أجرى المقابلة الغراب الحكيم، وقام أحمد سعد زايد بتصويرها ونشرها على قناته على اليوتيوب على جزئين. تم نشر المقابلة تزامنيًا في مجلة الملحدين العرب في العدد 70.

الجزء الأول:

زايد‭: ‬أهلًا‭ ‬وسهلًا‭ ‬بحضراتكم‭. ‬أنا‭ ‬في‭ ‬دبي‭ ‬الآن‭ ‬وجاءني‭ ‬صديقٌ‭ ‬عزيزٌ‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬الملحدين‭ ‬العرب‭ ‬يطرح‭ ‬بعض‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬ستنزل‭ ‬في‭ ‬المجلة،‭ ‬وسيظهر‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬تزامنيًّا‭ ‬على‭ ‬قناتي‭ ‬مع‭ ‬نشره‭ ‬في‭ ‬مجلتهم‭ ‬العزيزة،‭ ‬فتفضل‭ ‬يا‭ ‬سيدي‭ ‬بطرح‭ ‬ما‭ ‬تشاء‭ ‬وسأحاول‭ ‬الإجابة‭ ‬كما‭ ‬أستطيع‭.‬

غراب‭: ‬أولًا‭ ‬شكرًا‭ ‬لك‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المقابلة‭. ‬أستاذ‭ ‬أحمد‭ ‬سعد‭ ‬زايد‭ ‬نتشرف‭ ‬أن‭ ‬نتعرف‭ ‬أكثر‭ ‬وعن‭ ‬قربٍ‭ ‬على‭ ‬عملك‭ ‬وعنك‭ ‬وعلى‭ ‬مساهمتك‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت،‭ ‬ويسعدنا‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬الملحدين‭ ‬العرب‭ ‬دومًا‭ ‬التعرّف‭ ‬والتعريف‭ ‬بشخصياتٍ‭ ‬مهمةٍ‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الفكر‭ ‬والحوار‭. ‬سنبدأ‭ ‬بمجموعة‭ ‬أسئلة‭.‬

س1: هلا‭ ‬عرّفتنا‭ ‬أكثر‭ ‬عن‭ ‬نفسك‭ ‬وعن‭ ‬الوسط‭ ‬الذي‭ ‬نشأت‭ ‬فيه؟‭ ‬صِف‭ ‬لنا‭ ‬بعض‭ ‬جوانب‭ ‬نشأتك‭ ‬الأولى‭ ‬وبعض‭ ‬محطاتها،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬هل‭ ‬تلقيت‭ ‬تربيةً‭ ‬إسلاميةً‭ ‬في‭ ‬الصغر،‭ ‬وهل‭ ‬كان‭ ‬للأهل‭ ‬تدخلاتٌ‭ ‬بمسار‭ ‬حياتك‭ ‬أو‭ ‬يومياتك‭ ‬استنادًا‭ ‬على‭ ‬موروثاتٍ‭ ‬دينية؟

أنا‭ ‬نشأت‭ ‬نشأةً‭ ‬مصريةً‭ ‬تقليديةً‭ ‬للطبقة‭ ‬المتوسطة‭ ‬أو‭ ‬فوق‭ ‬المتوسطة‭ ‬بقليل،‭ ‬وكان‭ ‬أهلي‭ ‬ذوي‭ ‬توجهاتٍ‭ ‬ليبرالية،‭ ‬فأحد‭ ‬أبناء‭ ‬عمي‭ ‬الأكبر‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬حزب‭ ‬الوفد‭. ‬كان‭ ‬صحفيًّا‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬‮«‬المصري‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬لاحقًا‭ ‬إلى‭ ‬جريدة‭ ‬‮«‬الجمهورية‮»‬‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬ثورة‭ ‬1952،‭ ‬وتم‭ ‬اعتقاله‭ ‬عدة‭ ‬مرات،‭ ‬فكانت‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬ليبراليةً‭ ‬إلا‭ ‬بيتًا‭ ‬أو‭ ‬اثنين‭ ‬كانا‭ ‬ينتميان‭ ‬لجماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭. ‬ولا‭ ‬توجد‭ ‬في‭ ‬الأسرة‭ ‬انتماءاتٌ‭ ‬يسارية،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬يساريين‭ ‬في‭ ‬العائلة،‭ ‬ولا‭ ‬سلفيين‭. ‬فالأسرة‭ ‬هي‭ ‬90‭% ‬ليبراليين‭ ‬بتديّنٍ‭ ‬عاديّ،‭ ‬تديّن‭ ‬الناس‭ ‬العاديين،‭ ‬وهو‭ ‬تديّن‭ ‬المصريين‭ ‬أو‭ ‬العرب‭ ‬بشكلٍ‭ ‬عامٍّ‭ ‬في‭ ‬ستينات‭ ‬وخمسينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬حيث‭ ‬يحضرون‭ ‬حفلات‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬وتلبس‭ ‬المرأة‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬ميني‭ ‬جوب‮»‬،‭ ‬فكانت‭ ‬عندما‭ ‬تأتي‭ ‬للصلاة‭ ‬تلف‭ ‬حول‭ ‬جسدها‭ ‬فوطةً‭ ‬أو‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل‭ ‬حتى‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬الصلاة‭ ‬بها،‭ ‬وكانت‭ ‬معظم‭ ‬نساء‭ ‬الأسرة‭ ‬هكذا،‭ ‬لدرجة‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أذكر‭ ‬وجود‭ ‬أي‭ ‬امرأةٍ‭ ‬محجبةٍ‭ ‬في‭ ‬أسرتنا‭ ‬بأسرها،‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬الإسكندرية‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭. ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬ظهرت‭ ‬ظاهرة‭ ‬الحجاب،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬هنالك‭ ‬إلا‭ ‬واحدةٌ‭ ‬ترتدي‭ (‬الإيشارب‭)‬،‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬إن‭ ‬كانوا‭ ‬يسمّونه‭ ‬في‭ ‬الشام‭ ‬أو‭ ‬المغرب‭ ‬بتسميةٍ‭ ‬أخرى،‭ ‬وهو‭ ‬كقطعة‭ ‬قماشٍ‭ ‬تُربَط‭ ‬حول‭ ‬الرقبة،‭ ‬فلا‭ ‬تخفي‭ ‬الرقبة‭ ‬ولا‭ ‬أجزاءً‭ ‬أخرى‭. ‬إلا‭ ‬العجائز،‭ ‬كنّ‭ ‬يرتدين‭ ‬الطُّرَح‭. ‬ولكن‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬المرأة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬ترتدي‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬زوجها‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭. ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬تلبس‭ ‬القصير،‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬تحت‭ ‬الركبة،‭ ‬مع‭ ‬الحجاب‭ ‬المعهود‭ ‬اليوم‭ ‬مغطيًا‭ ‬حتى‭ ‬كعب‭ ‬رجلها،‭ ‬فكانت‭ ‬العملية‭ ‬بسيطةً‭.‬

فنشأتُ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوسط،‭ ‬ونشأتُ‭ ‬شاكًّا‭ ‬في‭ ‬لاأدريةٍ‭ ‬ساذجة،‭ ‬أسألُ‭ ‬أسئلةً‭ ‬بدائيةً‭ ‬بالفطرة‭ ‬التي‭ ‬فطرتني‭ ‬عليها‭ ‬الطبيعة،‭ ‬فأسأل‭ ‬نفسي‭ ‬وأقول‭: ‬‮«‬لماذا‭ ‬أنا‭ ‬مسلم؟‭ ‬لماذا‭ ‬أنا‭ ‬مصريّ؟‭ ‬لماذا‭ ‬أنا‭ ‬عربي؟‮»‬‭ ‬هذه‭ ‬كلها‭ ‬صُدف‭ ‬التقاء‭ ‬حيوانٍ‭ ‬منويٍ‭ ‬ببويضة،‭ ‬فينبغي‭ ‬أن‭ ‬أتحرر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الصدفة‭. ‬فكنت‭ ‬لا‭ ‬أصلي،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬والدي،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬ليبراليًا‭ ‬وأثناء‭ ‬شبابنا‭ ‬أنا‭ ‬وأخي‭ ‬وأختي‭ ‬كان‭ ‬يترك‭ ‬كلًّا‭ ‬منا‭ ‬يتصرف‭ ‬كما‭ ‬يشاء،‭ ‬كلٌّ‭ ‬يفعل‭ ‬ما‭ ‬يشاء،‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬صرت‭ ‬أنا‭ ‬مع‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬فترةً،‭ ‬وأخي‭ ‬صار‭ ‬كذلك‭. ‬أخي‭ ‬يعيش‭ ‬حياة‭ ‬شابٍ‭ ‬مصريٍ‭ ‬عادي،‭ ‬وأختي‭ ‬كذلك،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬محجبةً‭ ‬أو‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل‭. ‬كان‭ ‬أبي،‭ ‬الله‭ ‬يرحمه،‭ ‬تاركًا‭ ‬لنا‭ ‬حريةً‭ ‬تامة،‭ ‬فكان‭ ‬يأخذنا‭ ‬معه‭ ‬أحيانًا‭ ‬إلى‭ ‬الجامع‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬فقط،‭ ‬ويحضّنا‭ ‬على‭ ‬الصيام‭ ‬أحيانًا،‭ ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬أصوم‭ ‬طبعًا‭ ‬ولا‭ ‬أصلي،‭ ‬وأذهب‭ ‬معه‭ ‬إلى‭ ‬المسجد‭ ‬غير‭ ‬متوضئ،‭ ‬وأتفرج‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬وهي‭ ‬تصلّي،‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الفضول‭. ‬وكنت‭ ‬أحبّ‭ ‬صلاة‭ ‬الجمعة‭ ‬بالذات‭ ‬لأن‭ ‬أبي‭ ‬كان‭ ‬يتحدث‭ ‬مع‭ ‬أصدقائه‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬والشأن‭ ‬العام‭. ‬كنت‭ ‬أحب‭ ‬ذلك‭ ‬وأنا‭ ‬طفلٌ‭ ‬صغير،‭ ‬وأحب‭ ‬أن‭ ‬أشترك‭ ‬معهم،‭ ‬حتى‭ ‬أبي‭ ‬كان‭ ‬ينهرني‭ ‬أحيانًا‭ ‬ويقول‭ ‬‮«‬اسكت‭ ‬واستمع‭ ‬لأعمامك،‭ ‬لا‭ ‬يصحّ‭ ‬أن‭ ‬تتكلم‭.‬‮»‬‭ ‬

لكن‭ ‬بعض‭ ‬أصدقائه‭ ‬كانوا‭ ‬ينهونه‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬فيقولون‭: ‬‮«‬نحب‭ ‬أن‭ ‬نسمعه،‭ ‬دعه‭ ‬يتكلم‮»‬،‭ ‬فنذهب‭ ‬أحيانًا‭ ‬إلى‭ ‬أماكن‭ ‬في‭ ‬الإسكندرية‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬البن‭ ‬البرازيلي‮»‬‭ ‬أو‭ ‬مقهى‭ ‬بعد‭ ‬الصلاة‭ ‬حيث‭ ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭. ‬حتى‭ ‬قررت،‭ ‬بكامل‭ ‬قواي‭ ‬العقلية‭ ‬وبإرادتي‭ ‬ونتيجة‭ ‬تطوراتٍ‭ ‬فكريةٍ‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري‭ ‬والعربي،‭ ‬الانتماء‭ ‬لحركة‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين،‭ ‬حيث‭ ‬ذهبت‭ ‬إليهم‭ ‬وكانت‭ ‬قصةً‭. ‬

حيث‭ ‬شكّوا‭ ‬بسبب‭ ‬أنني‭ ‬جئت‭ ‬أطلب‭ ‬الانضمام‭ ‬للإخوان‭ ‬المسلمين،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنهم‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬يختارون‭ ‬الناس‭ ‬بهدف‭ ‬الانضمام،‭ ‬فيبدأون‭ ‬بمصادقتك،‭ ‬وذهابهم‭ ‬معك‭ ‬لأماكن،‭ ‬كاحتساء‭ ‬القهوة،‭ ‬بأخذك‭ ‬للصلاة،‭ ‬بوعظك،‭ ‬لكنه‭ ‬لن‭ ‬يقول‭ ‬لك‭ ‬‮«‬انضمّ‭ ‬للإخوان‮»‬‭ ‬أبدًا‭. ‬فهي‭ ‬دعوةٌ‭ ‬غير‭ ‬مفتوحةٍ‭ ‬للناس،‭ ‬كالدعوة‭ ‬للحركات‭ ‬الماسونية،‭ ‬والماسونية‭ ‬ليست‭ ‬مسبةً‭ ‬لهم،‭ ‬لكنها‭ ‬حركةٌ‭ ‬تنتقي‭ ‬أعضاءها‭ ‬وليس‭ ‬بملء‭ ‬استمارة‭. ‬فلا‭ ‬تنضم‭ ‬كما‭ ‬تنضم‭ ‬إلى‭ ‬نادٍ‭ ‬رياضيٍّ‭ ‬أو‭ ‬حزبٍ‭ ‬سياسي،‭ ‬لا،‭ ‬وإنما‭ ‬توضَع‭ ‬تحت‭ ‬الاختبار‭ ‬وتُرشّح‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬داخل‭ ‬التنظيم‭ ‬حتى‭ ‬تنضم‭ ‬للتنظيم‭.‬

غراب‭: ‬ذكرت‭ ‬جانبًا‭ ‬مهمًا‭ ‬وهو‭ ‬تحولك‭ ‬من‭ ‬اللاأدرية‭.‬

زايد‭: ‬اللاأدرية‭ ‬الساذجة‭ ‬لو‭ ‬سمحت،‭ ‬لأنني‭ ‬كنت‭ ‬بسيطًا،‭ ‬بالكاد‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬قرأت‭ ‬لنجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬ومصطفى‭ ‬محمود‭ ‬وأنيس‭ ‬منصور‭ ‬والعقاد،‭ ‬أيْ‭ ‬الكتابات‭ ‬الشائعة‭ ‬والموجودة‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬الثمانينات‭. ‬وفي‭ ‬أواخر‭ ‬الثمانينات‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬اندمجت‭ ‬مع‭ ‬الإخوان‭ ‬وأصبحت‭ ‬رئيسًا‭ ‬لاتحاد‭ ‬طلاب،‭ ‬فكانت‭ ‬هذه‭ ‬مرحلة‭ ‬تحوُّل‭.‬

غراب‭: ‬تحول‭ ‬غريب‭…‬

زايد‭: ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭ ‬أن‭ ‬لكل‭ ‬مرحلةٍ‭ ‬تحولاتها‭. ‬فهنالك‭ ‬تحولاتٌ‭ ‬من‭ ‬الأديان‭ ‬التعددية‭ ‬إلى‭ ‬الأديان‭ ‬التوحيدية‭ ‬إلى‭ ‬التفريد‭ ‬الربوبي‭ ‬إلى‭ ‬الكنيسة‭ ‬والإسلام‭ ‬وأديان‭ ‬العصر‭ ‬الوسيط‭ ‬إلى‭ ‬فكرة‭ ‬العلمانية،‭ ‬وعصر‭ ‬اللادينية‭ ‬والدين‭ ‬الطبيعي،‭ ‬وعصر‭ ‬الإلحاد،‭ ‬فكل‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬مراحل‭ ‬تمرّ‭ ‬فيها‭ ‬الجماعات‭ ‬البشرية‭.‬

س2: ‬أكيد،‭ ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬تحديدًا‭ ‬إلى‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين،‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬دافعٌ‭ ‬سياسيٌّ‭ ‬أو‭ ‬فكريّ،‭ ‬أو‭ ‬لنقُل‭ ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬حاجةٌ‭ ‬نفسية،‭ ‬أو‭ ‬أفكارٌ‭ ‬جاذبةٌ‭ ‬لديهم‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬اختيارك‭ ‬هذا‭ ‬الطريق،‭ ‬فلماذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬طريقًا‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين؟

زايد‭: ‬أولًا،‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬فيها‭ ‬طالبًا‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬الثمانينات‭ ‬كان‭ ‬اليسار‭ ‬قد‭ ‬مات،‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬يسارٌ‭ ‬تقريبًا،‭ ‬إلا‭ ‬بعض‭ ‬الرموز‭ ‬القليلة‭ ‬غير‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬الشارع،‭ ‬وكان‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬سوى‭ ‬تيار‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬والحزب‭ ‬الوطني،‭ ‬وهو‭ ‬جماعة‭ ‬الحزب‭ ‬الحاكم‭ ‬ومبارك‭.‬

غراب‭: ‬فكان‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬التمرد‭…‬

زايد‭: ‬كان‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬التمرد‭ ‬ورغبةً‭ ‬في‭ ‬فعل‭ ‬شيء،‭ ‬فلم‭ ‬أكن‭ ‬راضيًا‭ ‬عن‭ ‬النظام‭ ‬السياسي،‭ ‬سواءٌ‭ ‬أكان‭ ‬السادات‭ ‬أو‭ ‬عبد‭ ‬الناصر،‭ ‬حيث‭ ‬عانى‭ ‬عمي‭ ‬وأهلي‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬عبد‭ ‬الناصر،‭ ‬والسادات‭ ‬انتهى‭ ‬نهايةً‭ ‬مأساويةً‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الإسلاميين‭ ‬الذين‭ ‬تحالف‭ ‬معهم‭ ‬قليلًا‭ ‬ثم‭ ‬انقلبوا‭ ‬عليه‭ ‬ثم‭ ‬قُتل‭ ‬عندنا‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬مبارك‭ ‬والفساد‭ ‬والإشكالات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬موجودةً،‭ ‬فقررت‭ ‬أن‭ ‬أنتمي‭ ‬لحركةٍ‭ ‬معارضةٍ‭ ‬تنتمي‭ ‬لتاريخ‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬العظيم‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭. ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬لاأدريةٍ‭ ‬ساذجةٍ‭ ‬أو‭ ‬لاأدريةٍ‭ ‬غير‭ ‬ساذجة،‭ ‬كنت‭ ‬أحاول‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المراحل‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬عقلانيًا؛‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬سلميًا،‭ ‬ففكرة‭ ‬العنف‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مطروحةً‭ ‬عندي‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬فترةٍ‭ ‬من‭ ‬فترات‭ ‬حياتي،‭ ‬وأنا‭ ‬ضدها‭ ‬سواءٌ‭ ‬أكان‭ ‬العنف‭ ‬من‭ ‬جماعاتٍ‭ ‬دينيةٍ‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬جماعاتٍ‭ ‬إلحاديةٍ‭ ‬أو‭ ‬لادينية‭. ‬فالعنف‭ ‬مرفوضٌ‭ ‬مطلقًا‭ ‬وكذلك‭ ‬الحض‭ ‬أو‭ ‬التحريض‭ ‬عليه‭.‬

س3: ‬هذه‭ ‬كانت‭ ‬أسباب‭ ‬انضمامك‭ ‬لجماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬والانخراط‭ ‬فيها،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬فترةٍ‭ ‬تركتَ‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين،‭ ‬وتطور‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬هذه‭ ‬الجماعة‭. ‬فما‭ ‬هي‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬هجرك‭ ‬للإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬تدريجيًا؟‭ ‬وهل‭ ‬تأثرت‭ ‬بأي‭ ‬جماعةٍ‭ ‬سياسيةٍ‭ ‬أخرى‭ ‬بعد‭ ‬ذلك؟

زايد‭: ‬لا،‭ ‬أنا‭ ‬بعد‭ ‬تجربة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬والانتماء‭ ‬للحزب‭ ‬السياسي‭ ‬وإشكالاته،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬حزبًا‭ ‬شبه‭ ‬سياسيٍّ‭ ‬وليس‭ ‬رسميًا،‭ ‬فقد‭ ‬قررت‭ ‬ألّا‭ ‬أنتمي‭ ‬لأي‭ ‬جماعة،‭ ‬وبقيت‭ ‬منتميًا‭ ‬للتيار‭ ‬الحضاري‭ ‬الإسلامي،‭ ‬إسلام‭ ‬طه‭ ‬جابر‭ ‬العلواني،‭ ‬المفكر‭ ‬العراقي،‭ ‬أو‭ ‬جمال‭ ‬عطية،‭ ‬المصري،‭ ‬أو‭ ‬عبد‭ ‬الحليم‭ ‬أبو‭ ‬شقة‭ ‬صاحب‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬تحرير‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الرسالة‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬يتكلم‭ ‬عن‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬وضعية‭ ‬المرأة‭ ‬المسلمة‭ ‬الآن‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬وضعيتها‭ ‬أيام‭ ‬الرسول‭ ‬الكريم،‭ ‬أو‭ ‬صدر‭ ‬الإسلام‭. ‬وكلام‭ ‬أستاذنا‭ ‬عبد‭ ‬الحليم‭ ‬أبو‭ ‬شقة‭ ‬صحيح،‭ ‬فلعل‭ ‬المرأة‭ ‬كانت‭ ‬قُبيْل‭ ‬الإسلام‭ ‬أحسن‭ ‬حالًا‭ ‬بُعيْد‭ ‬الإسلام،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات،‭ ‬فالإسلام‭ ‬أعطاها‭ ‬مكتسباتٍ‭ ‬وأخذ‭ ‬منها‭ ‬مكتسبات‭. ‬أعطاها‭ ‬مثلًا‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الميراث،‭ ‬أعطاها‭ ‬أشياءَ‭ ‬وأخذ‭ ‬منها‭ ‬أشياءَ‭. ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬“تتَرّك”‭ ‬الإسلام،‭ ‬أي‭ ‬ساد‭ ‬فيه‭ ‬العنصر‭ ‬التركي،‭ ‬أصبحت‭ ‬المرأة‭ ‬تأخذ‭ ‬الفُتات،‭ ‬سواءٌ‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الحقوق‭ ‬المادية‭ ‬أو‭ ‬الحقوق‭ ‬المعنوية،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬امرأةً‭ ‬متعلمةً‭. ‬فانتميت‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬التيار،‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نسميه‭ ‬إسلامًا‭ ‬عقلانيًا،‭ ‬أو‭ ‬إسلامًا‭ ‬معتزليًا‭ ‬جديدًا،‭ ‬ثم‭ ‬لاحقًا‭ ‬تبينت‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬ليس‭ ‬فيه‭ ‬العقلانية‭ ‬الكاملة‭ ‬المنشودة‭ ‬التي‭ ‬أنا‭ (‬أبغاها‭) ‬وتحولت‭ ‬عنه‭ ‬منذ‭ ‬2004،‭ ‬وأصبحت‭ ‬منتميًا‭ ‬أكثر‭ ‬للدين‭ ‬الإنساني،‭ ‬ولست‭ ‬ضد‭ ‬أي‭ ‬دين،‭ ‬فاعبد‭ ‬حجرًا‭ ‬ولكن‭ (‬لا‭ ‬تُلْقِنِ‭) ‬به،‭ ‬والمهم‭ ‬هو‭ ‬النقطتان‭ ‬الأساسيتان‭ ‬في‭ ‬أفكاري‭ ‬الحالية‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الدين‭ ‬لا‭ ‬يحض‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬ولا‭ ‬يمارس‭ ‬العنف،‭ ‬وكل‭ ‬الناس‭ ‬خيرٌ‭ ‬وبركة،‭ ‬سواء‭ ‬أكنت‭ ‬هندوسيًا‭ ‬أو‭ ‬مسلمًا،‭ ‬أو‭ ‬شيعيًا‭ ‬أو‭ ‬سنيًّا،‭ ‬أو‭ ‬’’بلاءً‭ ‬أزرق‘‘،‭ ‬أو‭ ‬أيًا‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬فأنت‭ ‬حرٌ‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تضر،‭ ‬أنت‭ ‬حرٌ‭ ‬طالما‭ ‬هذه‭ ‬العقائد‭ ‬شخصيةٌ‭ ‬لك،‭ ‬أو‭ ‬ممكنٌ‭ ‬بأسرتك،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تفرضها‭ ‬على‭ ‬المجتمع،‭ ‬لا‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تفرضها‭ ‬عليّ،‭ ‬ولا‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تكفرني‭. ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬عندي‭ ‬مشكلةٌ‭ ‬نظريةٌ‭ ‬في‭ ‬التكفير،‭ ‬هنالك‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬التكفير‭ ‬خطأ‭. ‬فتبعات‭ ‬التكفير‭ ‬هي‭ ‬المشكلة،‭ ‬أما‭ ‬رأيك‭ ‬فأنت‭ ‬حرٌّ‭ ‬به‭. ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬تراني‭ ‬كافرًا‭ ‬أو‭ ‬هندوسيًّا،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬هندوسيًّا‭ ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬تهمةً‭ ‬باطلةً‭ ‬ظالمةً،‭ ‬لكن‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أبالي،‭ ‬فطالما‭ ‬لن‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬فعلٌ‭ ‬ينتقص‭ ‬حقًا‭ ‬من‭ ‬حقوقي،‭ ‬أو‭ ‬تسبب‭ ‬لي‭ ‬إهانةً‭ ‬أو‭ ‬تتطاول‭ ‬عليّ‭ (‬فخلاص‭) ‬أنت‭ ‬تراني‭ ‬مثلًا‭ ‬غير‭ ‬مضبوطٍ‭ ‬أو‭ ‬مضبوطًا،‭ ‬فهذا‭ ‬لا‭ ‬يفرق‭ ‬معي‭.‬

أريد‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬نقطةً‭ ‬بالنسبة‭ ‬لفكرة‭ ‬الإخوان،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬جزءًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬من‭ ‬فكرهم‭ ‬أن‭ ‬لعبوا‭ ‬على‭ ‬ظلم‭ ‬الأنظمة‭ ‬العسكرية،‭ ‬وهذا‭ ‬موجود؛‭ ‬هذه‭ ‬حقيقة،‭ ‬ولهم‭ ‬حقٌّ‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬وفي‭ ‬رفعهم‭ ‬فكرة‭ ‬الاضطهاد‭.‬

غراب: ‬المظلومية‭…‬

زايد‭: ‬المظلومية‭ ‬الشديدة‭ ‬ليست‭ ‬لهم‭ ‬كجماعةٍ‭ ‬خاصةٍ‭ ‬تم‭ ‬ظلمها‭ ‬أيام‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬الإخوانية،‭ ‬وأيضًا‭ ‬المظلومية‭ ‬للأمة‭ ‬العربية‭ ‬كلها‭ ‬من‭ ‬المؤامرات‭ ‬اليسارية‭ ‬واليمينية،‭ ‬يعني‭ ‬المعسكرين‭ ‬اللذين‭ ‬كانا‭ ‬موجودين‭ ‬في‭ ‬وقتها‭ ‬في‭ ‬الثمانينات‭ (‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوڤيتي‭ ‬قد‭ ‬سقط‭ ‬حينها‭)‬،‭ ‬أي‭ ‬المعسكر‭ ‬الشرقي‭ ‬والمعسكر‭ ‬الغربي،‭ ‬فكانوا‭ ‬يستحضرون‭ ‬أشياءَ‭ ‬من‭ ‬المظلوميات،‭ ‬كمساجد‭ ‬هدّمت‭ ‬أيام‭ ‬لينين‭ ‬وستالين،‭ ‬وشيوخٍ‭ ‬أُعدموا‭ ‬وأشياءَ‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل،‭ ‬وتأتي‭ ‬قصة‭ ‬أفغانستان،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬ضميرنا‭ ‬جميعًا‭ ‬أن‭ ‬الروس‭ ‬يقتلون‭ ‬المسلمين،‭ ‬والإسلام‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬ودور‭ ‬الشيوعيين‭ ‬كذا‭ ‬والتحالف‭ ‬الأمريكي‭ ‬كذا‭. ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬الشعوب‭ ‬تخطط،‭ ‬ففكرة‭ ‬المؤامرة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬اليوم‭ ‬ليست‭ ‬كما‭ ‬هي،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬عقلي‭ ‬في‭ ‬الثمانينات،‭ ‬فالعقل‭ ‬العربي‭ ‬لأنه‭ ‬عقلٌ‭ ‬مهزوم،‭ ‬وعقلٌ‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬حضارةٍ‭ ‬عربيةٍ‭ ‬إسلامية،‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬وقتٍ‭ ‬من‭ ‬الأوقات‭ ‬فيها‭ ‬صفحاتٌ‭ ‬بيضاء‭ ‬وصفحاتٌ‭ ‬سوداء‭ ‬ولكن‭ ‬أصبحت‭ ‬اليوم‭ ‬محتَضَرةً‭ ‬أو‭ ‬ميتةً‭. ‬فأنا‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬هنالك‭ ‬روايتين،‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬المحدّثين؛‭ ‬هل‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬ماتت‭ ‬أم‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬احتضارٍ‭ ‬شديد،‭ ‬ونحن‭ ‬ننتظر‭ ‬مولودًا‭ ‬جديدًا،‭ ‬هذا‭ ‬المولود‭ ‬هو‭ ‬’’حضارةٌ‭ ‬إسلامية2ٌ‘‘‭ ‬أو‭ ‬حضارةٌ‭ ‬شرقيةٌ‭ ‬أو‭ ‬حضارةٌ‭ ‬عربيةٌ‭ ‬أو‭ ‬حضارةٌ‭ ‬علمانيةٌ‭ ‬أو‭ ‬حضارةٌ‭ ‬بالمهلّبية،‭ ‬المهم‭ ‬ستتطور‭. ‬لكن‭ ‬حدث‭ ‬انقطاعٌ‭ ‬أكيد‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬ولا‭ ‬جدال‭ ‬معه،‭ ‬فكانت‭ ‬هذه‭ ‬الأشياء‭ ‬كلها‭ ‬عناصر‭ ‬تحمّس‭ ‬شابًا‭ ‬صغيرًا‭ ‬دون‭ ‬العشرين‭ ‬في‭ ‬الانتماء،‭ ‬يحلم،‭ ‬كما‭ ‬حلم‭ ‬ماركس‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بتغيير‭ ‬العالم‭. ‬كنتُ‭ ‬أحلم‭ ‬بتغيير‭ ‬العالم،‭ ‬وما‭ ‬زلت،‭ ‬لكن‭ ‬الحلم‭ ‬الآن‭ ‬أصبح‭ ‬خفيفًا‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭. ‬كنا‭ ‬نحس‭ ‬بالأمر،‭ ‬كنا‭ ‬منتمين‭ ‬ونعمل،‭ ‬كنت‭ ‬أذهب‭ ‬وأخطب‭ ‬في‭ ‬اتحاد‭ ‬الطلبة‭ ‬ونقوم‭ ‬بنشاطات،‭ ‬ونحس‭ ‬بأننا‭ ‬نغير‭ ‬الكون،‭ ‬وليس‭ ‬الإسكندرية‭ ‬التي‭ ‬أنتمي‭ ‬إليها‭ ‬فقط‭ ‬ولا‭ ‬مصر‭ ‬ولا‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬بل‭ ‬كنا‭ ‬سنغير‭ ‬العالم‭. ‬وكانت‭ ‬أفكار‭ ‬الإخوان،‭ ‬فكرة‭ ‬أستاذية‭ ‬العالم،‭ ‬أننا‭ ‬نقود‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬الجنة‭ ‬في‭ ‬الآخرة،‭ ‬وفي‭ ‬الدنيا‭ ‬إلى‭ ‬السعادة‭ ‬والرخاء‭ ‬والرفاه؛‭ ‬أفكارًا‭ ‬ورديةً‭ ‬طبعًا‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬أساسٌ‭ ‬للأسف‭ ‬الشديد‭ ‬في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬وددتُ‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حقيقيةً‭ ‬لكنها‭ ‬للأسف‭ ‬أفكارٌ‭ ‬زائفة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬عندما‭ ‬تقرأ‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي‭ ‬بعينٍ‭ ‬فاحصة،‭ ‬ولا‭ ‬أقول‭ ‬بعين‭ ‬المستشرقين‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مفكرٍ‭ ‬علماني،‭ ‬ولكن‭ ‬بعين‭ ‬المؤرخين‭ ‬المسلمين‭ ‬القدماء‭ ‬مثل‭ ‬الطبري‭ ‬أو‭ ‬ابن‭ ‬الأثير‭ ‬أو‭ ‬ابن‭ ‬كثير،‭ ‬وكل‭ ‬هؤلاء،‭ ‬فتحكي‭ ‬القصة‭ ‬كلها‭ ‬ولا‭ ‬يأخذ‭ ‬لك‭ ‬صفحات،‭ ‬فهذه‭ ‬لعبةٌ‭ ‬يفعلها‭ ‬باغضو‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬ومحبيها‭: ‬يأخذ‭ ‬الصفحات‭ ‬التي‭ ‬تناسبه‭: ‬تريد‭ ‬صفحاتٍ‭ ‬سوداء،‭ ‬فأقول‭ ‬لك‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬بشرًا‭ ‬بل‭ ‬شياطين،‭ ‬وهم‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬شياطين‭.‬

أو‭ ‬آخذ‭ ‬صفحاتٍ‭ ‬أخرى‭ ‬وأجعلهم‭ ‬ملائكةً‭ ‬وهم‭ ‬كانوا‭ ‬بشرًا‭ ‬مثلنا‭ ‬لهم‭ ‬عيوبٌ‭ ‬كثيرةٌ‭ ‬ولهم‭ ‬مزايا،‭ ‬وهكذا‭ ‬كل‭ ‬الحضارات‭ ‬الإنسانية‭.‬

غراب‭: ‬عظيم‭. ‬هذا‭ ‬عن‭ ‬دخولك‭ ‬ولكن‭ ‬كيف‭ ‬تم‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬فكر‭ ‬الإخوان؟

زايد‭: ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬فكر‭ ‬الإخوان‭ ‬تم‭ ‬سريعًا‭ ‬وأقول‭ ‬بإيجاز‭: ‬فقد‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬الإخوان‭ ‬وأصبحت‭ ‬مسلمًا‭ ‬عقلانيًا‭ ‬مثل‭ ‬الأستاذ‭ ‬جمال‭ ‬البنا‭ ‬أو‭ ‬الأستاذ‭ ‬عدنان‭ ‬إبراهيم‭ ‬أو‭ ‬الأستاذ‭ ‬محمد‭ ‬أركون‭.‬

أحاول‭ ‬أن‭ ‬أبحث‭ ‬عن‭ ‬إسلامٍ‭ ‬أكثر‭ ‬عقلانيةً،‭ ‬وعن‭ ‬تفسيرٍ‭ ‬للنصوص‭ ‬أكثر‭ ‬توافقًا‭ ‬مع‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬فكان‭ ‬هذا‭ ‬ديدني‭.‬

‭ ‬كانت‭ ‬مشكلة‭ ‬الإخوان‭ ‬أنهم‭ ‬بسطاءُ‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬القراءة‭ ‬والاطلاع‭. ‬قليلو‭ ‬الاطلاع،‭ ‬قليلو‭ ‬القراءة،‭ ‬فكنت‭ ‬أقول‭ ‬لهم‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬لكم‭ ‬أن‭ ‬تقيموا‭ ‬مدارس‭ ‬ثقافيةً‭ ‬وصالونات‭.‬

أنا‭ ‬أقيم‭ ‬صالوناتٍ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬سنة،‭ ‬صالوناتٍ‭ ‬علمانيةً‭ ‬وإسلاميةً‭ ‬وأنواعًا‭ ‬مختلفة‭.‬

الصالونات‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬والدي‭ ‬في‭ ‬’’وسط‭ ‬البلد‘‘‭ ‬في‭ ‬الإسكندرية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مسجد‭ ‬القائد‭ ‬إبراهيم،‭ ‬فكنا‭ ‬نمارس‭ ‬هناك‭ ‬الحوار‭ ‬والثقافة،‭ ‬وأستضيف‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬أكون‭ ‬متحدثًا،‭ ‬فكنت‭ ‬مديرًا‭ ‬لهذا‭ ‬الصالون،‭ ‬أدعو‭ ‬مفكرين‭ ‬كبارًا‭ ‬مثل‭ ‬الأستاذ‭ ‬فرج‭ ‬فودة،‭ ‬وفؤاد‭ ‬زكريا،‭ ‬ومحمود‭ ‬شاكر،‭ ‬وهو‭ ‬إسلاميٌّ‭ ‬لكنه‭ ‬متحررٌ‭ ‬من‭ ‬تنظيمات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي،‭ ‬والشيخ‭ ‬الغزالي،‭ ‬والدكتور‭ ‬طه‭ ‬جابر‭ ‬العلواني،‭ ‬وأستاذنا‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬زلت‭ ‬أحبه‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬الله‭ ‬يرحمه،‭ ‬فقد‭ ‬مات‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬سنةً‭ ‬الأستاذ‭ ‬عبد‭ ‬الحليم‭ ‬محمد‭ ‬أحمد‭ ‬أبو‭ ‬شقة‭ ‬الذي‭ ‬كلّمتك‭ ‬عنه‭ ‬وهو‭ ‬صاحب‭ ‬قصة‭ ‬المرأة‭ ‬المسلمة‭ ‬وكيف‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬تحررًا‭ ‬في‭ ‬صدر‭ ‬الإسلام‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬وهذا‭ ‬نأسف‭ ‬له‭ ‬أشد‭ ‬الأسف‭.‬

س4: لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬رحلتك‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬محدودةً‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬لأنك‭ ‬خرجت‭ ‬لأوروپا‭ ‬وزرت‭ ‬العالم‭ ‬عمليًّا،‭ ‬وهذا‭ ‬الكنز‭ ‬من‭ ‬الخبرات‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬أثّر‭ ‬بلا‭ ‬شكٍّ‭ ‬في‭ ‬مكتسباتك‭ ‬وأفكارك‭. ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تصف‭ ‬لنا‭ ‬بشكلٍ‭ ‬سريعٍ‭ ‬خريطة‭ ‬تحولك‭ ‬الفكري،‭ ‬أو‭ ‬هل‭ ‬تستطيع‭ ‬وضع‭ ‬تسميات؟‭ ‬فقد‭ ‬ذكرت‭ ‬أنك‭ ‬تقول‭ ‬عن‭ ‬نفسك‭ ‬لادينيًّا‭ ‬متحررًا‭ ‬عقلانيًّا‭ ‬إنسانيًّا‭ ‬تنتمي‭ ‬للدين‭ ‬الإنساني،‭ ‬هل‭ ‬تستطيع‭ ‬وصف‭ ‬خريطة‭ ‬تطورك‭ ‬الفكري؟

أصف‭ ‬نفسي‭ ‬أنني‭ ‬على‭ ‬دين‭ ‬الإنسانية،‭ ‬على‭ ‬دين‭ ‬عصر‭ ‬الأنوار،‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬الطبيعي‭ ‬الجميل،‭ ‬دين‭ ‬الحب‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬محي‭ ‬الدين‭ ‬بن‭ ‬عربي‭: ‬‮«‬أدين‭ ‬بدين‭ ‬الحب‭ ‬أنَّى‭ ‬توجهتْ‭ ‬ركائبه،‭ ‬فالحب‭ ‬ديني‭ ‬وإيماني‮»‬‭. ‬فالقصة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بسفري‭ ‬للخارج‭ ‬أثرت‭ ‬بالتأكيد‭ ‬فيَّ‭ ‬تأثيرًا‭ ‬كبيرًا‭. ‬أولًا‭ ‬درست‭ ‬علومًا‭ ‬أخرى،‭ ‬فقبل‭ ‬ذلك‭ ‬درست‭ ‬علومًا‭ ‬شرعيةً،‭ ‬وأحببت‭ ‬ألا‭ ‬أكون‭ ‬مثل‭ ‬معظم‭ ‬الإسلاميين‭ ‬وأن‭ ‬أدرس‭ ‬الإسلام‭ ‬على‭ ‬أصوله،‭ ‬وأن‭ ‬أدرس‭ ‬الإسلام‭ ‬بكافة‭ ‬أبوابه،‭ ‬ليس‭ ‬ببابٍ‭ ‬واحد،‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬السلفيون‭ ‬أو‭ ‬الصوفيون‭ ‬أو‭ ‬الشيعة‭: ‬يقرأ‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬الإسلام‭ ‬وتغيب‭ ‬عنه‭ ‬أشياءُ،‭ ‬فحاولت‭ ‬أن‭ ‬أبقى‭ (‬فلحوس‭) ‬كما‭ ‬نقولها‭ ‬في‭ ‬اللهجة‭ ‬المصرية‭ ‬أو‭ ‬يعني‭ ‬“شاطر”،‭ ‬ولعلّي‭ ‬كنت‭ ‬بلغت‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬هذا‭. ‬بذلت‭ ‬مجهودًا‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬الفلسفة‭ ‬الإسلامية‭ ‬حتى‭ ‬الأمور‭ ‬غير‭ ‬المعروفة،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬الشيعة‭ ‬والسنة،‭ ‬وبقي‭ ‬لدي‭ ‬طرفٌ‭ ‬في‭ ‬العلم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مجالٍ‭ ‬وأخذت‭ ‬إجازةً‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬الشريف،‭ ‬فدرست‭ ‬أيضًا‭ ‬الحديث‭ ‬النبوي‭ ‬ودرست‭ ‬في‭ ‬الأزهر‭ ‬حيث‭ ‬أخذت‭ ‬دبلومًا‭ ‬منه،‭ ‬فدرست‭ ‬دراسةً‭ ‬أكاديميةً‭ ‬ودراسةً‭ ‬تقليديةً‭ ‬حتى‭ ‬أعي‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭. ‬فهذا‭ ‬أفادني،‭ ‬لكن‭ ‬عندما‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬الغرب،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬بريطانيا،‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬أدرس‭ ‬أيضًا‭ ‬علومهم‭ ‬فبدأت‭ ‬بدراسة‭ ‬الدراما‭ ‬والفلسفة،‭ ‬كمحاولةٍ‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬الأسئلة‭ ‬والتناقضات‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الديني،‭ ‬فكانت‭ ‬الفلسفة‭ ‬تزيد‭ ‬التناقضات‭ ‬تناقضاتٍ‭ ‬ولا‭ ‬تقللها،‭ ‬حتى‭ ‬وصلت‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2006‭/‬2005‭ ‬إلى‭ ‬تبلورٍ‭ ‬تامٍّ‭ ‬لأكون‭ ‬شخصًا‭ ‬متحررًا‭ ‬كثيرًا،‭ ‬وأجد‭ ‬هنالك‭ ‬إشكالًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬النصوص‭ ‬الدينية‭ ‬فأرى‭ ‬أنها‭ ‬تحتاج‭ ‬تأويلًا‭ ‬عقلانيًّا،‭ ‬ووجدت‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬مهمتي‭ ‬وصعبٌ‭ ‬جدًا،‭ ‬ولكن‭ ‬أشجع‭ ‬عليه‭ ‬حتى‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬وهذه‭ ‬اللحظة؛‭ ‬أشجع‭ ‬كل‭ ‬إنسانٍ‭ ‬أن‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يعطينا‭ ‬دينًا‭ ‬أكثر‭ ‬إنسانيةً،‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬دين،‭ ‬سواءٌ‭ ‬الإسلام‭ ‬أو‭ ‬المسيحية‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬دينٍ‭ ‬آخر،‭ ‬دينٌ‭ ‬أكثر‭ ‬إنسانيةً،‭ ‬فأنا‭ ‬أرفع‭ ‬له‭ ‬القبعة‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬غير‭ ‬مؤمنٍ‭ ‬بهذا‭ ‬الدين‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليه‭ ‬هذا‭ ‬الشخص،‭ ‬لكني‭ ‬أشجعه‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أكثر‭ ‬إنسانيةً‭ ‬وأكثر‭ ‬آدميةً‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬البغيضة‭ ‬للدين‭ ‬وكل‭ ‬دينٍ‭ ‬له‭ ‬صورته‭ ‬البغيضة‭ ‬شرقًا‭ ‬وغربًا‭.‬

النقطة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬لما‭ ‬ذهبت‭ ‬للغرب،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعي‭: ‬‮«‬سافر‭ ‬ففي‭ ‬الأسفار‭ ‬سبع‭ ‬فوائد،‭ ‬منها‭ ‬صحبة‭ ‬ماجد‮»‬‭.‬‭(‬1‭)‬

واطلاعٌ‭ ‬على‭ ‬الناس،‭ ‬نرى‭ ‬ثقافاتٍ‭ ‬مختلفةً،‭ ‬وأيضًا‭ ‬تضع‭ ‬أسئلةً‭: ‬هل‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬سيدخلون‭ ‬النار‭ ‬وأنتم‭ ‬ستدخلون‭ ‬الجنة‭ ‬يا‭ (‬أولاد‭ ‬الّذين‭)‬؟‭ ‬فكنت‭ ‬أقول‭: ‬كيف؟‭ ‬ما‭ ‬ذنب‭ ‬هؤلاء‭ ‬أنهم‭ ‬نشأوا‭ ‬في‭ ‬ثقافةٍ‭ ‬أخرى‭ ‬وأنا‭ ‬لعلّي،‭ ‬أو‭ ‬أنت‭ ‬لعلّك،‭ ‬لو‭ ‬نشأت‭ ‬في‭ ‬أسرةٍ‭ ‬مسيحيةٍ‭ ‬أو‭ ‬شيعيةٍ‭ ‬أو‭ ‬درزيةٍ‭ ‬ستكون‭ ‬كما‭ ‬عوّدك‭ ‬أبوك‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬أبو‭ ‬العلاء‭ ‬المعري‭: ‬إنما‭ ‬ينشأ‭ ‬فتى‭ ‬الصبيان‭ ‬منا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬عوده‭ ‬أبوه‭(‬2‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬أمه،‭ ‬لكيلا‭ ‬تغضب‭ ‬منا‭ ‬النسويات‭.‬

القصة‭ ‬كلها‭ ‬ستكون‭ ‬بنت‭ ‬الصدفة،‭ ‬و‭ %‬99,9‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الأرض‭ ‬يموتون‭ ‬على‭ ‬دين‭ ‬الأب،‭ ‬إلا‭ ‬الذي‭ ‬يتحول‭ ‬من‭ ‬مسلمٍ‭ ‬لمسيحيٍ‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬مسيحيٍ‭ ‬لمسلمٍ‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬مسلمٍ‭ ‬لهندوسيٍ‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬هندوسيٍ‭ ‬لبوذي،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬إلى‭ ‬ملحد،‭ ‬هذا‭ ‬أقل‭ ‬القليل‭ ‬ولعل‭ ‬أكثر‭ ‬التحولات‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬هي‭ ‬التحولات‭ ‬إلى‭ ‬اللادينية‭ ‬بأشكالها‭ ‬المختلفة‭ ‬سواءً‭ ‬أكانت‭ ‬الربوبية‭ ‬أو‭ ‬اللاأدرية‭ ‬أو‭ ‬اللااكتراثية‭ ‬أو‭ ‬الإلحاد‭ ‬الصرف‭. ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭ ‬أكثر‭ ‬المعتقدات‭ ‬انتشارًا‭.‬

ألّفت‭ ‬سلسلةً‭ ‬في‭ ‬قناتي‭ ‬اسمها‭ ‬‮«‬الإلحاد‭ ‬والإيمان‮»‬،‭ ‬سلسلةٌ‭ ‬من‭ ‬7‭/‬8‭ ‬محاضراتٍ‭ ‬نتكلم‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬التيارات‭ ‬جميعًا،‭ ‬عن‭ ‬الملحدين‭ ‬بأنواعهم‭ ‬واللاأدريين‭ ‬بأنواعهم‭ ‬واللااكتراثيين‭ ‬والربوبين‭ ‬والدينيين‭ ‬أيضًا‭ ‬وأحاول‭ ‬أن‭ ‬أكتشف‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬وموقف‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬إله‭ ‬أو‭ ‬آلهة‭ ‬السماء‭ ‬وتأويلاتهم‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬قراءاتهم‭ ‬لها‭.‬

فكانت‭ ‬التجربة‭ ‬الأوروپية‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬جزءًا‭ ‬مهمًا‭ ‬جدًا‭ ‬وليست‭ ‬أوروپا‭ ‬فقط‭ ‬أو‭ ‬الغرب‭ ‬فقط،‭ ‬فقد‭ ‬وجدت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬هناك،‭ ‬وأذكر‭ ‬فتاةً‭ ‬هنديةً‭ ‬كنت‭ ‬أجلس‭ ‬معها،‭ ‬أذكر‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬التسعينات‭ ‬وكنت‭ ‬أتكلم‭ ‬معها‭ ‬وأدعوها‭ ‬للإسلام‭ ‬وأقول‭ ‬لها‭: ‬‮«‬لماذا‭ ‬تعبدون‭ ‬البقر؟‮»‬،‭ ‬

فردت‭ ‬علي‭: ‬‮«‬لماذا‭ ‬أنتم‭ ‬تعبدون‭ ‬الكعبة؟‭ ‬

نحن‭ ‬نتبرك‭ ‬بها‭ ‬ولا‭ ‬نعبدها‭ ‬مثلما‭ ‬أنتم‭ ‬تسجدون‭ ‬للكعبة‭ ‬ولا‭ ‬تعبدونها‮»‬،

‭ ‬فقلت‭ ‬لها‭: ‬‮«‬دعينا‭ ‬نتعشى‭ ‬ونتمشى‭ ‬ونترك‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬الميتافيزيقي‮»‬‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬وُلدَت‭ ‬في‭ ‬ذهني‭ ‬العبارة‭ ‬الشهيرة‭ ‬التي‭ ‬أرددها‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬محاضراتي‭: ‬‮«‬يا‭ ‬صديقي‭ ‬دينك‭ ‬هو‭ ‬أسطورة‭ ‬الآخر‭ ‬ودين‭ ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬أسطورتك‮»‬‭. ‬

فمثلًا،‭ ‬لو‭ ‬رأيت‭ ‬الهندوسي‭ ‬يفعل‭ ‬طقوسه‭ ‬تضحك‭ ‬وتقول‭: ‬‮«‬ما‭ ‬هذا‭ ‬الغباء؟‮»‬

وهو‭ ‬إذا‭ ‬رأى‭ ‬المسلم‭ ‬يخلع‭ ‬سرواله‭ ‬الداخلي‭ ‬ويضع‭ ‬فوطةً‭ ‬حول‭ ‬خصره‭ ‬ويجري‭ ‬حول‭ ‬حجرٍ‭ ‬يقبّله‭ ‬وحجرٍ‭ ‬يلقيه‭ ‬بالحجر‭ ‬فسيقول‭: ‬‮«‬أصحاب‭ ‬العقول‭ ‬في‭ ‬راحة،‭ ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬على‭ ‬نعمة‭ ‬الهندوسية‮»‬،‭ ‬

وكذلك‭ ‬أيضًا‭ ‬المسيحية،‭ ‬ولما‭ ‬ترى‭ ‬اليهود‭ ‬يهزون‭ ‬برؤوسهم‭ ‬تقول‭ ‬‮«‬ما‭ ‬هذا‭ ‬الغباء؟‮»‬،‭ ‬

أو‭ ‬يراك‭ ‬تضع‭ ‬مؤخرتك‭ ‬بإزاء‭ ‬السماء‭ ‬في‭ ‬السجود،‭ ‬أيضًا‭ ‬يندهش،‭ ‬فكما‭ ‬يقول‭ ‬الشوام‭: ‬‮«‬كل‭ ‬واحد‭ ‬ربنا‭ ‬يعينه‭ ‬على‭ ‬دينه‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬كل‭ ‬واحدٍ‭ ‬ربنا‭ ‬يقويه،‭ ‬لكن‭ ‬المهم‭ ‬ألّا‭ ‬نسخر‭ ‬من‭ ‬بعضٍ‭ ‬ونتعايش‭ ‬تعايشًا‭ ‬سلميًا‭ ‬سواءٌ‭ ‬أكنا‭ ‬دينيين‭ ‬أو‭ ‬لادينيين‭.‬

س5: ‬جميلٌ‭ ‬جدًا‭. ‬لقد‭ ‬ذكرت‭ ‬موضوع‭ ‬الصالونات‭ ‬وأنك‭ ‬تدير‭ ‬صالوناتٍ‭ ‬واجتماعاتٍ‭ ‬ثقافيةً‭ ‬كثيرةً‭.‬

بنيويًا،‭ ‬الحوارات‭ ‬في‭ ‬الصالونات‭ ‬والمقابلات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬محاسنها‭ ‬وقوتها‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬بالناس‭ ‬والتأثير‭ ‬بالمجتمع؟

زايد‭: ‬الآثار‭ ‬كبيرة‭. ‬والذي‭ ‬ساعدنا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الصالونات‭ ‬والمحاضرات‭ ‬أيضًا‭ ‬هي‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬كاليوتيوب‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬شخصيًّا،‭ ‬اليوتيوب‭ ‬أولًا‭ ‬وثانيًا‭ ‬وثالثًا،‭ ‬ثم‭ ‬الصالونات‭ ‬الفعلية‭ ‬والاتصال‭ ‬المباشر‭ ‬بالناس‭ ‬مهمٌّ‭ ‬جدًا‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬نكون‭ ‬نتكلم‭ ‬كالكِتاب،‭ ‬وهو‭ ‬الفاصل‭ ‬بينك‭ ‬وبين‭ ‬الشخص‭ ‬فأنت‭ ‬لا‭ ‬تجلس‭ ‬مع‭ ‬المؤلف‭ ‬وأيضًا‭ ‬الڤيديو‭ ‬أو‭ ‬status‭ ‬الفيسبوك‭ ‬فيها‭ ‬تفاعلٌ‭ ‬لعله‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والصالونات‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬ورؤية‭ ‬التطور‭ ‬الفكري‭ ‬للشبان‭ ‬والفتيات‭ ‬عن‭ ‬قرب‭. ‬

فمثلًا‭ ‬في‭ ‬اليوتيوب‭ ‬أرى‭ ‬الناس‭ ‬تسب‭ ‬وتشتم‭ ‬أحيانًا‭ ‬وتمدح‭ ‬وتجعلني‭ ‬عظيمًا‭ ‬أو‭ ‬دون‭ ‬ذلك،‭ ‬أو‭ ‬شيطانًا‭ ‬أحيانًا،‭ ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬جميل‭. ‬هذا‭ ‬التفاعل‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فيه‭ ‬سبٌ‭ ‬أو‭ ‬عنفٌ‭ ‬فهو‭ ‬أيضًا‭ ‬تفاعلٌ‭ ‬جميلٌ،‭ ‬وأنا‭ ‬أذكر‭ ‬لمّا‭ ‬خرجتُ‭ ‬من‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬وتركتهم‭ ‬بسبب‭ ‬عملي‭ ‬في‭ ‬الصالونات‭ ‬الثقافية‭ ‬وكان‭ ‬يحضر‭ ‬فيها‭ ‬الإسلاميون‭ ‬وغير‭ ‬الإسلاميين‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الصالونات‭ ‬الثقافية‭ ‬لها‭ ‬مردودها‭ ‬الجيد‭ ‬لكن‭ ‬البسيط‭ ‬جدًا‭ ‬بالمقارنة‭ ‬بهذه‭ ‬الصالونات‭ ‬الثقافية‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬بدأت‭ ‬أنشرها‭ ‬وهي‭ ‬بالصدفة‭ ‬المحضة،‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬25‭ ‬يناير‭ ‬عملت‭ ‬قناةً‭ ‬على‭ ‬اليوتيوب‭ ‬ونشرت‭ ‬هذه‭ ‬المحاضرات‭ ‬التي‭ ‬ألقيها‭ ‬والصالونات‭ ‬ولدي‭ ‬عشرات‭ ‬المحاضرات‭ ‬التي‭ ‬ضاعت‭ ‬وبعضها‭ ‬كنت‭ ‬أمثّل‭ ‬فيها‭ ‬حالةً‭ ‬فكريةً‭ ‬مغايرةً‭. ‬

فلدي‭ ‬في‭ ‬اليوتيوب‭ ‬الآن‭ ‬كل‭ ‬محاضراتي‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬لحظةٍ‭ ‬فكريةٍ‭ ‬محددة،‭ ‬أما‭ ‬الأجزاء‭ ‬الماضية‭ ‬فكانت‭ ‬فيها‭ ‬أشياءُ‭ ‬كنت‭ ‬مختلفًا‭ ‬فيها‭ ‬فكريًا‭ ‬وكنت‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬موجودةً‭ ‬لترى‭ ‬الناس‭ ‬تطوري‭ ‬الفكري،‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الصالونات‭ ‬لا‭ ‬ألقن،‭ ‬نحن‭ ‬لسنا‭ ‬في‭ ‬جامعة،‭ ‬ولسنا‭ ‬في‭ ‬مسجدٍ‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬كنيسةٍ‭ ‬حتى‭ ‬أبشّرك‭ ‬وأقول‭ ‬لك‭ ‬يا‭ ‬صديقي‭ ‬فلان‭ ‬ويا‭ ‬فلانة‭ ‬افعلي‭ ‬هذا‭ ‬فهو‭ ‬جميلٌ‭ ‬وحسنٌ‭ ‬ولا‭ ‬تفعلي‭ ‬هذا‭ ‬فهو‭ ‬قبيحٌ‭ ‬وسيء،‭ ‬ولكن‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أعرض‭ ‬الأفكار،‭ ‬أفكار‭ ‬بني‭ ‬الإنسان‭ ‬جميعًا،‭ ‬وطبعًا‭ ‬لدي‭ ‬وجهة‭ ‬نظرٍ‭ ‬شخصيةٍ‭ ‬لكن‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أخفيها‭ ‬قدر‭ ‬المستطاع‭ ‬وقد‭ ‬تبدو‭ ‬مني‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الكلام‭ ‬لكن‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أخفيها‭ ‬حتى‭ ‬يصل‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬أمامي‭ ‬إلى‭ ‬نفس‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬مررتُ‭ ‬بها‭ ‬ولا‭ ‬أدفعه‭. ‬

وتعجبني‭ ‬حكمةٌ‭ ‬صوفيةٌ‭ ‬جميلةٌ‭ ‬جدًا‭ ‬تقول‭: ‬‮«‬ابدأ‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬بدأت‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬انتهيت‮»‬‭. ‬

يعني‭ ‬لا‭ ‬ينفع‭ ‬أن‭ ‬أبدأ‭ ‬مع‭ ‬شخص،‭ ‬كبيرًا‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬صغيرًا،‭ ‬من‭ ‬قناعاتٍ‭ ‬طورتها‭ ‬في‭ ‬عشر‭ ‬سنواتٍ‭ ‬وأنا‭ ‬أراك‭ ‬في‭ ‬مرحلتي‭ ‬قبل‭ ‬عشر‭ ‬سنواتٍ‭ ‬وأنقل‭ ‬لك‭ ‬قناعاتي‭ ‬اليوم‭. ‬فهو‭ ‬له‭ ‬حقٌ‭ ‬أن‭ ‬يمر‭ ‬بنفس‭ ‬المراحل‭ ‬فقد‭ ‬يوجد‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬أسرع‭ ‬من‭ ‬ناس،‭ ‬فبعضهم‭ ‬يأخذ‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬أخذتُها‭ ‬في‭ ‬خمس‭ ‬سنين‭ ‬يأخذها‭ ‬في‭ ‬سنة،‭ ‬وآخر‭ ‬يأخذها‭ ‬في‭ ‬عشر‭ ‬سنين‭ ‬وآخر‭ ‬يموت‭ ‬ولا‭ ‬ينهيها‭. ‬الإنسان‭ ‬حُرّ،‭ ‬أنا‭ ‬مؤمنٌ‭ ‬بالحرية‭ ‬الإنسانية‭ ‬إيمانًا‭ ‬تامًا‭.‬

س6: بالنسبة‭ ‬لمحاضراتك‭ ‬والصالونات‭ ‬والاختلاف‭ ‬بين‭ ‬المحاضرة‭ ‬الواقعية‭ ‬أمامك‭ ‬والرقمية‭ ‬على‭ ‬اليوتيوب‭ ‬أو‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬حدثنا‭ ‬قليلًا‭ ‬عن‭ ‬تحضيرك‭ ‬للمحاضرة،‭ ‬كيف‭ ‬تنتقي‭ ‬المواضيع؟‭ ‬ماذا‭ ‬تفعل‭ ‬بغية‭ ‬التحضير؟‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬هيكليةٌ‭ ‬للمحاضرة‭ ‬أو‭ ‬اجتماع‭ ‬الصالون،‭ ‬وهل‭ ‬تضع‭ ‬أهدافًا‭ ‬مسبقةً‭ ‬أم‭ ‬تترك‭ ‬الموضوع‭ ‬حرًا؟‭ ‬حدثنا‭ ‬عن‭ ‬البنية‭. ‬

زايد‭: ‬أولًا،‭ ‬في‭ ‬عمري‭ ‬لم‭ ‬أعمل‭ ‬محاضراتٍ‭ ‬رقميةً‭ ‬فقط‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة،‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬أسجل‭ ‬الڤيديو‭ ‬أنادي‭ ‬بعض‭ ‬أصدقائي‭ ‬يجلسون‭ ‬على‭ ‬الكاميرا،‭ ‬تمامًا‭ ‬كحضرتك‭ ‬وأتكلم‭ ‬معهم‭ ‬بحيث‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬الكلام‭ ‬حيًا،‭ ‬فلا‭ ‬أجلس‭ ‬أمام‭ ‬الكاميرا‭ ‬وأقول‭ ‬لهم‭ ‬كذا‭ ‬وكذا‭. ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬أصلًا‭ ‬بالمحاضرات‭ ‬الطبيعية‭ ‬فأنا‭ ‬لست‭ ‬يوتيوبر‭ ‬YouTuber‭ ‬بالمعنى‭ ‬التقليدي‭ ‬كآخرين،‭ ‬والذين‭ ‬هم‭ ‬أصدقاءٌ‭ ‬أفاضل،‭ ‬لكن‭ ‬أنا‭ ‬محاضرٌ‭ ‬في‭ ‬قاعاتٍ‭ ‬وتواصلٍ‭ ‬إنسانيٍ‭ ‬مع‭ ‬أناسٍ‭ ‬من‭ ‬لحمٍ‭ ‬ودمٍ‭ ‬مثلنا،‭ ‬فهؤلاء‭ ‬الناس‭ ‬نتكلم‭ ‬معهم‭ ‬وأحاول‭ ‬أن‭ ‬أقسم‭ ‬الوقت‭ ‬مناصفةً‭ ‬بيني‭ ‬وبينهم،‭ ‬فلو‭ ‬الجلسة‭ ‬ساعتان‭ ‬أنا‭ ‬أتكلم‭ ‬ساعةً،‭ ‬وهم‭ ‬ساعةً‭ ‬يتكلمون،‭ ‬إن‭ ‬شاءوا‭ ‬طبعًا،‭ ‬فلا‭ ‬أدفعهم‭ ‬للكلام‭ ‬دفعًا،‭ ‬ويحصل‭ ‬هذا‭ ‬الحوار،‭ ‬وبدأت‭ ‬أسجل‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬فأصبحت‭ ‬المحاضرات‭ ‬كأنها‭ ‬حيةٌ‭ ‬ورقميةٌ‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭. ‬

وحتى‭ ‬الآن‭ ‬أفكر‭ ‬مع‭ ‬أصدقائي‭ ‬باقتراح‭ ‬محاضراتٍ‭ ‬مباشرةٍ‭ ‬على‭ ‬اليوتيوب‭ ‬فقط‭ ‬وتبقى‭ (‬لايف‭) ‬فيكون‭ ‬فيها‭ ‬أيضًا‭ ‬هذه‭ ‬الحيوية‭ ‬التي‭ ‬توجد‭ ‬عندما‭ ‬تنظر‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬حولك‭ ‬وتسمع‭ ‬أحيانًا‭ ‬بعض‭ ‬المقاطعات‭ ‬اللطيفة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬السخيفة،‭ ‬فهذا‭ ‬شيءٌ‭ ‬ظريف‭.‬

أما‭ ‬عن‭ ‬تحضير‭ ‬المحاضرات‭ ‬فعادةً‭ ‬أختار‭ ‬موضوعًا،‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أرد‭ ‬على‭ ‬الأسئلة‭ ‬وأحاول‭ ‬أن‭ ‬أترك‭ ‬أسئلةً،‭ ‬فأغلب‭ ‬المحاضرات‭ ‬الناجحة‭ ‬التي‭ ‬تجعلك‭ ‬يا‭ ‬صديقي،‭ ‬بعد‭ ‬جلوسك‭ ‬عندي‭ ‬هنا‭ ‬وأنت‭ ‬خارجٌ‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬وأنت‭ ‬ذاهبٌ‭ ‬لمنزلك‭ ‬أو‭ ‬لعملك،‭ ‬تجعلك‭ ‬تتساءل‭ ‬وتقول‭ (‬أحمد‭ ‬قال‭ ‬كذا‭ ‬وكذا‭… ‬طيب‭ ‬يا‭ ‬ترى‭ ‬كذا‭…)‬،‭ ‬أو‭ ‬تُراجع‭ ‬من‭ ‬بعدي‭ ‬المعلومات،‭ ‬مثلًا‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬قلتُ‭ ‬قبل‭ ‬قليلٍ‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أكثر‭ ‬الأشياء‭ ‬انتشارًا‭ ‬هي‭ ‬اللادينية‮»‬،‭ ‬فتُراجع‭ ‬إحصائيات‭ ‬مؤسسة‭ ‬غالوپ‭ ‬الأمريكية‭ ‬لتتأكد،‭ ‬ربما‭ ‬كنت‭ ‬‮«‬أسرح‭ ‬بك‮»‬‭ (‬أكذب‭)‬،‭ ‬ويمكن‭ ‬أقول‭ (‬أي‭ ‬كلام‭)‬،‭ ‬فالناس‭ ‬ترى‭ ‬الكلام،‭ ‬وتدققه‭ ‬وتحققه،‭ ‬فيخلق‭ ‬ذلك‭ ‬لديك‭ ‬حالةً‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬أو‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي‭ ‬التي‭ ‬تتطور‭ ‬مع‭ ‬الوقت،‭ ‬لتصبح‭ ‬أنت‭ ‬تفكر‭ ‬مثلي‭. ‬فلا‭ ‬تجعل‭ ‬لك‭ ‬شيخًا،‭ ‬لا‭ ‬شيخًا‭ ‬في‭ ‬الإلحاد‭ ‬ولا‭ ‬شيخًا‭ ‬في‭ ‬الإيمان،‭ ‬ولا‭ ‬شيخًا‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬شيءٍ‭ ‬آخر‭. ‬أنت‭ ‬إنسانٌ‭ ‬حر،‭ ‬قد‭ ‬تتلمذ‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬شخصٍ‭ ‬أعلم‭ ‬منك،‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬لكن‭ ‬ألّا‭ ‬تكون‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬كالميت‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬مُغسِّله،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حرًّا،‭ ‬والشيخ‭ ‬المحترم،‭ ‬أو‭ ‬الأستاذ‭ ‬المحترم‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يبذر‭ ‬في‭ ‬تلاميذه‭ ‬أو‭ ‬طلّابه‭ ‬أو‭ ‬أصدقائه‭ ‬أو‭ ‬أصحابه‭ ‬هذه‭ ‬الروح‭ ‬النقدية‭ ‬المفكرة‭ ‬المجادلة‭ ‬في‭ ‬إطارٍ‭ ‬من‭ ‬الأدب‭ ‬والأخلاق،‭ ‬لأن‭ ‬بعض‭ ‬التلاميذ‭ ‬يكونون‭ ‬قليلي‭ ‬الأدب‭ ‬أحيانًا‭! [‬ضحك‭]. ‬فتحضير‭ ‬المحاضرة‭ ‬يحوي‭ ‬عناصر،‭ ‬وأنا‭ ‬عادةً‭ ‬أحب‭ ‬الارتجال،‭ ‬فأنا‭ ‬أحضّر‭ ‬عناصر‭ ‬ومعلوماتٍ‭ ‬موثقةً،‭ ‬خمس‭ ‬أو‭ ‬ست‭ ‬نقاطٍ‭ ‬مثلًا،‭ ‬فنصف‭ ‬المحاضرة‭ ‬معلوماتٌ‭ ‬محضّرةٌ‭ ‬بعنايةٍ‭ ‬ونصفها‭ ‬الآخر‭ ‬ارتجاليٌّ‭ ‬وانفعاليٌّ‭ ‬وحواري‭.‬

س7: ‬لديك‭ ‬نظرةٌ‭ ‬توافقيةٌ‭ ‬تتقبل‭ ‬الآخر‭ ‬وتُشجّعه،‭ ‬ولديك‭ ‬أيضًا‭ ‬تاريخٌ‭ ‬من‭ ‬التفاعل‭ ‬والحوار‭ ‬مع‭ ‬شخصياتٍ‭ ‬عديدةٍ‭ ‬متنوعة‭ ‬الأفكار‭ ‬والثقافات‭ ‬مثل‭ ‬حامد‭ ‬عبد‭ ‬الصمد‭ ‬ومحمد‭ ‬المسيّح،‭ ‬وهذه‭ ‬المقابلات‭ ‬تؤدي‭ ‬لردود‭ ‬أفعالٍ‭ ‬متباينةٍ‭ ‬من‭ ‬الجمهور‭…‬

زايد‭ ‬مقاطعًا‭: ‬حتى‭ ‬عدنان‭ ‬إبراهيم‭ ‬قابلته‭ ‬وغيره‭ ‬أشخاصًا‭ ‬آخرين،‭ ‬وقابلت‭ ‬الشيخ‭ ‬الفزازي‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬وهو‭ ‬شيخٌ‭ ‬سلفيّ،‭ ‬وأجريت‭ ‬معه‭ ‬حوارًا‭ ‬على‭ ‬قناتي،‭ ‬وستجد‭ ‬هذه‭ ‬الحوارات‭ ‬موجودة‭.‬

غراب‭ ‬يستكمل‭ ‬السؤال‭: ‬أنت‭ ‬توافقيّ،‭ ‬تريد‭ ‬التعايش‭ ‬مع‭ ‬الجميع،‭ ‬ولكن‭ ‬الاختلاف‭ ‬الشديد‭ ‬بين‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬هذه‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ردود‭ ‬أفعالٍ‭ ‬سلبيةٍ‭ ‬وإيجابية‭. ‬ما‭ ‬الطرق‭ ‬التي‭ ‬تراها‭ ‬فعالة‭…‬

زايد‭: ‬حتى‭ ‬لأنني‭ ‬أجريت‭ ‬حوارًا‭ ‬معكم،‭ ‬سيقولون‭ ‬عني‭ ‬أمورًا‭ ‬معينةً‭…‬

غراب‭: ‬حوارٌ‭ ‬مع‭ ‬مجلة‭ ‬الملحدين‭ ‬العرب‭ ‬والعياذ‭ ‬بالله [ضحك] ‬بالتأكيد‭ ‬سوف‭ ‬تترك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬يهاجمونك‭ ‬حتى‭ ‬شخصيًا،‭ ‬فبرأيك‭ ‬كيف‭ ‬نواجه‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬من‭ ‬الانشقاق‭ ‬أو‭ ‬معاداة‭ ‬الآخر؟‭ ‬كيف‭ ‬نصل‭ ‬الى‭ ‬توافقٍ‭ ‬أفضل‭ ‬رغم‭ ‬اختلافنا‭ ‬الشديد؟

أنا‭ ‬لا‭ ‬أنادي‭ ‬بالتوافق‭ ‬الفكري،‭ ‬بالعكس،‭ ‬الاختلاف‭ ‬الفكري‭ ‬جميل‭. ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬قابلت‭ ‬الدكتور‭ ‬عدنان‭ ‬إبراهيم‭ ‬أو‭ ‬حامد‭ ‬عبد‭ ‬الصمد‭ ‬أو‭ ‬غيرهما،‭ ‬كذكرٍ‭ ‬للطرفين،‭ ‬وحتى‭ ‬الشيخ‭ ‬الفزازي‭ ‬فنحن‭ ‬بحاجةٍ‭ ‬لألوف‭… ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬دعك‭ ‬من‭ ‬الشيخ‭ ‬الفزازي،‭ ‬فالسلفيون‭ ‬كثرٌ‭ ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬السلفيين‭ ‬والإسلام‭ ‬السياسي،‭ ‬لكن‭ ‬حالة‭ ‬عدنان‭ ‬إبراهيم،‭ ‬أو‭ ‬جمال‭ ‬البنا،‭ ‬الله‭ ‬يرحمه‭ ‬أو‭ ‬أركون،‭ ‬أو‭ ‬المهندس‭ ‬السوري‭ ‬محمد‭ ‬شحرور‭ ‬في‭ ‬الإمارات،‭ ‬رغم‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أتفق‭ ‬مع‭ ‬أفكاره،‭ ‬فنحتاج‭ ‬لآلافٍ‭ ‬من‭ ‬أمثالهم‭ ‬لعمل‭ ‬حراكٍ‭ ‬فكري‭. ‬

أيضًا‭ ‬بحاجة‭ ‬لألوفٍ‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬حامد‭ ‬عبد‭ ‬الصمد‭ ‬والمسيّح‭ ‬أو‭ ‬غيرهم،‭ ‬محتاجين‭ ‬آلافًا‭ ‬ليحدث‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬التفكير‭ ‬والحوار‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬العربي،‭ ‬فأنا‭ ‬مع‭ ‬الاختلاف‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬التوافق‭ ‬والتعايش‭ ‬الإنساني‭. ‬

فأنا‭ ‬لدي‭ ‬أفكارٌ‭ ‬وأرى‭ ‬أنها‭ ‬صوابٌ‭ ‬وأنها‭ ‬صحيحة،‭ ‬ومن‭ ‬حقي‭ ‬أن‭ ‬أدعو‭ ‬الناس‭ ‬إليها‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬تناسبني،‭ ‬سواءٌ‭ ‬بطريقة‭ ‬التبشير‭ ‬الديني‭ ‬أو‭ ‬بنشر‭ ‬الأفكار‭ ‬بطريقةٍ‭ ‬ناعمةٍ‭ ‬أو‭ ‬بطريقةٍ‭ ‬تعليميةٍ‭ ‬حواريةٍ‭ ‬مع‭ ‬المتلقي‭ ‬أو‭ ‬الذي‭ ‬يستمع‭ ‬إليَّ،‭ ‬فلدي‭ ‬مطلق‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬ولمن‭ ‬يستمع‭ ‬إليَّ‭ ‬مطلق‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬القبول‭ ‬والرفض‭ ‬أيضًا،‭ ‬فينبغي‭ ‬علينا‭ ‬كعربٍ‭ ‬أو‭ ‬كمتحدثين‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬حتى‭ ‬نشمل‭ ‬إخواننا‭ ‬الأكراد‭ ‬والأمازيغ‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يحبون‭ ‬أن‭ ‬يلقبوا‭ ‬بالعرب،‭ ‬المستعربين‭ ‬لسانًا،‭ ‬أن‭ ‬يتعلموا‭ ‬كيف‭ ‬يتعايشون‭ ‬وكيف‭ ‬ينبذون‭ ‬العنف‭ ‬وكيف‭ ‬يستطيعون‭ ‬أن‭ ‬يديروا‭ ‬الحوار‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬بالسب‭ ‬أو‭ ‬بالأحذية،‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬أرحم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬بالرصاص‭ ‬أو‭ ‬القنابل،‭ ‬وهذا‭ ‬طبعًا‭ ‬بشع‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬التوافق‭ ‬أو‭ ‬التعايش‭ ‬الذي‭ ‬أنادي‭ ‬به،‭ ‬أما‭ ‬الاختلاف‭ ‬الفكري‭ ‬فهو‭ ‬أساسيّ،‭ ‬وأنادي‭ ‬بالألوف‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬التيارات‭ ‬ومن‭ ‬أصدقائنا‭ ‬في‭ ‬القنوات‭ ‬ممن‭ ‬يُصنَّفون‭ ‬كيوتيوبر‭ ‬YouTuber‭ ‬فقط،‭ ‬أو‭ ‬يوتيوبر‭ ‬ومحاضرٍ‭ ‬أو‭ ‬محاضرٍ‭ ‬فقط،‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬أرجو‭ ‬لهم‭ ‬جميعًا‭ ‬التوفيق‭ ‬طالما‭ ‬هم‭ ‬يؤمنون‭ ‬بالإنسان،‭ ‬ويؤمنون‭ ‬بالحقوق‭ ‬الأساسية‭ ‬للإنسان،‭ ‬ويؤمنون‭ ‬باللاعنف‭ ‬أو‭ ‬ممارسة‭ ‬العنف‭ ‬وعدم‭ ‬سفك‭ ‬الدماء،‭ ‬فكل‭ ‬أولئك‭ ‬‮«‬على‭ ‬العين‭ ‬والرأس‮»‬‭.‬

س8: يقول‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬بدوي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الإلحاد‭ ‬في‭ ‬الإسلام‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬الإلحاد‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أبدًا‭ ‬رفضًا‭ ‬للإله‭ ‬وإنما‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬جوانب‭ ‬النبوة‭ ‬والقرآن،‭ ‬ما‭ ‬رأيك‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬دقة‭ ‬هذا‭ ‬الوصف‭ ‬بالنسبة‭ ‬للملحدين؟‭ ‬هل‭ ‬الملحدون‭ ‬حقًا‭ ‬ملحدون،‭ ‬أم‭ ‬أنهم‭ ‬مجرد‭ ‬رافضين‭ ‬لبعض‭ ‬جوانب‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي؟

زايد‭: ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬موجود‭. ‬وبالنسبة‭ ‬للكتاب‭ ‬الذي‭ ‬ذكرته‭ ‬لعبد‭ ‬الرحمن‭ ‬بدوي،‭ ‬فأنا‭ ‬ألقيت‭ ‬عنه‭ ‬محاضرةً‭ ‬وهي‭ ‬موجودةٌ‭ ‬على‭ ‬اليوتيوب،‭ ‬فمثلًا‭ ‬ابن‭ ‬الراوندي‭ ‬كان‭ ‬أشهر‭ ‬ملحدٍ‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي‭ ‬وكذلك‭ ‬أبو‭ ‬العلاء‭ ‬المعري،‭ ‬نوعًا‭ ‬ما‭ ‬وغيره‭. ‬

أو‭ ‬ملاحدة‭ ‬الإسلام‭ ‬ثلاثةٌ‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬بن‭ ‬الجوزي‭: ‬المعري،‭ ‬وأبو‭ ‬حيان‭ ‬التوحيدي‭ ‬وابن‭ ‬الراوندي‭. ‬وأن‭ ‬أخبثهم‭ ‬هو‭ ‬أبو‭ ‬حيان‭ ‬التوحيدي،‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يصرح‭ ‬تصريحًا‭ ‬واضحًا‭ ‬بإلحاده،‭ ‬بينما‭ ‬صرّح‭ ‬الآخران‭. ‬فأنا‭ ‬أرى‭ ‬مع‭ ‬ابن‭ ‬الجوزي‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬هنالك‭ ‬ملحدون‭ ‬بالمعنى‭ ‬الحديث‭ ‬للإلحاد،‭ ‬أما‭ ‬معنى‭ ‬الإلحاد‭ ‬في‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬الإيمان‭ ‬بمحمد،‭ ‬عدم‭ ‬الإيمان‭ ‬بالنبوة،‭ ‬وليس‭ ‬له‭ ‬دين،‭ ‬فلو‭ ‬لم‭ ‬تؤمن‭ ‬بمحمد،‭ ‬ولكنك‭ ‬مثلًا‭ ‬مؤمنٌ‭ ‬بالمسيح،‭ ‬فأنت‭ ‬مسيحي،‭ ‬أو‭ ‬يهوديٌ‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬دينٍ‭ ‬آخر‭. ‬لكن‭ ‬لو‭ ‬أنك‭ ‬لست‭ ‬مؤمنًا‭ ‬لا‭ ‬بالإسلام‭ ‬ولا‭ ‬بالقرآن‭ ‬ولا‭ ‬بالمسيح‭ ‬ولا‭ ‬بأي‭ ‬نبي،‭ ‬وترفض‭ ‬فكرة‭ ‬النبوة،‭ ‬فكانوا‭ ‬سيصفوك‭ ‬بالملحد‭: ‬كابن‭ ‬الراوندي‭ ‬الملحد،‭ ‬وهو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ملحدًا،‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬كتاباته‭ ‬مؤمنًا‭ ‬بالله،‭ ‬أو‭ ‬كأبي‭ ‬بكرٍ‭ ‬الرازي،‭ ‬والذي‭ ‬كانوا‭ ‬يقولون‭ ‬أنه‭ ‬مؤمنٌ‭ ‬بالقدماء‭ ‬الخمسة،‭ ‬كآلهةٍ‭ ‬أو‭ ‬إلهٍ‭ ‬أو‭ ‬شبه‭ ‬إله،‭ ‬وحتى‭ ‬ابن‭ ‬عربي‭.‬

غراب‭: ‬ابن‭ ‬سينا؟‭ ‬

زايد‭: ‬ابن‭ ‬سينا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ملحدًا،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬دينيًا،‭ ‬مثل‭ ‬أركون‭ ‬أو‭ ‬نصر‭ ‬أبي‭ ‬زيد،‭ ‬له‭ ‬تأويله‭ ‬الخاص‭ ‬بالدين،‭ ‬له‭ ‬تأويله‭ ‬للجنة‭ ‬والنار،‭ ‬بأن‭ ‬قال‭ ‬أن‭ ‬الجنة‭ ‬والنار‭ ‬ليستا‭ ‬حقيقيتين،‭ ‬وأن‭ ‬الأمر‭ ‬كله‭ ‬مجازٌ‭ ‬ومعانٍ،‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك،‭ ‬بأن‭ ‬تكون‭ ‬الجنة‭ ‬إباحيةً،‭ ‬جنسٌ‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬أو‭ ‬تعذيبًا‭ ‬لشخصٍ‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الشخص‭ ‬أحمقًا،‭ ‬ملحدًا،‭ ‬قاتلًا،‭ ‬زانيًا،‭ ‬فيُعذَّب‭. ‬لكنه‭ ‬لن‭ ‬يعذَّب‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬فأي‭ ‬شيءٍ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬يساوي‭ ‬صفرًا،‭ ‬وهو‭ ‬غير‭ ‬ممكن‭. ‬

فأنا‭ ‬أقول‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬الإلحاد،‭ ‬كما‭ ‬لدى‭ ‬ابن‭ ‬سينا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬دينيًا،‭ ‬لكن‭ ‬له‭ ‬دينًا‭ ‬خاصًا،‭ ‬غير‭ ‬السنة‭ ‬والشيعة،‭ ‬له‭ ‬تأويله‭ ‬الخاص‭ ‬وقراءته‭ ‬الخاصة‭ ‬للدين‭ ‬الإسلامي،‭ ‬أو‭ ‬ابن‭ ‬الراوندي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يؤمن‭ ‬بالأديان،‭ ‬أو‭ ‬أبو‭ ‬بكرٍ‭ ‬الرازي‭ ‬أو‭ ‬أبو‭ ‬العلاء،‭ ‬الذي‭ ‬يسخر‭ ‬أحيانًا‭ ‬من‭ ‬الأديان‭ ‬ولكنه‭ ‬مؤمنٌ‭ ‬إيمانًا‭ ‬عميقًا‭ ‬بالله،‭ ‬وهذا‭ ‬يأخذني‭ ‬إلى‭ ‬نقطةٍ‭ ‬أخرى‭ ‬أقولها‭ ‬دائمًا،‭ ‬وهي‭ ‬العبارة‭ ‬التي‭ ‬قلتها‭ ‬لك‭ ‬قبل‭ ‬البداية‭ ‬أن‭ ‬الموسومين‭ ‬بالإلحاد‭ ‬في‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مشكلتهم‭ ‬مع‭ ‬الله،‭ ‬مع‭ ‬مفهوم‭ ‬الألوهة،‭ ‬ولكن‭ ‬مشكلتهم‭ ‬كانت‭ ‬مع‭ ‬المتحدثين‭ ‬باسم‭ ‬الآلهة،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬الأنبياء‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬الشيوخ‭ ‬أو‭ ‬القساوسة،‭ ‬ولكن‭ ‬محمدًا‭ ‬والمسيح‭ ‬وموسى،‭ ‬هؤلاء‭ ‬كانت‭ ‬لديهم‭ ‬مشكلةٌ‭ ‬معهم‭ ‬ومع‭ ‬صدق‭ ‬نصوصهم‭ ‬وصدق‭ ‬كتاباتهم‭ ‬وعقلانيتها‭. ‬وكانوا‭ ‬ينتقدونها‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭. ‬

فالكثيرون‭ ‬أُتهموا‭ ‬بهذه‭ ‬التهمة،‭ ‬أما‭ ‬الإلحاد‭ ‬بمعنى‭ ‬عدم‭ ‬الإيمان‭ ‬بإله،‭ ‬فهذا‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬الحديثة‭ ‬فقط،‭ ‬فلا‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الوسيط‭ ‬ملحدٌ‭ ‬معروفٌ‭ ‬بإنكار‭ ‬الذات‭ ‬الإلهية،‭ ‬ليس‭ ‬بشكلٍ‭ ‬معروفٍ‭ ‬مثبتٍ‭ ‬تاريخيًا،‭ ‬فلا‭ ‬توجد‭ ‬حالاتٌ‭ ‬موثقةٌ‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الشيوخ‭ ‬الرموز،‭ ‬كأبي‭ ‬العلاء‭ ‬أو‭ ‬ابن‭ ‬الراوندي؛‭ ‬الأسماء‭ ‬نتناقش‭ ‬فيها،‭ ‬وقد‭ ‬ألقيت‭ ‬محاضراتٍ‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬أولئك‭ ‬المشهورين‭ ‬الذين‭ ‬وصلتنا‭ ‬كتاباتهم،‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬بينهم‭ ‬ملحدٌ‭ ‬بمعنى‭ ‬الإلحاد‭ ‬الحديث،‭ ‬فالإلحاد‭ ‬القديم‭ ‬معناه‭ ‬الانحراف‭ ‬عن‭ ‬الإسلام‭ ‬والنبوة‭. ‬فمعنى‭ ‬الإلحاد‭ ‬قديمًا‭ ‬هو‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬مفهوم‭ ‬الربوبية،‭ ‬فالربوبي‭ ‬لا‭ ‬مشكلة‭ ‬لديه‭ ‬مع‭ ‬الله،‭ ‬لكن‭ ‬لديه‭ ‬مشكلةً‭ ‬مع‭ ‬المتحدثين‭ ‬باسم‭ ‬الله‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬واقع‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬الراهنة،‭ ‬ولعل‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬نادى‭ ‬بالإلحاد‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الأنوار،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬يسمونه‭ ‬عصر‭ ‬‮«‬الإلحاد‭ ‬الشرس‮»‬‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬ماركس‭ ‬وأوغوست‭ ‬كونت‭ ‬وفويرباخ‭ ‬وآخرين،‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬التاريخ‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬إلحادٌ‭ ‬موثقٌ‭ ‬بمعنى‭ ‬إنكار‭ ‬وجود‭ ‬إله،‭ ‬إلا‭ ‬ربما‭ ‬عند‭ ‬اليونان‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬القديم‭ ‬فلا‭ ‬يوجد،‭ ‬فللعالم‭ ‬القديم‭ ‬آلهته؛‭ ‬آمون‭ ‬رع‭ ‬وبعل‭ ‬ومردوخ‭ ‬وزيوس،‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬آلهة،‭ ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬الأديان‭ ‬أكثر‭ ‬رحمةً‭ ‬وأكثر‭ ‬تعايشًا‭ ‬من‭ ‬أديان‭ ‬العصر‭ ‬الوسيط‭. ‬فعدا‭ ‬عن‭ ‬كونها‭ ‬بشريةً‭: ‬‮«‬أنت‭ ‬لك‭ ‬إلهك‭ ‬وتحترم‭ ‬إلهي،‭ ‬وأنا‭ ‬لي‭ ‬إلهٌ‭ ‬وأحترم‭ ‬إلهك‮»‬،‭ ‬وكانت‭ ‬الناس‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬سلام‭. ‬

فكانت‭ ‬الحروب‭ ‬تحدث‭ ‬لأسبابٍ‭ ‬اقتصاديةٍ‭ ‬أو‭ ‬سياسية،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬لأسبابٍ‭ ‬دينية‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الوسيط‭ ‬مع‭ ‬قدوم‭ ‬التوحيد،‭ ‬فصار‭ ‬المرء‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬لي‭ ‬إلهٌ‭ ‬وأنت‭ ‬تعبد‭ ‬الإله‭ ‬الخطأ،‭ ‬إلهًا‭ ‬ضالًا،‭ ‬شيطانًا‭ ‬مريدًا،‭ ‬وأنا‭ ‬أعبد‭ ‬إلهًا‭ ‬حقيقًا‭ ‬رحمانًا‭ ‬رحيمًا‮»‬،‭ ‬فتحدث‭ ‬الحرب،‭ ‬حتى‭ ‬داخل‭ ‬الدين‭ ‬الواحد،‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬الإله؟‭ ‬فهذا‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬القديم‭ ‬إلا‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬القليل،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الوسيط،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى،‭ ‬والتي‭ ‬بدأت‭ ‬باعتناق‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الرومانية‭ ‬للديانة‭ ‬المسيحية‭ ‬وانتهت‭ ‬بسقوط‭ ‬القسطنطينية‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬محمدٍ‭ ‬الفاتح،‭ ‬المبتدئة‭ ‬بالقسطنطينية‭ ‬والمنتهية‭ ‬بالقسطنطينية،‭ ‬وكانت‭ ‬عصور‭ ‬ظلامٍ‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الحروب‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬شديدة‭ ‬الشراسة،‭ ‬شملت‭ ‬الحروب‭ ‬الصليبية‭ ‬والفتوحات‭ ‬الإسلامية،‭ ‬الفتوحات‭ ‬الرومانية‭ ‬المقدسة‭ ‬الدينية،‭ ‬وكلها‭ ‬تمت‭ ‬فيها‭ ‬جرائم‭ ‬ضد‭ ‬الجنس‭ ‬البشري‭. ‬ربنا‭ ‬يرحم‭ ‬الجميع‭. ‬

س9: ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬محاضراتك‭ ‬وصفت‭ ‬الوضع‭ ‬الحالي‭ ‬بالنسبة‭ ‬للادينيين‭ ‬كأزمة‭. ‬هلّا‭ ‬أعطيتنا‭ ‬ملخصًا‭ ‬لموقفك‭ ‬من‭ ‬الخطاب‭ ‬اللّاديني،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬الأمور‭ ‬التّي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬لها‭ ‬بتمعنٍ‭ ‬أكثر‭ ‬أو‭ ‬يجب‭ ‬تغييرها‭ ‬كلادينيين؟

زايد‭: ‬كلادينيين‭ ‬أرى‭ ‬وأخص‭ ‬منهم‭ ‬بالأخص‭ ‬الملحدين‭ ‬المتطرفين‭ ‬في‭ ‬الإلحاد،‭ ‬ليس‭ ‬حتّى‭ ‬اللّادينية‭ ‬الرّبوبية‭ ‬أو‭ ‬اللادينية‭ ‬اللاأدرية‭…‬

غراب‭: ‬الذين‭ ‬يقتلون‭ ‬اللاأدريين‭…‬

زايد‭: [كحض] … ‬ويكمل‭: ‬اللاأدري‭ ‬يبقى‭ ‬منافقًا‭… ‬فهذا‭ ‬سخف،‭ ‬أنا‭ ‬أقول‭ ‬إنّ‭ ‬مشكلتنا‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬تحديدًا‭ ‬هي‭ ‬مشكلةٌ‭ ‬مع‭ ‬تأويل‭ ‬الدين،‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬تأويل‭ ‬الدين‭ ‬بشكلٍ‭ ‬جيد،‭ ‬فهذا‭ ‬خيرٌ‭ ‬وبركةٌ‭ ‬وليست‭ ‬لدينا‭ ‬مشكلةٌ‭ ‬مع‭ ‬الدين،‭ ‬كما‭ ‬يُفترَض،‭ ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬تأويل‭ ‬الدّين‭ ‬جيدًا‭ ‬فالمعركة‭ ‬هي‭ ‬معركةٌ‭ ‬فكريةٌ‭ ‬مع‭ ‬الأفكار‭ ‬الدّينية،‭ ‬مع‭ ‬الفكر‭ ‬الدّيني،‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬النص؛‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬مقدّس،‭ ‬هل‭ ‬اللّه‭ ‬قال‭ ‬ذلك‭ ‬وليس‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬الله‭ ‬موجودًا‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬موجود‭… ‬مع‭ ‬أنّه‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬تُطرَح،‭ ‬ولكن‭ ‬كنت‭ ‬أنصح‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬الملحدين‭ ‬العرب‭ ‬وأقول‭ ‬لهم‭ ‬يا‭ ‬شباب‭ ‬أو‭ ‬يا‭ ‬أولاد‭ (‬كان‭ ‬معظمهم‭ ‬أصغر‭ ‬مني‭ ‬سنًّا‭): ‬عندما‭ ‬تظهرون‭ ‬في‭ ‬البرامج‭ ‬أو‭ ‬شيءٍ‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل‭ ‬لا‭ ‬تدخلوا‭ ‬في‭ ‬نقاشٍ‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬السخيفة؛‭ ‬من‭ ‬أوجد‭ ‬العالم،‭ ‬وهل‭ ‬للعالم‭ ‬مُوجِد،‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬الحدوث‭ ‬والعناية‭ ‬وأدلة‭ ‬المتكلمين‭ ‬والفلاسفة،‭ ‬هذه‭ ‬الأشياء‭ ‬بعيدةٌ‭ ‬عن‭ ‬الناس،‭ ‬بعيدةٌ‭ ‬عن‭ ‬الجمهور‭.‬

الأفضل‭ ‬أن‭ ‬تناقش‭ ‬فيما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬النّص‭ ‬نصًا‭ ‬مقدسًا‭. ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬النّص‭ ‬نصٌ‭ ‬قاله‭ ‬الله؟‭ ‬هل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النّص‭ ‬ثغراتٌ‭ ‬أو‭ ‬ليس‭ ‬فيه‭ ‬ثغرات؟‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفهمه‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الشّارع‭ ‬بشكلٍ‭ ‬بسيط،‭ ‬بشكلٍ‭ ‬واضح‭. ‬

وكنت‭ ‬أقول‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬كلماتي‭ ‬لبعض‭ ‬الأصدقاء‭ ‬‮«‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬تزعم‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬إلهٍ‭ ‬هناك‭ (‬أي‭ ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬جازمًا‭ ‬بالإلحاد‭) ‬وتبذل‭ ‬حياتك‭ ‬لمحاربة‭ ‬شخصٍ‭ ‬غير‭ ‬موجودٍ‭ ‬فهذا‭ ‬سَفَه،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬احتمالٌ‭ ‬أنّ‭ ‬هناك‭ ‬إلهًا‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الربوبي‭ ‬أو‭ ‬مستوى‭ ‬الأديان‭ ‬المختلفة‭ ‬كالهندوسي‭ ‬أو‭ ‬أديان‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى‭ ‬أو‭ ‬أديان‭ ‬الأميركتين‭ ‬أو‭ ‬أديان‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬الإبراهيمية‭ ‬فأنت‭ ‬تحارب‭ ‬شيئًا‭ ‬عظيمًا‭ ‬وتتحدى‭ ‬زيوس،‭ (‬فخلّيك‭ ‬على‭ ‬قدّك،‭ ‬اعرف‭ ‬حجمك‭)‬‮»‬،‭ ‬وهذه‭ ‬وجهة‭ ‬نظرٍ‭ ‬أيضًا‭ ‬قابلةٌ‭ ‬للصّواب‭ ‬والخطأ،‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬الإخوة‭ ‬الملحدين‭ ‬التركيز‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬مسألة‭ ‬بشرية‭ ‬الأديان‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬بشريتها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مسألة‭ ‬معركة‭ ‬الله‭ ‬ووجوده،‭ ‬وأنا‭ ‬مقتنعٌ‭ ‬تمامًا‭ ‬بمقولة‭ (‬عمّنا‭) ‬الكبير‭ ‬برتراند‭ ‬راسل‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬الله‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬الله‭ ‬كمحاولة‭ ‬جدلٍ‭ ‬بيني‭ ‬وبينك‭ ‬الآن‭ ‬إثبات‭ ‬وجود‭ ‬إبريقٍ‭ ‬من‭ ‬الشاي‭ ‬بين‭ ‬زحل‭ ‬وأورانوس،‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬إثبات‭ ‬الوجود‭ ‬ومن‭ ‬المستحيل‭ ‬إثبات‭ ‬العدم‭. ‬

كأني‭ ‬أقول‭ ‬لك‭ ‬هذه‭ ‬دبي‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬نتحدث‭ ‬منها‭ ‬ليس‭ ‬فيها‭ ‬كنغر،‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أثبت‭ ‬هذا،‭ ‬انت‭ ‬ممكن‭ ‬تثبت‭ ‬لي‭ ‬بإحضاره‭ ‬لي،‭ ‬فالإثبات‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬ادّعى،‭ ‬لكن‭ ‬الإثبات‭ ‬القاطع؛‭ ‬لعل‭ ‬هنالك‭ ‬سائحًا‭ ‬جاء‭ ‬ومعه‭ ‬كنغر،‭ ‬وربما‭ ‬يضع‭ ‬هاتفه‭ ‬النقال‭ ‬في‭ ‬جيب‭ ‬الكنغر،‭ ‬الله‭ ‬أعلم‭.‬

س10: ‬نحن‭ ‬كبشرٍ‭ ‬نتشابه‭ ‬كثيرًا،‭ ‬برأيك‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الملحد‭ ‬والمؤمن،‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جوهر‭ ‬الاختلاف،‭ ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬النفسي‭ ‬ولكن‭ ‬الفكري،‭ ‬برأيك‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬إنسانٍ‭ ‬إما‭ ‬ملحدٍ‭ ‬أو‭ ‬مؤمن،‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬هذا‭ ‬الجوهر؟

زايد‭: ‬هو‭ ‬اختيارٌ‭ ‬إنساني،‭ ‬تعبيرٌ‭ ‬عن‭ ‬الحرية‭ ‬الإنسانية‭ ‬بل‭ ‬أنا‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬الذي‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬الدين‭ ‬أكثر‭ ‬جرأةً‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مختلًا‭ ‬عقليًا،‭ ‬على‭ ‬العموم‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬الملحدين‭ ‬مختلون‭ ‬عقليًا‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬المؤمنين‭ ‬مختلّون‭ ‬عقليًا،‭ ‬نحن‭ ‬بشرٌ‭ ‬في‭ ‬النهاية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ملحدًا‭ ‬عبيطًا‭ (‬غبيًا‭) ‬هناك‭ ‬مسلمٌ‭ ‬عبيطٌ‭ ‬ومسيحيٌ‭ ‬عبيط،‭ ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬مسلمٌ‭ ‬ذكي،‭ ‬وملحدٌ‭ ‬ذكيٌ‭ ‬وأيضًا‭ ‬مسيحيٌّ‭ ‬ذكي،‭ ‬إنسان‭… ‬الإلحاد‭ ‬لا‭ ‬يؤدي‭ ‬بالضّرورة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الإنسان‭ ‬أكثر‭ ‬إنسانيةً،‭ ‬الإلحاد (الحلو) ‬يجعل‭ ‬الإنسان‭ ‬أكثر‭ ‬إنسانيةً،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬إلحادًا‭ ‬بشعًا‭ ‬مثل‭ ‬التجربة‭ ‬الستالينية،‭ ‬فستالين‭ ‬كان‭ ‬خير‭ ‬نموذجٍ‭ ‬لملحدٍ‭ ‬مجنون‭.‬

غراب‭: ‬بالتأكيد‭ ‬نستطيع‭ ‬القول‭ ‬أيضًا‭ ‬أنها‭ ‬تجربةٌ‭ ‬شيوعيةٌ‭ ‬دينيةٌ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬إلحادية‭.‬

زايد‭: ‬صحيح،‭ ‬جعلوا‭ ‬ماركس‭ ‬نبيًا‭ ‬أرضيًا‭ ‬وأصبحوا‭ ‬ماركسيين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ماركس‭ ‬نفسه،‭ ‬فالفكرة‭ ‬كلها‭ ‬صديقي‭ ‬تتمحور‭ ‬حول‭ ‬الإنسان‭. ‬

أنا‭ ‬أرى‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يتحرر‭ ‬ويُغَيِّر،‭ ‬هذا‭ ‬فيه‭ ‬صدق‭. ‬المسيحي‭ ‬الذي‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام‭ ‬أو‭ ‬المسلم‭ ‬الذي‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬المسيحية‭ ‬أو‭ ‬الهندوسية‭ ‬هذا‭ ‬شخصٌ‭ ‬أرى‭ ‬فيه‭ ‬صدقًا،‭ ‬الذي‭ ‬يترك‭ ‬الدين،‭ ‬ويترك‭ ‬المعهود‭ ‬الثّقافي‭ ‬أرى‭ ‬فيه‭ ‬صدقًا‭ ‬وأرى‭ ‬فيه‭ ‬أملًا،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مختلًا،‭ ‬المفروض‭ ‬أنّه‭ ‬يُشَجَّع،‭ ‬والأشخاص‭ ‬المنتمون‭ ‬إلى‭ ‬كلّ‭ ‬هذه‭ ‬التيارات‭ ‬المفروض‭ ‬أنّها‭ ‬تتعايش‭.‬

هي‭ ‬تبدو‭ ‬فكرةٌ‭ ‬رومانسية،‭ ‬ولكنّها‭ ‬رومانسيةُ‭ ‬براغماتية‭. ‬

لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬نفعل‭ ‬هذا‭ ‬حتّى‭ ‬نستمر،‭ ‬أنت‭ ‬لك‭ ‬أخٌ‭ ‬مشاكسٌ‭ ‬يعيش‭ ‬معك،‭ ‬مقرف،‭ ‬يفعل‭ ‬كل‭ ‬شيءٍ‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬تفعل‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬لك‭ ‬إلا‭ ‬بيتٌ‭ ‬واحد،‭ ‬فتستحمل‭ ‬قرفه‭ ‬ويستحمل‭ ‬قرفك‭.‬

س11: ‬تمر‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬بأزمة‭ ‬صراعٍ‭ ‬بين‭ ‬المعاصرة‭ ‬والتراث‭ ‬وهناك‭ ‬شريحةٌ‭ ‬كبيرةٌ‭ ‬من‭ ‬المعادين‭ ‬للتّغيير‭ ‬وهوسٌ‭ ‬يبدو‭ ‬كأحد‭ ‬أكثر‭ ‬معيقات‭ ‬التّنوير‭ ‬بين‭ ‬العرب،‭ ‬ما‭ ‬رأيك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬التّي‭ ‬نحن‭ ‬فيها‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬التي‭ ‬تدفع‭ ‬للمعاصرة‭ ‬وبين‭ ‬الجهات‭ ‬المقدسة‭ ‬للتّراث؟‭ ‬

زايد‭: ‬أرى‭ ‬أنّ‭ ‬الاختلاف‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬وأولئك‭ ‬اختلافٌ‭ ‬قديم،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬حضور‭ ‬نابليون‭ ‬هناك‭ ‬ناسٌ‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬أفكارٍ‭ ‬جديدةٍ‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تطور‭ ‬بها‭ ‬واقعها،‭ ‬وهناك‭ ‬ناسٌ‭ ‬تقليديون‭ ‬لا‭ ‬يفعلون‭ ‬شيئًا‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تغيير‭ ‬الموروث‭ ‬الذي‭ ‬ورثوه‭ ‬عن‭ ‬آبائهم‭. ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬الحالية‭ ‬أصبح‭ ‬الموضوع‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدًا‭ ‬وتركيبًا‭ ‬لظهور‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬لنا‭ ‬بعد‭ ‬نابليون،‭ ‬أصبح‭ ‬هناك‭ ‬احتكاكٌ‭ ‬مباشرٌ‭ ‬بعد‭ ‬نابليون‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الاستعمار،‭ ‬وعن‭ ‬طريق‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الإعلام‭ ‬وثورة‭ ‬الاتصالات‭ ‬والمواصلات،‭ ‬كلّ‭ ‬هذا‭ ‬أدّى‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬النماذج‭ ‬الإنسانية‭ ‬المختلفة‭ ‬مطروحةٌ‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬التلفاز‭ ‬وعلى‭ ‬شاشة‭ ‬موبايل‭ ‬ابنك‭ ‬أو‭ ‬ابنتك‭ ‬وهو‭ ‬نائمٌ‭ ‬بغرفته‭ ‬يتطلع‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬بأفكاره‭ ‬الشّريرة‭ ‬أو‭ ‬الخيرة‭ ‬وما‭ ‬بينها،‭ ‬أي‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الخير‭ ‬والشر‭. ‬فلا‭ ‬بدّ‭ ‬للمجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬تجيب‭ ‬على‭ ‬الأسئلة‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬تُطرح‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الوسائل‭ ‬المختلفة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الباب‭ ‬والشباك،‭ ‬حتّى‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جديرةً‭ ‬بالعيش‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين‭.‬

س12: ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬منذ‭ ‬الستينات‭ ‬تعيش‭ ‬ما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬الصّحوة‭ ‬الإسلامية‮»‬،‭ ‬لقد‭ ‬ذكرت‭ ‬أن‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬الستينات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬محجباتٍ‭ ‬واليوم‭ ‬نرى‭ ‬النقاب‭ ‬منتشرًا‭ ‬بشكلٍ‭ ‬كبيرٍ‭ ‬كنوعٍ‭ ‬من‭ ‬الهوس‭ ‬والمبالغة‭ ‬والمغالاة‭ ‬الدينية،‭ ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬مستقبلها؟‭ ‬وهل‭ ‬لنا‭ ‬دور،‭ ‬وماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬فيها؟‭ ‬

زايد‭: ‬أنا‭ ‬أرى‭ ‬المجتمع‭ ‬الإنساني‭ ‬يمر‭ ‬بموجاتٍ‭ ‬ثقافيةٍ‭ ‬وفكريةٍ‭ ‬ويحصل‭ ‬تغيّرٌ‭ ‬من‭ ‬اليسار،‭ ‬فمثلًا‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬الستينيات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70%‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬تتبنى‭ ‬المشروع‭ ‬الماركسي‭ ‬اليساري‭ ‬بأشكالٍ‭ ‬متفاوتة،‭ ‬الآن‭ ‬العالم‭ ‬تحوّل‭ ‬إلى‭ ‬المذهب‭ ‬الليبرالي‭ ‬والرأسمالي‭ ‬أكثر،‭ ‬حتّى‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬إحدى‭ ‬قلاع‭ ‬الشيوعيّة‭. ‬

وكذلك‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬المرأة‭ ‬أو‭ ‬مسألة‭ ‬الصحوة‭ ‬أو‭ ‬الكبوة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬فالصحوة‭ ‬هي‭ ‬نسبية‭ (‬هل‭ ‬هي‭ ‬صحوةٌ‭ ‬أو‭ ‬نكبةٌ‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬مسألةٌ‭ ‬أخرى‭).‬

أنا‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬تحرر‭ ‬المرأة‭ ‬أيام‭ ‬قاسم‭ ‬أمين‭ ‬وأيام‭ ‬هدى‭ ‬شعراوي‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬تحررٌ‭ ‬غير‭ ‬كامل،‭ ‬فلهذا‭ ‬حصلت‭ ‬له‭ ‬إخفاقةٌ‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭… ‬ونفس‭ ‬الفتاة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تلبس‭ (‬المنيجيب‭) ‬في‭ ‬مصر‭ ‬لبست‭ ‬النقاب‭ ‬وشاع‭ ‬الحجاب،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضًا‭ ‬أصبحت‭ ‬الآن‭ ‬ظاهرة‭ ‬الحجاب‭ ‬شبه‭ ‬الإسلامي،‭ ‬يعني‭ ‬حجابٌ‭ ‬فقط‭ ‬بالشكل‭. ‬

أنا‭ ‬أعرف‭ ‬منقباتٍ‭ ‬ملحدات،‭ ‬منقباتٌ‭ ‬لا‭ ‬يصلّين،‭ ‬محجباتٌ‭ ‬عندهن‭ (‬بوي‭ ‬فريند‭)‬،‭ ‬صديقٌ‭ ‬تمارس‭ ‬معه‭ ‬ال‭ ‬sex‭ ‬أو‭ ‬soft sex‭ ‬على‭ ‬حسب‭ ‬ظروفها‭ ‬وظروفه،‭ ‬فكل‭ ‬هذا‭ ‬موجودٌ‭ ‬وستحصل‭ ‬موجةٌ‭ ‬ثانيةٌ‭ ‬وستكون‭ ‬أكثر‭ ‬شراسةً‭ ‬من‭ ‬موجة‭ ‬الستينات‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أراه‭ ‬وما‭ ‬أتوقعه،‭ ‬ولكن‭ ‬المسألة‭ ‬مسألة‭ ‬وقت،‭ ‬الوقت‭ ‬أساسيٌ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭.‬

س13: ‬إذًا‭ ‬رأيك‭ ‬بالنسبة‭ ‬للماركسية،‭ ‬أو‭ ‬لنقل‭ ‬اليسارية،‭ ‬كمذهبٍ‭ ‬اقتصاديٍّ‭ ‬مررنا‭ ‬به‭ ‬وفشل‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬هل‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬له‭ ‬عودةً‭ ‬في‭ ‬المستقبل؟‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬مرحلةٌ‭ ‬ومضت؟

زايد‭: ‬عودةٌ‭ ‬بشكلٍ‭ ‬جديد،‭ ‬وهو‭ ‬أصلًا‭ ‬اليسار،‭ ‬أو‭ ‬المشروع‭ ‬الماركسي‭ ‬بشكلٍ‭ ‬عام،‭ ‬أثّر‭ ‬تأثيرًا‭ ‬إيجابيًا‭ ‬في‭ ‬المشروع‭ ‬الرأسمالي‭ ‬بأن‭ ‬جعله‭ ‬أكثر‭ ‬إنسانيةً،‭ ‬لم‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬أوروپا‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬ما‭ ‬يسمونه‭ ‬بالرفاه‭ ‬الاجتماعي‭ ‬Welfare‭ ‬في‭ ‬أميركا‭ ‬أو‭ ‬الضمان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬Social security،‭ ‬يعني‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لي‭ ‬سكنٌ‭ ‬في‭ ‬مكانٍ‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬أعمل‭ ‬إذًا‭ ‬لدي‭ ‬إعاقةٌ‭ ‬أو‭ ‬مشكلة،‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬عملٍ‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬كفاءةٍ‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬شيءٍ‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل،‭ ‬يعطونني‭ ‬حدّ‭ ‬الكفاف‭ ‬من‭ ‬المال،‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬تدافع‭ ‬الأفكار‭ ‬لذلك‭ ‬الاختلاف‭ ‬البشري‭ ‬مهمٌ‭ ‬جدًا،‭ ‬فنحن‭ ‬لسنا‭ ‬كلنا‭ ‬شيئًا‭ ‬واحدًا،‭ ‬فلا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬تنوع‭.‬

فولادة‭ ‬اللّيبرالية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أو‭ ‬اللّيبرالية‭ ‬الاشتراكية‭ (‬أنا‭ ‬عملت‭ ‬سلسلةً‭ ‬في‭ ‬القناة‭ ‬عندي‭ – ‬قناتي‭ – ‬عن‭ ‬الإيديولوجيات‭ ‬السياسية‭)‬،‭ ‬لدينا‭ ‬اليسار‭ ‬واليمين،‭ ‬وبينهما‭ ‬درجات،‭ ‬ففي‭ ‬المنتصف‭ ‬لدينا‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نسميه‭ ‬‮«‬الطريق‭ ‬الثّالث‮»‬،‭ ‬فبجزئه‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬الليبراليين‭ ‬أو‭ ‬الرأسماليين،‭ ‬هناك‭ ‬اللّيبرالية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تراعي‭ ‬الإنسان‭ ‬وتقول‭ ‬بدورٍ‭ ‬للدّولة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬والصحة‭ ‬والتعليم،‭ ‬والمقصود‭ ‬هنا‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وليس‭ ‬العدالة‭ ‬القانونية،‭ ‬وفي‭ ‬الناحية‭ ‬الثانية‭ ‬الأقرب‭ ‬لليسار،‭ ‬هناك‭ ‬الاشتراكيون‭ ‬الديموقراطيون‭ ‬الذين‭ ‬يعطون‭ ‬للدولة‭ ‬دورًا‭ ‬أكثر‭ ‬قليلًا‭ ‬من‭ ‬إخوتهم‭ ‬الليبراليين‭ ‬الاجتماعيين‭.‬

لذلك‭ ‬أنا‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬الأفكار‭ ‬دائمًا‭ ‬يحصل‭ ‬لها‭ ‬تجديد،‭ ‬وحتّى‭ ‬الأديان،‭ ‬أرى‭ ‬أنّها‭ ‬ستظل‭ ‬موجودةً‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬القادمة‭ ‬معنا،‭ ‬وليس‭ ‬كما‭ ‬يزعم‭ ‬بعض‭ ‬المفكرين‭ ‬المتحمسين‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬الاجتماع‭ ‬وعلم‭ ‬الأنثروپولوجيا‭ (‬علم‭ ‬الإنسان‭) ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬الملاحدة‭ ‬واللادينيين‭ ‬الذين‭ ‬تنبأوا‭ ‬بسقوط‭ ‬الأديان‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬نبوءةً‭ ‬غير‭ ‬مطابقةٍ‭ ‬للواقع،‭ ‬ولكن‭ ‬المطابق‭ ‬للواقع‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬حصل‭ ‬انتشارٌ‭ ‬للّادينية‭ ‬أكثر‭ ‬بكثيٍر‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬كان‭ ‬يقال‭ ‬للقرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬عصر‭ ‬الإلحاد،‭ ‬ولكن‭ ‬عصر‭ ‬ذاك‭ ‬الإلحاد‭ ‬كان‭ ‬عصرًا‭ ‬أحلامهم‭ ‬فيه‭ ‬وردية،‭ ‬أفكارهم‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬خاطئةً‭ ‬كل‭ ‬الخطأ‭ ‬لأنه‭ ‬تمّ‭ ‬بالفعل‭ ‬التوسع‭ ‬بالفكر‭ ‬اللاديني‭ ‬بأشكاله‭ ‬المختلفة‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يمثل‭ ‬إلا‭ ‬أفكارًا‭ ‬عند‭ ‬بعض‭ ‬النخبة‭ .‬

فعندما‭ ‬نذكر‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬نذكر‭ ‬أفكار‭ ‬فويرباخ‭ ‬وماركس‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬النخبة،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬أصبح‭ ‬هناك‭ ‬ظهورٌ‭ ‬للكثير‭ ‬ممن‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬العادية‭ ‬وينتمون‭ ‬للّادينية‭ ‬والإلحاد‭. ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬موجودًا‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬فلم‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الأنوار‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الرجل‭ ‬العادي‭ ‬هو‭ ‬ڤولتير،‭ ‬فهذا‭ ‬حدث‭ ‬بعد‭ ‬جهادٍ‭ ‬فكريٍّ‭ ‬وصراعٍ‭ ‬وجهد‭. ‬والذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬الواقع‭ ‬والهزيمة‭ ‬الكاملة‭ ‬هو‭ ‬‮«‬الثورة‭ ‬الجنسية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬الستينات‭ ‬في‭ ‬أوروپا،‭ ‬قضت‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيءٍ‭ ‬وأصبح‭ ‬المشروع‭ ‬اللّاديني‭ ‬هو‭ ‬المنتصر‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬الشعوب‭ ‬الأوروپية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬رجل‭ ‬الشارع‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المثقف‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬النخبة‭.‬

س14: الثورة،‭ ‬عند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬إمكانية‭ ‬حدوث‭ ‬ثورةٍ‭ ‬فكريةٍ‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬تتداعى‭ ‬إلى‭ ‬مخيلتنا‭ ‬أفكارٌ‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬الربيع‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬وخصوصية‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬الشرقي‭ ‬واختلافه‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬الأوروپي،‭ ‬برأيك‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬حقًا‭ ‬ثورةٌ‭ ‬أم‭ ‬أنّنا‭ ‬محكومون‭ ‬بالفشل‭ ‬أو‭ ‬الفساد،‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬الربيع‭ ‬العربي؟‭ ‬

زايد‭: ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬القول‭ ‬أني‭ ‬مرحِّبٌ‭ ‬بالثّورة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مرحبٍ‭ ‬بها،‭ ‬لكن‭ ‬الثورة‭ ‬فعلٌ‭ ‬اجتماعيٌّ‭ ‬لا‭ ‬يعلنه‭ ‬شخصٌ،‭ ‬فمثلًا‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬أكبر‭ ‬ثورةٍ‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية‭ ‬وأوّل‭ ‬ثورةٍ‭ ‬لها‭ ‬فضل‭ ‬السبق‭ ‬على‭ ‬باقي‭ ‬الثورات،‭ ‬تمت‭ ‬بتفاعلٍ‭ ‬اجتماعي‭… ‬هم‭ ‬خرجوا،‭ ‬ليس‭ ‬بسبب‭ ‬أفكار‭ ‬ڤولتير،‭ ‬إنما‭ ‬يطالبون‭ ‬بالخبز‭ ‬أولًا،‭ ‬انطلقوا‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬پاريس‭ ‬يطالبون‭ ‬بالخبز،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬ظهر‭ ‬الشعار،‭ ‬فكان‭ ‬هناك‭ ‬مثقفون‭ ‬أعدّهم‭ ‬ڤولتير،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬مات‭ ‬في‭ ‬حينها،‭ ‬وظهرت‭ ‬الفكرة‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬الإنسان‭ ‬يحلم‭ ‬بها‭ ‬شرقًا‭ ‬وغربًا‭ ‬وفي‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والعالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬العوالم‭ ‬الأوروپية‭ ‬والآسيوية‭ ‬والأميركية‭ ‬والإفريقية‭ ‬وهو‭ ‬الشعار‭ ‬العبقري‭ ‬‮«‬الحرية‭ ‬والإخاء‭ ‬والمساواة‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬العيش‭ ‬والعدالة‭ ‬والحرية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬شعارات‭ ‬الثورات‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬الكوكب‭.‬

والثورةٌ‭ ‬فعلٌ‭ ‬ضروريٌ‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬وسيولّد‭ ‬خيرًا،‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬لم‭ ‬يفشل‭ ‬كما‭ ‬يزعم‭ ‬البعض،‭ ‬بل‭ ‬نجح‭ ‬بتحريك‭ ‬الماء‭ ‬الراكد،‭ ‬وعندما‭ ‬تحرك‭ ‬هذا‭ ‬الماء‭ ‬الراكد‭ ‬أتى‭ ‬عليك‭ ‬العفن‭ ‬الذي‭ ‬في‭ ‬القاع‭ ‬والوحل‭ ‬وتعكّر‭ ‬الماء‭ ‬؛‭ ‬سيكون‭ ‬الماء‭ ‬غير‭ ‬عكرٍ‭ ‬لأنه‭ ‬راكدٌ‭ ‬ولكنك‭ ‬لو‭ ‬هززته‭ ‬ستخرج‭ ‬العفارة‭ ‬والزبالة،‭ ‬وستحصل‭ ‬إشكالات،‭ ‬وجيلنا‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬يعاني‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬نشهد‭ ‬نحن‭ ‬ثمار‭ ‬هذا‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يشهد‭ ‬جيل‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬الأولى‭ ‬ثمار‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬سبعين‭ ‬سنة،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الموجودين‭ ‬في‭ ‬الثورة‭ ‬ماتوا،‭ ‬حتى‭ ‬بدأت‭ ‬تتشكل‭ ‬الجمهورية‭ ‬الفرنسية‭ ‬بشكلٍ‭ ‬يليق‭ ‬بالإنسان‭.‬

س15: ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الحالية‭ ‬نرى‭ ‬ظهورًا‭ ‬واضحًا‭ ‬للتباين‭ ‬بين‭ ‬الجانب‭ ‬الديني‭ ‬والجانب‭ ‬اللاديني‭. ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يحاول‭ ‬الهجوم‭ ‬المباشر‭ ‬على‭ ‬الأفكار‭ ‬الدينية‭ ‬المجردة‭ ‬محاولةً‭ ‬لتغييرها‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬لإسقاط‭ ‬قداستها،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يحاول‭ ‬تغيير‭ ‬الدين‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬فهناك‭ ‬توجهان‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬إلى‭ ‬الداخل‭ ‬ومن‭ ‬الداخل‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭. ‬برأيك‭ ‬أيهما‭ ‬أكثر‭ ‬فاعليةً‭ ‬وأيهما‭ ‬ترى‭ ‬له‭ ‬المستقبل؟

زايد‭: ‬لن‭ ‬أقول‭ ‬لك‭ ‬المستقبل‭ ‬بيد‭ ‬الله[ضحك] ‬لكن‭ ‬سأقول‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬تيارٌ‭ ‬ينجح‭ ‬وينتصر‭ ‬على‭ ‬تيار‭.‬

غراب‭: ‬هما‭ ‬متنافسان‭ ‬ولكن‭ ‬ليسا‭ ‬متضادين،‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬النقد‭ ‬التام‭ ‬للدين‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬إصلاح‭ ‬الدين‭ ‬للإبقاء‭ ‬عليه‭.‬

زايد‭: ‬أنا‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬الاثنين‭ ‬سيستمران‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬كثيرٍ‭ ‬من‭ ‬البلدان،‭ ‬فالدين‭ ‬أصلًا‭ ‬يتبنى‭ ‬دائمًا‭ ‬قيم‭ ‬العصر‭. ‬عندما‭ ‬بدأ‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬تحديدًا،‭ ‬بدأ‭ ‬بالجزية‭ ‬والسبايا‭ ‬فكانت‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬ثقافة‭ ‬العصر‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬قرر‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭ ‬إلغاء‭ ‬العبودية،‭ ‬الدول‭ ‬الإسلامية‭ ‬كلها‭ ‬إلا‭ ‬قليلًا‭ ‬في‭ ‬استثناءات‭ ‬أيضًا،‭ ‬لكن‭ ‬الدول‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬وافق‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬قانون،‭ ‬فيما‭ ‬أعلم،‭ ‬في‭ ‬دولةٍ‭ ‬إسلاميةٍ‭ ‬يبيح‭ ‬الرق‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة،‭ ‬فقيم‭ ‬العصر‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحكم،‭ ‬ووجود‭ ‬تيارٍ‭ ‬يقدم‭ ‬دينًا‭ ‬للإنسان،‭ ‬دينٌ‭ ‬فيه‭ ‬عدم‭ ‬عنف،‭ ‬فيه‭ ‬خيٌر‭ ‬وهذا‭ ‬شيءٌ‭ ‬مطلوبٌ‭ ‬ووجود‭ ‬تيارٍ‭ ‬ينتقد‭ ‬الدين‭ ‬بشدة‭ ‬أيضًا،‭ ‬أنا‭ ‬أراه‭ ‬مطلوبًا‭. ‬والديالكتيك،‭ ‬أي‭ ‬الجدل‭ ‬بين‭ ‬هذين‭ ‬التيارين‭ ‬يعمل‭ ‬توعيةً‭ ‬للناس،‭ ‬والناس‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬تختار‭ ‬ما‭ ‬تشاء‭ ‬وينبغي‭ ‬للتيار‭ ‬الذي‭ ‬ينتقد‭ ‬الدين‭ ‬أن‭ ‬يساعد‭ ‬التيار‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬إصلاح‭ ‬الدين‭ ‬أيضًا،‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬فيه‭ ‬نوعٌ‭ ‬من‭ ‬الجدل‭ ‬المفيد‭ ‬للمجتمع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬التيار‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬الدين‭ ‬الشرير،‭ ‬الدين‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬الفتك‭ ‬بالآخر‭ ‬وبالمخالف‭ ‬وتطبيق‭ ‬حدود‭ ‬الردة‭ ‬ويقطّع‭ ‬الناس‭ ‬ويرجمهم‭ ‬وهكذا،‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬محاولة‭ ‬النيل‭ ‬منه‭ ‬أو‭ ‬التضييق‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬لأفكارٍ‭ ‬أقليةٍ‭ ‬تحت‭ ‬الملاحظة‭ ‬لأنها‭ ‬أقليةٌ‭ ‬خطرٌ‭ ‬على‭ ‬المجتمع،‭ ‬خطر‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬وعلى‭ ‬أولادها‭ ‬وخطرٌ‭ ‬على‭ ‬المتدينين‭ ‬قبل‭ ‬غيرهم‭.‬

س16: ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تزايد‭ ‬العمليات‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬أوروپا،‭ ‬وهنا‭ ‬ننتقل‭ ‬لأوروپا،‭ ‬هناك‭ ‬تزايدٌ‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬اليميني‭ ‬المتطرف‭ ‬وزيادةٌ‭ ‬في‭ ‬تطرف‭ ‬الجانب‭ ‬اليميني‭ ‬الذي‭ ‬ينادي‭ ‬بزيادة‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬الحدود،‭ ‬على‭ ‬اللاجئين،‭ ‬على‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬الداخل،‭ ‬فهل‭ ‬تجد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التغيّر‭ ‬سيقود‭ ‬إلى‭ ‬تحولٍ‭ ‬أوروپي‭ ‬كون‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬من‭ ‬الزينوفوبيا‭ ‬أو‭ ‬كراهية‭ ‬الآخر‭ ‬كانت‭ ‬موجودةً‭ ‬قبيل‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية؟‭ ‬هل‭ ‬تجد‭ ‬هناك‭ ‬تشابه‭ ‬بين‭ ‬الحالتين؟

زايد‭: ‬لا‭ ‬شك‭ ‬هنالك‭ ‬تشابه‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬وعي‭ ‬أكثر‭ ‬الآن‭. ‬في‭ ‬أيام‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬تواصلٌ‭ ‬اجتماعي‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬للآخر‭ ‬وجودٌ‭ ‬في‭ ‬الملعب‭…‬

غراب‭: ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬التزايد‭ ‬يهدد‭ ‬واحة‭ ‬العقلانية‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬أوروپا؟

زايد‭: ‬لا‭ ‬أظنه‭ ‬يهددها،‭ ‬لأن‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعلمه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬يقولون‭ ‬أن‭ ‬أوروپا‭ ‬تتحول‭ ‬للإسلام،‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬بالتكاثر‭ ‬الجنسي‭ ‬والهجرات‭. ‬كالهجرات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وأشهرها‭ ‬هجرة‭ ‬السوريين‭ ‬وقبلهم‭ ‬العراقيون‭ ‬وقبلهم‭ ‬كان‭ ‬الهنود‭ ‬والأتراك،‭ ‬فكل‭ ‬هذه‭ ‬الهجرات‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تزيد‭ ‬نسبة‭ ‬المسلمين‭ ‬وليس‭ ‬التحول‭ ‬ونسبة‭ ‬المتحولين‭ ‬عن‭ ‬شهادة‭ ‬عين،‭ ‬ليس‭ ‬عن‭ ‬سماعٍ‭ ‬أو‭ ‬قراءة،‭ ‬نسبةٌ‭ ‬كبيرةٌ‭ ‬منهم‭ ‬يرتدون‭ ‬عن‭ ‬الإسلام‭ ‬بعد‭ ‬الدخول‭ ‬فيه‭ ‬لأن‭ ‬مسألة‭ ‬الدين‭ ‬عندهم‭ ‬مسألةٌ‭ ‬ثانويةٌ‭ ‬كما‭ ‬أنني‭ ‬بالضبط‭ ‬أشجّع‭ ‬الأهلي،‭ ‬أشجّع‭ ‬بعدها‭ ‬الزمالك،‭ ‬أشجّع‭ ‬ليڤرپول،‭ ‬أشجّع‭ ‬مانشستر،‭ ‬أشجّع‭ ‬اللعبة‭ ‬الحلوة،‭ ‬المسألة‭ ‬بسيطةٌ‭ ‬وليست‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬عندنا‭ ‬لو‭ ‬أحدنا‭ ‬غيّر‭ ‬دينه‭ ‬يقاطعه‭ ‬أهله‭ ‬وتحصل‭ ‬مشاكلٌ‭ ‬كبيرةٌ‭ ‬جدًا،‭ ‬ممكن‭ ‬أهل‭ ‬القرية‭ ‬أن‭ ‬يتخانقوا‭ ‬مع‭ ‬بعض‭. ‬هناك‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬هذه‭ ‬الإشكالية‭ ‬نهائيًا،‭ ‬تُغير‭ ‬دينك‭ ‬كما‭ ‬تُغير‭ ‬قميصك‭ ‬تخلعه‭ ‬وتضعه‭ ‬في‭ ‬الغسالة‭ ‬وأعطيك‭ ‬قميصًا‭ ‬جديدًا،‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬مشكلة‭. ‬هم‭ ‬لديهم‭ ‬المسألة‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬يحسب‭ ‬العرب‭ ‬حسابه‭ ‬والمسلمون‭ ‬أن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الهجرات‭ ‬يتنورون‭ ‬ولا‭ ‬ينتمون‭ ‬لنفس‭ ‬الأفكار‭ ‬التقليدية،‭ ‬رأيت‭ ‬كثيرين‭ ‬هكذا‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬والفتيات‭ ‬العرب‭ ‬يغير‭ ‬أفكاره‭ ‬وينتقل‭ ‬إلى‭ ‬معسكر‭ ‬العقلانية‭ ‬نوعًا‭ ‬ما‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬أحيانًا‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬الحفاظ‭ ‬أحيانًا‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬انتمائه،‭ ‬فبعض‭ ‬الناس‭ ‬أصبح‭ ‬لديهم‭ ‬إشكالٌ‭ ‬فصارت‭ ‬تبغض‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬وهو‭ ‬عربيٌّ‭ ‬مسلمٌ‭ ‬من‭ ‬خلفيةٍ‭ ‬عربيةٍ‭ ‬إسلامية‭ ‬أتى‭ ‬أثرٌ‭ ‬معاكس،‭ ‬وبعض‭ ‬الناس‭ ‬بقي‭ ‬على‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬ويحاول‭ ‬أن‭ ‬يغيرها‭ ‬ويطورها،‭ ‬فيقول‭ ‬‮«‬أولئك‭ ‬أهلي‭ ‬وعشيرتي‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أنقل‭ ‬لهم‭ ‬رسالة‭ ‬العقلانية‮»‬،‭ ‬ويوجد‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬أيضًا‭ ‬أنواعٌ‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة‭.‬

س17: ‬هناك‭ ‬توجهٌ‭ ‬فكريٌّ‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬تفاعل‭ ‬الحضارات‭ ‬هو‭ ‬نوعٌ‭ ‬من‭ ‬المواجهة‭ ‬أو‭ ‬الصراع،‭ ‬وهناك‭ ‬عدة‭ ‬عناصر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المواجهة‭ ‬والصراع‭ ‬منها‭ ‬مثلًا‭ ‬النواحي‭ ‬الثقافية،‭ ‬الدينية،‭ ‬الهوية‭ ‬واللغة،‭ ‬برأيك‭ ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬التفاعل‭ ‬أو‭ ‬المواجهة‭ ‬الحضارية‭ ‬بين‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬هل‭ ‬ترى‭ ‬لها‭ ‬مستقبلًا‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬مواجهة‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬المواجهة‭ ‬ستتطور‭ ‬إلى‭ ‬تمازجٍ‭ ‬أم‭ ‬إلى‭ ‬مواجهةٍ‭ ‬عنيفةٍ‭ ‬أو‭ ‬مسلحة؟‭ ‬

زايد‭: ‬في‭ ‬داخل‭ ‬العالم‭ ‬العربي؟

غراب‭: ‬في‭ ‬التلاقح‭ ‬بين‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭.‬

زايد‭: ‬نهاية‭ ‬المسألة‭ ‬ستعتمد‭ ‬على‭ ‬عقل‭ ‬أولئك‭ ‬وعقل‭ ‬هؤلاء،‭ ‬فالذي‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬للأسف‭ ‬الشديد‭ ‬هو‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬صدامٍ‭ ‬ثم‭ ‬مرحلة‭ ‬هدوءٍ‭ ‬وتعايش‭. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬التاريخ‭. ‬هل‭ ‬يستطيع‭ ‬الإنسان‭ ‬الحديث‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أكثر‭ ‬عقلًا‭ ‬بحيث‭ ‬أنه‭ ‬يتجاوز‭ ‬الصدام‭ ‬إلى‭ ‬حدوده‭ ‬الدنيا‭ ‬المتاحة‭ ‬وأن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬التعايش‭ ‬بين‭ ‬الأفكار‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬تقبل‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الأساسية،‭ ‬فهذا‭ ‬ما‭ ‬ستنبؤنا‭ ‬به‭ ‬الأيام‭.‬

زايد‭: ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬قائم،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الاحتمالات‭ ‬واردة،‭ ‬ليس‭ ‬عندي‭ ‬بلّورةً‭ ‬أنظر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬وأرى‭ ‬المستقبل،‭ ‬لكن‭ ‬الإنسان‭ ‬كما‭ ‬أتوقع‭ ‬ينتقل‭ ‬كما‭ ‬انتقل‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬القبيلة‭ ‬إلى‭ ‬الدولة‭ ‬المنظمة‭ ‬إلى‭ ‬الدولة‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬إلى‭ ‬الدولة‭ ‬القومية‭ ‬سينتقل‭ ‬إلى‭ ‬الدولة‭ ‬العالمية‭ ‬الواحدة،‭ ‬العولمة‭ ‬التامة‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬الوصولية‭ ‬الجشعة،‭ ‬لكن‭ ‬متى‭ ‬سيحدث‭ ‬هذا؟‭ ‬سؤالٌ‭ ‬مفتوحٌ‭ ‬ليست‭ ‬لدي‭ ‬عنه‭ ‬إجابة‭.‬

هذا‭ ‬أيضًا‭ ‬هل‭ ‬سيمر‭ ‬بعقباتٍ‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تتعرض‭ ‬البشرية‭ ‬كلها‭ ‬إلى‭ ‬نكبةٍ‭ ‬حتى‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬توحد‭ ‬غزوٍ‭ ‬خارجيٍّ‭ ‬فضائيٍّ‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬أزمةٍ‭ ‬طبيعيةٍ‭ ‬كالأزمة‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬انقراض‭ ‬الديناصورات،‭ ‬سواء‭ ‬ثقب‭ ‬أوزون‭ ‬أو‭ ‬غيره؟‭!‬

يوجد‭ ‬فيلمٌ‭ ‬أنتجوه‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬يتكلم‭ ‬عن‭ ‬أزمةٍ‭ ‬وعالٍم‭ ‬هندي‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬ماذا‭ ‬أيضًا‭ ‬وصنعوا‭ ‬سفنًا‭ ‬فهذه‭ ‬الأشياء‭ ‬قد‭ ‬توحّد‭ ‬البشرية‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬تقضي‭ ‬عليها‭ ‬أيضًا‭.‬

غراب‭: ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أننا‭ ‬بحاجةٍ‭ ‬لمستعمرٍ‭ ‬خارجيٍّ‭ ‬لنقضي‭ ‬على‭ ‬أنفسنا‭…‬

زايد‭: ‬صحيح،‭ ‬أقصد‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مستعمرٍ‭ ‬خارجي،‭ ‬ممكن‭ ‬حتى‭ ‬أزمةٌ‭ ‬طبيعيةٌ‭ ‬إما‭ ‬تكون‭ ‬سببًا‭ ‬بتقوية‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬الجنس‭ ‬البشري‭ ‬أو‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الجنس‭ ‬البشري،‭ ‬توجد‭ ‬احتمالاتٌ‭ ‬كثيرة‭. ‬لكن‭ ‬لو‭ ‬مضت‭ ‬الأمور‭ ‬بنفس‭ ‬المتوالية‭ ‬أتوقع‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬الدولة‭ ‬العالمية‭ ‬بلا‭ ‬مواربةٍ‭ ‬لأن‭ ‬مؤسساتها‭ ‬بدأت‭ ‬تنشأ،‭ ‬والذي‭ ‬يدرس‭ ‬تاريخ‭ ‬النظم‭ ‬السياسية‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬التحول‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬البشرية‭ ‬البدائية‭ ‬القبيلة‭ ‬ثم‭ ‬الدولة‭ ‬تم‭ ‬بنفس‭ ‬التدرج؛‭ ‬الآن‭ ‬لدينا‭ ‬مؤسسات‭ ‬مجتمعٍ‭ ‬دولي،‭ ‬لدينا‭ ‬محكمة‭ ‬عدلٍ‭ ‬دوليةٍ‭ ‬ولدينا‭ ‬بنكٌ‭ ‬دولي،‭ ‬لدينا‭ ‬أممٌ‭ ‬متحدةٌ‭ ‬أو‭ ‬مجلس‭ ‬أمنٍ‭. ‬فيها‭ ‬عيوبٌ‭ ‬وفيها‭ ‬مزايا‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬التشكيلات‭ ‬لأول‭ ‬مرةٍ‭ ‬توجد‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الإنسان،‭ ‬حصلت‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬فقط‭ ‬عصبة‭ ‬الأمم‭ ‬التي‭ ‬فشلت‭ ‬ثم‭ ‬جاءت‭ ‬بعدها‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬فهذه‭ ‬إرهاصات،‭ ‬وهناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحالمين‭ ‬كتبوا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬كانط‭ ‬وبرتراند‭ ‬راسل‭ ‬وغيره‭ ‬وهنالك‭ ‬مشروع‭ ‬عملٍ‭ (‬للباسبور‭) ‬جواز‭ ‬السفر‭ ‬العالمي‭ ‬أي‭ ‬باسبور‭ ‬ليس‭ ‬مصريّ‭ ‬أو‭ ‬سوريّ‭ ‬أو‭ ‬بريطانيّ‭ ‬أو‭ ‬هنديّ،‭ ‬لكن‭ ‬باسبور‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬كوكبٍ‭ ‬إنساني،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬حامله‭ ‬من‭ ‬الأرض،‭ ‬ففيه‭ ‬نكتة [ضحك].‬

س18: ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬مشروعك‭ ‬التنويري‭ ‬كيف‭ ‬تتصور‭ ‬تطوراته‭ ‬مستقبلًا،‭ ‬هل‭ ‬لديك‭ ‬مخططاتٌ‭ ‬لتطويره‭ ‬أو‭ ‬توسيعه؟

زايد‭: ‬أكيد،‭ ‬فالمشروع‭ ‬بدأ‭ ‬بشكلٍ‭ ‬من‭ ‬العفوية،‭ ‬لكنني‭ ‬أرى‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬وجود‭ ‬أكاديميةٍ‭ ‬للتنوير‭ ‬أو‭ ‬هيئةٍ‭ ‬عامةٍ‭ ‬تجمع‭ ‬التيارات‭ ‬التي‭ ‬تؤمن‭ ‬بالإصلاح‭ ‬الديني‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أو‭ ‬بلا‭ ‬دينيةٍ‭ ‬عقلانيةٍ‭ ‬إنسانيةٍ‭ ‬من‭ ‬جهةٍ‭ ‬أخرى‭ ‬حتى‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تنقل‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬بدايات‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬مرحلةٍ‭ ‬إنسانيةٍ‭ ‬جديدة‭. ‬

وأنا‭ ‬أسعى‭ ‬بجهدي‭ ‬المقلّ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬وأتمنى‭ ‬أن‭ ‬أستطيع‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬التوسع‭ ‬وأن‭ ‬أعدّ‭ ‬بعض‭ ‬الكتابات‭. ‬لدي‭ ‬بعض‭ ‬الأبحاث‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أجمعها‭ ‬وأشذبها‭ ‬حتى‭ ‬تصلح‭ ‬للنشر‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬كتابٍ‭ ‬مثل‭ ‬هذا [يحل بيده كتابًا]‬.

الجزء الثاني:

س19: ‬مما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬محاضراتك‭ ‬ونشاطاتك (رقميًا أو ماديًا) ‬تسعى‭ ‬للنهوض‭ ‬بالإنسان،‭ ‬لتقريب‭ ‬الفكر‭ ‬للناس،‭ ‬وكما‭ ‬ذكرت،‭ ‬فأنت‭ ‬تسعى‭ ‬أيضًا‭ ‬للتوسع،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬النشاطات‭ ‬أو‭ ‬الخطوات‭ ‬التي‭ ‬تتمنى‭ ‬رؤيتها‭ ‬لدى‭ ‬الآخرين‭ ‬وتحديدًا‭ ‬لدى‭ ‬الملحدين‭ ‬العرب؟‭ ‬ماذا‭ ‬تتمنى‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬لدى‭ ‬الملحدين‭ ‬العرب؟

زايد‭: ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬أكثر‭ ‬هدوءًا‭ ‬ورزانة،‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬أكثر‭ ‬ثقافةً‭ ‬واطلاعًا،‭ ‬وأن‭ ‬يطّلعوا‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬الحركة‭ ‬الإلحادية‭ ‬في‭ ‬أوروپا‭ ‬وفهمها‭ ‬في‭ ‬إطارها‭ ‬الأوروپي‭ ‬وإطارها‭ ‬العالمي،‭ ‬وبهدوء،‭ ‬وعلى‭ ‬رأي‭ ‬إسماعيل‭ ‬ياسين‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الأفلام‭: ‬

‭(‬خلّيك‭ ‬بارد‭)‬،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬عليك‭ ‬بشيءٍ‭ ‬من‭ ‬البرود‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬امتصاص‭ ‬الآخر‭ ‬والتعامل‭ ‬الذكي‭ ‬مع‭ ‬ملفات‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬ملفات‭ ‬التخلف‭ ‬أو‭ ‬ملفات‭ ‬الاستبداد،‭ ‬والتي‭ ‬لدينا‭ ‬فيها‭ ‬كلها‭ ‬مشاكلٌ‭ ‬ضخمة،‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬للإخوة،‭ ‬سواءً‭ ‬كانوا‭ ‬لادينيين‭ ‬أو‭ ‬ملحدين‭ ‬بأنواعهم‭ ‬المختلفة،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لديهم‭ ‬شيءٌ‭ ‬من‭ ‬البصيرة‭ ‬والعقل‭.‬

س20: ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الشخصي،‭ ‬ماذا‭ ‬تعني‭ ‬لك‭ ‬الدراما،‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬دور‭ ‬الدراما‭ ‬في‭ ‬حياتك‭ ‬اليوم؟

زايد‭: ‬الدراما‭ ‬والفن،‭ ‬أنا‭ ‬أعشق‭ ‬السينما‭ ‬شخصيًا،‭ ‬وقد‭ ‬درست‭ ‬الدراما‭ ‬في‭ ‬برمنغهام،‭ ‬حيث‭ ‬أخذت‭ ‬مساقًا‭ ‬في‭ ‬الدراما،‭ ‬وحتى‭ ‬الدراما‭ ‬اليونانية‭ ‬القديمة‭ ‬درستها،‭ ‬ومثّلت‭ ‬مرةً‭ ‬في‭ ‬مسرحية‭ ‬‮«‬حلم‭ ‬ليلة‭ ‬صيف‮»‬‭ ‬لشيكسپير‭ ‬في‭ ‬حديقةٍ‭ ‬عامةٍ‭ ‬ربما‭ ‬عام‭ ‬2000،‭ ‬قبل‭ ‬19‭ ‬عامًا‭ ‬من‭ ‬الآن‭.‬

غراب‭: ‬هل‭ ‬حدثت‭ ‬هجرةٌ‭ ‬بينك‭ ‬وبين‭ ‬الدراما،‭ ‬أم‭ ‬لا‭ ‬زال‭ ‬لها‭ ‬دورٌ‭ ‬في‭ ‬حياتك؟

زايد‭: ‬دورٌ‭ ‬في‭ ‬حياتي،‭ ‬كمتلقٍ،‭ ‬أكيد‭ ‬لا‭ ‬أمثّل‭ ‬ولكن‭ ‬لعلّي‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬أفلامٍ‭ ‬وثائقيةٍ‭ ‬قريبًا،‭ ‬وهنالك‭ ‬من‭ ‬يعرضون‭ ‬عليّ‭ ‬هذا،‭ ‬ولو‭ ‬نجحت‭ ‬سيكون‭ ‬ذلك‭ ‬أمرًا‭ ‬جيدًا‭ ‬جدًا،‭ ‬تكون‭ ‬أفلامًا‭ ‬وثائقيةً‭ ‬شبه‭ ‬درامية،‭ ‬كالفيلم‭ ‬التسجيلي‭. ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬الفن‭ ‬مهمٌ‭ ‬جدًا‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬أفكار‭ ‬المجتمعات،‭ ‬فلو‭ ‬كان‭ ‬الفيلسوف‭ ‬أو‭ ‬المثقف‭ ‬أو‭ ‬المفكر‭ ‬النخبوي‭ ‬أو‭ ‬المحاضر‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬قطاعاتٍ‭ ‬معينةٍ‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬فالرواية‭ ‬والسينما‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬قطاعاتٍ‭ ‬أوسع‭. ‬فحتى‭ ‬في‭ ‬أوروپا‭ ‬حيث‭ ‬يقولون‭ ‬أن‭ ‬معدّلات‭ ‬القراءة‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬نظيرتها‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬وهذا‭ ‬صحيح،‭ ‬لكن‭ ‬نسبة‭ ‬الأدب‭ ‬أكثر‭ ‬كثيرًا‭. ‬

هنالك‭ ‬كتيّب‭ ‬أعجبني‭ ‬جدًا‭ ‬اسمه‭ ‬‮«‬أدب‭ ‬مفعم‭ ‬بالفلسفة‮»‬‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأدب‭ ‬والسينما‭ ‬تستطيع‭ ‬تمرير‭ ‬الأفكار‭ ‬بشكلٍ‭ ‬أكثر‭ ‬سلاسةً‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬محاضرةٍ‭ ‬والاستماع‭ ‬لشخص‭ (‬حلو‭) ‬مثلي‭ ‬ساعتين‭ [‬ضحك‭]‬؛‭ ‬فلا‭ ‬يستطيع‭ ‬كل‭ ‬الناس‭ ‬فعل‭ ‬ذلك،‭ ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬الناس‭ ‬تستطيع‭ ‬الذهاب‭ ‬لمشاهدة‭ ‬فيلمٍ‭ ‬جيدٍ‭ ‬فيه‭ ‬أحداثٌ‭ ‬وضحكٌ‭ ‬ولعبٌ‭ ‬وجدٌ‭ ‬وحب،‭ ‬على‭ ‬رأي‭ ‬عبد‭ ‬الحليم‭ ‬حافظ‭.‬

س21: ‬سبقْتني‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬النقطة،‭ ‬كنت‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أسأل،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬معرفتك‭ ‬الموسوعية‭ ‬وقراءاتك‭ ‬الواسعة‭ ‬والتنوع،‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬كتبٌ‭ ‬ترشّحها‭ ‬أو‭ ‬تنصح‭ ‬بها‭ ‬القراء؟

زايد‭: ‬أهم‭ ‬شيء‭: ‬أولًا‭ ‬اقرأ‭ ‬ما‭ ‬شئت‭. ‬عندما‭ ‬كنتُ‭ ‬طفلًا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬pdf،‭ ‬أنا‭ ‬من‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬ولادة‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬مثلما‭ ‬أن‭ ‬أبي‭ ‬من‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬ولادة‭ ‬التلفاز‭ ‬وأن‭ ‬جدي‭ ‬من‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬ولادة‭ ‬الهاتف‭ (‬التلفون‭)‬،‭ ‬فأنا‭ ‬من‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬كنت‭ ‬أقرأ‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقع‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬لأن‭ ‬النقود‭ ‬قليلةٌ‭ ‬فكل‭ ‬كتابٍ‭ ‬أشتريه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬أقرأه،‭ ‬أي‭ ‬ليس‭ ‬لدي‭ ‬وفرةٌ‭ ‬في‭ ‬الكتب‭. ‬

الآن‭ ‬ممكن‭ ‬أن‭ ‬آتي‭ ‬بكتبٍ‭ ‬كثيرةٍ‭ ‬ونتيجة‭ ‬توفر‭ ‬الpdf،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬مبالغةٍ‭ ‬لدي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسين‭ ‬كتابًا‭ ‬على‭ ‬القرص‭ ‬الصلب‭ ‬الخارجي‭ ‬جمعتهم‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬كمبيوترات،‭ ‬ومع‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الكتابات‭ ‬أصبح‭ ‬على‭ ‬المرء‭ ‬أن‭ ‬ينتقي،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬هذا‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬صفحتي‭ ‬على‭ ‬الفيسبوك،‭ ‬وعلى‭ ‬قناتي‭ ‬أيضًا‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أوجه‭ ‬الشباب‭ ‬للأهم‭ ‬فالمهم‭. ‬

مجرد‭ ‬اقتراحٍ‭ ‬لكنني‭ ‬مؤمنٌ‭ ‬بالحرية‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وفي‭ ‬القراءة‭ ‬فليقرأ‭ ‬كل‭ ‬إنسانٍ‭ ‬ما‭ ‬يشاء‭. ‬

غراب‭: ‬لنقل‭ ‬ثلاثة‭ ‬عناوين‭ ‬كتب‭ ‬تنصح‭ ‬بها‭ ‬القرّاء‭!‬

زايد‭: ‬أنصح‭ ‬القراء‭ ‬بثلاثة‭ ‬مواضيع‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬موضوعٍ‭ ‬عنوانٌ‭ ‬ترشيحٌ‭ ‬مني‭ ‬وكل‭ ‬إنسانٍ‭ ‬حر‭. ‬الموضوع‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬تاريخ‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ليس‭ ‬إنسانًا‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬تاريخ‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ولا‭ ‬أقصد‭ ‬تاريخ‭ ‬الغرب‭ ‬أو‭ ‬الشرق‭ ‬أو‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬أو‭ ‬مصر‭ ‬أو‭ ‬سوريا‭ ‬أو‭ ‬العراق،‭ ‬أقصد‭ ‬بتاريخ‭ ‬الإنسانية،‭ ‬الملحمة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الكاملة،‭ ‬كمحاولة‭ ‬ويلز‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬معالم‭ ‬تاريخ‭ ‬الإنسانية‮»‬،‭ ‬أيضًا‭ ‬كمحاولة‭ ‬ويل‭ ‬ديورانت‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬قصة‭ ‬الحضارة‮»‬،‭ ‬حاول‭ ‬أيضًا‭ ‬حاليًا‭ ‬الكاتب‭ ‬اليهودي‭ ‬نوح‭ ‬هراري‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬تاريخ‭ ‬الهوموسابين‮»‬‭ ‬أيضًا‭ ‬محاولةٌ‭ ‬جيدةٌ‭ ‬وأظنه‭ ‬تُرجم‭ ‬للعربية،‭ ‬سأحاول‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬نسخةٍ‭ ‬منه‭ ‬قبل‭ ‬مغادرتي‭ ‬دبي،‭ ‬لدي‭ ‬نسخةٌ‭ ‬بالإنجليزي‭ ‬أهداها‭ ‬لي‭ ‬صديقٌ‭ ‬عزيز‭.‬

أحاول‭ ‬أنا‭ ‬كأنثى‭ ‬أو‭ ‬أنا‭ ‬كذَكرٍ‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لدي‭ ‬علمٌ‭ ‬بتاريخ‭ ‬أجدادي‭ ‬من‭ ‬الإناث‭ ‬والذكور‭ ‬منذ‭ ‬سالف‭ ‬العصور‭. ‬هذا‭ ‬موضوعٌ‭ ‬أساسيٌ‭ ‬واقترحت‭ ‬له‭ ‬عدة‭ ‬كتب‭. ‬

الموضوع‭ ‬الثاني‭ ‬تاريخ‭ ‬الفكر‭ ‬الإنساني‭ ‬بشكلٍ‭ ‬عامٍ‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬المساق‭ ‬الذي‭ ‬أخذته‭ ‬في‭ ‬أحدى‭ ‬الجامعات‭ ‬الأوروپيية،‭ ‬تاريخ‭ ‬الأفكار‭ ‬وكيف‭ ‬تطوّرالفكر،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬الفلسفة‭ ‬ولا‭ ‬الدين‭ ‬إنما‭ ‬كيف‭ ‬تطور‭ ‬الفكر‭ ‬كله‭. ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬كتابٍ‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الأديان‭ ‬المقارن،‭ ‬ككتاب‭ ‬‮«‬دين‭ ‬الإنسان‮»‬‭ ‬للأستاذ‭ ‬فراس‭ ‬السواح‭ ‬المؤلف‭ ‬السوري‭ ( ‬كنت‭ ‬معه‭ ‬قبل‭ ‬يومين‭ )‬،‭ ‬كتابه‭ ‬جميلٌ‭ ‬جدًا،‭ ‬أو‭ ‬كتابات‭ ‬ميريسيا‭ ‬إلياد‭ ‬‮«‬تاريخ‭ ‬المعتقدات‭ ‬والأفكار‭ ‬الدينية‮»‬،‭ ‬أيضًا‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬تاريخ‭ ‬الفلسفة‮»‬‭ ‬لبرتراند‭ ‬راسل،‭ ‬الكتاب‭ ‬المبسط،‭ ‬إذ‭ ‬يوجد‭ ‬آخرٌ‭ ‬اسمه‭ ‬‮«‬كتاب‭ ‬تاريخ‭ ‬الفلسفة‭ ‬الغربية‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬كتابٌ‭ ‬معقدٌ‭ ‬مليءٌ‭ ‬بالأفكار‭ ‬مكوّنٌ‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬مجلداتٍ‭ ‬وكتابٌ‭ ‬آخر‭ ‬مطبوعٌ‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬المعرفة‭ ‬الصغير‭ ‬اسمه‭ ‬‮«‬حكمة‭ ‬الغرب‮»‬‭ ‬يتكلم‭ ‬عن‭ ‬الأفكار‭ ‬الفلسفية‭ ‬كيف‭ ‬تتطور‭ ‬في‭ ‬وسطٍ‭ ‬اجتماعي‭ ‬سياسي‭. ‬هذا‭ ‬يتعلق‭ ‬بالفكر‭ ‬الإنساني‭ ‬وتاريخ‭ ‬الإنسان‭ ‬وهي‭ ‬مواضيع‭ ‬مهمة‭.‬

الموضوع‭ ‬الثالث‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬اعتبارها‭ ‬ثقافتنا‭. ‬علينا‭ ‬معرفة‭ ‬كيف‭ ‬تطورت‭. ‬من‭ ‬ابن‭ ‬سينا،‭ ‬من‭ ‬ابن‭ ‬رشد،‭ ‬من‭ ‬ابن‭ ‬العربي،‭ ‬من‭ ‬ابن‭ ‬تيمية‭! ‬وكل‭ ‬شخصٍ‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬ليس‭ ‬كما‭ ‬يصوره‭ ‬المصورون‭ ‬من‭ ‬الدينين‭ ‬أو‭ ‬اللادينين؛‭ ‬أنه‭ ‬إما‭ ‬شيطانٌ‭ ‬رجيم،‭ ‬فمثلًا‭ ‬قد‭ ‬يتهيأ‭ ‬لواحدٍ‭ ‬لادينيٍّ‭ ‬أو‭ ‬ملحدٍ‭ ‬أن‭ ‬أبا‭ ‬حامدٍ‭ ‬الغزالي‭ ‬هو‭ ‬شيطانٌ‭ ‬رجيم،‭ ‬أما‭ ‬ابن‭ ‬العربي‭ ‬أو‭ ‬ابن‭ ‬الراوندي‭ ‬الملحد‭ ‬فهو‭ ‬بالنسبة‭ ‬له‭ ‬عظيٌم،‭ ‬حبيبي‭ ‬ملاك‭.‬

لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نترك‭ ‬هذه‭ ‬النظرة‭ ‬الطفولية‭ ‬ونقرأ‭ ‬هؤلاء‭ ‬المفكرين‭ ‬في‭ ‬سياقاتهم‭ ‬العصرية،‭ ‬وحاولت‭ ‬في‭ ‬قناتي‭ ‬أن‭ ‬أغطي‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المواضيع‭ ‬والمتعلقة‭ ‬بالمواضيع‭ ‬الثلاثة‭ ‬السابقة‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬استطاعتي‭ ‬ومعرفتي‭ ‬واطلاعي‭.‬

س‭ ‬22‭: ‬مجلة‭ ‬الملحدين‭ ‬العرب‭ ‬متى‭ ‬عرفت‭ ‬بها‭ ‬وما‭ ‬رأيك‭ ‬فيها؟

أنا‭ ‬متابعها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تصدر‭. ‬كانت‭ ‬لي‭ ‬صداقاتٌ‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الأصدقاء‭ ‬وأيضًا‭ ‬في‭ ‬منتدى‭ ‬الملحدين‭ ‬العرب‭ ‬قبل‭ ‬المجلة،‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الألفية‭ ‬كنت‭ ‬اطّلع‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الكتابات‭ ‬فيها‭ ‬وأحيانًا‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬مساهماتٍ‭ ‬باسمٍ‭ ‬مستعارٍ‭ ‬اسمه‭ ‬السندباد‭ ‬أو‭ ‬اسمٍ‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬أذكره،‭ ‬فهو‭ ‬من‭ ‬مدةٍ‭ ‬طويلة‭.‬

المجلة‭ ‬جميلٌة‭ ‬تنشر‭ ‬أفكارًا‭ ‬وتناقش‭ ‬برصانةٍ‭ ‬ويؤخذ‭ ‬منها‭ ‬ويرد‭ ‬عليها‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬كل‭ ‬عملٍ‭ ‬إنسانيٍّ‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬حلم‭ ‬الإنسان‭ ‬بالكمال‭ ‬الإنساني‭ ‬أو‭ (‬السوبرمان‭) ‬في‭ ‬التجربة،‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العقل‭ ‬الديني‭ ‬الذي‭ ‬يفكر‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬فكرة‭ ‬المهدي‭ ‬أو‭ ‬الذي‭ ‬سيعود‭ ‬آخر‭ ‬الزمان‭ ‬ويعمل‭ ‬مجتمعًا‭ ‬يسير‭ ‬فيه‭ ‬الذئب‭ ‬بجانب‭ ‬الخروف‭ ‬يتصاحبون‭ ‬ويلعبون‭ ‬سويةً‭ ‬على‭ ‬الأرجوحة،‭ ‬والمرأة‭ ‬تسير‭ ‬عاريةً‭ ‬أو‭ ‬شبه‭ ‬عاريةٍ‭ ‬من‭ ‬صنعاء‭ ‬لحضرموت‭ ‬لا‭ ‬يتحرش‭ ‬بها‭ ‬أحدٌ‭ ‬ولا‭ ‬يعاكسها‭ ‬ولا‭ ‬يغتصبها‭. ‬

فهذا‭ ‬الحلم‭ ‬الإنساني‭ ‬هو‭ ‬حلمٌ‭ ‬مشروعٌ‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬يحمل‭ ‬أحيانًا‭ ‬جوانب‭ ‬خرافيةً‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬النواحي‭ ‬الدينية،‭ ‬هو‭ ‬مشروعٌ‭ ‬فيه‭ ‬جوانب‭ ‬واقعيةً،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬منذ‭ ‬كنا‭ ‬متواجدين‭ ‬في‭ ‬الكهف‭ ‬حتى‭ ‬وصلنا‭ ‬لمدنٍ‭ ‬بهذا‭ ‬الجمال‭ ‬وهذا‭ ‬النظام،‭ ‬أيضًا‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬فيها‭ ‬عيوبٌ‭ ‬وأنا‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يتأثرون‭ ‬بعبارة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المفكرين‭ ‬أشهرهم‭ ‬كارل‭ ‬ساغان‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الحضارة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الكاملة‭ ‬لم‭ ‬تولد‭ ‬بعد‮»‬‭.‬

تذكّر‭ ‬عندما‭ ‬تصدر‭ ‬من‭ ‬مجلتكم‭ ‬الأعداد‭ ‬التجريبية‭ ‬أو‭ ‬البروفات‭ ‬في‭ ‬المسرحيات،‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬الأداء‭ ‬المسرحي‭ ‬الأساسي‭ ‬للجنس‭ ‬البشري‭ ‬لم‭ ‬يتم،‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬البروفا‭ ‬وأرى‭ ‬الحضارة‭ ‬المصرية‭ ‬القديمة‭ ‬والفينيقية‭ ‬والسومرية‭ ‬والإغريقية‭ ‬والرومانية‭ ‬والعربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬وحتى‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬قمة‭ ‬تطور‭ ‬الحضارات‭ ‬الإنسانية‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬لها‭ ‬وعليها‭ ‬ما‭ ‬عليها،‭ ‬هذه‭ ‬الحضارة‭ ‬أيضًا‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ (‬بروفا‭) ‬للحضارة‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬يحلم‭ ‬بها‭ ‬الفلاسفة‭ ‬الكبار‭ ‬أمثال‭ ‬أفلاطون‭ ‬أو‭ ‬كانط‭ ‬أو‭ ‬راسل‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الفارابي،‭ ‬ففي‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬أيضًا‭ ‬هنالك‭ ‬فكرة‭ ‬المدينة‭ ‬الفاضلة‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬المجتمع‭ ‬الفاضل‭.‬

غراب‭: ‬ختامًا،‭ ‬نشكر‭ ‬لك‭ ‬أستاذ‭ ‬أحمد‭ ‬تكريس‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬للحديث‭ ‬معنا،‭ ‬قد‭ ‬أفادتنا‭ ‬كثيرًا‭ ‬كلماتك‭ ‬ونتمنى‭ ‬منك‭ ‬تقديم‭ ‬كلمةٍ‭ ‬إلى‭ ‬قراء‭ ‬المجلة‭ ‬من‭ ‬الملحدين‭ ‬والمؤمنين‭. ‬ماذا‭ ‬تقول‭ ‬لقراء‭ ‬المجلة؟

أقول‭ ‬لقراء‭ ‬المجلة‭ ‬جميعًا‭ ‬عليكم‭ ‬بالعقل،‭ ‬العقل‭ ‬الذي‭ ‬جعلك‭ ‬تقرأ،‭ ‬العقل‭ ‬الذي‭ ‬جعلك‭ ‬تفهم‭ ‬وتسمع‭ ‬وتناقش‭ ‬وتقبل‭ ‬وترفض،‭ ‬فعليك‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عقلانيًا‭ ‬بأقصى‭ ‬حدٍ‭ ‬ممكنٍ‭ ‬بفهم‭ ‬تاريخ‭ ‬تطور‭ ‬العقلانية‭ ‬البشرية،‭ ‬هذا‭ ‬أولًا‭. ‬

ثانيًا،‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬إنسانًا‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تحمل‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬من‭ ‬معانٍ‭ ‬إيجابية،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬احترام‭ ‬الإنسان‭ ‬وقبول‭ ‬الإنسان‭ ‬وتقديس‭ ‬الإنسان‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ثمة‭ ‬مقدس،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الأديان‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬فراس‭ ‬السواح‭ ‬دين‭ ‬الإنسان،‭ ‬الإنسان‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يتعصب‭ ‬لذاته‭ ‬لا‭ ‬يتعصب‭ ‬لعرقه‭ ‬ولا‭ ‬لجنسه‭ ‬ولا‭ ‬لدينه‭ ‬أو‭ ‬مذهبه‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يتعصب‭ ‬للإنسان‭.‬

فوصيتان‭ ‬بسيطتان‭: ‬كن‭ ‬عقلانيًا،‭ ‬أو‭ ‬كوني‭ ‬عقلانيةً،‭ ‬وكن‭ ‬إنسانًا‭ ‬محترمًا‭ ‬تحب‭ ‬الإنسانية‭ ‬وتحب‭ ‬لأخيك‭ ‬الإنسان‭ ‬ما‭ ‬تحب‭ ‬لنفسك‭. ‬وأشكرك‭ ‬جدًا‭ ‬وسعدنا‭ ‬بهذا‭ ‬الحوار‭ ‬الذي‭ ‬أرجو‭ ‬ألّا‭ ‬يكون‭ ‬طويلًا‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬القراءة‭ ‬أو‭ ‬المشاهدة‭ ‬في‭ ‬اليوتيوب‭.‬

غراب‭: ‬شكرًا‭ ‬لك‭.‬

أجرى‭ ‬الحوار‭: ‬الغراب‭ ‬الحكيم‭.‬

بحث‭: ‬أسامة‭ ‬البني (الوراق)‬،‭ ‬وليد‭ ‬محمد،‭ ‬يوسف‭ ‬عسكر‭.‬

تفريغ‭ ‬النص‭ ‬الصوتي‭: ‬أسامة‭ ‬البني (الوراق)‬،‭ ‬Eeveen Doown‭ ‬،Nicholas Nahhat،‭ ‬Rama Salih،سامي‭ ‬جمال‭.‬

مراجعة‭: ‬غايا‭ ‬آثيست‭ ‬وأسامة‭ ‬البني (الوراق).‬

تدقيق‭: ‬إيهاب‭ ‬فؤاد،‭ ‬Abdu Alsafrani‭ ‬،Yonan Martotte‭.‬