تخيّل أن هناك ديانةٌ إسمها (ديانة الطبيعة) وأن لهذه الديانة كتابٌ مقدّس إسمه (كتاب الجذور) وأن أتباع ديانة الطبيعة المؤمنين بها هم بالملايين حول العالم، تخيلّ أن كتاب الجذورهذا قد تمّتّ كتابته قبل تسعمئة سنة في مَجَاهل أفريقيا، وأن في ثنايا هذا الكتاب آيةٌ تقول:«الأشجار تتنفس كما يفعل البشر» وأخرى تقول: «لكل شجرةٍ روحٌ، وكل شجرةٍ ترى وتسمع وتبُصر وتشعر بالسعادة حين يلعب الأطفال حولها.»ماذا لو جاءك السيد جزرة (أحد أتباع هذه الديانة) وحاول إقناعك باتباع ديانة الطبيعة والإيمان بها ؟ مُستدًلً بالآية الأولى «الأشجار تتنّفّس كما يفعل البشر» بحجة أن فيها إعجازاً علميا، مُبينًا لك أنه من المستحيل لقبائل أفريقيًا البدائية أن تعرف أن الأشجار تتنفس، وأن العلم الحديث يثُبت اليوم أن الأشجار تتنفس فعلًا بامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو وإطلاق الأوكسجين ،وهو يشبه تنّفّس البشر الذين يستهلكون الأوكسجين ويزفرون ثاني أوكسيد الكربون ،فوجود هذه المعلومة العلمية في كتاب الجذور دليٌلٌ قاطعٌ على أن ديانة الطبيعة ديانةٌ صحيحةٌ مثبتةٌ علميًا.
لكنك لو تأمّلت الآية الثانية «لكل شجرةٍ روحٌ، وكل شجرةٍ ترى وتسمع وتبُصر وتشعر بالسعادة حين يلعب الأطفال حولها»، فمن الواضح هنا أن كاتب هذه الآية لم يكن يفُكّر في أي حقيقةٍ علميةٍ حين كتبها، بل كان ببساطةٍ يضُفي على الأشجار صِفاتٍ بشريةٍ لتعلقّه الشديد بالطبيعة التي حوله، وهو أمرٌ بديهيٌّ أصيٌلٌ في ثقافات ومعتقدات القبائل البدائية التي تعيش في أفريقيا، فكاتب هذه الآية يظن أن للشجرة روحًا، وترى ما حولها وتشعر بالسعادة لرؤية الأطفال، هذه طبعًا كلها ادعاءاتٌ باطلةٌ علميًا، هنا ستقفز إلى ذهنك مباشرًةً الآية الأولى «الشجار تتنفس كما يفعل البشر» وسيتضّح لك أن التنّفّس المذكور في الآية يأتي أيضًا في نفس سياق الوصف البدائي للأشجار في الآية الثانية، ول علاقة له بالحقيقة العلمية لتنّفّس النباتات ول بالأوكسجين أوثاني أكسيد الكربون، لكن السيد جزرة مقتنعٌ تمامًا بهذا الإعجاز العلمي، وهو أيضًا يحاول تبرير مغالطات الآية الثانية بإقناعك أن معناها مجازي وفيها دعوٌةٌ للمحافظة على الطبيعة، وليس المقصود منها أن الشجرة فعلًا ترى الأطفال حولها وتشعر بالسعادة بنفس الطريقة التي نشعر بها نحن البشر، بل المقصود هو حثنا وتشجيعنا على حب الطبيعة والحفاظ عليها، فلا مجاز في الآية الأولى كي يستطيع أن يلُصق بها حقيقة علمية، أما الآية الثانية فكلها مجاز لأنها كلها ادعاءاتٌ تناقض العلم.
مجلة الملحدين العرب: العدد الرابع والعشرون / لشهر نوفمبر / 2014
منشورات ذات شعبية