ملاحظة قبل البدء: أنشر ما كتبت هنا من قصتي ومن مراحلي ومن صراعي النفسي لعله يكون مساعداً لشخص ما يقف في منتصف الطريق حائراً في إحدى المراحل التي سأذكرها
أتذكر جيداً تلك السنة كنت في الرابع الإعدادي العام في مدرسة كلية بغداد النموذجية, تلك المدرسة التي لا يدخلها إلا المتفوقين, عادة ما كنا نتفنن بمناهجنا الدراسية المحدثة والمطورة والتي تختلف عن بقية
المدارس. بصراحة أتعبنا أساتذتنا في تلك المدرسة من الواجبات الإثرائية, كنا في كل أسبوع تقريباً مطالبين ببحث حول موضوع ما نقدمه لأحد مدرسيّ المواد, في السابع من يناير كنت أنا مطالباً ببحث حول الفتوحات الإسلامية من مصادر معتمدة, ونظراً لتراكم الواجبات المدرسية والمناهج المهلكة تأخرت في كتابة بحثي حتى تم تمديده لي الى بعد العطلة الربيعية. تلك الفترة منذ السابع من يناير وحتى الثالث عشر من فبراير أتذكرها جيداً. أتذكرها لأنها كانت أكثر فترة تأثيراً في حياتي.
أردت أن يكون بحثي الذي سأقوم بتقديمه للأستاذ أحمد مدرس التاريخ كاملاً ومفصلاً لأني كنت أعاني من منافسة شرسة من قبل الطلبة الأوائل. أردت ان يثني عليّ أمام الجميع قائلاً بأن بحثك يصلح لأن ينشر في دورية مدرستنا العزيزة. بدأت في بحثي هذا منذ أول غزوة نشأت بين المسلمين وغير المسلمي, أعتمدت المنهجية العلمية وتقديم البحث والحقائق بصورة حيادية, حتى أنني لم أقم بالإشارة للـ”كفار” بهذا الأسم بل كنت أشير إليهم بـ “اللا موحدين” في بعض الأحيان أو بـ”غير المؤمنين” في أحيانٍ أخرى. أعتمدت وجهات نظر مختلفة, فقرأت من مصادر إسلامية وقرأت من مصادر مستشرقين ومن مصادر عربية أكاديمية. كنت جاداً في بحثي. وأفادني تأخير تقديمه كثيراً فتمكنت من الإطلاع على مصادر أكثر وقضيت أوقات أكبر في المكتبة المركزية لجامعة بغداد.
والأن اعتقد أنكم توقعتم ما وجدت, نعم لقد وجدت الكثير من الدماء..
لماذا سمي الإسلام بدين السلام يا ترى ؟ هل هو حقا ديناً للسلام ؟
لماذا كانت تحية الإسلام هي (السلام عليكم) ؟
ما هي البيئة التي نشأ الإسلام فيها حتى يبرر لنفسه هذه الأفعال ؟
كيف برر الإسلام لنفسه مبدأ الترس والتترس ؟
كيف تعامل الإسلام مع المناطق التي قام بغزوها ؟
ماذا لو وضعنا مقارنة حيادية بين الإحتلال البريطاني للعراق والغزو الإسلامي للدويلات ؟
لماذا قام الإسلام بحرق الكتب ومحاربة العلم حين دخل مصر ؟
كيف تم تقديم الإسلام للبلاد التي لم تكن تعرف العربية ؟
وهل من المنصف تخييرها بين الإسلام والحرب علماً أنها لا تعرف اللغة التي جاء بها دعاة الإسلام في ذلك الوقت ؟
ماذا لو كنت أنا شخصيا في إحدى تلك الدويلات ؟
بدأت تدريجياً بطرح هذه التساؤلات والإجابة عليها.. دخلت في صراع نفسي بين إنسانيتي وكرهي للدماء والقتل والإستعباد وبين حبي لله ورسوله وخلافئه
مرحلة الشلل : أنهكت نفسي كثيراً في ذلك الصراع, أردت أن تحذف تلك المصادر من على الوجود كرهت مؤلفيها كرهت نفسي كرهت بحثي كرهت كل شيء, أصبحت الأن مشلولاً لا أقوى عن الدفاع عن عقيدتي وعن ديني سوى بالإنكار
مرحلة النهوض والدفاع المستميت: في تلك المرحلة بدأت ادافع عن تلك الأفعال وأخلق التبريرات لها, كنت عنفوانياً جداً غيوراً على ديني أردت أن أفض هذا الصراع الداخلي بقبولي تلك الأفعال ولكن كان هذا أصعب من ما توقعت .. كان علي أن أبرر مئات السنين من الحروب والغزوات وسبي النساء واستعباد الأطفال وأخذ الأتاوى وأهانة أتباع بقية الديانات
مرحلة الرد بالمثل: بعد عجزي عن خلق التبريرات وعجزي عن قبول تلك الأفعال بدأت أقرأ عن الحملات الصليبية والحروب الدينية التي لم يكن الإسلام طرفاً فيها , وجدتها كثيرة وربما لا تقل بشاعة عن تاريخ الإسلام…. وهنا طرحت السؤال على نفسي : هل قامت الديانات بتقويم النواحي الأخلاقية وصنع سبيلاً للتعايش السلمي ؟ وعلى فرض أن الديانات الأخرى كانت أرضية ولم تكن منزلة من السماء فما الغرض من إنشائها ؟ وهل ينطبق هذا الغرض على الديانة الإسلامية أو الديانات الإبراهيمية ككل ؟
مرحلة المقارنة الشمولية: بدأت أنظر للموضوع بنظرة عامة بدون فواصل زمنية أو فواصل جغرافية, نظرت الى ما يحدث من أعمال إرهابية تطال المدنيين .. نظرت الى فقه الغزوات التي يقوم بها تنظيم القاعدة.. وطرحت السؤال على نفسي: هل أن الأصوليين الإسلاميين يتبعون أصول الإسلام؟ وشاءت تلك النظرة الشمولية ان تدفع بي الى غرائزي الإنسانية فوجدت الفقر ووجدت المعاناة ووجدت الكبت ووجدت المظاليم ووجدت كل شيء سلبي في الحاضر والماضي وسألت نفسي .. هل يطرح الإسلام بمنطقه الحربي حلولاً لهذه الظواهر ؟
مرحلة الرفض الجزئي: في كل تلك المراحلة التي سبق ذكرها كنت أصف نفسي بـ “مسلم”, كنت أصلي وأقرأ القرأن بشكل دوري منتظم, وكلما وقعت عيني على أحد الأيات التي تحض على القتال أحاول أن أتجاوزها وأتغاضى عنها .. حتى وجدت نفسي أنكر بعض الأيات القرأنية والنصوص المقدسة من الحديث النبوي الـ”شريف” .. أي إله هذا يا ترى من يضع نصوصاً حربية قتالية تحض على الإستشهاد والجهاد والقتل في كتاب مقدس يفترض بأن يكون دستوراً للبشرية .. دستوراً يقوم عليه النظام الحياتي لمليارات من البشر .. يحمل نصوصاً تحض على القتال ؟؟
مرحلة النظرة الثانية: تلك هي المرحلة الأصعب .. أقترحت على نفسي أن انظر الى النصوص المقدسة نظرة ثانية , وكم كان صعباً ذلك الإقتراح .. هل أعيد التفكير بكل ما كنت أؤمن بمصداقيته وصحته طوال عمري .. بررت إعادة التفكير تلك بأني ما زلت صغيراً في العمر ولو بحثت فعلاً وتحريت مصداقية النصوص المقدسة سيكون لدي متسعاً لأجد الحقيقة أو ليهديني الله , أو أن أتوب .. وكم كان هذا البحث والتحري صعباً
مرحلة النقد الأدبي: أردت أن أعامل تلك النصوص المقدسة على أنها قصيدة أو رواية ومطلوب من عندي أن ابني لها نقداً بناءاً , فوجدت المؤلف لا يستحق عناء جهدي لأنه وللأسف جاهل متواضع المعرفة متواضع التصوير والتشبيه… ومن ثم تذكرت .. أن هذا المؤلف يفترض به أن يكون الله !! .. هنا أنتهى الصراع .. بتغلب إنسانيتي وفطرتي السليمة على كل ما تحمله النصوص الإسلامية المقدسة من طرق لغسل الدماغ وإعادة برمجة المنهج التفكيري.
مرحلة النتيجة: التوصل للنتيجة كان صعباً جداً .. مريراً في نفس الوقت .. تلك النتيجة البائسة .. الإسلام ليس ديناً من عند الله !!
مرحلة البحث عن بديل: ماذا عن المسيحية ؟ لدي بعض الزملاء والأصدقاء ممن يعتنقون الديانة المسيحية ,, ولكي أختصر الزمن وأوفر على نفسي ذلك الصراع الذي عانيته … بدأت بكتب نقد المسيحية ومن هنا بدأت بإستخدام الأنترنت فوجدت أن المسلمين يقومون بنقد المسيحية ودحضها ومن ناحية أخرى يقوم المسيحيون بنقد الإسلام ودحض نبوة محمد .. فوجدت الناحية الأكثر حيادية والأكثر عقلانية تتمثل باللادينيين والملحدين .. بصراحة كنت أستخدم كلمة “ملحد” سابقا كشتيمة ولكني وجدتهم أكثر الناس عقلانية وذو فطرة سليمة وتفكير جدلي .. فما هو بديل الديانة عندهم ياترى ؟
المرحلة العلمية والتفسيرات المنطقية: من هنا بدأت اقرأ عن نظرية التطور وعن الإنفجار الكبير وعن نشوء الكون وعن نشوء الخلية الأولى قرأت كتابين لكارل ساغان مترجمين للعربية الأول كان “عالم تسكنه الشياطين” والثاني كان “بلايين وبلايين”…
مرحلة القهقهة: ضحكت على نفسي كثيراً وعلى كل ما كنت أؤمن به بدئاً من البراق الطائر وأدم وحواء والعرش الإلهي وإنتهائاً بالشياطين والملائكة والنبوءات .. كيف خنت عقلي … كيف نسيت أنني أقدر على التفكير .. كيف نسيت أنني إنسان أرفض أن يتم برمجتي .. كيف حصل ذلك يا ترى ؟
مرحلة القناعة والنشاط: بعد كل هذه المراحل أمر اليوم بمرحلة القناعة بأن لا وجود لأي إله مدعى ورغم أن هذه الفكرة قد تكون تعسفية بعض الشيء ولا يمكن أن أدحض وجود إله الربوبية ولكنني متأكد جيداً بعدم وجود الإله الأبراهيمي المدعى.. أما عن النشاط, بدأت بالدخول الى صفحات الأنترنت والكتابة فيها وكتبت بمعرف الكثير من الأسماء الوهمية وكلما شاع صيت هذا الأسم أغلقته وبدأت أكتب بأسم أخر لابد أن اوصل صوتي كي يصرخ في أذان المؤمنين والمشككين قائلاً : لديكم عقلاً يا جماعة!!!!
هكذا أنا الأن .. لم يكن إلحادي نتيجة أدلجة صهيونية ماسونية ولا برامج تنصيرية .. بل كان مجرد بحث بدأت بكتابته
نعم … حين أقول أنني تركت الإسلام عني بحث وتحري .. فأنا أعني ذلك حرفياً
منشورات ذات شعبية