التاريخ المبكر للإسلام – محمد آل عيسى

نبذة عن الكتاب

هناك اتفاق يكاد يكون عاما بين مجموعة من المؤرخين بأن الإسلام ظهر في بلاد الشام ولم يظهر في مكة، وأن هجرة الإسلام وحركته كانت من الشام إلى الحجاز وليس العكس. ولكن كيف ظهر الإسلام وهل ظهر محمد في الشام؟

بحسب مؤلف هذا الكتاب فإن محمد لم يظهر لا في الشام ولا في الحجاز. وهو ليس شخصا حقيقيا، هذا هو محور الكتاب. محمد مجرد فكرة جسدها من اختلق تاريخه وجعل هذا التاريخ في مكة حيث مكة البعيدة يمكن أن تستوعب قصة مثل قصة محمد.

لكن من أين جاءت القصة؟ الدعوة المحمدية في الأصل دعوة نصرانية وفي العقيدة أشبه ما تكون بالبدعة الأبيونية التي تنكر ألوهية السيد المسيح وتجعل منه مجرد نبي إنسان. ولما كان منشأ الدين المحمدي في الشام كان استقرار الأمويين على الحكم هناك وتبني الدين الجديد وانتشاره من الشام إلى الحجاز. وبقدر ما هو غريب فإنه غامض. هذا هو الإسلام الدين الذي يبدو بحسب ما يروى عنه أنه ظهر واكتمل في غضون عقود ليسيطر على الشرق الأوسط ويفرض سطوته على شعوب المنطقة ويتمدد إلى خارجها ليقيم إمبراطورية واسعة مترامية الأطراف، وينشئ دولة العدل والرحمة والمساواة كما تذكر أدبياته. وبما أنه لا سر يدوم فقد بدأ علماء التاريخ ينبشون في الماضي ويطرحون تساؤلات غريبة عن هذا الإسلام: كيف بدأ وأين ولماذا ومن قام عليه وما هي مصادره وكيف انتشر وكيف صار على ما هو عليه.

في بداية تعرف المؤرخين الأجانب على الإسلام وثقوا بالمرويات الإسلامية وصاغوا نظرية تقول إن الإسلام ظهر في ضوء التاريخ وانتشر بسرعة وهيمن بقوة وأقام دولته وفق منظور ديني رسمه الوحي وفصله القرآن ووضع أطره حديث نبيه وفقه علمائه. لكن الأمر اختلف مع ظهور ما يسمى بالنقد الكتابي الذي تناول الكتاب المقدس وشكك بنصوصه وبوجود أنبيائه. حتى شخصية المسيح لم تسلم من الشك والتشكيك. وانتشرت أبحاث عديدة تنكر وجود المسيح كشخصية تاريخية حقيقية. وبحوث تشكك في الرسالة المسيحية وتنسيها لغيره وتشير إلى نسخها من أساطير سابقة.

عندما اكتملت أبحاث نقد المسيحية واليهودية بدأ علماء يلتفتون إلى الإسلام. فإن كانت هناك شكوك في المسيح والمسيحية فالأولى أن تكون هناك شكوك مشابهة فيما جاء بعدها من عقائد وأديان.  بما أنه لم توجد أي مواد أركيولوجية تنسب إلى العصور الإسلامية الأولى فقد أثار هذا الأمر شكوك العلماء. هل يعقل أنه لا توجد أي وثيقة ترقى إلى العصور الإسلامية الأولى؟ هل يعقل أنه لم تكتشف أي مادة أثرية تنسب إلى القرن الإسلامي الأول؟ هل يعقل أن الرومان الذين كانوا قبل الإسلام بمئات السنين تركوا آثارا ومخلفات أركيولوجية والعصر الإسلامي الأول لم يترك شيئا؟

التاريخ يصنع من وثائق وكل فكرة أو فعل لا يخلف أثرا مباشرا أو غير مباشر أو طمست معالمه هو امر ضاع على التاريخ: كأنه لم يكن أبدا. فلا بديل عن الوثائق وحيث لا وثائق فلا تاريخ. وهدف التاريخ كما يراه ليوبولد فون رانك المؤرخ الألماني من القرن التاسع عشر هو معرفة ما حدث بالفعل. وكان يرى أن البحوث التاريخية يمكن أن تقرر بشكل موضوعي كل الحقائق التاريخية بشكل علمي. لكن البعض يرى أن هذا مجرد وهم. وذلك بسبب طبيعة البراهين، فالبراهين التاريخية لا يمكن ضبطها مثل البراهين الطبيعية.

ويرى آخرون إن تفسير عدم بقاء أي مواد تاريخية إسلامية من القرن الهجري الأول يعود إلى عدم وجودها في الأصل ولا يمكن مضاهاة معظم الروايات الإسلامية بواسطة مصادر معاصرة غير إسلامية. حتى الشعر العربي الذي يقال إنه كان موجودا قبل الإسلام بمئتي سنة لم يكتشف له أي مخطوط ولا أي نقش ولا حتى أي رسم. بل أن هذا الأمر أثار شكوكا حول حقيقة اللغة العربية ومادتها الأصلية وكيف نشأت ومن هي أمها ومن هن أخواتها وعائلتها وفروعها وتوابعها.

كل ما ذكر يجعل من الإسلام مادة للشك. مادة لإعادة النظر في أصله وأصوله. إعادة النظر في تاريخه وتدوين أحداثه. في شخوصه وشخصياته. في مروياته وتراثه الشفهي والمكتوب. في معاركه ومخاصماته. ليس هذا البحث هو الأول من نوعه. هناك الكثير من مثله كتب بالعربية وبلغات أخرى. وهي أبحاث شكلت مصادر أساسية لهذا البحث. كما أن هذا البحث لا يهدف إلى أي إساءة ولا إلى تشكيك ولكن يقصد منه تحريك التفكير ومحاولة الوصول إلى صورة واضحة لأحداث تؤثر في الحاضر وستؤثر في المستقبل. ولكنها بالتأكيد ستجعلنا نعيد النظر في الماضي.