أسئلة جريئة: هل الخوف من الموت يجعلنا نؤمن بالله؟

ماهو الموت؟ وهل هناك حياة بعد الموت؟ ٌسؤال يتكرر في الكثير من الرسائل التي تصلني، وأعتقد بأنهُ أول الأسئلة التي شغلت بالي عندما كنتُ طفًلًا صغيرًا يسكن بالقرب من أكبر وأقدم مقبرة في بغداد. عندما ينشأ الطفل في مجتمع ثقافتهُ تتمحور حول الموت وما بعدَ الموت، يبدو التفكير بالحياة شكل من أشكال الشذوذ فقط. كل شء يجب أن يتمحور حول لحظة الموت وكيفية تخطيِّ زفراتِ الموت والنفاذ من فتحة القبر إلى الحياةِ الأخرى التي تنتظرنا جميعًا. فماهو الموت ،وهل هناك حياة أخرى بعد الموت؟

منذ آلاف السنين والأديان جميعها بلا استثناء تقرع للإنسان طبول الموت. من أكث هذه الطبول انتشارًا رغم سذاجتها هي علامات الساعة وإشارات نهاية الزمان التي كما يبدو موجودة في كل عصر وزمان ولا يكاد يخلو أي دين منها .الناس تصدق بسهولة أنها تعيش في آخر الزمان لسبب بسيط وهو تلك الرغبة الدفينة بأن نكون شهودًا على الأشياء التي نعتقد بها كي نتأكد بأنفسنا منها. ولأنهُ لايوجد للزمان نهاية لهذا لاتظهر سُلطة الآلهة في جميع الأديان إلا في قصص مابعد الموت وتختبئ خلف خوف الإنسان من المجهول والعجزِ عن البقاء. الخوف من الموت دفع الإنسان ويدفعهُ لاختراع قصص غنية بالخيال عن الموت والحياة مابعد الموت والتي فيها سيكون له تمامًا كل مايريد، ليس هذا فحسب بل ستكون الحياة مابعد الموت أبدية بلانهاية أو انقضاء.

هل الخوف من الموت يجعلنا نؤمن بالله؟

نستطيع أن نلُاحظ بكل وضوح بأن البيئة التي ينشأ فيها أي دين تؤثر بشكل مباشر على الحياة مابعد الموت التي يصفها ذلك الدين وكأنهَّا صورة معكوسة تمامًا للحياة قبل الموت. فإذا كان الدين نشأ في بيئة باردة أو مُظلمة نسبيًا كما في بلدان الشمال تصُبح الأبدية مليئة بالدفء والشمس المشرقة أو حتى عدة شموس. وإذا كان الدين نشأ في بيئة صحراوية ساخنة تصُبح الجنة وكأنهَّا حديقة دائمة الخضرة مليئة بسواقي المياه العذبة والأنهار والظل الوفير. القاسم المشترك في قصص كل الأديان أن الإنسان لايحتاج للكفاح من أجل لقمةِ عيشهِ بعد الموت، وهذا أكث شء يقُلق أي كائن حي بشكل عام لأنهُ يعيش حياتهُ يكُافح ويجوع حتى يحصل على الغذاء المطلوب لبقائه، أما بعد الموت فإن الحاجة للطعام غير موجودة وإن وُجدت فإن الطعام متوفر للجميع وبدون أي جهد حتى. وهكذا تستمر سلسلة صورة الحياة التي نعيشها بما يعُاكسها في الآخرة لدرجة أننا لو رغبنا بمعرفة الصورة المثالية للجنة الموعودة في أي دين، فعلينا فقط عكس شروط الحياة في البيئة التي وُلد فيها هذا الدين وسنُشاهد تطابقُ الجنة الموعودة مع هذه الشروط.

فماهو الموت إذًا وأين يذهب الإنسان بعد الموت؟

كي نفهم الموت يجب أن نفهم ماهية الحياة؟ الحياة هي الصفة التي نطُلقها على الكائناتِ القادرةِ على ممارسة النشاطات الحيوية الثلاثة وهي القدرة على التكاثر والتمثيل الغذائي والتفاعل مع المحيط الخارجي. الفيروسات على سبيل المثال لاتعُتبر كائنات حية لأنها عاجزة عن التكاثر والتمثيل الغذائي خارج الكائن الذي تتطفل عليه. أي كائن يفتقد القدرة على ممارسة هذه النشاطات الثلاثة يفقد القدرة على الحياة ،وهذا ما نطُلق عليه نحن البشر إسم الموت. أين تذهب الكائنات التي تموت؟ أين تذهب المليارات من البكتيريا التي تموت في أجسادنا عندما نتناول جرعة المضادات الحيوية؟ أين ذهبت الجزرة التي شربتَ عصيرها السنة الماضية والتفاحة التي قضمها نابليون بونابرت قبل 200 عام؟ أين ذهبت كل الأشياء التي كانت حية يومًا ما واليوم غير موجودة؟ في الحقيقة لايذهب الكائن الميت لأي مكان لأنهُ بموتهِ فقدَ القدرة على التفاعل مع المحيط الخارجي فلا يستطيع أن يتنقل فيه أو يتجاوزهُ، بل يبقى كجزء لايتجزأَّ منه كي يتحلل فيه تدريجيًا إلى مكوناتهِ الأولية التي يتألفَّ منها.

هل الخوف من الموت يجعلنا نؤمن بالله؟

لكن ماذا لو كان هناك شء بعد الموت؟ ماذا لو اكتشفنا وجود الله؟ بعبارة أخرى يقول من يؤمن بوجود الله أو حياة أخرى بعد الموت فقط لأنهُ خائف من الموت بأنهُ مهما كانت احتمالية وجود الله صغيرة فمن الأسلم تصديقها خير من الموت واكتشاف وجوده بعد فوات الأوان. المشكلة هنا أن

احتمال وجود الله أو الجنة أو الجحيم لايختلف عن احتمال وجود إله للجزر أو التفاح أو البكتيريا التي نقتـُلها بالملايين كل يوم. كل مايمنع أن يكون الله عبارة عن بكتيريا أو تفاحة عملاقة ستنتقم من البشر لأنهم يقتلون خلائقها المفضلة هي أننا نعتقد بأن الله يشُبهنا، وأفكاره تشبه أفكارنا وبأنهُ من دون كل الكائنات الأخرى يمتلك مشاعر خاصة تجاهنا لدرجة أنهُ لايهتم لموت مليارات البكتيريا والتفاح والجزر كل يوم لكنهُ يهتم بموتنا فقط. من هنا يتضح أن الله ليس سوى فكرة من أفكارنا التي أوجدناها خوفاً من الموت مايلبث أن يختفي مع اختفاء أفكارنا جميعًا لحظة الموت. إن اعتقادنا بوجود الله قبل أن نموت لايعني بأن الله موجود هناك بعد أن نموت. كذلك فإن اعتقادنا بوجودِ حياةٍ أبديةٍ حيث تتحقق الأمُنيات والعدالة الكونية، لايعني أن هناك حياة أبدية أو عدالة كونية حقيقية. الإنسان الناضج عقليًا يقبل ولو على مضض شروط الحياة هذهِ التي وجدنا أنفسنا فيها وإن كانت غير عادلة بعض الأحيان، لأنها الحياة الحقيقية الوحيدة التي نملكُها ولم ولن نملك أي حياة غيرها. ولأنها الحياة الوحيدة التي نملكُها فعلينا أن نسعى للعيش بسلام والابتعاد عن الشقاء والألم قدر الإمكان .

هل الخوف من الموت يجعلنا نؤمن بالله؟

إذًا لماذا نخاف من الموت إذا كان شيئاً طبيعيًا جدًا؟

لماذا نستسلم للخوف الذي يجعلنُا نتصرف بصورة غريزية ونصُدق أشياء غريبة في محاولة يائسة للتخلص من الموت الذي يثُير فينا الرعب؟ الجواب ببساطة هو أن الاعتقاد بالحياة الأبدية هو شكل من الأفكار الرغبويةَّ، نصدقهُ فقط لأننا نرغب في أن يكون حقيقة. نرغب أن في نعيش مع أحبابِـنا وأطفالنِا وأهلِنا دون ألم أو مرض أو خوف. نرغب في أن تتحقق العدالة المطلقة والمظلوم يسترد حقوقه، لكن هل رغبتنا كافية كي يكون مانتمنَّاه حقيقيًا؟ الحقيقة هي أننا لم ولن نتخلص من الموت… حتى لو اعتقدنا بالحياة الأبدية. جميعنا على الإطلاق سنموت حتى لو اعتقدنا بأننا سنتحول إلى ذرات من الفحم تحوم في العدم إلى الأبد. سنموت وستموت أفكارنا وأحلامنا ومُعتقداتنا معنا، وسنعود إلى حيث كنا قبل أن نكون. سنعود لنفس المكان الذي كنا فيه عندما كانت الديناصورات تتجول على الأرض.. هل تذكر أين كنت حينها؟ تمامًا… بكل بساطة لم نكن موجودين.. ولن نكون موجودين بعد أن نموت. فالموت رغم كل شء ليس سوى جزءًا طبيعيًا جدًا كما هو الميلاد والمسافة الكامنة بين الاثنين هي الحياة الوحيدة التي تملكها. أنت فقط من يقرر ما إذا كنت ستقضيها خائًفًا من نهايتها الطبيعية أو أن تعيشها كفرصة استثنائية لاتتكرر في كل هذا الكون الميت من حولنا. فعِش بسلام وتمتع بحياتك بدًلًا من أن تقضيها خائًفًا من شءٍ طبيعيٍ جدًا كالموت، طبيعي كموت التفاحة التي أقضِمُها الآن.

مجلة الملحدين العرب: العدد العاشر / شهر سيبتمبر / 2013