ما زال الكون لغزًا كبيرًا، وما زال الإنسان يسأل ويبحث ويكتشف لكنه ما زال في بداية الطريق. ولعل هذه الأسئلة من عينة من أيتت هذه الحياة؟ ما هيتها؟ لماذا نحن هنا؟ وما هو الهدف من وجودنا؟ ماهو المعنى من الحياة؟ هي التساؤلات التي تسيطر على أذهان البشر منذ أن ظهر الإنسان العاقل وحتى يومنا هذا وستستمر الى ما لانهاية أو ينجح الإنسان في فك طلاسم الحياة والكون تمامًا.

البروفيسور ريتشارد داوكنز الحائز على لقب أهم مفكري العالم لسنة 2013 ألقى محاضرة مهمة على طلابه في الذكرى المئتين لميلاد العالم الكبير مايكل فاراداي وكان عنوان المحاضرة “نضوج فهمنا للكون عام 1991 وفي هذه المحاضرة يطوف بنا داوكنز في أرجاء الكون والحياة معتمدا على فهمه لنظرية التطور الداروينية.

ورغم أن المحاضرة تبدو أنها جرت منذ بضع سنوات إلا أنها تكشف لنا الكثير من أسرار العلم ومكتشفاته وتوضح لنا الفرق بين طريقة التفكير العلمي وطريقة التفكير الميتافيزيقي .. البروفيسور ريتشارد داوكنز كعادته يضرب بمعوله ليحطم الخرافات التي تسيطر على عقول البشر منذ آلاف السنين.

قال دوكنز: أحب أن أبدأ بأن أطلب منكم أن تضعوا أيديكم على رؤوسكم وأن تتحسسوها برفق، قد يبدو أنه من السهل جدا فعل هذا، لكني أستطيع أن أؤكد لكم أن صناعة آلة من صنع البشر لتفعل نفس الشيء سيكون من الصعب جدا تحقيقه وسيكون الثمن لصنع هذه الآلة مكلف جدا، فعندما تتحرك ذراعيك للأعلى فإن أجهزة دقيقة في عضلاتك تحدد الموضع المطلوب تماما لعضلاتك، الآلاف من النهايات الحسية في أصابعك تشعر وتتحسس النسيج الحقيقي لشعر رأسك بكل دقة، شكل أذنيك إضافة إلى شكل رأسك بالكامل، دماغك يقيس عرض رأسك أو جمجمتك بدقة، لو أن معمل من صنع الإنسان أنتج آلة أو ذراع لإنسان آلي قادرة أن تفعل كل هذا سيكلف هذا مئات الملايين من الدولارات، الآن فكر في ماهو بين يديك التي على رأسك، دماغك، الدماغ هو نوع من الكمبيوتر لكن ليس مثل الكمبيوترات التي تنُتج في معامل من صنع البشر، لو نجحنا يوما ما وأنتجنا كمبيوتر بنفس كفاءة الدماغ البشري، فالتخمين المادي لكلفة البحث والتطوير لإنجاز هذا سيكون تقديره  بمليارات الدولارات.

رؤوس وأدمغة وأيادي مثل التي تملكها تنُتج ملايين المرات بشكل يومي،  فالمرأءة قادرة على إنتاجها بدون بحوث ومعامل، وبتطوير يستغرق تسعة أشهر، وفقط مع مساعدة بسيطة من صديق. الحياة تجعل من عجائب التكنولوجيا تبدو أشياء عادية، فمن أين أتت هذه الحياة؟ ماهيتها؟ لماذا نحن هنا؟ وما هو هدف وجودنا؟ ما هو المعنى من الحياة؟ هناك حكمة تقليدية تقول أن العلم لا يملك أية أجوبة لهذه الأسئلة، كل ما أستطيع قوله هو إذا العلم لا يجيب عليها فمن المؤكد أن أي جهة أخرى لن تجيب عليها على الإطلاق. لكن في الحقيقة العلم له باع طويل ليجيب على أسئلة كهذه، وهذا ما سنوضحه في محاضراتنا الخمسة هذه، الحياة نشأت ونمت في الكون بطريقة تدريجية “التطور” ونحن أيضا نضجنا في فهمنا لأصولنا ومعنانا.

مجلة الملحدين العرب: العدد التاسع / شهر أغسطس / 2013