لقد كنت قد كتبت عن رحلتي من التّدين إلى العقلانية بعدما أمضيت عقدين من التّماس البحث الرّوحاني، كما نُشرت تفاصيلها في مجلة بريطانية، وبعد تلقي ردود فعل إيجابية من باحثي وعلماء المنطق أمثال جيمس راندي – وهو عضو في جمعية المشككين العلمية الأمريكية – والدّكتور هيكتور أفالوس – وهو أستاذ ملحد محاضر في جامعة ولاية ايوا- وآخرين، فقد قررت أن أكتب متابعةً لما بدأته، وأن أواصل مشاركة وجهات نظري الشّخصية منذ تبنّي العقلانية في عام 2012 .
عندما كنت متدينًا ، فإن المنطق كان يتسلل الى ذهني الّذي تشرب فكرة الله، ولكنّني كنت أبعدها دائمًا، افتراضًا مني بأن الشّياطين الدّاخلية (أو حتى الشّياطين الخارجي) كانوا يحاولون أن يقودونني إلى الضّلال، لكنّه وفي أحد الأيام فكّرت في نفسي: “كيف يمكن للناس أن يعيشوا حياتهم بأكملها وفقًا لتلك إلى القوانين والمبادئ التّوجيهية الواردة في الكتب المقدّسة من مصادر غير موثوقة ومنسوبة إلى أفرادٍ يقالٌ بأنهم عاشوا منذ آلاف السّنين في الشّرق الأوسط؟” إنني أشعر بأنه من المهم بالنّسبة لي أن تشاركونني أفكاري الشّخصية في مرحلة ما بعد الدّين من أجل مساعدة الآخرين الّذين قد يكون الدّين قد أوهمهم مثل ما أوهمني سابقًا .
في البداية، أعتقد بأن الخطيئة والجحيم جملةُ من المفاهيم الكاذبة والباعثة على السّخرية والمثيرة للذعر، فهل هذا يعني أنّنا نستطيع أن نقول أو نفعل أي شيء نريده دون أن تتحمل العقوبة الأبدية الإلهية المرعبة؟ نعم! لكن المتدينين، وربما بإمكأنّنا أن نشمل بعض النّاس الّذين هم أقل تدينًا، يفترضون بأن الخوف من الله، والخوف من الجحيم والطّمع بإغراءاتٍ من المكافآت السّماوية هو الأمر الّذي يمنع النّاس من ارتكاب الأفعال الإجرامية مثل القتل والاغتصاب وما شابه ذلك، لكن وبكل بصدق، نحن لسنا بحاجة إلى قصص خياليةٍ أوشخصياتٍ مبهرجةٍ للتّأكد من أنّنا لن نقتل أو نغتصب أو نسرق وما إلى ذلك؛ فهذا شيء لا نتعلمه، بل إنّ حُبّ الإنسان لأخيه الإنسان والرّحمة أمور لم نتعلمها من الدّين، فتلك الصّفات موجودة بشكل طبيعي فينا، وهي ما يمنعنا من كُره أو إيذاء الآخرين، بل إنّه الدّين هو ما يحرض على الكراهية، والنّفاق، والتّشويه، والإبادة الجماعية، والتّمييز الجنسي، والاغتصاب، كما أنَّ مفاهيم الجهاد والحروب المقدّسة والشّهادة والرّجم حتى الموت لم تكن يومًا وليدة فِكر العقلانيين .
إنّ المتدينين في حاجة لفهم أن وجود يسوع وبوذا وموسى وزرادشت و’الأنبياء’ و’الصّالحين’ الآخرين هو شيء لا يمكن أن يثبت فعلاً، فأنا كنت أعتقد في يوم من الأيام بأنهم كانوا جميعًا موجودين حقًا في مرحلة ما من التّاريخ، وكنت أكِنّ لهم احترامًا ذا ثمنٍ باهظٍ، لكنّني أدركت بعد ذلك بوقت طويل أنّنا على علم بأمر هؤلاء ‘الرّسل’ من الكتب القديمة والأدب والسّابقين؛ فكيف يمكن الاعتماد على تلك المصادر حقًا؟ إنّ إثبات ألوهية هؤلاء الأنبياء أو الصّالحين هي مسألة مختلفة تمامًا، لكنّه من الأهمية أن يثبت وجودهم أولاً.
إنّ الإشادة برسول ما ومحبته والاعتقاد بألوهيته غير المثبتة هو أمرٌ أشبه بوصف لذّة فاكهة وهمية؛ فبدلاً من تعليم الأطفال الواقعية، تُغسل أدمغتهم بقصصٍ دعائيةٍ ممتعةٍ عن الأنبياء السّحريين القدامى وبابا نويل وأرنب عيد الفصح، وأنا لا أقول بأن وجود الخيال أمرٌ سيء، ولكن وجود الكثير منه على حساب الواقعية يمكن أن يكون ضارًا للغاية بك وبالآخرين، ولذلك أقترح بأن يشاهد الأطفال والكبار على حد سواء مقاطع الرّسوم المتحركة على قناة اسمها DarkMatter2525 على اليوتويب فهي قصيرة ومسلية ومفيدة؛ إذ أنها تفضح النّفاق والتّناقضات ودونية الأديان.
من المهم جدًا أن نفهم بأن تاريخ الدّين الطّويل، والمباني الضّخمة، وتأليف قصص الخيالية، والأزياء الدّينية الباهظة، وطقوس العبادات التّفصيلية، والآثار القديمة، والشّهداء والأبطال والزعامات القوية ليس دليلاً على أن الدّين ذو مصدرٍ إلهي؛ فالكتب الدّينية أتت من مصادرٍ غير موثوقة، كما أنها غير دقيقةٍ ومتناقضةٍ، ولكن جماهيرًا كبيرةً من النّاس يكرّسون حياتهم لما هو مكتوب في هذه الكتب، وهذا ما يمكننا الجزم به على أنّه أحد الأسباب الرّئيسية لوجود الكثير من الفوضى في جميع أنحاء العالم، لذلك عندما يقتبس لنا متدين جزءًا من كتاب مقدّس كإجابة، فهذا ما يؤكد كونها جزءًا من المشكلة وليس جزءًا من الحل .
تُنفق مئات الآلاف بل الملايين على بناء المساجد الفخمة والمعابد اليهودية والهندوسية والسّيخية والكنائس، وإليكم بعض الأمثلة من المملكة المتحدة: بلغت تكلفة مسجد بيت الفتوح المشيّد في منطقة موردن، ساري مبلغ خمسة ملايين ونصف المليون جنيه إسترليني، كما كلفّ معبد شري سامويناريان الهندوسي المشيد في نياسادين، لندن مبلغ إثني عشر جنيه إسترليني، كما كلف بناء المعبد السّيخي المشهور “سيري جورو سينغ سبها جوردوارا”، في منطقة ساوثهاول، ميدلسكس مبلغ سبعة عشر مليون جنيه إسترليني؛ أي ما مجموعه خمسة وثلاثون مليون جنيه إسترليني لثلاثة مبانٍ فقط! وفي حين تعبّر الجماعات الدّينية عن الالنّبهار والفخر، أعبّر أنا عن الأسف.
سواء كان التّمويل لأماكن العبادة هذه يأتي مباشرة من الجماعات الدّينية أو الحكومة أو كلاهما فهو أمر غير ذي أهمية، فلا ينبغي أن تنفق مبالغ طائلة من المال على مجرد بناء أماكن للعبادة، لأن هناك قضايا إنسانية تتطلب ذلك التّمويل بشدة، وقد يجادل المتدينون بأنهم يشاركون بفعاليّة في العمل الخيري أيضًا، ولو كان ذلك الأمر صحيحًا، فماذا عن تبريرهم للكمّية الهائلة من الاموال التّي وُظّفت في أماكن عبادتهم؟
يشن الجنود الحروب ويرتكبون جرائم القتل بناءً على أوامر من القائد العام للقوّات المسلّحة من دون التّشكيك في مبررات تلك الحروب؛ كما أن المتطرفين الدّينيين يرتكبون الإرهاب تحت أوامر من رجال الدّين من دون التّشكيك في النّواحي الأخلاقية، ويخضع الأطفال للزواج تحت أوامر أبائهم دون التّشكيك بحكمهم، وهكذا دواليك؛ إذ ينبغي أن يتوقف هذا الأمر، كما أنّ العصيان في بعض الأحيان يغدو ضرورة للخروج من حالة الرّوبوتية العقلية، فسواءً كان النّظام حكمًا ملكيًا أو مشيخة قبليةً، فهذا لا يجعل من ذلك النّظام شيئًا فوقيًا عليك، فهُم حتمًا لا يملكون إلا السّلطة التّي تُقر أنت بها وتُخضع نفسك لها، فكُن ذاك الفرد الّذي يفكّر و يقرّر لنفسه، بغضّ النّظر عن أوامر أو قيادة أي شخص.
لا بد من الإشارة هنا إلى أنّ فنون القتال التّقليدية تشكل خطرًا كبيرًا، لا سيما فنون الشّرق الأقصى، فهي قاتلة لممارسيها، وليس لخصومهم؛ فالشّيء الوحيد يتعلم الطّلاب تطويره هو ذلك الشّعور الزائف بالأمان بالإضافة إلى تقنيات القتال غير العملية، والتّي بدورها يمكن أنْ تضع حياتهم في خطر، ناهيك عن أنّ مدارس فنون القتال التّقليدية تعمل بنفس طُرق تجييش الطّوائف الدّينية؛ إذ أنّها تزرع في عقولهم الإدراك القاصر بأن هذا المسار هو وسيلة للحياة والنّجاة، إذ تفرض عليك أنْ تعيش حياتك وفقًا لهذه القواعد، فعليكَ ارتداء زي ما، والتّزام مجموعة ما، والوقوف في خط ما، والوقوف لساعات والبقاء هادئًا، و الرّكوع، وإغماض عينيك، والانحناء، وتنفيذ حركات معينة، ثم أن تكررها مرة أخرى… إلخ، وإذا دققنا النّظر، فسنجد أن تلك الفنون القتالية ترتبط بالدّين في معظمها، فمثلًا، يرتبط فن “شاولين كونغ فو” بالدّيانة البوذية، وفن “تاي تشي تشوان” بالدّيانة الطّاوية، وفن “كالاري بايوتو” بالدّيانة الهندوسية، وتدريب القتال في المساجد بالإسلام، وفن “ايكيدو” بالدّيانة الشّنتوية، والأمثلة لا تنضب في هذا الصّدد.
منشورات ذات شعبية