المتحولون دينيًا، هل أصبح تبديل الدّين والمعتقد ظاهرة عالميّة؟

برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة جديدة، وهي ظاهرة التحوّل من دين إلى آخر، ومن مذهب إلى آخر، وفي النّهاية وصلت إلى حدّ الانتقال بين الإيمان وعدم الإيمان بالدّين من الأساس .

صحيح أنّ هنالك العديد من النّماذج والحالات المشابهة على طول التاريخ، إلا أنها كانت حالات نادرة وتقتصر على أفراد معدودين، والظاهر أنّ التوسع التقني في مجال الاتصالات قد حول العالم إلى قرية صغيرة فعلاً، من خلال توفير فرص هائلة للاطلاع على كل شيء خلال ثوان معدودة لا غير، فمن الإنترنيت وما يحتويه من كتب، موسوعات، ومواقع مختصة، بمقارنة النصوص الدينيّة، وتحليلاها إلى وسائل الاتصال المسموعة والمرئية، علاوة على توسع نطاق حرية الرأي والمعتقد، التي أصبحت مكفولة في دساتير الكثير من الدول الحديثة، كل هذه الإمكانات مثلت سبلاً مختلفة للمعرفة والقضاء على الجهل.

نقطة مهمة ينبغي أن لا تغيب عن بالنا، هي عدم الاستخفاف بتغير معتقد أو فكر شخص ما، فهذه العملية تحتاج عادةً لجرأة كبيرة، إضافة إلى الوضوح والصدق مع النفس، وذلك لأن ترك دين معين يعني “الردّة”، وأن يصبح الشخص منبوذاً من قبل الجماعة المتروكة، فمثلاً إنّ النمو في كنف عائلة تعتنق ديناً معيناً، وتمارس طقوس هذا الدين، والانصهار في الجماعة التي تنتمي لنفس الدّين، سيجعل ترك هذا الدّين مسألة شبه مستحيلة، فهو متغلغل في أعماق هذا الشخص، ومن الصعب عليه الفكاك من أسره لارتباطه به على المستوى الشخصي و العائلي، وعلى الرّغم من أننا كثير ما نواجه عبارات تشي بالبعد عن التحيز والانتماء المحدد في كتابات المتحولين دينياً، مثل قولهم أنهم توجهوا إلى دراسة الأديان والمذاهب بعد تخلصهم من جميع الأفكار والإحكام المسبقة، أو استشهادهم بالقول المأثور “نحن أبناء الدليل حيثما مال نميل”، على الرّغم من كل هذا، لا يصحّ أن نندفع ونصدق هذا الكلام، خصوصاً بعد أن نطالع انتقادهم الشديد لما كانوا عليه وازدرائهم له، وتصويرهم إلى ما آلوا إليه وكأنه الحق المطلق، هذا الانتقال من الإيمان بعقيدة معينة إلى الكفر بها ـ والإيمان بنقيضها أحيانا !!، ألا يمثل ذلك مأزقاً أمام هؤلاء الأشخاص بالذات؟ أين توارى التفكير النقدي لشخص اكتشف زيف ما كان يعتقد به؟ لماذا يبقى في نفس الإطار الضيق الذي كان يعيش فيه سابقاً؟ هذه الأسئلة تضمحل إذا ما ركزنا على جانب معين من الموضوع، وهو ارتباط المسائل الدينية بالعواطف والتربية في الصغر، وحدهما التفكير النقدي وكثرة الاطلاع قادران على إخراج المرء من هذا العالم الضيق إلى عالم واسع وحر.
في هذا المقال، سنحاول أن نفهم طبيعة هذا التغير أو التحول المفاجئ في القناعات الدينيّة، وذلك عن طريق استعراض نماذج من التحولات لشخصيات مشهورة خلال القرن العشرين، وسنلاحظ أن أحد أكبر الأسباب هو وجود صدمة من جراء الانفتاح على واقع رحب، واكتشاف أشياء جديدة لم تخطر على البال أساسا، أما سبب اختيارنا لهؤلاء الباحثين وتفضيل المرحلة الزمنيّة التي عاشوا فيها، فلا تعود للشهرة فحسب، بل بسبب الأرقام الخياليّة للتحولات الدينيّة منذ بدايات القرن الواحد والعشرين وحتّى الآن، وهذا ما يجعلنا نواجه صعوبة في الانتقاء والاختيار من بين الأشخاص المعاصرين. قبل الشروع في التحدث عن الشخصيات التي اخترنها يجب أن نسطر الحقيقة التّالية، أن المرء الذي يترك معتقداً أو فكرة معينة، ويتجه صوب غيرها، لن يستطيع أن يشرح ما كان عليه سابقاً بشكل محايد، فأيمانه الجديد يحجب عنه الكثير من الأمور ويصور له أمورا لم تكن، يضخم له بعضها ويقلل من شأن البعض الأخر وهلم جرا.

مجلة الملحدين العرب: العدد الثالث / فبراير / 2013