ونحاول تقديم المساعدة، نتصل بالشرطة حين نشهد جريمة، نرعى الأطفال، والمسنين، وأخرين أقل حظًا منا.
فكرة أن “السرقة من زملائك في العمل” غير أخلاقية لا تتطلب وحيًا إلهيًا ولم يقدمها الدين كمدركًا جديدًا. بل يكشف عنها تأمل لحظي حول نوع المجتمع الذي قد يوجد لو سرق كل أحد من غيره. لو كان الكذب يعد فضيلة بدلًا من الصدق، لأصبح التواصل مستحيلًا. ومن الجيد معرفة أن الأمهات أحببن أطفالهن حتى قبل أن تخطو الثدييات على سطح الأرض – لأسباب تطورية واضحة. لم يقدم الدين مدركًا أخلاقيًا جديدًا سوى النهي عن التشكيك به.
بطبيعة الحال، لا يتفق الجميع على كل معيار أخلاقي. وقد تكون هذه الخلافات واضحة جدًا، وخصوصًا ضمن مجتمعات دينية معينة: حيث تستخدم النصوص نفسها لتبرير أفعال متناقضة مع الأفعال المحرمة. على سبيل المثال، فلتقرأ التفاسير المتعارضة للوصية ضد القتل الموجودة ضمن المجتمع المسيحي والإسلامي. فالمحافظون عادة يفسرون هذه الوصية على أنها تحريم للإجهاض وبحوث الخلايا الجذعية وفصل أجهزة دعم الحياة عمن يستحيل شفاؤه بين أفعال أخرى. ولكن من يحدد يا ترى متى يصبح الجنين كيانًا مستقلًا يمكن قتله؟ متى يا ترى مات ذلك المريض على فراش المستشفى بحيث أن فصل أجهزة دعم الحياة لن تكون تدخلًا في الشأن الإلهي لتحديد الأعمار؟ في محاولة للإجابة على هذه الأسئلة هم يستعينون بشكل واضح على مصادر خارج نصوصهم المقدسة. أي يمكننا القول بأن كلا الجانبين العلماني والثيوقراطي يعتقدون أن القتل لا أخلاقي وما يختلفون حوله هو طبيعة الجنين إن كان أو لم يكن ذلك النوع من الكيان الذي يمكن قتله. بعبارة أخرى، فالخلافات الأخلاقية كثيرًا ما لا تدور حول ما هو جيد أو سيء بل حول جانب أخر من الواقع، لا يستعان بإدراكه بالنصوص الدينية.[6]
المثُل النبيلة
تحتوي النصوص المقدسة اليهومسيحية والإسلامية فقرات عديدة تعلم مثُلًا نبيلة كان النوع البشري قد أدى ما عليه في تبنيها كمعايير سلوك، وحيث لاءمه الأمر، في صياغتها كقانون. ولكن دون استثناء، فحقيقة أن هذه المبادئ تطورت في ثقافات وتاريخ أسبق تدلنا على أنها تم تبنيها عل يد – ولم يتم تعلمها من – الدين. ومع أنه من الجيد أن تعلم الأديان مدارك أخلاقية، ولكن ليس من حقها الادعاء أن هذه المدارك ألفها الإله الخاص بها أو أي إله على الإطلاق (كما تؤكد لنا نظريات التطور الثقافي).
ربما يكون المبدأ الأساسي الذي يمكن أن تعاش وفقه حياة أخلاقية هو القاعدة الذهبية: (عامل الأخرين كما تحب أن تعامل). في المجتمع الغربي الذي تسوده المسيحية، يفترض معظم الناس أن هذا كان تعليمًا أصيلًا ليسوع من موعظة الجبل، وحتى في المجتمعات العربية يظن أن هذا من مقومات الإيمان بالله، على الرغم من أنها هنا يتم حصرها على المسلمين: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
ولكن القاعدة الذهبية ليست ملكًا حصرًا لقبيلة صغيرة في المتوسط يملأها الفخر بنفسها، ولا لراعي غنم في شبه الجزيرة العربية حين حصرها على المسلمين. إليك مصادر مستقلة أخرى تظهر أن القاعدة الذهبية كانت بالفعل تعليمًا شائعًا قبل يسوع ومحمد بكثير:
- في عقيدة المعنى 13، التي كتبت حوالي 500 قبل الميلاد، يقول كونفوشيوس “ما لا تريد أن يفعله الأخرون بك، لا تفعله بالأخرين”.
- قال إيزوقراطيس 375 قبل الميلاد “لا تفعل للأخرين ما قد يغضبك لو فعله الأخرون بك”.
- تعليمات المهابهاراتا المكتوبة قبل حوالي 150 قبل الميلاد: “هذا هو جماع كل التقوى الحقة: عامل الأخرين كما تود لنفسك أن تعامل”.[7]
في الحقيقة بإمكاننا أن نجد القاعدة الذهبية وكثير من القيم الأخلاقية الأخرى في مجمل الأديان القديمة والمعاصرة، فلا نستنتج من ذلك سوى أنها كانت جزءًا من أسس المجتمعات البشرية، تبنتها الأديان كنقطة تحسب لها.
وكمثال أخر، يفخر المسيحيون بتعاليم يسوع في موعظة الجبل أيضًا حين حض على معاملة السيء بالحسن، ومرة أخرى، فهذه تعد معاني مسيحية فريدة لدى عموم الناس، ولكن نداء “أحبوا أعداءكم” يسبق يسوع بكثير ولا يظهر في العهد القديم حتى:
- أعامل الأخيار بالخير. وأعامل أيضًا غير الأخيار بالخير، وهكذا يُحرز الخير. أنا أمين مع الأمناء، أنا أمين مع غير الأمناء وهكذا تُحرز الأمانة (الطاوية، التاو تي تشين 49).
- أقهر الغضب بالحب. اقهر الشر بالخير. اقهر البخيل بالهبة. واقهر الكاذب بالحق (البوذية، دهامابادا 223)
- إن كائنًا أعلى لا يرد الشر بالشر؛ هذه قاعدة على المرء التزامها؛ إن زينة الفضلاء سلوكهم. على المرء ألا يؤذي الخبيث أو الطيب أو حتى المجرمين المستحقين للموت. إن روحًا نبيلة ستمارس التعاطف دومًا حتى تجاه من يستمتعون بأذى الأخرين أو ذوي الخصال القاسية حين يقومون بارتكابها – لأنه من منا دون عيب؟ (الهندوسية. رامايانا، يودها كندا 115).
ما من فكرة أخلاقية فريدة لها أي أهمية يمكن العثور عليها في العهد الجديد. ففي أوائل القرن العشرين، أشار المؤرخ جوزيف مكيب إلى أن “المعاني المنسوبة إلى المسيح هي موجودة أصلًا في العهد القديم. فقد كانت مألوفة في المدارس اليهودية، ولدى كل الفريسيين، طويلًا قبل زمن المسيح، كما كانت مألوفة في كل حضارات الأرض – المصرية، البابلية، والفرس، الإغريق والهندوس”.[8] [9]
وكما هو الحال مع الكتاب المقدس، فالقران يحتوي معاني عديدة قد يعدها معظمنا جديرة بالثناء. فهو يأمر المسلمين بالبر بوالديهم، أن لا يسرقوا من الأيتام، أن لا يقرضوا المال بربا فاحش، أن يساعدوا المحتاجين، ولا يقتلوا أولادهم خوفًا من الفقر. ولكني بصراحة لا أتخيل أن النقيض من هذه الأفعال السيئة – أي القيم الحسنة – لم تكن موجودة أبدًا في العشائر القريشية وما حولها. وبالفعل، فكما يشير المؤرخون: فهذه ليست مبادئ أخلاقية أصيلة، فالأديان المعاصرة لمحمد كانت تمتلئ بمثل عليا نشأت خلال التطور التدريجي للمجتمعات البشرية، حيث أصبح أكثر تحضرًا طورت عمليات التفكير العقلاني (إلى حد ما) واكتشفت كيف تعيش معًا في تناغم أكبر. فالأدلة تشير إلى مصدر غير الإلهامات المدعاة في هذه النصوص المقدسة، وأقرب مما يخطر على بالي هي الديانة الزرادشتية التي كانت بالفعل معاصرة لمحمد وأخذ هو بنفسه الكثير من أسسها ومدركاتها الأخلاقية[10]. وبإمكاننا ان نجد جهودًا بشرية كثيرة فاقت قدرات محمد لإنتاج – أو تبني – قيمًا أخلاقية معينة من شأنها تنظيم العلاقات الإنسانية في المجتمعات البدائية.
لتبقى التساؤلات التالية بحاجة إلى إجابة صريحة منك: هل تمكنت الديانات من القضاء على الأفعال السيئة؟ هل خطت الديانات دستورًا يخلو تمامًا من أي فعل مشين ضمن معاييرنا الحالية؟ ألم نكن بحاجة في كثير من الأوقات إلى تبني قوانين تخرج عن النصوص المقدسة ونضعها كقيم إنسانية أخلاقية (كحقوق الإنسان مثلًا)؟ لماذا تفشل تجارب السياسات الثيوقراطية وتنجح السياسات العلمانية؟
المجتمع الطيب ضمن التشريع الإبراهيمي والتشريع الإنساني
ليس السلوك الفردي وحده، بل حتى السلوك الاجتماعي يفترض أنه منظم بيد الله، ولكن من جديد، لا يمكننا العثور على أدلة تدعم هذا الادعاء. فإحدى الخرافات الصامدة في الولايات المتحدة هي أن الأمة فد تأسست على “مبادئ مسيحية”. ولكن دستور الولايات المتحدة هو وثيقة علمانية لا تحتوي على أي إشارة إلى الله، يسوع، المسيحية، الخلاص، أو أي تعليم أخر. ومعظم الرؤساء الأوائل لم يكونوا مسيحيين متحمسين وقد بنوا التزاماتهم بالحرية والديمقراطية والعدالة على فلسفة عصر التنوير بدلًا من المصادر المقدسة. وكما نصها بين فرانكلين: “المنارات المضيئة أكثر فائدة من الكنائس”.
وكثيرًا ما نسمع، وخصوصًا من السياسيين الأمريكيين، أن النظام القانوني هنالك يقوم على الوصايا العشر. وقد جرت محاولات لتفعيل الوصايا العشر في الأماكن العامة كمقرات المحاكم، ولحسن الحظ فقد منعتها المحاكم إلى حد الأن، وإلا لما كان الأمريكان يستمتعون بالتصوير الفوتوغرافي ونحث التماثيل حسب الوصية الثانية، ولتوقفوا عن أي جهد يذكر يوم السبت حسب الوصية الرابعة. أما القيم الأخلاقية التي نجدها في النظام القانوني والاجتماعي التي فرضتها الوصايا العشر، يمكن العثور عليها في حضارات تسبق زمن موسى بكثير من الأعوام. وبالفعل، فإن شريعة حمورابي (1780 قبل الميلاد) تمثل خطوة أكثر أهمية تاريخيًا في تطور قوانين العدالة، إذ لا تتضمن 10 وصايا بل 282 شريعة مفصلة[11]. ربما يجدر بهذه الشرائع أن توضع على مدراج المحاكم.
خيار أخر، قد يكون قوانين صولون solon. كان صولون (558 قبل الميلاد) مفكرًا أثينيًا يعد مؤسسًا للديمقراطية الغربية وأول رجل في التاريخ الغربي يؤلف دستورًا مكتوبًا. ألغى هذا الدستور الميلاد كأساس للوظيفة الحكومية وأسس مجمعات ديمقراطية مفتوحة لكل المواطنين الذكور، بحيث لا يمكن تمرير قانون دون تصويت الأغلبية. (كانت الحقوق المساوية للمرأة لا تزال بعيدة جدًا). فالديمقراطية الأمريكية تدين لصولون أكثر مما تدين للشرائع العبرية الجافة[12]، فلدى المسيحية والإسلام تاريخ طويل من السلطوية المستبدة مع نزعة ضئيلة إلى الحرية الفردية والعدالة. لا يمكن في أي مكان من الكتاب المقدس أن تجد المبادئ التي تقوم عليها الديمقراطيات وأنظمة العدالة الحديثة، بل على العكس بإمكانك أن تجد كثيرًا من الأمثلة التي تؤكد وتنظم العبودية في كل من القران والكتاب المقدس بحيث أنها تشكل نموذجًا يصعب على المجتمعات الحرة المعاصرة أن تقوم بتفعيله.
- إِذَااشْتَرَيْتَ عَبْدًا عِبْرَانِيًّا، فَسِتَّ سِنِينَ يَخْدِمُ، وَفِي السَّابِعَةِ يَخْرُجُ حُرًّا مَجَّانًا. (الخروج 2:21)
- وَٕان زَوَّجَهُ سَیِّدُهُ بامرأةٍ فَوَلَدَت لَهُ بَنینَ وَبَناتٍ، فالمَرأةُ وَأولادُها یَكونونَ لِسَیَّدِهِ وَهوَ یَخرُجُ وَحدَه. (الخروج 4:21)
- تم التطرق للعبيد في القرآن في 29 آية على الأقل، وذكر “مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ” 15 مرة، فقد تكرر “مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ – مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ – مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ” في القرآن بالآيات التالية: سورة النساء 3، سورة النساء 24، سورة النساء 25، سورة النساء 36، سورة النحل 71، سورة المؤمنون 6، سورة النور 31، سورة النور 33، سورة النور 58، سورة الروم 28، سورة الأحزاب 50 (ذكرت مرتين)، سورة الأحزاب 52، الأحزاب 55، المعارج 30.
- بالإمكان العودة إلى التاريخ الحافل للإسلام مع العبودية عبر الزمن بدئًا من الفترة المعاصرة لحياة محمد ومرورًا بالخلفاء جميعًا وحتى الوصول إلى الدولة العثمانية. والموضوع مفصل ويحتاج سرد طويل لن يتسع هذا المقال وحده له.
لقد سنحت الفرصة لكل من محمد ويسوع بأن يجرموا اتخاذ العبيد ولكن لم يفعل ذلك أي منهم، وأحتاج فعل ذلك إلى جهود بشرية أتت بعدهم بكثير من السنين، وعلى الرغم من كون هذه الجهود صدرت من مسيحيين (ومسلمين في بعض الأحيان) ولكنهم لم يتخذوا النصوص المقدسة مصدرًا ملهمًا لأفعالهم، بل فعل ذلك حسهم الفطري نحو العدالة وتحضر المجتمعات التي عاصروها بحيث أنها لم تعد تحتمل النموذج الثيوقراطي الذي يسمح وبشكل صريح ومباشر امتلاك العبيد.
دعني أشير باختصار إلى الاضطهاد التاريخي للنساء. فقد قال القديس بولس: “أيتها النساء اخضعن لأزواجكن كما تخضعن للرب، لأن الرجل رأس المرأة كما أن المسيح رأس الكنيسة وهو مخلص الكنيسة وهي جسده وكما تخضع الكنيسة للمسيح فلتخضع النساء لأزواجهن في كل شيء.” (إفسس 22–23: 5). وجاء بيان محمد موازي لهذا البيان حين قال: “لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها; ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه”. ولكن المجتمعات الغربية (وقليل من المجتمعات العربية) بدأت أخيرًا بالإقرار باللاعقلانية والظلم في معاملة النساء ككائنات بشرية أدنى، مما يوفر مثالًا واضحًا على كيفية تطور أفكارنا عن الصح والخطأ بشكل مستقل بل ومتناقض كثيرًا مع التعاليم الدينية.
الإرهاب المقدس
يزخر الكتاب المقدس بوصف فضائع ارتكبت باسم الإله. يندر أن تسمع ذكرها في مدارس الأحد، ولكن بإمكان أي شخص أن يفتح الكتاب المقدس ويقرأ لنفسه. سأذكر هنا بعض النصوص الأفظع:
- “فَالآنَ اقْتُلُوا كُلَّ ذَكَرٍ مِنَ الأَطْفَالِ. وَكُلَّ امْرَأَةٍ عَرَفَتْ رَجُلًا بِمُضَاجَعَةِ ذَكَرٍ اقْتُلُوهَا. لكِنْ جَمِيعُ الأَطْفَالِ مِنَ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي لَمْ يَعْرِفْنَ مُضَاجَعَةَ ذَكَرٍ أَبْقُوهُنَّ لَكُمْ.” (العدد 31: 18–17).
- “قالَ الرّبُّ إلهُ إِسرائيلَ: على كُلِّ واحدٍ مِنكُم أنْ يحمِلَ سيفَه ويَطوفَ المَحلَّةِ مِنْ بابٍ إلى بابٍ ويَقتُلَ أخاهُ وصديقَه وجارَهُ.” (الخروج 27:32)
ولا تخلوا – بل تمتلئ – الأدبيات الإسلامية بالحض على الإرهاب والقتل والعنف، وإن كنا سنذكر القرآنية منها فلنرجع إلى كل من المائدة:33، الأحزاب:26، التوبة:12، التوبة:36، البقرة:216، الأنفال:65، الانفال:65، محمد:4، التوبة:29، البقرة 191، كل هذه الأيات فيها تحريض صريح على أبشع ما يمكن تخيله للقتل باسم الدين والإله والثأر. ويمكن أن نضيف ما ذكرت أعلاه من الأيات التي تصرح باتخاذ الجواري والسبايا تحت شعار ما ملكت أيمانكم، وعليَّ أن اسأل هل كانت ما تملك أيمانهم وعبيدهم ينمون على الأشجار ليقوم المؤمن بقطفهم بكل سلام؟ أم هم من أسرى الحروب أيضًا؟
بالطبع لا شخص يملك ضميرًا اليوم قد يعتقد أنه من الأخلاقي أن تقتل كل أسير في معركة وتحتفظ بالنساء “المحصنات” أو العذارى من أجل المتعة الجنسية حتى ولو كان عنوان هذه المعركة “الجهاد”. وقلة من المسيحين أو المسلمين المحدثين يأخذون أوامر الكتاب المقدس أو القران حرفيًا. ففي حين يزعمون أنهم يحتكمون إلى النصوص المقدسة وتعاليم السلف الصالح وقادة الإيمان، فهم ينتقون ما يريدون إتباعه – مسترشدين بالقوانين الاجتماعية والفطرة الأخلاقية، وهذان هما ما يرشد غير المؤمنين أيضًا.
وكل مرة يقوم بها مؤمن برد “شبهة” تجريم محمد أو يسوع أو موسى، فهو يدعم بشكل أقوى نقطتي المحورية: إننا نحن البشر نقرر ما هو خير وما هو شر، بمعايير تقع خارج النصوص المقدسة.
إن الأفكار الأساسية عن الخير والشر التي نشترك بها جميعًا – مؤمنين وغير مؤمنين – هي في المعظم شاملة وشائعة. والاختبارات النفسية تظهر أنه ما من فرق مهم في الحس الأخلاقي بين الملحدين والمؤمنين[13]. باختصار، تدل الحقائق التجريبية على أن معظم البشر هم حيوانات أخلاقية يتضارب شعورها بالصواب والخطأ مع العديد من تعاليم أديان التوحيد الكبرى. ويمكننا أن نستنتج بأمان أن الشعور الأخلاقي لم ينبع من ذلك المصدر.
الأخلاقية الطبيعية
إن لم تنشأ أخلاق وقيم البشرية من الأوامر الإلهية فمن أين أتت إذًا؟ لقد أتت من إنسانيتنا المشتركة. ولهذا يمكن بشكل مناسب أن تسمى إنسانية[14].
توجد أعمال معتبرة تتناول الأصول الطبيعية (البيولوجية والثقافية والتطورية) للأخلاق. [15] وقد لاحظ دارون هذا بنفسه حين ميز الأفضلية التطورية للتعاون والإيثار. وقد توسع المفكرون المحدثون في هذه المشاهدة، موضحين بالتفصيل كيف أمكن للحس الأخلاقي أن ينشأ بشكل طبيعي خلال تطور الإنسانية الحديثة.
يمكننا حتى أن نرى علامات على السلوك الأخلاقي، أو البدء–أخلاقي في الحيوانات. فالخفافيش المصاصة vampire bats تتشارك في الطعام. والقردة والنسانيس تسرّي عن أعضاء مجموعتها المنزعجين وتعمل معًا للحصول على الطعام. والدلافين تدفع بمرضاها إلى تلة على السطح لتتنفس الهواء. والحيتان قد تضع بأنفسها في طريق الخطر لمساعدة حوت جريح من مجموعتها. وتحاول الفيلة أقصى وسعها لإنقاذ أعضاء جرحى من عوائلها.[16]
في هذه الأمثلة نرى لمحات على بداية الأخلاق التي تتقدم إلى مستويات أعلى مع التطور البشري. ربما تسمى الأخلاقية الحيوانية غريزية، مبنية في جينات الحيوانات بالتطور الأحيائي. ولكن حين يدخل التطور الثقافي أيضًا فلدينا ألية معقولة لتفسير تطور الأخلاقية الإنسانية – بالانتخاب الداروني.
وكما رأينا من تفحص الأدلة التجريبية، لا يمكن أن يكون الله هو مصدر القيم والأخلاق البشرية المتفق عليها. إذ لو كان، لتوقعنا أن نرى أدلة في السلوك الأخلاقي الرفيع للمؤمنين مقارنة بغير المؤمنين. وحتى لو أنكرت وجود أي تعارض بين سلوك المؤمنين وما تعلمه كتبهم المقدسة، فالحقيقة التجريبية أن غير المؤمنين لا يبدون أقل فضيلة، توفر أدلة قوية على أن القيم والأخلاق تأتي من الإنسانية في ذاتها، أو كما صاغها هيتشنز: “أرني فعل خير فعله المؤمنون، وسأؤتيك بملحدين فعلوا مثله. ولكن هنالك أفعال شر لم يقدم على فعلها إلا المؤمنون”. إن السلوكيات الفردية والاجتماعية تبدو كما يتوقع منها لو لم يكن الله موجودًا.
رسالة من ملحد
أحببت أن أنهي هذا المقال برسالة إلى المؤمنين عمومًا وإلى من ينادون بلا أخلاقية الملحدين خصوصًا، أعزائي المؤمنين، أمُل بصدق ألا يكون إيمانكم بالله هو الدافع الوحيد لأخلاقياتكم، أمل أن تبقوا على بعض من أخلاقكم حين تلحدون كي لا تفجروا كوكب الأرض بعد أن قمتم باغتصاب نساء العالم وتفجير الكرة الأرضية. أعزاءي المؤمنين أعلم وتعلمون مقدار التهكم والسخرية في السطرين الأخرين. ذلك أننا كلانا إنسان، لا يتوجب أن يضربنا أحد بالسوط ولا أن يضع رقابنا تحت المقصلة كي نمتنع عن السرقة وإيذاء الأخرين… وشكرًا لكم.
الهوامش:
[1] Philip Johnson: Darwin on trial
[2] http://holysmoke.org/icr-pri.htm
[3] Ruth Miller, Larry Miller and Marry langenburner, Religiosity and child sexual abuse: A Risk Factor Assessment, Journal of child sexual abuse 6, no. 34-14: (1997)
[4] Michael Franklin and Marian Hetherly, How Fundamentalism Affcts Society, Humanist 57 (September/October)
[5] salomon E. Asch: Social Psychology, Oxford science publication p.379-378
[6] Thodore Schick Jr., “Is Morality a Matter of Taste? Why Professional Ethicists Thnk Tht Morality Is Not Purely Subjective,” Free Inquiry 18, no. 34-32
[7] Michael Shermer: Th Science of Good and Evil: Why People Cheat, Gossip, Care, Share, and Follow the Golden Rule
[8] Joseph McCabe: Th Sources of Morality of the gospels, p. 209
[9] George Smith: Th case against god, p. 317
[10] أمل الخطيب، الجذور الوثنية للأديان الإبراهيمية، مجلة الملحدين العرب: العدد السابع
[11] http://www.fordham.edu/halsall/ancient/hamcode.asp
[12] http://www.infiels.org/kiosk/article2.html
[13] Marc Hauser and Peter Singer, “Morality without Religion,” Free Inquiry 26, no. 1 (December 2005/January 19-18).
[14] Paul Kurt z, Forbidden Fruit: The Ethics of Humanism.
[15] Robert Axelrod, The Evolution of Cooperation (New York: Basic Books, 1984); Richard D. Alexander, The Biology of Moral Systems (Hawthorne, N Y: Aldine de Gruyter, 1987); Robert Wright, The Moral Animal: Why We Are the Way We Are: The New Science of Evolutionary Psychology (New York: Vintage Books, 1994); Frans B. M. de Wall, Good Natured: The Origins of Right and Wrong in Humans and Other Animals (Cambridge, MS: Harvard University Press, 1996); Larry Arnhart, Darwinian Natural Right; The Biological Ethics of Human Nature (Albany, N Y: State University of New York Press, 1998); Leonard D. Kat z, ed., Evolutionary Origins of Morality: Cross-Disciplinary Perspectives (Bowling Green, OH: Imprint Academic, 2000); Jessica C. Flack and Frans B. M. de Wall,” ‘Any Animal Whatever ‘ Darwinian Building Blocks of Morality in Monkeys and Apes,” Journal of Consciousness Studies 7, nos. 29-1: (2000 2 -1) ; Donald M. Broom, The Evolution of Morality and Religion (Cambridge: Cambridge University Press, 2003); Shermer, The Science of Good & Evil.
[16] Shermer, the Science of Good & Evil, pp. 31 -26.
منشورات ذات شعبية