لا أريد إثبات وجود الله
هذا الموضوع كنت قد كتبته على أوراقٍ منذ مدةٍ، ولم أُرِدْ كتابته حتّى يكتمل، لكنّ الوقت ضيّق، وأحببت أن أستغلّ هذه الفرصة لأشرككم في هذه الحفلة الفكرية.
العنوان صحيحٌ هذه المرّة، أنا فعلًا لا أريد أن يثبت لي أيُّ شخصٍ وجود الله «تعالى»، فمسألة أدلّة وجود الله، وتبريرات المسلمين «المبتذلة» في تبرير غياب الله «الملحوظ».
بخبرتي معهم وجدّت أنّ المؤمنين قد «طوّروا» مناعةً خاصةً متطورةً، ضد التّساؤلات العقلية المنطقية التي تتعلق بوجود الله (بالرغم منْ أنّهم ينكرون التّطور)، وجهّزوا لهذه المطالبات بتبرير اختفاء الله «بشكلٍ غامضٍ»، أجوبة مُقَوْلبةً مسبقًا، جاهزةً للاستخدام الفوري (دون طهي).
في الحقيقة بينما يعتقد المؤمن أنّه يقدّم جوابًا، فهو في الواقع يقدّم «لا جواب»، أجوبةٌ لا تقدّم تفسيرًا ولا تعليلًا ولا فهمًا ولا حتّى استيعابًا، أجوبةً مُقَوْلبةً جاهزةً متعفنةً حفظناها عن ظهر قلب.
الله خارج المكان، الله خارج الزّمان، الله الخالق لا يحتاج لخالقٍ، الله غير ماديٍ، الله ليس طاقةً، الله لا يتغير.
لماذا هي «لا جواب؟»
لأنّها محاولةٌ بائسةٌ لتهريب ذلك الإله الموضوع تحت مجهر العلم ليختبره، مِنْ أيِّ صفةٍ يمكن للبشر التّحقق من صحتها. بل وأصبح لديهم مبدأٌ، أنّك لم ولا ولن تستطيع فهم أو إدراك كُنْهَ الإله، أو أيُّ شيءٍ يتعلق به، مهما فعلت.
أساليب هذا التّهرّب تتقدم وتتطور طرديًا مع تقدّم وتطور العلم والمعارف البشرية، كمثالٍ سوف نأخذ صورةً للإله في عصر محمّدٍ، عندما كانت المعارف عن العلم والكون محدودةً جدًّا، لا تتجاوز ما يستطيع الإنسان رؤيته بعينه المجرّدة وسماعه بأذنه ولمسه بيديه.
الله في عصر محمّدٍ كان:
- يعيش في السّماء السّابعة (بضعة آلافٍ من الكيلومترات من سطح الأرض).
- يجلس على كرسيٍ ماديٍ كبيرٍ، حتّى إنّ محمّدًا وصف حجمه ‘للمؤمنين به’.
- محصورٌ في مكانٍ محدّدٍ، (فوق العرشِ بجانب الملائكة، فوق السّماء السّابعة، الجنّة، عِلِيون وقصة الإسراء والمعراج).
- ينزل يوميًا إلى السّماء الدّنيا، طبعا ينزل إلى السّماء دون أنّ يترك عرشه. (ربّما أنّه يحمله معه).
- الشّمس تسجد تحت عرشه، (لابد أنّ عرشه يصبح حارًا جدًا).
- لديه يدان اثنتان كلتاهما يمين، له وجهٌ، يضحك، يغضب، يفرح ويحزن. الخ.
هذه الصّفات كانت صفاتٍ حقيقةً مادّيةً، لم يتفلسف محمّدٌ فيها ولا أحدٌ من أتباعه، هذه الصفات كانت مقبولةً جدًّا، بالمناسبة إلى أعرابيٍ في القرن السّابع.
لم يتفلسف أحدٌ وقال إنّ الله خارج المكان أو خارج الزّمان، مادّيةُ الله أو طاقته، ثباته أو تغيره، أو أيَّ شيءٍ من ذلك القبيل.
السؤال لماذا لم يحدث ذلك؟
لأنّهم كانوا متخلّفين علميا، لم يصل مستوى تفكيرهم البدائي إلى فهم أو نقاش هكذا أمورٍ، بل كان محمّدٌ يقول من أتته هذه الوساوس (التّساؤلات المنطقية)، ليستعذْ من الشّيطان (الفكر) وليغلقْ عقله حتّى إشعارٍ أخر.
ماالذي حدث بعد ذلك؟
عندما دخلت الشّعوب «غير العربية» في الإسلام درسوه وتفقدوه، وبحكم خبرتهم في الفلسفة وعلوم الكلام، تبحّروا في النّصوص «المقدسة»، وتفاسيرها وحاولوا الخروج بفهمٍ شاملٍ لِمَاهِيَةِ الإله وصفاته.
بسبب مطاطية الآيات وعدم فهم القرآن من قِبَلِ أتباع محمّدٍ أثناء حياته، دخل المسلمون في متاهة الفِرَق، التي آلت بهم إلى حروبٍ طاحنةٍ، لا تزال مشتعلةً منذ ذلك الوقت. صراعاتٌ حصدت آلاف الأرواح وظهرت بسببها الفِرَق الإسلامية المتناحرة، والعجيب أنّ جميعهم يدّعي الصّحة المطلقة استنادا إلى القرآن والسّنة.
تلك الحروب أنتجت غالبًا ومغلوبًا، الفئة التي انتصرت في تلك المعارك الدّموية فرضت وجهة نظرها على المغلوب، وأصبح المغلوب نكرةً لا وزن له وأفكاره خبيثةٌ لا أساس لها من الصّحة. بالرّغم من الاختلاف في كثيرٍ من الصّفات، إلا أنّ بعضها كان مُجمعًا عليه من قبل المسلمين جميعًا، لمدّةٍ تزيد على 13 قرنٍ، وأصبحت من أدبيات الإسلام، لفترةِ بداية ظهور العلم والطّرق العلمية والتّكنولوجيا (قبل 70عام).
في هذه الـ 70عام لم يعد البشر هم البشر، وسوف تُذْكَر هذه المرحلة المتقدمة من التّطور البشري كحدثٍ تاريخيٍ ـ تمامّا كما خُلِّدَت لحظةَ استخدمَ أَوَّل قِردٍ من أفراد القردة العليا «أداةً» ليحلّ بها مشكلاته. ثورةٌ علميةٌ وتقنيةٌ، وسبر أغوار الفضاء والكون، وفهمٌ منقطع النّظير لأنفسنا وما حولنا، وباضطرادٍ هائلٍ في زيادة المعارف البشرية أدّت إلى إعادة مفهوم الإله إلى الواجهة، وتحت المجهر في ضوء العلم والمعرفة الجديدة.
المفاجأة، أنّ صفات الله سقطت الواحدة تلو الأخرى مثل أحجار الدومينو.
الهجوم المضاد
المؤمنون لن يهزموا بسهولةٍ، الطّريق مازال طويلًا، وقوة الآلة الدّينية مازالت تحتفظ بتأثيرها على النّاس، هذه الآلة الدّينية استطاعت استخدام العلم في قولبة إجاباتٍ جديدةٍ، تبرّر اختفاء ذلك الإله الخرافي، وتبدّل صورة الإله 180 درجة، وأصبح اسم الله يُقْرَن بأبحاثٍ علميةٍ ونظرياتٍ، رغم أنّها بريئةٌ تمامًا من الله.
بصراحةٍ أرفع قبّعتي للمؤمنين الذين قاموا بجهدٍ جبّارٍ، لإخراج سلسلةَ أجوبةٍ متماسكةٍ وصفاتٍ جديدةٍ لله تجعل من المستحيل اختراقها، لأنّها ببساطةٍ تجعل الله في مكانٍ لا يمكن الوصول إليه بأيِّ طريقةٍ علميةٍ. البنية المنطقية لحججه تمّ مراجعتها مئات بل آلاف المرّات من قبل أناسٍ متخصصين وواعين لما يقومون به، حتّى أنّه أصبح هناك قسمٌ متخصصٌ بتحسين تلك المنظومة المنطقية بما يعرف بأدبيات (ردّ الشبهات).
«يكذبون لكي يروا الإله جميلا» – عبدا لله القصيمي
في هذا الموضوع، لن أناقش وجود الله من عدمه، ولن أخوض في صفاته، التي جعل المؤمن بها إلهه مخفيا متخفيا خارج الزّمان والمكان لا يتفاعل ولا يتغير.
ما سوف أناقشه هنا هو الجنّ (بما فيهم الشّياطين) والملائكة. لماذا؟ لأنّه بالنّسبة لي لا يختلف وجود الشّيطان عن وجود الملائكة عن وجود الرّوح عن وجود الله. كلهم غير موجودين. ما المختلف إذًا في هذا الطرح؟ الجنّ والملائكة، على عكس الله لا تحمل صفاته (التي اخترعها له المؤمنون به).
أولا: الملائكة
- مخلوقةٌ، ليست بخالقٍ.
- ماديةٌ، مخلوقةٌ من نورٍ.
- تحيا وتموت، ليست خالدةً.
- ليست خارج الزّمان.
- ليست خارج المكان.
- محدودةُ القدرة (فيزيائيًا، عقليًا وماديًا).
- شكلها موصوفٌ بدقةٍ في الأحاديث، 600 جناحٍ والمسافة بين الاجنحة.
- أماكن تواجدها معروفة، حول الإنسان أكثر من 10 ملائكةٍ، ملازمةٌ له في كلّ الأوقات، تطوف حول الكعبة.
- تتفاعل مع البشر بشتّى الحواس.
ثانيًا: الجنّ
- مخلوقةٌ، ليس بخالقٍ.
- مادّيةٌ، مخلوقةٌ من نارٍ.
- تولد وتموت وتحيا وتتكاثر وتتزوج.
- ليست خارج الزّمان.
- ليست خارج المكان.
- محدودة القدرة (فيزيائيا، عقليا ومادّيا).
- لهم حضارةٌ وثقافةٌ ولغةٌ ودينٌ وفِرَقٌ ومذاهبٌ.
- لهم بيوتٌ يسكنوها وأماكن تواجدهم معروفةٌ.
- يأكلون الطّعام، وأكلهم معروفٌ (عظامٌ وبَعْرُ حيواناتٍ).
- يتفاعلون مع البشر بشكلٍ كبيرٍ (وسوسةٌ، سحرٌ، مسٌّ وتَلَبُّسٌ بالانسان).
المطلوب
إنّ كانت الملائكة والجنّ موجودين حقا، مثلما الله، فيجب أنّ يوجد دليلٌ مادّيٌ على وجودهم، دليلٌ يستطيع أيُّ شخصٍ في أيِّ وقتٍ أنّ يتحقق منه، بشكلٍ لا يدع مجالًا للمشككين، خصوصًا أنّ كلام الله صحيحٌ 100% ولا نخشى فشل التّجارب أو الأبحاث مثلا. لكنّنا نتساءل، ماهي الأدلّة المادية والعلمية والمنطقية الموجودة، التي تشير ولو بشكلٍ طفيفٍ جدًّا إلى وجود تلك الكائنات المزعومة؟
بالرّغم من أنّها تعيش بيننا وحولنا وتتفاعل معنا، لماذا لا يتّم الكشف عن وجودها بالرّغم من قدرة العلم الكشف عن أشياء دقيقةً جدًّا وغامضةً جدًّا، حتّى الله شخصيًا لم يكن يعرف بوجودها (الجراثيم، الموجات الكهرومغناطيسية).
لماذا لم يُسَجَّل إلى اليوم أيَّ تأثيرٍ مزعومٍ لتلك الكائنات، أو تداعياتِ وجودها؟
لماذا يستطيع «الدّيك» و«الحمار» أنّ يروا أو يكشفوا وجود تلك الكائنات، بالرّغم من بساطة تركيب نظام البصر لديهما مقارنةً بالآلات الدّقيقة التي اخترعها الإنسان التي تكشف السرّ وأخفى؟
تحذيرٌ: من سيحاول إيجاد عذرٍ لرّبه، بحكايةِ أشعّةٍ فوقَ بنفسجيةٍ وتحتَ حمراءٍ، سوف يضع نفسه في موقفٍ محرجٍ جدًّا.
لماذا اختار الله، لتلك المخلوقات الخرافية الاختفاء الكامل، لدرجة أنّ كثيرًا من البشر، أخذوا يشكون في وجودها من عدمه؟
حيث يصل التّخفي والاختفاء إلى درجة عدم الوجود، بالنسبة لله كماهي لمخلوقاته العجيبة (جنٌّ، ملائكةٌ)؟
قد تحاول بشكلٍ أو بأخر أخي المؤمن أنّ «تعذر» الله بسبب تخّفيه عن أعين العلماء «الحاسدين»، وعن عبيدهِ «التافهين»، قد تجد أعذارًا لغموضه وطرقه السّحرية الملتوية؟
لكن ما هو عذر الله في استخدام نفس تكتيكات التّخفي (التي يتقنها الله بشكلٍ كبيرٍ)، للمحافظة على مخلوقاته الخرافية من أعين «المتطفلين».
ما الذي يحاول الله إثباته من خلال حركاته الصّبيانية تلك، بجعل كل ما يتعلق به أو بمخلوقاته العجيبة يبدو وكأنّه غير موجودٍ؟
بصراحةٍ رغم أنّ المسلمين دائمًا ما يصفون قريشًا وأهل مكةٍ قبل الإسلام بالجهل، إلّا أنّني كلّما قرأت تساؤلاتهم والأدلّة التي طلبوها على صدق نبوة محمّدٍ أرى أنّهم كانوا أعقل من الجهلة الذين هرعوا كالقطيع وراء محمّدٍ.
«وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا» – الفرقان 21.
هل كان هؤلاء الجهلة يطلبون الكثير؟ هل كان الله سيخسر شيئًا إنّ فعل ذلك؟ إنّ كان الله فعلًا يحبّ البشر ويريد لهم الصّلاح ويريد أنّ يدخلهم الجنّة، فهل هذا كثيرٌ في مقابل عتق كلّ البشرية من النّار؟ هل تعلمون ماذا أجاب محمّدٌ مَنْ طلب منه إنزال الملائكة؟
«يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا» – الفرقان 22
نعم الله سوف يجعلك ترى الملائكة، لكن عندما يسوقوك إلى نار جهنّم؟ بالمناسبة، الله لم يعترض بل وبادر من تلقاء نفسه بإنزال آلاف الملائكة، لنصرة محمّدٍ في حربه الدّموية. ولم يمانع الله من إنزال جبريل على محمّدٍ ليقوم بتمثيل مسرحياتٍ هزليةٍ على صورةِ دحيةَ الكلبي.
لماذا يا الله لماذا؟
منشورات ذات شعبية