الدّين والأخلاق: هل نحتاج إلى الله لنكونَ بأخلاقٍ عاليةٍ؟

انتشرت مع بروز الفضائيات العربية برامجٌ دينيّةٌ تروّج للدين، وكأنه يانصيبٌ آخذٌ بأسلوب الدّعاة المسيحيين في جنوب الولايات المتحدة المسمّين (تيليفانجلست). من بين أفضل الأمثلة على أسخف هذه البرامج، وأتفهها هي الحملة الإعلامية التي يديرها الدّاعية محمد العوضي باسم “بدّل سيّئاتك بحسناتٍ” بدعمٍ من بعض المصارف والشركات المحلية لما يسمّى “ركائز لتعزيز الأخلاق”. فيزعم فهؤلاء الدّعاة أنّهم يعزّزون الأخلاق من خلال الدّين الإسلامي باستخدام أسلوب بيع السّيارات المستعملة، وليس ذلك فحسب، بل يوحي هؤلاء للسذج بأنّهم القائمون على الأخلاق والأوصياء عليها، والمكان الوحيد لتستبدل سيئاتك بحسناتٍ مضمونةٍ بكفالةٍ من قبلهم لأبدِ الآبدين، شاملةً العمالة وقطع الغيار.

إنّ هذا الأسلوب الرخيص ليس غريبًا على دجّالي الدّين الذين تحولوا فجأة من موظفين مغمورين في كواليس وزارات الدولة المظلمة إلى “سوبر ستارز” يعيشون في شققٍ فخمةٍ مليئةٍ بالخدم والحشم، لكن، لنتوقّف قليلاً، ونسأل أنفسنا: هل فعلاً نحتاج إلى الدّين لنكون ذوي أخلاقٍ رفيعةٍ؟ هل نحتاج إلى كائنٍ خارقٍ لم يره أحد يهدّدنا بالثواب والعقاب، لكي لا نكذب أو نسرق أو نقتل؟

إذا كان الجواب نعم، فلماذا العالم مليءٌ بالكذب والقتل والنهب على الرغم من وجود هذا التهديد الإلهي؟ لماذا معظم المجرمين والسفّاحين يؤمنون بوجود الله؟ اذهب إلى السجون واسألهم بنفسك، فلن تجد أيّ ملحدٍ بينهم، بل اذهب بعيدًا، وقل: إنّ أغلب جرائم القتل اليوم تحدث على أيدي رجال الدّين أنفسهم! هناك خطأٌ ما بالتأكيد! هل يحفظ الدّين المجتمعات من التحوّل إلى فوضًى عارمةٍ؟ إذًا كيف نفسّر الوضع في العراق؟

يسوّق رجال الدّين لتبرير وجود الدّين، الذي يعتبر مصدر رزقهم الوحيد، وهناك فكرةً ساذجةً منطقيًا، لكنها فعّالةٌ عمليًا، وتقول الفكرة: لو لم يكن هناك الله، وثوابٌ وعقابٌ، فما الذي يلزم الإنسان لأنْ يكون أخلاقيًا وخيّرًا؟ لاحظ الافتراض هنا بأنّ الخوف والطمع هما ما يدفعان الإنسان لعمل الخير أو اجتناب الشرّ، ممّا يعني أنّ الإنسان بالنسبة لهم شرّيرٌ بالفطرة، لذلك لا بدّ من ترويضه بالقوة؛ حيث أنّ الإنسان من منظور هؤلاء كالحيوان المتوحّش، فلا فرق بينه وبين الأسود والقردة في حديقة الحيوان، وبمناسبة ذكر القردة يهزأ رجال الدّين من نظرية داروين التي لا يفهمونها؛ كونها تربط بين الإنسان والقرد، وهم يصفون الإنسان بأسوء من ذلك.

الإنسان بطبعه طيّبٌ، لكنّ الأديان تحوّله لكائنٍ شرّيرٍ يجلب الضرر لنفسه ولغيره، الدّين يطلب من الإنسان قتل أخيه الإنسان؛ لأنه غير رأيه، الدّين يهدم الأسرة، ويخلق أطفال الشوارع عن طريق العهر الشرعي المسمّى زواج “المسيار والمتعة”، الدّين يهين المرأة بالسماح للرجل بضربها وإهانة كرامتها إذا لم تمتثل لأوامره، وفي الفقرات القادمة سأبيّن أنّ نظرية داروين تفسّر لنا وبدقّة أن الإنسان طيّبٌ بالفطرة والغريزة، وأنّ الأديان والعقائد تجعل من الإنسان كائنًا شرّيرًا وغير أخلاقيٍ.

مجلة الملحدين العرب: العدد الثامن عشر / شهر مايو / 2014