الاختبار الإلهي
حين أتصفّح المواقع والمنتديات والصفحات وتلك الباقة من الأدبيات اللاهوتية، أجد أن كثيرًا من المؤمنين يقومون بمقارنة الله كأستاذ في مدرسة الحياة فمن فشل في اختباره حلّت عليه جحيمه، ومن نجح في اختباره توافد عليه الجزاء الحسن والعاقبة الحسنة في حياته الأخروية. على الرغم من أن الموضوع تافه نوعًا ما، ولكن لنعطيه أهمية لكثرة إيراده.
تخيّل معي أُستاذ في مدرسة أعطاك منهجًا مقررًا، فإن قمت بمذاكرته واجتزت اختباره ستنجح وترتقي لمكانة أفضل وإن لم تجتز اختباره سيقوم بمعقابتك، أمر منطقي، أليس كذلك؟ فالغرض من الاختبار الأكاديمي، ربما يكون الحصول على درجة اجتماعية أو لقب معين، ووفق هذه الدرجة أو هذا اللقب تمنح الوظائف والأعمال. ولكن هل تصحّ هذه الحالة للمقارنة مع كيفية تعامل الله مع عباده؟ من وجهة نظري فإنها مقارنة فاشلة في أعلى المقاييس ولكن سأقوم بإجراء تعديلات عليها كي تصحّ نوعاً ما.
المناهج
تخيّل الآن سيناريو آخر، أنت شخصٌ يتيم، ليس لك منزل، قيل لك أنك تعيش في مدرسة، لم ترَ أيّ أستاذ يوماً وكل ما تعلمه عنه جاء من الأقاويل، وفي الحقيقة قيل عنه أشياء كثيرة، يُفترض أنه سيقوم باختبارك يومًا ما، من الجيد معرفة ذلك، ولكن ماذا عن المادة المقررة؟ زملائك الطلاب والذين يبلغ عددهم 7 مليار طالب متواجد حاليًا – ناهيك عن الطلاب الذين سيلتحقون غدًا أو بعد غد والطلاب السابقين لولادتك – كان رأيهم في هذا الإختبار كالتالي:
- مليارين ومئة مليون طالب أعطوك منهجًا كي تدرسه وأسموه “المسيحية”.
- مليار ونصف المليار طالب أعطوك منهجًا آخراً وأسموه “الإسلام”.
- مليار طالب آخر أعطوك منهجًا مختلفًا تمامًا أسموه “الهندوسية”.
- مليار طالب آخر أعطوك منهجًا مختلفًا أيضًا أسموه “البوذية”.
- 28 مليون طالب، جاؤوا إليك وقالوا لك أن المنهج المطالب به أنت يسمى “السيخية” وهو متواجد عندهم حصرًا.
- سمعت عن 14 مليون طالب يقال إنهم يحملون منهجًا جاءت منه المناهج الأخرى جميعها وهو المصدر الأساسي ولا يحثوك على قراءته ولا يمنعوك منها. وعلمت أن منهجهم يسمى “اليهودية”.
- 7 مليون طالب، قالوا لك لا بأس، إن منهجنا جاء جامعًا ومعترفًا بجميع المناهج الأخرى وأخذ منها أفضلها، ذلك المنهج يسمى “البهائية”.
- أكثر من مليونين ونصف طالب جاؤوا إليك أيضًا، وبدؤوا يقصّون عليك حكايات مصدرهم “زرادشت” وأسموا منهجهم “الزرادشتية”.
وهكذا التقيت بكثيرٍ من الطلاب وتعرفت على كثيرٍ من المناهج، حتى بلغ عدد المناهج 4 آلاف و200 منهج.
ولكن علمت بعض النقاط الهامة جداً بخصوص اختيار المنهج:
- عليك اختيار منهجٍ واحدٍ فقط لا غير، منهجٌ واحدٌ كي تقوم بدراسته واتباعه، ولو قمت باتباع حلول غيره من المناهج ستفشل في اختبار الأستاذ.
- إن كل منهج يختلف عن الآخر، وحتى لو تشابهت المناهج فيما بينها فعليك أن تختار المنهج الذي قام الأستاذ بكتابته حصرًا.
- إن جميع هذه المناهج تدّعي أنها الرسمية، وقد قام الأستاذ بنفسه بنصّها.
- إن جميع هذه المناهج لديها وجهة نظر معينة تدّعي أنها الأصح والباقي خطأ.
- داخل كل منهج من هذه المناهج يتواجد الكثير المتناقضات والطوائف ولا يتفق الطلاب التابعين لهذه المناهج على حلول تشملهم بل هنالك ما يسمى بـ “المذاهب” فمثلاً لدى المنهج الإسلامي يوجد المذهب “السني” والمذهب “الشيعي” ومذهب “الإباضية” ومذهب “المعتزلة” و”القرآنيين” وداخل المنهج المسيحي لديك المذهب “المورموني” والمذهب “الكاثوليكي” والمذهب “البروستانتي” ولا يقتصر الأمر على ذلك فقط بل هنالك الكثير المذاهب الأخرى التي ربما لن تسمع عنها يوماً ما. بل تظهر المذاهب بشكل دوري وأتباعها كثر، وربما يظهر مذهب آخر غدًا.
ذلك الأستاذ الخفي
أحسست بنوع من الظلم وظهرت لديك رغبة في الاعتراض على الأستاذ، فعلمت أن أيّ اعتراض أو تشكيك بطريقة الأستاذ في التعامل مع طلابه تعتبر جريمة لا يمكن تناسيها، بل تتعدّى حدودها أقصى الجرائم، وتؤدّي بك الى عقابٍ أبديّ.
وعلمت أيضًا أن هذا الأستاذ، ورغم أنك لم تره ولن تره ولم ولن تلتقي به، ولكنه يتحكّم في أدق تفاصيل حياتك بل يتحكّم بطريقة سير الإلكترونات في الذرّات المكونة لجسمك وجسم زملائك وجسم السبورة والمقعد وكل شيء، لديه قدرة مطلقة، وعلى الرغم من كل هذا، اختار ألا يُظهر نفسه، ولا يُبدي لوجوده أي دليل. في الحقيقة هنالك بعض النقاط الأخرى الهامة التي علمتها عن هذا الأستاذ:
- هو من وضعك في هذه المدرسة غصبًا عنك ولم يكن لك خيار في هذا.
- أجبرك على خوض هذا الاختبار، ولم يكن لك خيار في ذلك أيضًا.
- لم يوّضح لك ما الغرض من هذا الاختبار.
- يعلم كل ما تفعل ويراقبك في كل شيء.
- بوسعه أن يغيّر أي شيء في حياتك.
- كتب لك – ولجميع الطلاب – ما ستختار من منهج قبل أن تولد حتى، ويعلم بالضبط ما الذي ستفعله في حياتك، وفيما ستقضي وقت فراغك، وجمع ما كتبه عنك في اللوح المحفوظ. لكنه على أية حال، يريد أن يراك تختار منهجًا معينًا ليعاقبك.
- قام هذا الأستاذ بخلق كينونة ما تعرف بإسم “إبليس”. تقوم هذه الكينونة بالوسوسة في عقلك وتشير لك وتحرضك على اختيار مناهج خاطئة. وتلك الكينونة هي مسؤولة عن كل الشرور التي قد تصيبك أو تصيب زملائك. يقدر الأستاذ الخفي هذا، في أي وقت أن يُنهي هذه الكينونة، ولكنه لن يفعل على أية حال.
- لا يهم هذا الأستاذ قدر ما تفعله من الخير، إن كنت لا تتبع المنهج الذي كتبه.
حينما كنت تسير في ممرات المدرسة، التقيت بطلاب يدرسون المنهج الإسلامي ويقومون بقتل وإيذاء طلابًا يدرسون مناهج أخرى، ولم تكن هذه الحالة الوحيدة فهنالك العديد من الحالات التي شهدتها والتي لا تعد ولا تحصى وعلى مر الزمن، وقبل أن تولد حتى، وعلى الأرجح أنها ستستمر بعد موتك، يقوم فيها طلابٌ من المنهج الفلاني بإيذاء طلابٍ آخرين من من منهج آخر. ولا يقتصر الأمر على ذلك، فهناك العديد من النزاعات الدامية بين الطلاب الذين يدرسون نفس المنهج ولكن بمذهب وطرق حل أخرى. والتبرير الوحيد لهؤلاء الطلاب المشاغبين والقتلة والمجرمين هو اختلاف المناهج لا غير.
أولئك الآخرون
في يومٍ ما، التقيت بمجموعةٍ يبلغ عددها مليار ومئة مليون شخص، هؤلاء لا يتبعون أي منهجٍ، ولم يتبنوّا حتى أي منهج، يقولون عن كل تلك المناهج بأنها مجرد كذبة كبيرة، قال لك بعضهم بأن هذا الأستاذ على الأرجح لا وجود له، ولكنه مجرد أسطورة. وقال لك بعضهم الآخر، أنهم لا يمكنهم أن يقرّوا ولا أن ينفوا وجود الأستاذ، ولكن أسلوب حياتهم لا يتأثر به مطلقاً. لكنك على العموم لست تعيش في مدرسة، بل هذه التي تعيش فيها إسمها كوكب الأرض تتواجد بالقرب من مليارات الكواكب والنجوم الأخرى داخل مجرةٍ واحدة، وهذه المجرة تتواجد قرب مليارات المجرات الأخرى التي قد تضاهيها في الحجم، وكل هذا يتواجد بما يسموه “الكون المُشاهد” ولربما يكون “الكون الغير مُشاهد” يضاهيه حجمًا. فلا مركزية ولا أهمية لهذا المكان.
سألتهم من أين يستقون معلوماتهم هذه؟ وماذا عن بديل للمناهج الكاذبة الأخرى؟ فأجابوك أن لديهم ما يسموه بـ “المنهج العلمي” وهو ليس كالمناهج الأخرى جميعًا ليس مبنيًا على الإيمان الأعمى، بل هو منهج مبني على الاختبارات والتجارب والمشاهدة، شأنه أن يحسّن ويرتقي بوجودك في هذا الكون. ومسألة تصديقه، أي هذا المنهج، هي أمر اختياري، ولكنك ستحتاجه بين الحين والآخر، بل يحتاجه جميع أتباع المناهج الأخرى ويلجأون إلى استخدامه حين يتعرّضون لما لا يقدر على مساعدتهم فيه منهجهم أو أستاذهم حين تصيبهم الإنفلونزا أو أي داء أو اضطراب شبيه مثلاً. هذا المنهج لا يمكن تكذيبه بشكل اعتباطي. علمًا أنه يرحّب بأي شخص يود تكذيبه ولكن بشرط أن يكون تكذيبه مبني على أسس التجارب والاختبارات والمشاهدة. وبهذا سيكون قد حَسَنَ من هذا المنهج في الحقيقة.
وهذه المجموعة تضم عباقرة العالم بدءاً من ديمقراطوس وأبيقور وسيغموند فرويد وبرتراند راسل وباول ديراك وبيتر هيغز ووارين بافيت وكارل ساغان وجورج كارلين وستيفن جاي جولد وريتشارد داوكينز ودانيل دنيت وستيف ووزنياك وانتهاءاً بستيفن هاوكينغ وآلان تورينغ وروزلاين فرانكلين ونيل ديغرايسي تايسون والفريد كينيزي وإيوجين سكوت وتوماس إيدسون ومارك زوكربيغ.
منشورات ذات شعبية