محاضرة ستيفن هاوكينغ عن وجود الإله

في العصورِ القديمةِ كانت كلُّ الظواهر تُفَسَّر على أساسِ كائناتٍ خارقةٍ، كالبرقِ والعواصفِ، وكان لكلِّ ظاهرةٍ اله فكانت ظاهرةُ الشّمس تُفَسَّر على أساسِ أنّ هناك إله اسمه (اسكول) وهو في صورةِ ذئبٍ، وهو يقوم بابتلاعِ الشّمسِ في حالةِ الكُسوف، وكانوا يقومون بإقامةِ الطُّقوس حتى تعود الشمس، وما لم يكونوا يعلمونه هو أن الشمس كانت ستعود في جميع الأحوال حتى وإن لم يقيموا هذه الطقوس، فقد اتّضَحَ أن هذا الكون غير خارقٍ للطبيعةِ، ولكنّه يحتاج إلى الشجاعةِ لكي تواجَهَ حقيقته.
في حوالي عام 300 قبل الميلاد، كان هناك فيلسوف يدعى أرستقراط، إنْبَهَرَ بكسوف الشمس وكسوف القمر أيضًا، وبعد دراساتٍ قام بها تبيَّنَ له أن الكسوف ليس إلّا ظل القمر واقعًا على الأرضِ، كما قادَهُ هذا الإكتشاف إلى أن الأرض ليست مركز الكون، حيث أن في بعض الأحيان يقع ظلُّ الأرضِ على القمر وفي أحيان أخرى يقعُ ظِلّ القمر على الأرض، كما خلّص إلى أن النجوم ليست ملقاة على أرض الجنة كما ظن معاصروه، ولكنها شموس أخرى مثل شمسنا، ولكنها بعيدة جدًا، وبذلك عرف أن الكون عبارة عن ماكينةٍ، تتحكّم فيها قوانينٌ معينةٌ، وفي بعض العصور كانت عصيّةً على الإكتشاف بالعقل البشريّ.
إن اكتشاف هذه القوانين هو أكبرُ إنجازٍ للكائن البشري، وإنّ قوانين الطبيعة هذه يمكنها أن تُخْبرنا أننا لسنا في حاجة إلى إلهٍ أبدًا لكي يُفسر لنا هذا الكون، فهو محكومٌ داخليًا من قِبَلِ قوانين الطّبيعة، ولكي نفهمَ ذلك سنضرب مثالًا بلعبة التنس، وهناك نوعانِ من القوانين تحكم اللعبة، الأولى هي التي وضعها الإنسان، وهي قابلةٌ للتغييرِ من قِبَلِهِ، أمّا النوعُ الآخر من القوانين فهي ثابتةٌ لا تتغيّرُ، مثل: القوة المؤثّرة على الكُرة، أو مرونة المضرب، وهذه القوانين بالإضافةِ إلى أنها ثابتة، فهي أيضًا كونيَّةٌ، فهي لا تنطبق على كرة التنس فقط، ولكن على كل شيءٍ في الكون، فهذه القوانين لا يمكن نهائيًا كسرها، وهذا ما يجعلها في غاية القوةِ. فإن قبلت معي أنّ قوانين الكون ثابتة، ولا يمكن كسرها، فلن تأخذ وقتًا طويلًا حتى تتساءل: ما هو دور الله إذًا؟ وهذا هو التناقض الكبير بين العلم والإيمان، وهذا التناقض ليس بحديثٍ، ولكنه أقدمُ من عصرنا بكثيرٍ.

مجلة الملحدين العرب: العدد الأول / شهر ديسمبر / 2012