هي ليست المرة الاولى وبالتأكيد لن تكون الاخيرة التي نجد فيها على صفحات الانترنت المختلفة والمنتديات الدينية أحصائيات مؤلمة (البعض ينشرها بروح من التشفي) عن أعداد المنتحرين في العالم. أحصائيات مختلفة تؤكد بأن النسبة العظمى من المنتحرين في العالم هم من الملحدين. أو تأتي بعبارة أخرى مثل أن دولة مثل السويد فيها أعلى نسبة أنتحار في العالم بسبب أنتشار الالحاد فيها مقارنة بالبلدان الاسلامية التي لاتعرف هذه الظاهرة مطلقاً. فهل هذه هي الحقيقة؟ هل للإيمان تأثير وقائي ضد الانتحار وهل الالحاد يرفع هذا النظام الوقائي الذي ياتي بهِ الإيمان؟ أجد أنهُ من العبث أستخدام مأساة إنسانية للترويج لفكرة معينة على حساب أخرى. لكن, ولأن الفكر الديني لايوفر مأساة إنسانية الا يمثل فيها دور البطولة, ليس لأنقاذها, بل للتظاهر فقط بأنهُ يمتلك الحل الافتراضي لها, لهذا كان من الظروري تناول هذا السؤآل المتكرر كي نضع النقاط فوق الحروف مرة واحدة للأبد.
ماهو سبب أرتفاع نسبة الانتحار في الدول المتحضرة, مثل شرق أوربا و الولايات المتحدة الامريكية؟ أولاً هذه الدول تمتلك نظم صحية وأحصائية دقيقة مهمتها الرئيسية متابعة كل الحالات المرضية ورصدها وحساب درجات أستفحال أي شكل من أشكال الامراض الجسدية والنفسية في المجتمع لأيجاد الآليات المناسبة لعلاجها. لذلك فأن الشفافية شرط أساسي من شروط نجاح هذا النظام الذي أثبت فعلاً نجاحهُ بتوفير بيئة صحية جسدياً وفكرياً لأفراده. على سبيل المثال لا الحصر لايجوز أخفاء أسباب الوفاء, أو دفن الميت بحجة أكرامه دون تشخيص سبب الوفاة الحقيقي وبحضور طبيب شرعي. غياب هذه الشفافية في الدول المتخلفة كبلدان الشرق الاوسط, يؤدي بالنتيجة الى أستفحال الامراض دون أدراك حقيقي لحجمها, وغياب الوعي بحجم المشكلة يؤدي بالنتيجة الى عمى أجتماعي لهذه الظاهرة أو تلك, ومنها ظاهرة الانتحار التي تنتشر بين شباب العراق مثلاً دون أن يدق ناقوس الخطر لدى الحكومات العراقية المتعاقبة.
من جهة أخرى, فأنهُ لايوجد في كل بلدان العالم أي أحصائية حقيقية تستطيع أن تشير إذا ماكان الشخص المنتحر ملحداً أو مؤمناً على سبيل المثال, وكيف يستطيع أن يكتشف الطبيب ذلك؟ هل سيفحص عدد كريات الدم الحمراء أو البيضاء ودرجة أختلافها بين الانسان المؤمن والملحد مثلاً؟ فقط كون الشخص المُنتحر مولود في عائلة مسيحية لايعني أنهُ مسيحي, كذلك فأن المنتحر في مجتمع لاينتشر فيه الايمان بالآلهة لايعني بأنهُ ملحد. قد يكون الشخص قد ولد في عائلة لاتؤمن بالله لكنهُ أكتشف الله آخر أيام حياته عن طريق أحد الاديان الابراهيمية. خلاصة الكلام أنهُ يستحيل معرفة ماذا كان يدور في عقل الانسان المنتحر قبل أنتحاره, لذلك الصاق يافطة الالحاد بهِ ليس أكثر من ضرب من ضروب العبث الذي يمارسهُ المتشفون بموت إنسان من ممارسي الدعوة والتبشير من أتباع الاديان. لكن من ناحية أخرى نستطيع أن نقول بثقة لاتتزعزع بأن كل المنتحرين الذين فجروا أنفسهم في فلسطين والعراق وأفغانستان والسعودية وتونس والجزائر وفي كل مكان في العالم, هم كانوا حقيقة مؤمنين, والدين كان سبباً رئيسياً من أسباب أنتحارهم وليس الالحاد.
منشورات ذات شعبية