الإلحاد قيمه وإيماناته
علينا أن نوضح أمراً, لطالما وقع المؤمنون في خطأ نسب صفات أو إيمانات أو إعتقادات على الملحد. عزيزي المؤمن, الملحد – على العكس من ما إعتدت عليه – لا ينتمي لأي ديانة, والإلحاد بمعناه المجرد ليس ديانة, كما يكون الرجل الأصلع ليس ذو لون لشعره, أو كما يكون التلفاز ليس على قناة محددة حين يكون مطفئاً,فالإلحاد ليس ديانة. الإلحاد أو اللادينية بمعناهما المجرد, هو موقف سلبي لا يحتمل أن تضع فوقه معنى أخر عدا عدم الإيمان بوجود الإله أو عدم الإيمان بصحة الأديان. الملحد هو شخص لا يؤمن بوجود إله,الملحد ليس شخصاً مؤمناً بعدم وجود إله.وهذا هو الفرق بين الموقف السلبي والإيجابي.
حينما تنسب أخلاقيات أو إيمانات معينة لشخص ملحد تكون قد وقعت في مغالطة منطقية لا مخرج لك منها, فالملحد لا يشترط به أن يكون ذوقيم أخلاقية عالية (بمعيار مجتمع معين) كما لا يشترط أن يكون ذو قيم أخلاقية متدنية أو عديم القيم الأخلاقية.
مسألة الأخلاقيات يحددها الموروث الثقافي وما إكتسبه الفرد من خلال تجربته وبمجرد تأمل لحظي وبمساعدة الدماغ المتطور للإنسان يمكن للفرد أن يميز العواقب المترتبة على فعل ما (كالسرقة أو الإغتصاب) وأن يحدد ما إن كان هذا الفعل يعد أمراً أخلاقياً أم لا ضمن المعايير التي حددها له مجتمعه مسبقاً. وقد تجد أمراً يعد من أسمى الأفعال أخلاقياً لدى الملحدين والمؤمنين في مجتمع ما,ولربما تجد نفس الفعل يعد من أدنى الأفعال أخلاقياً لدى الملحدين والمؤمنين في مجتمع أخر. نعم, هنالك من الملحدين من يثور على ما يسود عليه مجتمعه, ولكنك قد تجد من هؤلاء الثوار مؤمنين أيضاً.
حول نظرية التطور والداروينية الإجتماعية
كما ذكرنا في الأعلى, الإلحاد لا يمكن تصنيفه كديانة ولا يمكن لك أن تضع فوقه صفات أكثر من عدم الإيمان بوجود إله. ومن هذا المنطلق, يمكن لك أن تفهم خطأك في إفتراض أن جميع الملحدين يعتقدون بصحة نظرية التطور.
نظرية التطور نظرية علمية أصيلة, يقام على أساسها علم البيولوجيا بكامله,ليس لها علاقة بالإلحاد سوى أنها تضع تفسيراً يقع خارج القوالب الدينية والإلهية والميتافيزيقيا بشكل عام لوجود التنوع الهائل من الكائنات الحية ومن ضمنها الإنسان. بالطبع, تجد في هذا التفسير ما يتناقض وبشكل واضح مع التفاسير والقصص الدينية, ولكن إفتراض أن جميع الملحدين يعتقدون بصحة هذه النظرية يكذبه التالي:
- أن الإلحاد أقدم عمراً – بكثير جداً – من هذه النظرية
- كما يكذبه وجود الكثير من المؤمنين ممن يعتقدون بصحتها, حتى أن بعض المؤمنين تجده مدافعاً شرساً عن هذه النظرية يقيم لها الحجج ويؤكد صحتها (مثل كينيث ميلر Kenneth Miller)
سبب التعلق الذي تجده لدى ملحدي اليوم بنظرية التطور هو أنها وفرت ذلك التفسير الذي يقع خارج القوالب الميتافيزيقية لسؤال حير البشرية منذ نشوؤها: من أين أتينا؟ وسبب التهجم على هذه النظرية من قبل المؤمنين هو أنهم يجدون فيها تناقضاً واضحاً مع ما أتى به الدين ولربما يودون لعب دور المهاجم بدلاً من المدافع.
ولكن كعادة النظريات العلمية كلها, لا تهتم نظرية التطور برأي الدين أو رأي الأغلبية من البشر, ويبقى للحقيقة والأدلة كلام أخر.
الداروينية الإجتماعية
نظرية التطور هي نظرية علمية وليست منظومة أخلاقية (على الرغم من أنها تفسر وجود المنظومات الأخلاقية) فالإقرار بصحتها لا يشترط أخذها كـ “إسلوب حياة” يقيم الفرد عليه أخلاقياته. بغض النظر عن صحتها أو خطأها, إن قمت بتبني الداروينية الإجتماعية كأسلوب حياة وأخذت تفتك بالبشرية سيحاسبك القانون ويعدك مجرماً.
مثال على ذلك, معرفتك بأن التفاعلات الذرية تولد طاقة كبيرة جداً وإقرارك بهذه الحقيقة لا يحتم عليك صناعة القنابل.
نظرية التطور توفر تفسيرات جيدة جداً لمقاومة البكتريا للمضادات الحيوية واليوم تعد واحدة من النظريات المفيدة جداً في المنظور الطبي. فعلى عكس ما تتوقع, نظرية التطور تساعدنا في تحسين حالة المرضى وليس قتلهم. (راجع أبحاث Randolph Nesse في مجال الطب البشري وعلاقته بنظرية التطور البيولوجي)
جرائم الملحدين من هتلر وستالين وأخرون
بعيداً عن مدى صحة إدعاءك أن هتلر كان ملحداً, لم يقم هتلر بأعماله بإسم الإلحاد أو لأنه كان يعتقد بعدم وجود إله. والطريف في الأمر أنه كان على مقربة من العرب وكان هناك ما يعرف بـ مفتي هتلر (الحاج أمين الحسيني المفتي العام للقدس والمهندس الديني للهولوكوست)
للمزيد حول علاقة النازية بالمسلمين والعرب راجع الموضوع التالي على ويكيبيديا http://en.wikipedia.org/wiki/Relations_between_Nazi_Germany_and_the_Arab_world
http://en.wikipedia.org/wiki/Haj_Amin_al-Husseini
بعيداً عن هذه المهاترات, مجرد إدعاء أن الملحد قام بجرائمه لأنه ملحد هو مغالطة منطقية بحد ذاتها. تذكر أن الإلحاد موقف سلبي وليس إيجابي, وشاهد هذا التتابع الذي يشابه في مغالطته ما تقوم به أنت:
- أنت لا تؤمن بوجود وحش الإسباغيتي الطائر
- من ينكر وجود وحش الإسباغيتي الطائر نسميه “منكر”
- جميع مجرمي الحرب والدكتاتورين والسراق والمغتصبين وكل من حمل السلاح على مر التاريخ كان لا يؤمن بوجود وحش الإسباغيتي الطائر, لذا فهم جميعاً “منكرين”
- نجد من هذا أن “المنكرين” هم فئة كبيرة جداً من المجرمين تنسب اليهم جميع الجرائم على مر التاريخ
- أنت ضمن فئة “المنكرين”
- أنت خطر على البشرية
لاحظ أن عدم الإيمان بوجود وحش الإسباغيتي الطائر هو موقف سلبي وليس إيجابي. لاحظ أن جميع المجرمين الذي تم تصنيفهم في فئة “المنكرين” لم يقوموا بأعمالهم لمجرد عدم إيمانهم بوجود وحش الإسباغيتي الطائر. وتأمل يرعاك الله.
منشورات ذات شعبية