أحد أصدقائي المسلمين ممن يعلمون بأنني أكتب في هذه المدونة سألني يوماً ما, ألا تخاف من الله وعذاب النار. بصراحة ترددت في الإجابة, فوقعت في حيرة من الإجابة بنعم نظراً لكل ما أحمله من الأدلجة السابقة والترهيب الطفولي الذي عانيته حينما كنت صغيراً وكل الأقاويل والأساطير حول شدة حرارة النار وعذابها الأبدي. وبين الإجابة بلا, نظراً لقرائتي وقناعتي بعدم وجود أي إله وإستحالة وجود الإله الإسلامي أو الإله الإبراهيمي. وعلى الرغم من حيرتي – التي لم تدم في الحقيقة إلا سوى بضعة ثواني – وددت بصدق أن أفكر ملياً بموضوع النار والجحيم وشجرة الزقوم وهل إمتلئتي فتقول هل من مزيد.
لماذا؟
حسناً, النار.. العذاب الأبدي.. شجرة الزقوم.. الجلود التي تتبدل.. في النار خالدين فيها أبداً. ما المشاكل المنطقية فيهم؟ أو بالأحرى من أين أبدأ؟ أولاً سؤال مباشر: لماذا؟ ألم يكن الله يعلم بما سأفعل قبل خلقي ؟ ألم يكن الله متحكماً بكل شيئ في حياتي؟ ألم يكن متحكماً فيَّ أنا شخصياً؟ .. تخيل السيناريو التالي, لنقل أن حسن يقف على حافة جبل, ويقف وراءه أحمد ويقف وراء أحمد الأستاذ جبار. لو قام الأستاذ جبار بدفع السيد أحمد ناحية حسن (الذي يقف على حافة الجبل) مما أدى لسقوط حسن وموته. ولنقل أن جبار هذا كان متعمداً في قتل حسن. من الملام؟ هل هو جبار أم أحمد ؟
بنفس الطريقة يمكننا القول بأن الملام على أخطائي (إن كان لدي أخطاء) فهو الله وليس أنا. وذلك إن قمنا بمعالجة الأمر من المنظور الديني, إذ أن الله هو الذي خلق كل شيء, هو من أعد كل شيء, هو القادر على كل شيء, وغيرها من الصفات المطلقة. فلماذا سيحاسبني؟
يمكن صياغة هذه الحجة كالتالي:
- الله هو المسؤول عن كل شيء مخلوق من أكبرها الى أصغرها ومن أقلها وعياً الى أكثرها حكمة.
- إذن هو المسؤول عن كل ما سيفعله البشر يوماً ما.
كيف؟
سؤال أخر نبدأ به وهو: كيف؟ فعلاً أتساءل بصدق لماذا أختار الله النار حصراً للتعذيب بها؟ فقد قرأت ذات مرة مذكرات موظف في الأمن الحكومي للنظام الصدامي البعثي الذي كان يحكم العراق, وأتذكر أنه قال بأن هناك طرقاً عديدة لتعذيب السجناء ويعتبر الكوي بالنار أحدها ولكنه ليس أهمها. بل على عكس المتوقع فأن أكثر أنواع التعذيب مرارة هو التعذيب النفسي والإرهاق الدماغي. ويذكر المؤلف في أحد السطور بأن إدخال السجين في غرفة تشع باللون الأحمر يعتبر – على عكس المتوقع – أقسى أنواع التعذيب. أتكلم هنا عن خبراء التعذيب, ممن لهم تجربة في هذا المجال تفوق الثلاثين سنة.
ولكن بغض النظر عن جهاز الأمن الحكومي, نحن نتكلم عن الله. أليست هناك طريقة ما للتعذيب أكثر قسوة من النار؟ بوسعي أن أفكر أنا شخصياً بطرق أكثر قسوة. فمثلاً النار والثلج بشكل متتالي. أو التعذيب النفسي أو غير ذلك من الطرق الفيزيائية والطاقوية. ولكني لم أجد سبباً الى الأن لإختيار النار عوضاً عن جميع الطرق الأخرى.
ضراوة حرارة النار
بالطبع, نتوقع من شخص جاهل كان يعيش في صحراء يرعى الغنم, أن يرهب أصحابه من عذاب النار بتضخيم حجمها وشدة حرارتها. في الحقيقة, لو سألت أي شخص يمشي في الشارع, ما هي درجة حرارة نار جهنم, لرد عليك قائلاً بأنها أكثر حرارة من أي نار في هذا الكون. وهنا أنا أسأل, كم على مقياس الفهرنهايت؟
حسناً كي لا أطيل عليكم, حينما تزداد درجة حرارة نار ما الى ما يبلغ الـ 1000 فهرنهايت فهي لا تحرق المادة العضوية, بل تفجرها. أي أن الله لن يتوجب عليه تبديل جلودنا فقط, بل سيحتاج الى بعثنا أيضاً من جديد, وربما ينفخ في الصور من جديد.
شاهد هذا الفيديو على سبيل المثال: (علماً أنه لنار دنيوية وليست نار أخروية):
عتبة الألم في الدماغ:
مشكلة أخرى في النار وهي عتبة الألم. عتبة الألم هي الحد الأدنى من التأثير الذي يقوم العصب بنقله الى الدماغ كي يتم إنتقاءه على أنه ألم لكي يشعر به الشخص. فمثلاً, وخزة الإبرة إن كانت أدنى من عتبة الألم, لن تشعر بها. وإن كانت أعلى, ستشعر بها. ولكن عتبة الألم هي أمر متغير وليس ثابتاً. إذ تجدها لدى بعض الأشخاص (خريجي السجون على سبيل المثال) قد إرتفعت فهناك ما لا يشعرون به على أنه ألم. وتجدها لدى البعض الأخر (حبايب بابا وماما) قليلة جداً إذ تؤثر بهم أقل درجة حرارة. وبما أننا سنحترق بإستمرار فعتبة الألم لدينا سترتفع الى حد كبير ولا يمكن معالجة الأمر بمجرد تبديل جلودنا.
قانون : All or none
كوني أمتهن مهنة الطب, فأنا على دراية واسعة بهذا القانون. بالمختصر وبكلمات واضحة, هذا قانون يبين لنا أننا إذا أحترقت القطعة ذو المساحة X من يدنا فسنشعر بنفس مقدار الألم إذا أحترقت القطعة ذو المساحة Y. فلماذا سيحرق الله جلودنا وأجسادنا بكاملها إن كان بإمكانه أن يحصل على نفس النتيجة بمجرد أن يحرق إصبع واحد؟
مجرم تاريخي
والأن تخيل معي. أن عسكرياً نازياً من أتباع هتلر (محبوب العرب) قام بحرق مئة ألف شخص من بينهم الشيوخ والنساء والأطفال وتركهم ليموتوا محترقين. هل ستسأل هذا الشخص النازي المجرم ما هي جريمة هؤلاء الضحايا؟ ببساطة عزيزي, (إن كنت إنساناً عادياً وليس أحد أفراد النازية أو الجماعات الإرهابية) لن تسأله بل ستعد هذا الشخص مجرماً بغض النظر عن خطيئة الضحايا. والأن تخيل معي أن هذا الشخص طلب منك أن تسميه الرحمن الرحيم غصباً عنك. وإن لم تدعوه بهذه الصفات فسيكون مصيرك نفس مصير هؤلاء. تخيل أنه لم يقوم بحرق مئة ألفو بل حرق مليون, تخيل أنه حرق مليار, تخيل أنه حرقهم لأبدية وتركهم ليحترقوا وكل ما إقترب أحدهم من الموت قام هذا الشخص النازي بإعادة إحياءه بطريقة ما ليحترق مرة أخرى وللمزيد من الوقت. تخيل .. فقط تخيل .. وبالتأكيد أنت تعلم عن من أتحدث. فهل يستحق هذا المجرم أن تتبعه وتعبده وتسير حياتك بأكلمها لإرضاءه؟
منشورات ذات شعبية