الإلحاد وعلاقتهُ بالقيمة الإنسانيّة

سبقَ لي أن كتبت في هَذا الموضوع، وأجد أن لي الرغبة في الكتابة عنه مُجدداً. من خلال مُتابعتي لسُلوك الكثير من المُلحدين أو ممن يدعون ذلك، وجدت أن الكثير منهم لا يمت للإلحاد بصورته العقليّة المنطقيّة بصلة. إن الإلحاد – وكما أراه – هو خُلاصة فكريّة ذات مرجعيّة عقليّة، تنظر بعين التجرُد والرصد والتمحيص والنقد والشك لكل ما هو موروث من القناعات والعقائد التي يتم شحن الإنسان بِها لا شعوريًا، مُنذ اللحظة الأولى التي يحظى بِها الإنسان بادراك بسيط. ويحدث هذا كله دون أن يكون له أدنى قرار أو رأي في اعتناقها ومن دون أن يكون هُناك أدنى إرادة أو رأي. ويحدث كُل ذلك بحكم ضغط القيم الجمعيّة وحضور مبدأ “اقتران صحة الأُمور بكثرة المنادين بِها أو المعتنقين لها”. وهنا تكمن فضيلة الإلحاد الأولى وهي اعتماد النشاط العقلي ورفض التلقين الغير خاضع للرقابة المنطقيّة.
إن هَذه المقدمة البسيطة تملي على المُلحدين أن يطرحوا قواعد للسلوك تكون هي أقرب للعقل من تلك القواعد الموروثة والتي يُفترض أنها قامت على أنقاضها والتي كانت مُقدسة بلا أدلة واقعيّة. إن الإلحاد أعزاءي يحتم علينا الإتيان بتعاريف جديدة لمفاهيم الإنسانيّة، الحُريات الشخصيّة، والمواطنة. من منظور إنساني بحت أرى أنه من الواجب علينا استيعاب الذين مازالوا على إيماناتهم, والتي كنا نُشاركهم بِها قبل اعتناقنا الإلحاد أو اللادينيّة كمذهب للتفكير, منطلقين من امتلاكنا لوجهات نظرهم وهضمها سابقاً بحكم التجربة والماضي الخاص بنا قبل التحول, وهذا بدوره يجبرنا بضرورة التعامل مع من يخالفنا من منطلقين
أولها: أن سبق لنا أن كُنا مثلهم وهذا يملي علينا التزام مُضاعف في استيعابهم, وثانيها: الواجب الذي يحتم علينا تسويق ما لدينا أو طرحه بطريقة سلسة بعيدة عن التعالي والتكبر أو الشخصنة, بطريقة غير جارحة أو متجاوزة أو مهينة للغير, وبعيداً عن الشخصنة وان يتم نقد الأفكار والسلوكيات بعلميّة بدل نقد الأشخاص والمسميات . أما ما يخص الحُريّة بإطارها الإلحادي فيجب أن تكون نابعة من فهم عقلي راسخ ويلبي حاجاتنا وحاجات المجتمع دون أن يكون تقاطع بين ما هو شخصي أو عام وبعيدا عن التسلط والاستغلال أو التعسف.

مجلة الملحدين العرب: العدد الثاني / شهر يناير / 2013