ضيفنا المميز لهذا العدد من المجلة هو مؤسس جمعية المُتشكّك The Skeptic Society، ومؤسس مجلة المُتشكّك The Skeptic Magazine، وهو مُختصٌ في علم النفس، وفي تاريخ العلوم أيضًا. إنه الدكتور مايكل شيرمر Michael Shermer. بالإضافة إلى ما سبق، لديه عمودٌ ثابتٌ في مجلة «العلمي الأمريكي Scientific American»، وبشكلٍ مثيرٍ للاهتمام علمنّا أنه كان مسيحيّا أصوليّا يومًا ما حتى أصبح لاحقًا ملحداً بعد دراسته الأكاديمية.
الدكتور مايكل شيرمر لديه درجة بكالوريوس في علم النفس، ودرجة الماجستير في علوم النفس التطبيقية، بالإضافة إلى دكتوراه في تاريخ العلوم. درَّس في جامعة Occidental College وجامعة Claremont Graduate University والآن هو زميل رئاسيّ في جامعة Chapman University.
بالإضافة إلى كونه محرر مجلة المُتشكّك Skeptic Magazine قام شيرمر بكتابة العديد من الكتب المهمّة التي أثرت مكتبات قُرائها بشدّة ومنها – على سبيل الذكر لا الحصر: «لماذا يهمُّنا دارون Why Darwin Matters» و«العلم وراء الخير والشر The Science of Good and Evil» و«لماذا يؤمن النّاس بالأمور الغريبة Why People Believe in Weird Things» و«الدّماغ المؤمن The Believing Brain». أما كتابه الجديد «القوس الأخلاقي The Moral Arc» فسيصدر في العشرين من الشّهر الحالي.
دكتور شيرمر، نعتذر عن هذه المقدمة المتواضعة. بدايةً نحن مُهتمّون بكتابك الجديد «القوس الأخلاقي The Moral Arc» فهلاّ أعطيتنا نبذةً مختصرةً عن فحوى الكتاب؟
نعيش اليوم أكثر الفترات أخلاقيةً في تاريخ جنسنا البشري؛ منذ أن شهدنا عصر العقلانية ومفكّري عصر التنوير حينما قاموا بتطبيق الأساليب العلمية في حل المشكلات الاجتماعية والأخلاقية بشكل واعٍ. في كتابي أناقش كيف أنّ طرق العلم التّجريبية والتفكير التحليلي خلقت عالمنا المُعاصر بقيمه الليبراليّة الدّيمقراطية، والحقوق والحريات المدنية والمساواة والعدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى القوانين والدساتير بشكلها المعاصر وفتح الحدود الاقتصادية والسياسية، والأسواق والعقول الحرة. وازدهارٌ مثل هذا لم يتمتع به الجنس البشريّ منذ أي وقتٍ مضى، وبشكلٍ يدعو للتفاؤل يحصل الكثير من الناس على المزيد من الحقوق والحريات والتعليم والازدهار.
نشأ أغلبنا في بيئة دينية، وكان هذا عاملًا جدّ مؤثرٍ في حياتنا التي قضينا شطرًا كبيرًا منها ونحن مؤمنين. ما الذي يمكنك أن تخبرنا به عن خلفيتك الدينية والبيئة التي نشأت بها؟
لم يكن والدايَ متدينين؛ ولم يكن لديهما ما هو ضد الدين، فلم أرَ الدين يظهر كموضوعٍ عائليٍّ لدينا، دخلت في حركة تبشيرية في المدرسة الثانوية متأثرًا بأقراني، أخذت كل شيءٍ على محمل الجد، حتى سجّلت في جامعة ببردين Pepperdine University – وهي مدرسة دينية تابعة للكنيسة – وكنت أنوي التخصّص في علم اللاهوت وأن أحصل على درجة الدكتوراه فيه لأصبح لاهوتياًّ محترفا. لكني لم أكن على استعداد لإتقان اللغة العبرية واليونانية والآرامية واللاتينية، لذا قمت باختيار تخصّصٍ آخر وحينها اكتشفت العلم، أمّا اهتماماتي الأخرى فأصبحت تاريخاً منسياَّ بعد سبعة أعوام من ممارسة المسيحية.
بحَسب ما علمناه عن حضرتك، حصل تحوّلكَ من المسحية إلى الإلحاد خلال دراستك الجامعية؛ ما الذي يمكنك ان تخبرنا به عن هذه التجربة؟
لقد كنت محاطًا بالعلماء والطلاب بشكلٍ أساسي، ولم يكن أيُّ أحدٍ منهم متديناً؛ كما لم يكونوا ضد أي دين. موضوع الدين من عدمه لم يكن مهمًا هناك، ولم يأتي له ذكر، لذلك أدركت أنه بإمكان المرء أن يعيش حياةً غنيةً ذات معنى من دون الدين. وبدأت أدرس ادعاءات الديانة المسيحية من وجهة نظر العلم، إذ جعلتها تحت ضوءٍ ساطع من المنهج والطريقة العلمية.
لا بدَّ أنَّ تحوّلك من المسيحية إلى الإلحاد كان أمرًا صادمًا في البداية، كيف أثّر ذلك التحوّل على حياتك الشخصية مع العائلة والأصدقاء؟
لقد تخلّيت عن الدّين بشكلٍ صامتٍ وهادئ ولم أجعل للأمر ضجة كبيرة لأي أحد، ولا أعتقد أنَّ أيَّ أحدٍ اهتم فعلًا بهذا التحول عدا عائلتي اللذين كانوا مرتاحين في الحقيقة؛ فقد توقفت أخيرًا «شهاداتي» المستمرة حول يسوع المسيح، والتي لم تكن في الواقع إلا مواعظ أصبحت مزعجة وكريهة بعد فترة.
أيٌّ من المؤلفين والكتب أثر على حياتك؟ وأيُّ كتبٍ ومؤلفين معاصرين تنصح بهم لقرائنا؟
لقد أثّر كلٌ من «كارل ساغان Carl Sagan» و«ستيفن جاي غولد Steven Jay Gould» على تطوّري المعرفي. اليوم، أنا أنصح بقراءة كتب «سام هاريس Sam Harris» و«ريتشارد داوكنز Richard Dawkins» و«ستيفن بينكر Stephen Pinker» و«ليونارد مولدينوف Leonard Mlodinow» و«كارل تافريس Carl Tavris» و«جون كاراكور Jon Krakauer» وآخرين.
دكتور شيرمر شخصٌ نشطٌ وبارز، نجده يتردّد على الكثير من النّشاطات والاجتماعات مُعنونًاً نفسه بمصطلح «مُتشكّك». هل يمكنك ان تشارك قراءَنا بمعلوماتك القيّمة عن معنى هذا المصطلح؟ وما الحاجة إلى التشكّكية؟
التشكّكية Skepticism هي تطبيق المنهجيات العلمية والمنطقية على أيِّ ادعاءٍ بل على جميع الادّعاءات، بلا أيِّ استثناء، ومنها القيم الأخلاقية وأظهرتُ ذلك بوضوح في كتابي «القوس الأخلاقي The Moral Arc». فالتشكّكية هي في الحقيقة ليست سوى علماء يطلبون أدلةً على الادّعاءات، فتبدأ الادّعاءات بـ «الفرضية الفارغة Null Hypothesis» أي أن جميع ادّعاءاتك باطلة حتى تثبت عكس ذلك، وعبء الإثبات يقع على المدَّعي لكي يثبت ما يدَّعيه ولا يقع على المتشكّك إثبات خطأ الادّعاء. فإن كنت تدَّعي وجود حيواناتٍ أسطوريةٍ أو كائناتٍ فضائية، لا بأس، كل ما عليك فعله إثبات وجودها.
حضرتك مؤلفٌ غزير الإنتاج، ولديك قائمةٌ من الكتب الناجحة التي تحمل اسمك، فضلًا عن نشاطاتك الأخرى، كالمحاضرات التي تلقيها، والخطابات التي تُنشر لك على الشبكة العنكبوتية في اجتماعاتٍ مختلفة. هل تطرقّت في أيٍّ من هذه النشاطات العديدة إلى الإسلام كدين أو إلى بعضٍ من تعاليمه؟ وهل سبق لك أن ناقشت المسلمين؟ وهل واجهت انتقادًا من منظماتٍ مسلمة أو أكاديميين مسلمين؟
لم أتحدَّث كثيرًا فيما يخصّ الإسلام، ويعود السبب الأساسي في ذلك إلى كوني لا أعرف حقًا الكثير عنه. ولكن آخرون – كسام هاريس – لديهم دراسة متعمّقة فيما يخص الإسلام ولا يبدو لي أنهم مقصّرين في عملهم. لقد خصَّصتُ فصلًا كاملًا في كتاب «القوس الأخلاقي The Moral Arc» عن الأخلاقيات الدينية وتحدثت بشكلٍ أساسيٍّ عن اليهودية والمسيحية، لكونهما الديانتان الأكثر تأثيرًا في الغرب، وحاججت أنَّ قيمنا الأخلاقية الحالية أتت من عصر التنوير مُشيرًا إلى القيم العلمانية كالمنطق والعلم. كان عليَّ أن أتعامل مع الادّعاء القائل بأنَّ قيمنا الأخلاقية الحالية مصدرها الأديان وتعرضّت بشكلٍ قليل إلى الإسلام، ولكن لم أتطرّق للكثيرٍ من التفاصيل كما فعل آخرون.
الإسلام عقيدةٌ، وحاله كحال الكثير من العقائد الأخرى في رمي نموذجه الديني حول خلق الإنسان ونشأة الحياة (فرضية الخلق). ولكن إضافةً إلى ذلك، لدينا في الإسلام بعضًا من دعاة الدين الذين يعتنقون الاكتشافات العلمية وينسبونها إلى القرآن كإعجاز علمي. وفي بعض الأحيان نجد أن هذه العملية صحيحة حتى بالنسبة لنظرية الانفجار الكبير ونظرية التطور الداروني، ما رأيك حول ذلك؟
الادّعاءات الدّينية حيال العالم الطبيعي لا أهميّة لها، فالطّبيعة هي ما هي عليه سواءَ كان ذلك مماثلًا لما نعتقد أم لا، أعجبنا ذلك أم لا. بعض الأحيان، تأتي ادّعاءات الأديان صحيحة إلى درجةٍ ما حول العالم الطبيعي – وفي معظم الأحيان يكون ذلك عن طريق الصدفة أو التجربة والخطأ؛ وغالبًا ما تكون ادّعاءاتهم خاطئة. وعلى أية حال، فإن هذه الادّعاءات والمصادفات لا تهم، فلا نجد في الأديان طريقةً منهجيةً لتحديد ما هو صحيح وما هو خاطئ حول العالم الطبيعي، لذا يجب علينا أن نتجاهل هذه الأمور الدينية تمامًا كطريقةٍ في التفكير.
في كتابك «كيف نؤمن How We Believe» تحدثت عن مصطلحين وأشرت إلى أهميتهما في معرفة أسباب لجوء الإنسان إلى الإيمان بالغيبيات، وهما «النمطية Patternicity» و«العاملية Agenticity»، فهلَا قدمت لنا نبذةً عن هذين المصطلحين؟
النمطية Patternicity: وهي الميل إلى إيجاد أنماطٍ ذات معنى في ضوضاء قد يكون لها معنى أو قد تخلوا من أيِّ معنى. على نحوٍ تقليدي، عدَّ العلماء النمطية على أنها خطأٌ في الإدراك. وهناك نوعين من الخطأ؛ النوع الأول Type I Error (إيجابية زائفة False Positive) حين تعتقد أن هناك شيئًا حقيقياً وهو في الواقع غير حقيقي – أي إيجاد أنماط غير موجودة، أما النوع الثاني Type II Error (سلبية زائفة False Negative) هو أن تعتقد بعدم وجود شيء ما بينما هو موجود في الواقع – أي عدم إيجاد أنماطٍ بينما هي موجودة فعلًا؛ فلنسمّها اللانمطية. وفي كتابي «العقل المؤمن The Believing Brain» وفي كتابي الآخر «كيف نؤمن How We Believe»، وضعت حججًا تدل على أن أدمغتنا هي ماكِنات للإيمان، إنَّها ماكِناتٌ لتمييز الأنماط تقوم بربط النقاط الغير مرتبطة وتخلق منها معنىً حين تجدها في الطبيعة. وفي بعض الأحيان نجد أنَّ هذه النقاط مرتبطة فعلًا ببعضها البعض، وفي بعضها الآخر نجدها غير مرتبطة. إن كانت بالفعل مرتبطة؛ فقد تعلّمنا شيئًا ذا قيمة حيال البيئة التي نعيش فيها، ويُمكن لنا أن نضع تنبؤاتٍ وفق هذا النمط وستساعدنا تلك التّنبؤات على النجاة والتكاثر. فنحن أسلاف النوع البشريّ الأكثر إيجادًا للأنماط.
أما العاملية Agenticity: هو الميل إلى الإيمان بأن العالم تسيطر عليه عواملٌ مقصودةٌ لا نراها. وبهذا فنحن غالبًا ما نضع العوامل المقصودة داخل الأنماط التي نجدها، ونؤمن أن هذه العوامل هي من تتحكّم في العالم، ونؤمن في بعض الأحيان بأن هذه العوامل تقوم بتحكّمها بشكل لا مرئيٍّ من الأعلى إلى الأسفل.
لذا نجد أن كلًا من هذين – العاملية والنمطية – يشكّلان أساس الإدراك المعرفي للأديان الشامانية والأرواحية والوثنية والشركية والتوحيدية وجميع أنواع الروحانية القديمة والجديدة (حركات العصر الجديد). وقد تعدَّت العاملية عالم الأرواح؛ لتؤمن أخيرًا بمصمم ذكي، وهو عاملٌ لا مرئيٌّ خلق جميع الكائنات الحية من الأعلى إلى الأسفل. ونعتقد بوجود كائناتٍ فضائية ذات تقنيَّةٍ وقوةٍ تفوق مخيّلتنا لتأتي في بعض الأحيان وتنبّهنا من عملية التدمير الذاتي التي نقوم بها، ونؤمن بنظرية المؤامرة وجميع العوامل الخفية التي تقع خلف الأحداث متلاعبةً بنّا كالدمى عبر خيوط الاقتصاد والسياسة وتجعلنا نرقص على أنغام «مجموعة بيلدبيرغ Bilderberg Group» و«عائلة روثتشايلد Rothchilds» و«عائلة روكفيلر Rockefellers» و«المتنورون The Illuminati».
في كتابك «العقل المؤمن The Believing Brain» أعطيتنا أسباباً مقنعة جدًا لوجود عددٍ هائل من المؤمنين بالله في هذا العالم، ومن ثمَّ طرحت سؤالًا نود التطرق له في هذه المقابلة؛ إن كنّا نعلم بالضبط ما الذي يدفعنا للإيمان بالله، فهل هذا يعني أن الله غير موجود؟
إنَّ فهمنا لسبب إيمان النّاس بالله، لا يعني أن الله غير موجود، كما أنَّ فهمَنا لسبب تصويت الناس للحزب الديمقراطي أو الحزب الجمهوري، لا يعني أنَّ هذين الحزبين غير موجودين. ولكن حينما لا نجد دليلا على وجود الله، ولا زال أغلبية البشر يؤمنون بوجوده، يصبح إيمانهم أمراً مهماً ومثيراً للاهتمام والدراسة، ويشير أيضًا أن إيمانهم مبني على أمورٍ خارج الواقع.
في حياتنا اليومية، نُصادف الكثير من الناس ممن ينقصهم التفكير النقدي، كعالم نفسٍ ومروجٍ كبيرٍ للتفكير النقدي والتشكّكية، ما الطريقة التي تقترح أن يبدأ بها المرء في تعريفهم وتقديمهم إلى التفكير النقدي والمنهجية العلمية التشكّكية؟
من الأفضل دائمًا أن نعامل الناس بقدرٍ كبيرٍ من الاحترام والأدب لأنهم بهذا سيكونون أقلَّ مقاومةٍ لتغيير آراءهم. طريقة التعامل العدوانية وعدم الاحترام ستؤدي بك لأن تحصل على قدرٍ مشابهٍ من العدوانية وعدم الاحترام. ولن تُحرز أيَّ تقدمٍ حيث سيلتزم كل طرف بدفاعه عما يعتقد ورمي الاتهامات على الطرف الأخر، بدلًا من أن يحاول فهم الواقع والحقيقة.
التفكير النقدي والتشكّكية، هل هما عكس الفطرة الطبيعية للإنسان؟ هل هما سلوكيات يتم تعلمها واكتسابها؟ أم أن الناس (أو بعض الناس) يولدون بـ «جين التشكك»؟
نعم، التفكير النقدي والتشكّكية عكس الفطرة الطّبيعية للإنسان، ولا يأتيان بشكلٍ طبيعي. في الحقيقة، ما يأتي بشكل سريع وطبيعي هو الإيمان. أن تشكّكك في ادعاء ما هو أن تقوم بفهمه أولًا ومن ثم تتحدّاه بالأدلة؛ وهذه عمليةٌ معرفيةٌ كبيرةٌ وتحتاج مزيدًا من الوقت والطاقة لمعالجتها. من السهل جدًا ان تؤمن بصحة الادّعاء فحسب، ومعظمنا يكتفي بفعل ذلك. أن تكون متشككًا يعني أن تخطو خطوةً إضافيةً في سلوكك المعرفي، ومعظم البشر لا يخطون هذه الخطوة. ولكن العلماء يتم تدريبهم لأن يفكّروا بشكلٍ ناقدٍ وأن يكونوا متشككّين دائمًا؛ لذا فإن طريقة التفكير العلمية هي أمرٌ حبذا لو تعلّمه الإنسان. في الحقيقة، أقدّم شخصيًا حلقةً دراسيةً تُعلمك كيف تفكّر كعالمٍ على موقع The Great Courses يمكنكم الاطلاع عليها.
هل سبق لك أن واجهت موقفًا وجدت نفسك فيه أقل تشككّية مما يجب أن تكون؟
بالطبع، الحب
عادةً ما يشعر الناس بعدم الارتياح حيال المجهول، ويظهر هذا جليًا لدى المؤمنين وحتى لدى بعض المفكّرين العقلانيين حين لا يتم قبول موقف اللاأدريّة بسهولة؛ هل يمكن أن تشاركنا بسبب ذلك من خلفيتك في علم النفس؟
العقل يمقت الخواء.
يا حبذا لو حصلنا على تعريفٍ واضحٍ للعلوم الكاذبة من محرر موسوعة العلوم الكاذبة – الدكتور مايكل شيرمر.
العلوم الكاذبة: هي مجموعة ادّعاءاتٍ تُظهر نفسها على أنها علمية بطبيعتها ولكنها ليست كذلك. وهاكم ما ذكرته في مجلة «العلمي الأمريكي Scientific American» حيال الأفكار الثورية الجديدة: «هل تقدّم لنا [أي هذه الأفكار الثورية الجديدة] اهتمامًا ليتم تضمينها وتبنيها لدى العلماء وفي مخابر العلم وأبحاثه؟ هل تسعى لأن تُكوّن خطًا جديدًا من الأبحاث والاختبارات التجريبية؟ هل ستؤدي إلى اكتشافاتٍ جديدة أوإلى بناء نماذج وصيغ ونظرياتٍ وفرضياتٍ جديدة؟ هل تؤثر على النماذج والصيغ والنظريات والفرضيات العلمية السابقة لها؟ إن كانت الإجابة كلا؛ فالأرجح أن تكون [هذه الأفكار] علومًا زائفةً. بعبارة أخرى، يمكننا ان نفصل بين العلوم الحقيقية والعلوم الكاذبة بما هو العلم وما يفعله العلماء بشكلٍ أساسي. فالعلم هو مجموعة من الطرق لتوصيف وفهم ظاهرة تمّت ملاحظتها أو الاستدلال عليها عن طريق المنهجيّة المُتّبعة في فحص الفرضيات وبناء النماذج والنظريات. فإن تبنّى عددٌ من العلماء فكرةً ما بشكلٍ نشط، وانتشرت هذه الفكرة عبر حقول العلوم المختلفة وتمّ تضمينها داخل أبحاث تقدم معلومات مفيدة عن العالم وتنعكس في العروض والمنشورات والدوريات العلمية وبالأخص في خطوطٍ جديدةٍ من البحث والتحقيق، فالأرجح أن تكون هذه الفكرة هي من العلوم الحقيقية.»
في مناظرتهما المشهورة، حصل بين كين هام وبيل ناي نقاشٌ حامٍ حول نظرية التطوّر والخلقوية. واحدٌ من أهم الأمور التي لاحظنا كين هام يشدد عليها ويكررها هو الفصل بين «العلوم التاريخية Historical Science» و«العلوم المشاهدة Observational Science». هل يمكنك ان تعطينا وجهة نظرك حول نقطة كين هام الرئيسية؟
معظم علوم اليوم ليست «علوم مشاهدة Observational Science» – كما يُعرّف كين هام هذا المصطلح. معظم العلوم هي علوم استدلالية، إما عن طريق الأجهزة والتقنيات العلمية (كالتلسكوب، والمايكروسكوب، ومسرع الجسيمات وغيرها) والكثير منها تاريخيٌّ أيضًا؛ كالجيولوجيا، والبيولوجيا، والأركيولوجيا، والفيزياء الكونية وغيرها. ما ذكره كين هام محض جدال، فالعلماء لا يهمّهم ما إن كان ما يقومون به ملاحظ Observational أم تاريخي Historical أم استدلالي Inferential.
برأيك هل يمكن للعلم – بحسب ما هو عليه الآن أو ما سيكون عليه لاحقًا – هل يمكن له أن يجيب على أسئلةٍ وجوديةٍ مثل: «ما معنى الحياة»؟
السؤال عن معنى الحياة سؤال خاطئ، فسؤالك عن معنى شيءٍ ما يرتبط بطريقة فهمك لهذا الشيء. فـ «المعنى» من حياة النجوم، هي أن تقوم بتحويل الهيدروجين إلى هيليوم، و«المعنى» من حياة الإنسان هو أن يقوم بتحويل السعرات الحراريَّة إلى جزيئات DNA من أجل التكاثر …الخ. لكل شيء جوهرٌ معين، وإن فهمنا ذلك الجوهر فسنفهم أن المعنى من وجوده هو القيام بذلك الجوهر. وجوهرنا (معنى حياتنا) هو بالطبع أكثر تعقيدًا من مجرد تحويل السعرات الحرارية إلى أطفال، ولكن الكثير من دوافعنا الأساسية نجدها غريزية وأساسية وطبيعية وتفيد ذلك الغرض.
كمُختص في تاريخ العلوم، كيف أثرت وتؤثر نظرية التطور على حقولٍ أخرى من العلوم؟
نظرية التطور تتخلّل جميع العلوم بدرجاتٍ مختلفة، بل أثّرت حتى على حقول بعيدةٍ تمامًا كالأدب والاقتصاد. إنها وسيلةٌ مهمةٌ إلى درجةٍ عظيمةٍ جدًا في التفكير بالعالم.
في عصر الإعلام المرئي والتواصل السريع الذي نعيش فيه، بدئًا من أجهزة الإعلام المتلفزة وإنتهاءًا بمواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، أصبح الإنسان مطّلعًا على كمٍّ هائل من المعلومات وأصبح من السهل الحصول على أية معلومة كانت، كيف يمكن لذلك أن يؤثر على المجتمع وعلى الإنسان الذي يعيش في هذا المجتمع من ناحية التفكير العقلاني والثقافة العلمية؟
تعمل أجهزة الإعلام على الجانبين، مع وضد العلم والمجتمع، بنفس الطريقة التي عمل بها اختراع المطابع. فنفس الأجهزة التي تمّ استخدامها لطبع مؤلفات شكسبير وجدناها قد استُخدمت لطبع كتاب «كفاحي». واليوم يتم تكريس الكثير من المواقع الإلكترونية لأجل ثقافة علمية مجانية غير محدودة، ومواقع أخرى يتم تكريسها لأجل نشر نظريات المؤامرة كنظرية «حقيقة» أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ونشر الخلقوية والعلوم الكاذبة وغيرها.
مجلتنا هي نتاجٌ لمجتمع فعالٍ من أصحاب التفكير الناقد والمفكرين الأحرار والملحدين، نتحدث فيها عن شتّى الأمور ونعارض فيها الأصولية الدينية واللاعقلانية المرتبطة بها، كما نعتقد أنّنا نحقق غرضا مفيدا للمجتمع عبر نشاطات مثل هذه المجلة وغيرها وبطرق مختلفة، أحدها نشر وترويج المعارف العلمية. هل سبق لك أن سمعت بنشاطات عربية كهذه؟ أم أنَّ هذه أول مرة؟ وهل تعتقد أنَّ لمثل هذه الحركات أثر على المجتمع لربما نراه في المستقبل القريب؟
لا أعلم الكثير حول النشاطات العربية كهذه. أما عن تأثيرها، فأعتقد أن هذا يعتمد على مدى الحرية المُناطة بنشر مثل هذه الأفكار.
بالنسبة للمعتقدات اللاعقلانية التي نراها في هذه الأيام، كالعلوم الكاذبة وحركة العصر الجديد مثل ما يُروّج له ديباك شوبرا وغيره، بالإضافة إلى الأديان بشكل عام، ومن ضمنها الإسلام، هل تراها في انتشار أم انحدار؟ وبالحديث عن الإسلام؛ هل ترى انه سينتهي بأصوليته التي نشهدها اليوم؟ أم أنه سيمر بمراحل تقوم بتهذيبه إلى دين مناسب أكثر للقيم المعاصرة – كما حدث مع المسيحية؟
أرى أنه على المدى البعيد ستتلاشى الأديان جميعًا وستصبح بلا فائدة، ولكنّه مدى بعيدٌ جدًا، ربما قرنٌ كامل أو قرنين على أقل تقدير.
في الختام دكتور شيرمر، هلّا تفضلت بتوجيه رسالةٍ ونصيحةٍ لنا ولقراء المجلة؟
اعتنقوا العلم والمنطق، واستخدموا هذين السبيلين لتصنعوا من العالم مكانًا أفضل. وموقع «جمعية المتشكّك» و«مجلة المتشكّك» يرحب بكم دائمًا.
نشكر ضيفنا الدكتور مايكل شيرمر على سعة صدره ونتمنى أن نكون قد قدمنا حوارًا لائقًا وممتعًا لذوق متابعينا الكرام
شكرًا لكم.
أجرى الحوار: علي النجفي، سرود سليم
مجلة الملحدين العرب: العدد السادس والعشرون / شهر يناير / 2015
منشورات ذات شعبية