نبذة عن الكتاب
عادل ضاهر من مواليد النبطية (جنوب لبنان). تلقى علومه الجامعية في الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة فرانكفورت وجامعة نيويورك. وحاز على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من الجامعة الأخيرة عام 1967. عمل في حقل التدريس الجامعي في عدد من جامعات نيويورك لمدة عشر سنوات، كما عمل أستاذا للفلسفة الغربية في الجامعة الأردنية. منحته جامعة نيويورك “جائزة يوم المؤسسين” وهي جائزة تمنحها الجامعة للمتميزين من خريجيها. له عدة بحوث باللغتين العربية والإنجليزية في موضوعات فلسفية متنوعة، منها: نقد الفلسفة الغربية – الأخلاق والعقل (1990)؛ أولية العقل – نقد أطروحات الإسلام السياسي (2001)؛ اللامعقول في الحركات الإسلامية المعاصرة (2008)؛ الفلسفة والسياسة (1990)؛ الأسس الفلسفية للعلمانية (1998). شارك في تأسيس مجلة مواقف اللبنانية وكان عضوا في هيئة تحريرها لعدة سنوات. عضو في الجمعية الفلسفية العربية والجمعية الفلسفية الأميركية وجمعية الشؤون الدولية.
يقول في كتابه أولية العقل:
“ما يعنيه تسيس الدين فى نهاية التحليل، فى المنظور المشترك بين كافة الحركات الأصولية، الإسلامية وغير الإسلامية، هو أن النصوص الدينية هى المرجع النهائى فى المجال العام فى كل الحالات التى يعتقد الأصوليون، بحسب فهمهم الخاص للنصوص المقدسة لدينهم، أنها مشمولة بهذه النصوص. وهذا بفضله يعطى امتيازاً معرفياً فى المجال العام لمن يلجأ إلها لتسويغ موقفه إزاء أى قضية من النوع السياسى أو الإجتماعى يفترض أنها مشمولة بهذه النصوص. وفى المنظور الأصولى للحركات التى ترتبط بالتقليد الإبراهيمى بالذات، فإن إقامة السياسة على الدين لا يعطينا امتيازاً معرفياً فحسب، بل إنه يضعنا فى مستوى أخلاقى وروحى فوق مستوى البشر الذين يؤسسون السياسة على أسس علمانية. هذا واضح، وبشكل خاص، فى فكر منظّرى الحركات الإسلامية، فسيد قطب، الذى يُعتبر من أبرز هؤلاء المنظرين، يرى إلى كل حالة لإقامة السياسة على أسس علمانية ضرباً من ضروب الجاهلية. ولذلك فهو لا يتورع، مثلاً، على اعتبار مواقف لا سند لها فى القرآن أو السُنّة، كالاشتراكية، والرأسمالية، والديموقراطية، تعبيراً عن جاهلية عمياء، ونعت كل من يتبنى أى موقف من هذه المواقف بالكفر، والإلحاد، والزندقة, وهو يستغعمل مفهوم الجاهلية، فى هذا السياق، ليس فقط للإشارة إلى الحقبة التاريخية السابقة على الإسلام، بل بمعنى أعم جداً، معنى يشمل كل ما هو خارج الإسلام ولا سند له فى نصوصه المقدسة، بغض النظر عن الحقبة التاريخية التى نجده فيها. كذلك فهو لم يُعنِ بالجاهلية فقط حالة تمثل غياب المعرفة، بل حالة تمثل أيضاً الفساد الأخلاقى والروحى. إذا فهمنا الجاهلية بهذا المعنى الشامل جداً، سنجد أن نعت “جاهلى” هو ما يمكن لأى أصولى، مسلم أو غير مسلم، أن يطلقه على من يفكر باستقلال عن أى اعتبارات نابعة من النصوص المقدسة للدين الذى اتفق أن هذا الأصولى ينتمى إليه وعلى من لا يُعطى وزناً سوى للإعتبارات العلمانية. ما ينطوى عليه موقف الأصولى، المسلم أو غير المسلم، هو أن الإعتبارات الدينية ذات أسبقية على الإعتبارات العلمانية، أى، بلغة الإسلام السياسى، النقل ذو أسبقية على العقل. وإذا أضفنا الآن إصرار الأصوليين على قراءة بعض نصوصهم المقدسة قراءة سياسية، إذن نجد أن الأصولى المسيحى مثله مثل الأصولى اليهودى أو المسلم أو الهندوسى، لم يعد ينظر إلى الواجبات الدينية على أنها تتعلق فقط بالشعائر والعبادات، بل تتخطى ذلك لتشتمل على ما يتعلق بالشؤون العامة من سياسية، واجتماعية، واقتصادية، وغير ذلك. فمثلما أن الإسلام السياسى يعتبر إقامة دولة إسلامية على أساس قواعد مستخرجة من قراءاته السياسية للنصوص المقدسة (القرآن والسنة) واجباً دينياً، كذلك هو الحال بالنسبة للأحزاب اليهودية الأصولية فى إسرائيل. نذكر هنا، على سبيل المثال، أحزاباً مثل حريديم وغوش إيمونيم اللذين لا يقفان عند حد تزويد وجود إسرائيل بأساس دينى مزعوم، بل يذهبان إلى حد المطالبة بجعل النصوص الشرعية لدينهم (“هالاخالا” مثلا) أساس الدولة العبرية، انطلاقاً من أن هذا هو ما يمليه عليهم دينهم. والأصوليون الهندوسيون يسيرون على نفس الاتجاه فىمطالبتهم إقامة الدولة على أساس تعاليم الإله رام. أما التيارات الأصولية المسيحية الممثلة بصورة خاصة باليمين الدينى فى الولايات المتحدة، فإنها وإن لم تذهب إلى حد المناداة بإقامة دولة مسيحية، فهى، مع ذلك، لا تتورع عن اعتبار الواجبات الدينية غير مقصورة على الشعائر والعبادات. وقد ذهب بعض قادة هذه الحركات، مثلاً، إلى حد اعتبار العمل على إلغاء العجز فى الميزانية الفيدرالية للولايات المتحدة واجباً دينياً على أساس قراءاته وفهمه لبعض نصوص العهد الجديد.”
منشورات ذات شعبية