السببية، العلة الأولى، المحرك الذي لم يحركه أحد ….. كلها أسماء مختلفة لنفس الحجة القائلة بكل بساطة (صيغ متعددة بأشكال مختلفة لكن الجوهر واحد) بما يلي ˝ لكل موجود سبب، الكون موجود بالتالي له سبب، سلسلة الأسباب لا يمكن أن تمتد إلى ما لا نهاية و يجب أن تتوقف عند سبب ما، ذلك السبب هو الله˝، طبعا هذه الحجة من أقدم الحجج المعروفه لإثبات (كما يهيأ لدارسيها) وجود الله ابتدأت من أرسطو وأفلاطون وانتهت إلينا اليوم وهي ما زالت تردد على لسان أهل النقل والنسخ من اللاهوتيين والمؤلهة مصحوبة ببعض من العنجهية القائمة على وهم أنها لا يمكن تفنيدها، حيث أنك ما إن تعترض على مبدأ السببية يقوم محاورك بسؤالك ˝لماذا تعترض عليه؟˝، وما إن تشرح أسباب اعتراضك تكون ناقضت نفسك ونقضت حجتك بيدك (حركة حلوة لكن مو إثبات لأي شيء لأنها مجرد خدعة كلامية فقط وسيتضح لنا هذا في ما سوف يأتي من الشرح)، ببساطة سوف يعتمد تفنيدنا لهذه الحجة اليوم على 3 محاور رئيسية : السببية لا تتطلب الحيوية، القياس الفاسد والمصادرة على المطلوب، والمحاججة بالجهل.
عندما ابتكر الإنسان هذه الحجة هو لم يكن مهتما بالفلسفه فحسب بل مهتما بالطبيعة والفلك أيضا (رغم أنه طلع غلطان في كل ما قاله عن الطبيعة والفلك لكن ما علينا)، و لقد أقام مبدأ السببية على أن كل ما هو موجود له سبب ،البيت له بناء والكرسي له نجار، والرجل له أبوين، البيت صنع بهدف السكنى، والكرسي للجلوس والرجل وُلد لأن أبوه عمل ليلة حلوة بهدف إنجاب من يحمل إسمه ويساعده، و على هذا الأساس افترض الإنسان أن الشجر و البحار والأنهار والجبال لها صانع، لأنه لم يرَ حوله أي شيء بدون سبب عاقل وحيّ.
بالتالي عندما بنى فرضية وجود محرك أولي افترضه عاقلاً وحيا بطريقة أو بأخرى . ولكن اليوم بعلمنا المتوافر بين أيدينا حيث أن الطفل في الإعدادية يعلم عن الفيزياء أكثر من نيوتنً (وخارج العالم العربي بعض الصفوف المتقدمة يعلمون عن العالم أكثر من آينشتاين نفسه) نعلم أن الأسباب والمسببات هي في الغالب غير عاقلة وغير حية، ونعلم أيضا أن الموجودات التي تتطلب سببا عاقلاً أو حيا هي مرتبطة بعالم البشر المباشر و الدائرة الضيقة حولهم فقط، ولكن مثلاً المطر لا يحتاج لمن يسوقه أو يًنزله أو يحركهً فقط لأننا تعلمنا عن الضغط الجوي، النبات كذلك ليس بالضرورة أن يكون له مُزارع أو حارس أو مشتل، بل طريقة تلقيح وتكاثر معظم النباتات (خصوصا تلك التي هي خارج المحيط البشري) لا تتطلب تدخلاً عاقلاً في الموضوع، كما نلاحظ أن السببية التي يتخفى ورائها المؤمن بحجته هذه إنما هي علة عاقلة أو سبب عاقل وحيّ، و لكن يتم التكتم على عقل وحيوية السبب في حجتهم لإعطائهم مرونة في النقاش في المجتمع المتعلم والمثقف و أيضا للسماح لهم بممارسة هواياتهم بالقفز المنطقي الطويل. و إن كنا سوف نبني افتراضاتنا عن ما قبل الكون بناء فقط على ما حولنا على الارض، فالأولى و الآمن و الأصح منطقيا أن نقول بأن السبب الأول هو في الأغلب مادي ومجرد سبب لاعاقل ولا غائي.
منشورات ذات شعبية