الصهيونية (نظرية المؤامرة: الجزء الثاني)

هذا المقال منقول عن مدونة بن باز «نبضات بن باز: عقلانية انسانية متحررة»

صهيون او جبل صهيون هو مصطلع عبري يشير الى القدس. ولكنه يرمز الى ارض اليهود كلها. ولكن عاد هذا المصطلح عندما تاق اليهود لوطن جديد بعدما تبعثروا في الارض. الصهيونية هي عقيده نشات في اوروبا في القرن التاسع عشر بجهود كبيره من ثيودور هرتزل وكان قوة دافعه لاقامه اسرائيل في 1948.

سياسيا الصهيونيه هي علمنه للامال اليهودية في انتظار المسيح حيث انه سيجمعهم في بلدهم القديم. مع الوقت بدا اليهود في الضجر وبدا البعض يقول انه حتى يظهر المسيح يجب ان نتجمع في بلدنا الام اولا 😀

يمكن اعتبار الصهيونية شكل من اشكال الدين المدني.

الصهيونية العلمانية:

ان الشكل الحديث للصهيونية بدا في عام 1896 عندما كتب هرتزل خطه لجلب اليهود من انحاء العالم الى “وطنهم الاصلي” فلسطين، حيث يمكنهم هناك بناء دولة يهودية حديثة. لقد توقع ان يحدث هذا تدريجيا وليس هجره مفاجئه. عن طريق استصلاح الاراضي عبر عقود من الزمن

الفقراء يهاجرون اولا لاصلاح التربه وتعبيد الطرق والجسور والانهار. العمال يصنعون التجاره والتجاره تصنع الاسواق والاسواق تجذب المزيد من المستوطنين. اصلاح الارض يعزز من قيمتها وسيدرك اليهود ان هناك ارضا جديدا صالحه للعمل بمناخ جديد بديل للكراهية

هناك اخرين قبله اصلوا للصهيونية او اشاروا اليها فمثلا موشي هيس قال انه حتى يتحرر اليهود فيجبان يكونوا مجتمع يهودي مبني على التقاليد والاخلاق اليهودية. ان كل افكار الصهيونية مبنية على مقدمه وهي انه لايمكن ان يجد اليهود الحريه في بلدانهم التي هاجروا اليها. بالتالي لابد من المخاطره من اجل الهجره الى ارض جديدة من اجل بناء الدولة اليهودية.

ان معارضه اليهود للاندماج  تنطوي على معارضه في الاندماج ايضا في الثقافة الاوروبية وبالتالي فان الصهاينه وجدوا انفسهم في مأزق، حيث ان هذا صنع معاداة السامية للتخلص من اليهود في اسرع وقت. في الحقيقة هذا اوضح ان الصهاينه لم يبذلوا جهدا كثيرا لتقليل معاداة السامية ولا تحسين اوضاع اليهود ولكن كان الحل هو تهجيرهم من اوروبا. ان ضحايا معاداة السامية كانوا ممن يرغبون في الهجره للدولة اليهودية. وربما تجد في هذا الكلام تفسيرا لمعاداة السامية.

لماذا اختار هرتزل والاخرين فلسطين؟ فقد كان هناك حركات تشجع على الهجره الى امريكا او افريقيا. فان كان فعلا الهدف هو بلد آمن الن يكون هناك الكثير من الاماكن؟ في الحقيقة ان هرتزل كان ذو رؤية بعيده فقد راى ان موضوع تهجير ملايين اليهود يحتاج الى حافز قوي لما فيه من مخاطره. وكان هذا الحافز هو ارض الاجداد في فلسطين..

ان هذا الشكل للصهونيه يسمى الصهيونية الاشتراكية لانها كانت تريد بناء دولة اشتراكية وكانت الدولة ستكون مزيجا من العمال والفلاحين يعملون لصالح البلد. وتجريدا لليهود من الراسمالية الموجوده في اوروبا.

ردود افعال العرب المحليين:

كان من المتوقع والمفترض ان يرحب المقيمون اليهود بالمهاجرين الجدد وتوقعوا ايضا ان يرحب العرب المقيمين بهم على اساس انهم سيتحدون سويتا ضد ظلم وفساد الحكومة العثمانية.

قال هرتزل: بامكاننا ان نقدم للسلطات الحالية مزايا عديده منها تحمل جزء من الدين العام وبناء الطرق التي ايضا نحن نحتاجها وفعل اشياء اخرى كثيره. بل ان خلق دولة يهودية سيزيد من قيمة الاراضي المجاوره.

وكانت توقعات هرتزل غير مصيبه هذه المره، حيث عارض الكثير من العرب تدفق اليهود وبدات هذه المعارضه تاخذ شكلا مسلحا وعنيفا. ومما زاد من تفاقم هذا هو ان بعض مؤيدي الصهيونية رؤا ان المجتمع اليهودي الجديد ليست تجربه اجتماعيه ولكنها مشروع تجاري لكسب المال. وهذا ما تعارض مع الاهداف الاشتراكية للاخرين.

لم افهم ما علاقه الربحية بمعارضه العرب؟

لقد اعتقد هؤلاء ان اليهود هم من يجب ان يدير المشاريع التجارية وان يعمل العرب كعمال مما خلق تمييز طبقي بين العمال العرب المحليين  والمدراء اليهود المهاجرين.

تخيل ان يدخل اليهود مجتمعا ويشترون الارض من الملاك العرب “مما ساهم في اثراء القليل منهم” ومن ثم طرد المقيمين العرب او العمال منها، وان اردوا العودة كعمال فانهم يعاملون كدرجة ثانية. عامتا كل شيء قانوني فالارض الان ملك للمستوطنين اليهود. لكن العرب اعتبروا هذا شيء غير اخلاقي خاصتا انه صار على نطاق واسع ومتكرر.

مع الوقت صار المعادون للعرب والاسلام جزء من الرؤية الصهيونية ومع حدوث المحرقه الهولوكوست تكثف الاعتقاد لدى الكثير من اليهود بضروره اقامة الدولة اليهودية لانقاذ اليهود.

ولكن ايضا الكثير من اليهود راى انه لكي تقوم الدولة اليهودية فيجب ان تقوم على السلام والتعاون مع الدول العربية المحيطه وانه على اليهود العمل لتقليل الصراع.

الصهيونية التعديلية:

ان وجود الحاجة الى اقامه الدولة اليهودية بسرعه ادى الى اقامة نوع جديد من الصهيونية في الثلاثينات وسمي بالصهيونية التعديلية. وكانت علمانية في طبيعتها ولكنها تخلت عن فكرة هرتزل بضرورة ان يتم ذلك بشكل بطيء حتى يكون عدد اليهود هم الاغلبية.

طبقا للصهيونية التعديلية فانه كان لزاما ان تقوم الدولة اليهودية في الحال بالقوة حتى ينتهوا من مقاومة العرب لهم. قاد هذا التحرك فلاديمير جابوتنسكي والذي اقترح ان الحل الوحيد هو تهجير كميات ضخمه من اليهود الى فلسطين واخراج العرب.

يقول جابوتنسكي:

عندما يتعارض ادعاء العرب في اقامة دولة عربيه رقمها 4 او 6 مع الرغبه اليهودية في اقامه دولة فهو مثل ادعاء الشبعان مقارنه بالجائع. انني لا انكر عمليه جعل العرب اقلية في فلسطين.

لقد تبنى جابوتنسكي فكرة ان اليهود مجتمع يريد دولة مستقلة محكومة بافراد هذا المجتمع ومن اجل منفه هذا المجتمع وفي هذا كان متشابها الى حد ما مع الفاشية. وقد ابدى اعجابه بايطاليا الفاشيه في احد كتاباته. ووصفها بارض السيارات والكهرباء والبلد المنظمة. وصف بانها القاسية والعنيدة البانية والغازية. وطبعا هذه اصول الفاشية.

جابوتنسكي اعلن بكل وضوح اعجابه بمن يستخدمون القوة السياسية والعسكرية دفاعا عن عرقيتهم. جدير بالذكر ان اهم اثنين من اتباعه هما مناحم بيجن واسحاق شامير والذين كانا رؤساء وزراء لاسرائيل فيما بعد.

الصهيونية الدينية:

مع ان اليهود الارثوذوكس طالما انتظروا لاقامة الدولة اليهودية في فلسطين، ولكنهم في نفس الوقت اعتقدوا انه سيكون ذلك بتدخل الهي، وليس من خلال الحشد السياسي ولا جهود اليهود العلمانيين.

قادة الارثوذوكية عادة ما اشاروا الى التلمود البابلي الذي يسجل قسم اليهود امام الله في منفاهم:

الامتناع عن محاولة استعادة ارضهم بسرعه، الامتناع عن محاولة استعادة ملكية ارضهم، الامتناع عن التمرد على اي قادة سياسيين في اي دولة يعيشون فيها.

في الحقيقة، هم امن وان الشتات هو عقاب من الله على خطاياهم وبالتالي فان اليهود الارثوزوكس اعتبروا ان محاوله للهروب من هذا العقاب باقامة الدولة اليهودية هو خطيئة في حد ذاته. ولكن عندما وجدوا ان الصهيونية تنجح في اهدافها، بدؤوا في اعتبار هذا من مشيئة الله.

هذه الرؤية تعززت بعد حرب 1967 عندما نجحت الجيش اليهودي في الانتصار على الجيوش العربية واحتل اماكن مهمه من “الارض التوراتية”. في خلال السبعينات نشات الكثير من المجموعات اليهودية المؤمنة بالمسيح القادم ودعمت هذه المجموعات فكره ان تمتد اسرائيل الى هذه الاراضي التوراتية. لقد اعتقدوا ان النصر الاسرائيلي هو من تدخل الله ودليل على قدوم المسيح قريبا. لكن يبدوا ان الله غير رايه في حرب 73.

الصهيونية الدينية تعتمد على العهد القديم في تبريرها السياسي والديني للهيمنه على كل الاراضي التوراتية. ان قصه مثل انتصار اليهود على الكنعانيين بعد فرارهم من مصر هي ذات اهتمام خاص لهم.

50 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى فِي عَرَبَاتِ مُوآبَ عَلَى أُرْدُنِّ أَرِيحَا قَائِلاً:
51 «كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: إِنَّكُمْ عَابِرُونَ الأُرْدُنَّ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ،
52 فَتَطْرُدُونَ كُلَّ سُكَّانِ الأَرْضِ مِنْ أَمَامِكُمْ، وَتَمْحُونَ جَمِيعَ تَصَاوِيرِهِمْ، وَتُبِيدُونَ كُلَّ أَصْنَامِهِمِ الْمَسْبُوكَةِ وَتُخْرِبُونَ جَمِيعَ مُرْتَفَعَاتِهِمْ.
53 تَمْلِكُونَ الأَرْضَ وَتَسْكُنُونَ فِيهَا لأَنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمُ الأَرْضَ لِكَيْ تَمْلِكُوهَا،
54 وَتَقْتَسِمُونَ الأَرْضَ بِالْقُرْعَةِ حَسَبَ عَشَائِرِكُمْ. اَلْكَثِيرُ تُكَثِّرُونَ لَهُ نَصِيبَهُ وَالْقَلِيلُ تُقَلِّلُونَ لَهُ نَصِيبَهُ. حَيْثُ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَهُنَاكَ يَكُونُ لَهُ. حَسَبَ أَسْبَاطِ آبَائِكُمْ تَقْتَسِمُونَ.
55 وَإِنْ لَمْ تَطْرُدُوا سُكَّانَ الأَرْضِ مِنْ أَمَامِكُمْ يَكُونُ الَّذِينَ تَسْتَبْقُونَ مِنْهُمْ أَشْوَاكًا فِي أَعْيُنِكُمْ، وَمَنَاخِسَ فِي جَوَانِبِكُمْ، وَيُضَايِقُونَكُمْ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ سَاكِنُونَ فِيهَا.

امريكا، المسيحية، الصهيونية:

في امريكا كان هناك دائما دعم كبير للصهيونية عموما ولاسرائيل خصوصا. وهذا الامر يحير العرب في الشرق الاوسط الذين فشلوا في رؤيه ما هو المشترك في المصالح ووجهات النظر بينهما. وبالتالي مالوا الى تصديق نظريه المؤامره وهي ان اليهود يتحكمون في الاعلام الامريكي بل والسياسة الامريكية وبالتالي فهم يعملون على تضليل تضليل المواطنين الامريكيين.

اذا ما هو التفسير؟

في الحقيقة لا حاجة الى نظريات مؤامره هنا لشرح ما يحدث، فبعض الحقائق عن امريكا والمسيحية كافية لشرح الامر.

اول شيء: الامريكان المسيحيون يعرفون انفسهم بانهم شعب الله المختار تماما مثل اسرائيل.

المتشددون وبعض المستعمرين الانجليز المبكرين اشاروا الى انفسهم على انهم اسرائيل الجديدة، تكرار للقصه التوراتيه بالهجره وانشاء مدينه فوق التل لتكون منارة اخلاقية ودينية لباقي العالم. هذه الفكره وجدت معبرين عنها في الفقه السياسي وسميت ” بيان القدر”

 لتتوسع عبر قارة أمريكا الشمالية من ساحل الأطلسي حتى المحيط الهادي. أحياناً كان بين القدر يـُفسـَّر بطريقة واسعة ليضم كل أمريكا الشمالية: كندا، المكسيك، كوبا، أمريكا الوسطى. أنصار بيان القدر آمنوا أن التوسع لم يكن فقط أخلاقياً بل كان جلياً بالفعل أنه (“بيان”) و(“قـَدَر”) لا يتحول. وبالرغم من أنه اُستـُعمـِل في البداية كعبارة رنانة لإلهام توسع الولايات المتحدة عبر قارة أمريكا الشمالية، فإن عبارة القرن التاسع عشر بمرور الوقت أصبحت مصطلح تاريخي قياسي.

تم التعامل مع القاره الامريكية على انها الارض الموعودة. وتم التعامل مع الهنود الحمر على انهم الكنعانيون وهم الوثنيون الذين يجب ازالتهم من الارض حتى يتمكن شعب الله المختار من الاقامه ويقيم دولة الله.

من المهم ان نفهم ان نفهم ان العهد القديم وقصص اليهود وما فعلوه ليست مجرد قصص تاريخية. بل تم التعامل معها على انها قوالب للنزاع المستمر بين الخير والشر. اي ان ما حدث سوف يحدث في المستقبل الى ا ن ياتي المسيح الى الارض. ان هذا الكلام قد يبدوا غريبا للبعض ولكنه فرضيه اساسية بني عليها الكثير من الكتابات والافكار للاصوليين و الامريكيين الانجيليين في تاريخ امريكا.

هذه الافكار صارت تقل مع الوقت في كلمات السياسيين الامريكيين، ولكنها لم تختفي تماما ومازالت افكارها بارزه في السياسة الحياة الاجتماعية والسياسية الامريكية.

نصل الى نتيجه ان اسرائيل الجديدة “امريكا” تكتسب معنا افضل حينما تقوم دوله اسرائيل القديمة ” اليهودية”

ناتي الى السبب الاخر “ارمجدون”

وهي الحرب الاخيره بقيادة المسيح ضد الاشرار والشيطان وهنا يقول الاصوليين والمسيحيين الانجليين انها لن تحدث الا عندما يستعيد اليهود اسرائيل كارضهم الام.

والسيناريو عندهم كالاتي:

يعاد بناء دولة اسرائيل كدولة يهودية “ليست مسيحية” ثم يقوم اليهود ببناء هيكل سليمان في مكانه الاصلي ويعيدوا فكره الاضاحي ثالثا تاتي فتره قدوم بشر يكرهون المسيح يحاولون تضليل اليهود والعالم. ثم ياتي المسيح ليحول اليهود الى طريق المسيحية ويهزم اعداؤه.

ان هذه الاحداث ذات شعبيه ومنتشره كاعتقاد بين المسيحيين في امريكا، حتى اولئك الغير متشددين.

لكي نعرف الى اي مدى ممكن ان تذهب هذه الافكار علينا الاضطلاع على كتابات هال ليندسي (صهيوني مسيحي). في خلال فتره السبعينات الف كتاب” The late great planet of earth” وانتشر جدا بين المسيحيين في امريكا. في هذا الكتاب فانه يصف العلاقة بين النبوءات التوراتية والاحداث السياسية المعاصره ويصل الى استنتاج ان اسرائيل هي مركز كل شيء وانها مفتاح عودة المسيح والحرب بين الخير والشر. وانه يجب على الامريكان مساعده اسرائيل بكافه الوسائل لمحاربه جهود الشيطان الرامية الى تقويض اسرائيل ومنع المسيح من العودة.

بل ويدعوهم الى دعم اليهود من اجل اعادة بناء هيكل سليمان حتى وان عنى ذلك هدم المسجد الاقصى الذي يعتبر من اهم الاماكن المقدسه لدى المسلمين.

ماذا عن الثقافة الامريكية الان ؟؟

ان افكار ليندسي لها صدى بين المسيحيين يكفيك ان تعلم ان واحده من اكثر سلاسل الكتب مبيعا هي ( Left Behind  ) لمؤلفها تيم لهاي وجيري جينكنز. في هذه السلاسل يصف المؤلفان احداث ما بعد لقاء المسيحيين بالمسيح والصراع النهائي مع الشر.

بعيدا عن الدين هناك اسباب اخرى تبرر دعم امريكا لاسرائيل فهي الدولة الديموقراطية الوحيده في الشرق الاوسط. وهناك مثلا شعور بالذنب تجاه اليهود وما عانوه في الحرب العالمية الثانية. لا تستهن ابدا بهذه الاسباب. بل ان الاسباب الدينية تبرر تماما ذلك الانحياز المطلق لاسرائيل بل وتجاهل اخطاء الحكومات الاسرائيلية.

ليس هناك مؤامره يهودية لخداع الامريكان بل هناك حاله من العمى في اوساط الامريكان تجعلهم يخدعون انفسهم.

في الجزء الثالث نكمل الحديث عن الصهيونية اليوم والفرق بين الصهيوني واليهودي والاسرائيلي.. وخرافه حكماء بني صهيون .. حقيقة وعد بلفور ومؤتمرات الصهيونية .. بعد اخطاء الصهيونية الجسيمه .. اهم رجالها في القرن الماضي .. تكذيب علاقة الصهيونية بنظريه التطور وحرب العراق .. الخ