مكانة الإنسان في الكون – الزمان والمكان

كم هو عظيم الإنسان, ولكن في عين أمه فقط. فكما يقول المثل (القرد بعين أمه غزال). لقد ركزت الأدبيات الدينية على طرح رسالتها بشكل يضفي للإنسان مركزية وأهمية كونية بالغة وجعلت الكون موجود لأجل الإنسان خلق الإله (الفلاني) من أجل الإنسان فقط لا غير. فكم هو غبي الإنسان الذي صدق هذه الرسالة في القرن الواحد والعشرين. فليفتح كتاباً هذا الإنسان, فليقرأ مجلة علمية هذا الإنسان, فلينظر على الأقل الى السماء ليلاً ليرى النجوم .. ويا ويله إن قال لي ما هذه إلا رجوما للشياطين .. يا ويله إن قال لي ما وجدت هذه إلا لنا. فكم من المادة والطاقة والوقت قد أهدر الإله لنا ؟ هل كنا بحاجة فعلاً الى كل هذا ؟

لو كنت سأبني بيتاً لأسكن فيه, ربما سأبني فيه حديقة ومساحات مقسمة بجدران فتكون أحدها مطبخاً والأخرى غرفة نوم والأخرى غرفة إستقبال .. وهكذا. ربما سيكفيني على الأقل مساحة 200 متر مربع وعلى الأكثر 1000 متر مربع. ولكن ما المعنى من بناء بيت مساحته تريليونات الأمتار المربعة يحتوي على الكثير من التضاريس الجغرافية والمساحات والفضائات المجهولة التي يستحيل بعد مليون سنة أن أصل لها عبر أحدث وسيلة نقل في العالم ؟ وماذا لو قلت لك إنني حتى لو وصلت الى تلك الفضائات المجهولة فلا يمكنني البقاء لجزيئة من الثانية فيها لما تحتويه من ضروف غير ملائمة لي.

لو خلق الله الكون لغرض تطور الحياة البشرية, فمن العقلاني أن نتوقع كوناً ملائماً تجاه الحياة البشرية. لماذا قد يرسل الله إبنه الوحيد ليموت ميتة مؤلمة لأجل خلاص حبة كربون بلا قيمة ؟ لماذا يولي لحبة الكربون هذه إهتماماً فائقاً كهذا ؟

وبالفعل فإن الأسطور التوارتية وشبيهتها القرأنية هي أشد شبها بما قد يتوقعه المرء من خالق كامل, يضفي للأرض مركزية رائعة. ولكن هذا ليس ما نراه؛ فالأرض ما هي إلا نقطة زرقاء باهتة, الأرض ليست دائرة ممهدة ثابتة في وسط السماء تحيط بها الشمس والقمر والكواكب وتتمركز فيما بينهم تحت سقف من النجوم المعلقة لتكون رجوماً للشياطين, كما تصفها أدبيات الأديان الإبراهيمية. ما الأرض إلا كوكب واحد بين عشرة كواكب أخرى يدور كأقرانه حول نجم هائل هو الشمس. ذلك النظام الشمسي هائلٌ جداً على مقياس المسافات البشرية فالأرض تبعد مئة وخمسين مليون كيلومتر عن الشمس وبلوتو يبعد حوالي ستة بلايين كيلومتر وغيمة مذنبات أورت تمتد على بعد ثلاثين تريليون كيلومتر عن الشمس. رغم أن الفضاء بين الكواكب يتضمن كويكبات أصغر, مذنبات, وغباراً, فالنظام الشمسي يتركب أساساً من فضاء خالي لا تبدو له أية وظيفة.

وراء النظام الشمسي نجد فضاءً أوسع بكثير. فثاني أقرب نجم (بعد الشمس) بروكسيما سنتوري Proxima Centauri يبعد أربعين تريليون كيلومتر وهو جزء من نظام ثلاثي النجوم يدعى ألفا سنتوري Alpha Centauri. لاحظ أن الأنظمة عديدة النجوم ليس لها أي دور للإستقرار المداري الذي نعيش فيه على الأرض وهو دليل على أخر على أن الحياة ليست على قمة أولويات الكون إن وجدت تلك الأولويات. إن شمسنا ونظامنا الشمسي بعيدان جداً عن مركز المجرة, تلك المجرة التي تحتوي تقريباً مئتين الى أربعمئة بليون نجم أخر وتسمى درب التبانة. ونسبة لحزمة النجوم التي نراها عبر السماء في كل ليلة فمجرتنا المرئية هي قرص لولبي مسطح قطره حوالي مئة ألف سنة ضوئية, وسمكه حوالي عشرة ألاف سنة ضوئية. ولن تتخيل مهما حاولت حجم تلك الإبعاد. ودرب التبانة هذه ليست سوى واحدة من حوالي مئة مليون مجرة في الكون المرئي أذكر منها غيمتا ماجلان الكبيرة والصغيرة Magellanic Clouds  ومجرة المرأة المتسلسلة Andromeda , ناهيك عن الكون اللامرئي, أي الذي لم تصل إلينا إشعاعاته بعد. تخيل أن الضوء القادم من الكون اللامرئي إستغرق 13.7 مليار سنة ولم يصل إلينا بعد.

لعلك تسأل إذن: كم هو حجم الكون؟ إن أبعد مجرة مشاهدة هي أبيل Abell والتي تبعد عنا 13.2 مليون سنة ضوئية. بما أنه إستغرق ضوءها 13.2 بليون سنة ضوئية ليصل إلينا وأفضل تخمين لنا عن عمر الكون هو 13.7 بليون سنة ضوئية, فنحن لا نرى سوى هذه المجرة كما كانت بعد 500 مليون سنة ضوئية فقط على بداية الإنفجار الكبير. ولأن الكون لم يزل يتمدد منذ صدر الضوء عن أبيل, فهذه المجرة تبعد اليوم حوالي أربعين بليون سنة ضوئية. تخيل, علينا أن ننتظر أربعين بليون سنة ضوئية كي نرى المجرة كما هي حالياً. وماذا لو قلت لك أن علم الفيزياء الكونية يقترح أن كوناً أوسع يقع وراء الكون المرئي.

إن كان نموذج الإنفجار الكبير التضخمي للكون المبكر صحيحاً, ففي فترة زمنية ضئيلة (حوالي 10-35 من الثانية), توسع الكون في الحجم بعامل ربما يستحيل تخيله. إليك أحد التخمينات لهذا العامل: أكتب الرقم 1 ثم إتبعه بمئة صفر. ثم إرفع الرقم 10 إلى ذلك الأس (10 أس 10100). لم أكن قادراً على التفكير بأي مثال من الخبرة الشائعة أو العلم للمساعدة على تخيل ذلك الرقم.

بإختصار, لو أن الله خلق الكون كمكان خاص للبشرية, فيبدوا أنه قدر أهدر قدراً هائلاً من المستحيل تخيله في الفضاء الذي لن تظهر فيه البشرية أبداً. كما أنه قد أهدر الكثير من الوقت فبدلاً من ستة أيام, إحتاج لتسعة بلايين سنة كي يصنع الأرض وبليون سنة أخرى كي يصنع الحياة, ومن ثم أربعة بلايين سنة أخرى ليخلق البشرية. والبشر لم يمشوا على سطح الأرض إلا لحوالي واحد بالمئة من عمر الأرض. في الواقع حين تتأمل في الأمر لماذا يحتاج الله كامل القدرة ستة أيام ؟ ألن تكون له القدرة على خلق كل شيء في لحظة ؟

فلنتأمل أيضاً في الهدر الجسيم للمادة. فالمئة بليون مجرة وكل منها يحتوي ما يقارب المئة بليون نجم, تتكون من “مادة ذرية”, أي عناصر كيماوية. والقسم المرئي منها يمثل نصفاً بالمئة من مجموع الكتلة في الكون. 3.5 بالمئة فقط هي المادة الذرية الغير مضيئة, ومنها 2 بالمئة فقط يتكون من عناصر أثقل من الهيليوم, ونصف بالمئة من هذه العناصر الثقيلة يتألف من الكاربون. لذا فنجد أن الكاربون يؤلف 0.0007 من كتلة الكون المرئي واللامرئي. فهل يمكننا أن نتصور أن الله صمم الكون خصيصاً بحيث يكون قادراً على تصنيع الكاربون الضروري للحياة ؟

تشكل المادة المعتمة غير المعروفة للأن 26 بالمئة من كتلة الكون, في حين أن معظم الكون حوالي 70 بالمئة, هو “طاقة معتمة” لا تزال غير معروفة الطبيعة. وعلى أساس هذا التفكيك نرى أن 96 بالمئة من كتلة الكون ليس أصلاً من نوع المادة المتعلقة بالحياة وحتى الطاقة يتم هدرها؛ فمن كل الطاقة التي تشعها الشمس يستخدم فوتونان من كل بليون فوتون لتدفئة الأرض, وباقي الفوتونات يذهب عبثاً للفضاء.

جميع هذه المعلومات متوفرة في كتاب The Cosmic Perspective

على الرابط التالي : http://www.amazon.com/The-Essential-Cosmic-Perspective-Edition/dp/0321718232/

ملحق : كارل ساغان – كوكب الأغبياء