لماذا يندفع المؤمنون لتفسير إلحاد الملحد

كما أنه بأفضل السيناريوهات يوضع الملحد في مستوى واحد مع المؤمن إذا ما افترضنا أن كليهما وصل إلى قناعته من خلال التفكير والاطلّاع، وهذا المستوى الواحد غير مقبول بتاتـًا لدى عقول من يؤمنون أنهم متفوّقين على الآخرين لمجرد إيمانهم بقصة ما. فلا يمكن للمؤمن أن يقبل بأن يوضع على سويةٍ واحدةٍ مع أي معتقدٍ مختلف.

مما يجعل مجرد القبول أو حتى طرح إمكانية أن يكون الملحد مقتنعًا ببساطة أمرا غير واردٍ لديهم ويجب تجنبه والتغطية عليه مهما كان الثمن.

وكون المؤمن بشكلٍ عام لا يعنيه الوصول لتفسير صحيح لدوافع إلحاد الملحد وكل همه هو إبعاد الأعين عن التفسير الحقيقي فإنه يستخدم أوراقه ويرمي بأول الأشياء التي تخطر على باله والتي يعتبرها كفيلةً وكافيةً لإقناع شخصٍ بفكرٍ ما من وجهة نظره، أي يقوم بعملية إسقاط ويسُقط على الملحد دوافعه هو وغيره من المؤمنين والتي جعلته وجعلتهم يعتقدون بصحة الدين.

وفيما يلي بعض من تلك الإسقاطات:

لماذا يندفع المؤمنون لتفسير إلحاد الملحد

الملحد ألحد لأنه جاهل ومغيب

هنا يقوم المؤمن بافتراض أن الملحد جاهٌلٌ وأنه ملقن أو تابع بدون فكرٍ أو إرادة حرة ويقرر ذلك من عنده دون أن يكون لديه أي دليل أو مبرر كونه يقوم بإلقاء ورمي انعكاس واقع المؤمنين على الملحد، معظم المؤمنين يؤمنون لهذا السبب بالتحديد، فالمجتمعات المتدينة جاهلة وعاطفية وغير مثقفة ومغيبة بالكامل، وهذا ما هو إلا ذر للرماد في العيون ورمي اتهامات لا يمتلك المؤمن مبررًا لافتراضها أساسًا إلا بغية تفسير إلحاد الملحد بطريقة تغطي على السبب الحقيقي.

لماذا يندفع المؤمنون لتفسير إلحاد الملحد

الملحد مدفوع الأجر من جهات معادية للدين

وهنا يقوم المؤمن بإسقاط فكرة الدعوة والتبشير المدفوعة الأجر من المؤسسات الدينية للطعن في غايات ونزاهة موقف الملحد ويفترض وجود مؤامرة غايتها نشر فكر الملحد على الرغم من أنه هو يمارس هذه المؤامرة بنفسه وبكل فخر. وليس لديه أي مشكلة في دعم أجندات هدفها حتى أذية مجتمعه بشكل صريح.

الملحد ألحد لأنه عانى من أزمة في حياته أو كردة فعل على الضغوط

وهنا يسقط المؤمن تمسكه ولجوئه للدين والإله في الحوادث والنكبات على الملحد حيث يفترض أن حادثة معزولة هي السبب في تغير موقف الإنسان من الإله وتركه للدين، ولكنه يتناسى أنها أيضا سبب في تمسك ولجوء الناس للدين.

الهدف من هذا التفسير هو التقليل من أهمية الموقف واعتباره موقًفًا عاطفيًا غير حكيم، بدون تبرير منطقي أو عقلي.

هنا يحاول المؤمن إسقاط حالته الخاصة حيث تتأثر علاقته بالله والتدين لنفس السبب وهو حدوث أمر جلل أو المعاناة من الغربة والاضطهاد. وبذلك يقوم بصورة غير مباشرة بالتعبير عن كون موقفه نابع من ردة فعل أيضا.

الملحد شرير وكاره للمجتمع ويريد تخريبه

وهنا أيضا يسقط المؤمن كراهيته للمجتمع على الملحد ففي حين أن الملحد يتمتع بانتماء لوطنه أو فكره أو عرقه أو أيٍ كان، تتسم المجتمعات المتدينة بكراهيتها للمؤسسة الاجتماعية الحديثة على اعتبار أنها خطيئة وابتعاد عن النهج الديني ونجد ذلك في كل المجتمعات الدينية والتي تشكل طابورًا خامسا في كل الدول التي تحتويهم وهم مستعدون للتحالف مع ألد أعدائهم للنيل من سيادة القانون والدولة التي يرونها إثماً، انحرافاً وابتعادًا عن النهج والشرائع الدينية من الإخوان إلى السلفيين إلى حزب الله إلى الجماعات المسيحية المتطرفة إلى المجتمعات المتدينة بالهند وباختصار أي توجه ديني أصولي يرفض الحداثة.

قدره ولا هو من يعتقد بوجود حياة أبدية بعد الموت وأشياء كثيرة مكانها الطبيعي قصص الأطفال الخيالية، المراكز الاستشفائية النفسية أو مستشفيات المجانين، هنا يظهر جليا من هو المريض النفسي.

الملحد يريد أن ينكح أمه وأخته

هنا يقوم المؤمن بإسقاط فكرة انعدام القيم الأخلاقية على الملحد حيث يقول باختصار: “أنا ما يمنعني عن نكاح أمي”

الملحد ألحد لأنه يريد الانغماس في الشهوات بدون رادع

هنا يتجلى بوضوح الهوس الجنسي لأصحاب الأديان حيث يقومون بإسقاط رغباتهم وأحلامهم التي يتمنونها ويعيشونها، ويتناسون أن أيٍ كان يستطيع من خلال الدين القيام بأي شيء فالدين لم يمنع شيئا، بل قام باختصار بإضافة إجراءات وبيروقراطية لأية تلبية لرغبة تضمن بقاء الدين حاضرًا وذو سلطة. بل ويتناسون أن كل الاتهامات التي يلقونها على الملحد هي أسمى غاياتهم وهي ما وعدهم إلههم بها في الجنة كجائزة مقابل الطاعة العمياء.

أستطيع هنا وضع رأي بخصوص الدين حيث أرى أنه وُجد لا لكي يضع قوانين تنظم تلبية الرغبات بل وُجد الدين لكي يكسر القواعد والقوانين الأخلاقية وإيجاد آليات ومبررات للقيام بهذا التجاوز على القيم الأخلاقية.

على سبيل المثال تعدد الزوجات، لا يوجد أي مجتمع بشري يبرر تعدد الزوجات إلا من خلال الدين. كما لا ننسى أن أمورًا مثل إرضاع الكبير ونكاح الميت كلها لم تأتي إلا من رحم الدين.

لماذا يندفع المؤمنون لتفسير إلحاد الملحد

الملحد مريض نفسيًا

طبعا هذا الإسقاط أشدّهم وضوحًا فمن أكثر الأشياء وضوحًا أن الملحد ليس هو من يقوم بالكلام مع والتضرع لرجل خفي يسكن السماء ولا هو من يعتقد بوجود كائنات خفية مثل الجن والعفاريت والملائكة ترصد حركته وتتدخل في وأختي هو التحريم وبغياب التحريم والدين فإن هذا جائز، كوني لا أمتلك أي قيم أخلاقية أصيلة “، وعليه يستنتج أن الملحد لا توجد له بوصلة أخلاقية اعتمادًا على إسقاط نفسه وغياب البوصلة الأخلاقية لديه، الأوامر والقواعد المفروضة من جهة خارجية ليست أخلاقاً. والإنسان الذي يجُبر على سلوكٍ ما ضد رغباته لا يمكن أبدا اعتباره أخلاقي أو يمتلك بوصلة أخلاقية.

الملحد ألحد بسبب ضغط الأقران ولأنها تقليعة لا أكثر.

هنا يسقط المؤمن السبب الرئيسي في تدينه على الملحد حيث أن معظم المسلمين مسلمين لأنهم في مجتمع مسلم، ومسيحيين لأنهم في مجتمع مسيحي أي أنهم يختارون معتقداتهم بحسب ما هو شائع بين الأقران مما يمنحهم قيمة اجتماعية وامتيازات.

ونستطيع ملاحظة حالة الإسقاط هنا عندما يفترض المؤمن أن الملحد ألحد لنفس الأسباب ويقوم بمحاولة إقناعه اعتمادًا على هذا الافتراض، حيث يدخلون لتجمع ما للملحدين ويقصّون عليهم كيف أنهم كانوا ملحدين وأنهم يتوبون الآن ويعودون إلى الله، متوقعّين أن هذا التكنٍيك قد يؤثر في ملحد باعتبار أنهم يتخيلون أن سبب إلحاده هو أصدقائه الملحدين أو أنه معجب بهذه الموضة الجديدة.

هذا طبعا غيض من فيض وأنا متأكد أن قائمة التفسيرات التي يستخدمها المؤمنون لتفسير إلحاد الملحد وإن كانت أطول بقليل مما ذكرته آنفا، إلا أنها محدودة جدا والأهم أنها مهما طالت أو قصرت فمن المؤكد والذي يجب أن يكون لدى الجميع ثقة به أنها لن تحتوي على التفسير الحقيقي والصحيح، لأن غاية التفسير لم تكن أبدا الوصول له.

مجلة الملحدين العرب: العدد الثالث عشر / شهر ديسمبر / 2013