سنكتب على أبواب الأزهر ذات يوم: «هنا كان يُدرّس الجهل»

في المسلسل الأمريكي المعروف «Grey’s Anatomy»، يحتاج أحد المرضى إلى إصلاح قطع في الشريان الأبهر بواسطة جراحة. المريض يبلغ من العمر تسعة عشر عامًا – أي قاصر قانونياً- وأثناء شروع المسعفين بنقل الدم إليه يتضح من قلادةٍ كان يرتديها ذلك المريض الفاقد الوعي آنذاك، أنه من طائفةٍ مسيحيةٍ متطرفةٍ إسمها«شهود يهوه»، هذه الطائفة تعتبر أنَّ نقل الدم يستجلب لعنة المسيح، ويحول إلى منع تدخًله بمعجزة الشفاء للمريض. توجَّب على الأطباء في المستشفى إخطار والديَّ المريض – باعتباره قاصرًا وفاقدًا للوعي بأنَّ إبنهما بحاجةٍ إلى جراحةٍ تستلزم نقل الدم؛ وبصعوبة – بل واستحالة– إجراء جراحةٍ تستهدف إصلاح قطع في الشريان الأبهر من دون نقل دم. يستميت الوالدان في منع الأطباء من نقل الدم لإبنهم المريض فاقد الوعي. ويُعلنان انتظارهما وترقبهما لمعجزةٍ من السيد المسيح التي وحدها ستشفي ابنهما فاقد الوعي. وبالطبع تنتهي القصة بموت الصبي إثر حاجته للدم، والتي حالت بينه وبينه تقاليد دينيةٍ درج البشر على إملائها على أبنائهم بسلطة الأبوَّة والتربية، التي منحتها لهم البيولوجيا، بوصف الإبن خرج من مهبل سيدةٍ تؤمن بهذه الأوهام بعونٍ من قضيب رجل يشاطرها ذات الأوهام. بالطبع لا فرق نوعيًا بين ذلك الحدث المتعلق بالتعليم والتلقين الديني، والذي أودى بحياة صبيٍّ بسبب أوهامٍ متعلقةٍ باللعنة الناتجة جرّاء نقل الدم، وبين تلك الأحداث والكوارث التي يتسبب لنا بها التعليم الديني، والتي تؤدي إلى التفجيرات الانتحارية،وقهر المرأة، ومحاربة المخالفين في المعتقد، وكراهيتهم، والحقد عليهم. لا فرق أيضًا بين ما حدث بسبب التعليم الديني لذلك الصبي، وبين ملايين الأطفال الذين يتدخل آبائهم وأمهاتهم في صياغة مواقفهم من الوجود، ويلزمونهم بتلاوة الأسفار والآيات المرعبة والتي تتحدث عن الحرق، والتعذيب، وقطع الرقاب في الجهاد… لذلك أجد نفسي متفقًا تماماً مع مقولة أستاذنا الراحل العفيف الأخضر: «التعليم الديني مضادٌّ لغرائز الحياة المتجذّرة عند الأطفال والمراهقين والشباب. هذه الغرائز التي لا ترضى عن تحقيقها بديلاً» ولأنّ هذا التعليم يسبح ضد تيار هذه الحقبة التاريخية؛ نراها تنسف كل يومٍ المزيد من المحرّمات الدينية الغبية. إنَّ الإيمان حسب ما هو معلنٌ من قبل غالبية المتدينين هو تجربةٌ ذاتيةٌ يخوضها المرء لوحده تنتهي به إلى الإيمان. وبالتالي فإنه لا يحقّ لأحدهم – استنادًا إلى هذا التعريف للإيمان- تشكيل تلك التجربة، أو التدخل فيها من قِبَل فردٍ آخر باسم التعليم الديني؛ وبالتالي؛ التشويش على تجربته الذاتية، وإلّا فقدت التجربة مضمونها من حيث كونها تجربةً وجدانيةً ذاتية، واستحالت إلى محض تلقين – أو بالأدق غسل دماغ- فطالما أنَّ الإيمان تجربةٌ ذاتيةٌ أساسها الشعور الداخلي، أو حتى فطرة كما يزعم بعض المتدينين؛ فلمَ التعليم الديني والتلقين الأبوي للأطفال؟ ولمَ المؤسسات التي ترعى الإيمان، وتبشر به، وتدعو إليه، وتدافع عنه باسم الجهاد أو القتل المقدس؟ والعقل مصممٌّ مسبقاً على القبول بالإيمان، والنفس مهيأةٌ فطريًا على خوض تجربة الاعتقاد الإيماني؟

إنَّ وجود هذا الكم الهائل من المؤسسات التعليمية الدينية، لهوَ أكبر دليلٍ على أنّ الإيمان الديني شأنه شأن أيّة فكرةٍ مكتسبةٍ صاغها بشرٌ عاديون، تحتاج إلى الدفاع عنها، وحمايتها بالمنطق، أمّا بالقوة، أو بغسل الأدمغة؛ وليست فكرةً ذات مصدرٍ خفيّ، ولا هي هبةٌ من السماء مغروسةٌ في وجدان الإنسان مجبولٌ على قبولها طوعًا أو كرهًا. إنَّ مطالبتنا بمنع التعليم الديني في المدارس ليست قائمةً فقط على ذاتية الإيمان وتجربته، ولكن لأسباب كثيرة؛ أوردنا جانباً منها في افتتاحية المقالة، مثل السادية في التعاليم الدينية التي تجعل من التعذيب، والحرق بالنار، والضرب بالمقامع، والتعرض لِلَسْع الحيات والعقارب…عقوباتٍ عادلةً ومنصفةً  بل وحكيمة. ناهيك عن التمييز الذي ينتج عن التعليم الديني بين الأطفال في المدارس، وبالتالي؛ الإسهام في خلق الوعي سلبيًا، وتنمية الشعور الطائفي أو المذهبي؛ فضلاً عن عدم وجود دينٍ يخلو من المذاهب، والقراءات، والتأويلات المختلفة، التي تجعلنا نتساءل بأيّ حقٍ تنتقي وزارات التعليم مناهج التعليم الديني ومقرراته المدرسية، وبالتالي البتّ في قضايا خلافيةٍ دينيةٍ؛ وتدريس رأي من وضعوا تلك المناهج والمقرّرات للطلاب والتلاميذ بوصفها التأويل الصحيح للدّين ولتعاليمه، والضرب بعرض الحائط باقي الاجتهادات الموجودة لدى مختلف مدارس ومذاهب الفكر الإسلامي؟

مجلة الملحدين العرب: العدد الثامن عشر / شهر مايو / 2014