متاهات منطقية في الغيبيات الإسلامية:الجزء الأول – الجنة وأهل الأعراف:

الجنة, حلم كل مسلم. أشعر بالإضطراب دوماً حينما أتخيل المؤمنين وهم يعيشون حياتهم بمجملها لتجارب قيل لهم سوف تحصل بعد مماتهم. لا أكاد أحتمل الموقف الذي يعيشه كثير من أصدقائي وعائلتي وما يقارب التسعون بالمئة من مجتمعي. هل هؤلاء صحيحون عقلياً ؟ كيف يمكن لشخص ما أن يكرس حياته من أجل مماته ؟

قبل الخوض في تفاصيل المتاهات المنطقية في جنة المسلمين, دعوني أذكر لكم النظرية لأنثروبولوجية في تفسير نشوء فكرة الحياة بعد الموت. إذ تعتبر تجربة فقدان أحد ما قريب منك تجربة قاسية ومرة في المقاييس, وكذلك هو الحال في المجتماع الإنسانية البدائية.

في ليلة ما يشعر زميلك في الكهف بتوعك صحي, لا تجد له تفسيراً منطقياً بحسب ما تحتمله عقليتك البدائية المحدودة. وفي الصباح, تجده لا يتحرك, لا يتنفس, لا يستجيب, تصرخ في إذنه, تحرك ذراعه, تحرك ساقاه, ومن الممكن أن تداعبه. وحين إستمرت الحالة على ذلك, تتخيل وكأن شيئاً من جسده قد أزيل. نعم قد زال نفسه, فهو بالفعل لا يتنفس. ولكن يا ترى أين ذهب نفسه ؟ تبحث عن نفسه في جدران الكهف, في الغابة, ينتابك الخوف. ربما ذهب نفسه في مكان لا تستطيع الوصول إليه؟ نعم, بالفعل فهو قد صعد إلى السماء حيث لا تبلغ. أو ربما يكون نزل الى أسفل الأرض, أبعد مما تستطيع أن تحفر. على كل حال, بدء جسده يخرج رائحة غير طيبة, لن تستطيع أن تقذف جسده الى السماء, ولكن تستطيع أن تحفر حفرة في الأرض لعله يجد نفسه ويعود. إنتظرت طويلاً ولم يعد, يا ترى أين ذهب؟ هل ذهب الى السماء؟ أم إلى الأرض؟ ما هو المحدد الذي يتم وفقه إختيار منزلة زميلك في الكهف هذا؟ هل ستصل أنت الى هذه الحالة يوماً ما؟ أين ستذهب أنت؟ هل ستقابل زميلك الحبيب هناك؟ ربما يتوجب عليك أن تفكر في هذا الأمر ملياً. ماذا سترى إن كنت في السماء؟ وماذا سترى إن كنت في أسفل الأرض؟

بالتأكيد فإن التراجيديا التي كتبتها في هذه السطور أعلاه تمثل تحدياً شاقاً للعقل البشري. وبالفعل, فإن الكلمة العربية “الروح” ما هي إلا ترجمة للكلمة العبرية “نفس” أو “نفش” (nafish). وفي العقيدة اليهودية والمسيحية فإن الجحيم تقع في أسفل الأرض وتقسم الأرض الى سبعة أقسام. والجنة تقع في أعلى السماء وكذلك تقسم السماء الى سبعة أقسام. وهكذا أخذت هذه العقيدة بالإنتشار في أديان بدائية أخرى حتى وصلت إلى الإسلام أيضاً.

هكذا بدء العقل البشري المحدود يضع سيناريوهات لتجارب أخرى بعد الموت. وأخذ يطور فيها بشكل يتناسق مع محددات خياله وطبيعته وبيئته. أخذ يضفي بعض المزايا وينزع مزاياً أخرى. وصف تلك التجارب التي ستحصل بعد موته (حياة ما بعد الموت) بأنها أبدية الزمان. أخذ يضفي تجارب أخرى, كعذاب القبر وعالم البرزخ. وحينما إحتاج, بدء يستغل وصف الجنة ووصف النار في الحصول على جهود بشرية لمصالحه كالجهاد والشهادة والزكاة والعبودية والقتل وما إلى ذلك.

وبعد مرور العديد من السنين, بدأت تتجلى للإنسان حقيقة الموت, فلم يكن هنالك داعياً لأن يخلق الطبيب أعذاراً إلهية لموت مريضه على فراش المستشفى أثناء تقديمه ودراسته للحالة (سوى بعض المخلفات البدائية التي ما زالت تسكن الوطن العربي). علم الإنسان أسباب توقف القلب, بدء يدرس الإدراك والوعي والتفكير والحالات النفسية والأمراض العقلية بشكل علمي مبني على الملاحضة التجريبية. لا توجد اليوم أي نظرية علمية تعزي الموت الى رغبة إلهٍ ما, ولا أي دراسة نيورولوجية (عصبية) تثبت أن الوعي سيستمر بعد الموت. ولكن الأديان – بطبيعتها – تغزو التفكير الناقد للإنسان, وتمحو عنه إمكانية التشكيك في مصداقيتها.

وحتى لو قمنا بإزالة الأسباب العلمية التي تدعو للتشكيك بصحة وجود الجنة أو النار أو حتى دور إلهٍ ما في توقف “نفش” إنسان يرقد على فراش المستشفى, فستبقى هنالك تحديات منطقية لم تجتزها هذه المعتقدات.

عزيزي القارئ, دعك من كل ما يقوله العلم والطب الحديث مكذباً الترهات الدينية, ولتفكر في دخول جنة عرضها عرض السماوات والأرض لها عدة أبواب ووفيها شبابيك تطل على النار وشبابيك تطل على وجهه تعالى, ومدة وجودك فيها أبدية. فلتفكر في هذه الأبدية قليلاً. حسناً لديك نهر من الماء وأخر من الخمر وأخر من العسل أو الطيب ولديك إثنان وسبعون حورية عين, وتستطيع أن ترقد على ظهرك فيأتين هؤلاء ليمتعنك ويشبعن رغباتك وتتدلى بعد ذلك شجرة التفاح ناطقة لتقول لك أقطف يا هذا. حياة سعيدة, أليس كذلك؟ ولكن إلى متى؟ عشر سنوات؟ عشرين سنة؟ خمسين؟ ألف؟ مليون؟ مليار؟ تريليون؟ شيزيليون؟ براميليودوراليون؟ كم ستطيق عيش هذه الحالة حتى تطلب بنفسك الموت؟ هل تعد نفسك وأنت في هذه الحالة إنساناً.

عزيزي, حينما كنت طالباً كنت أخذ النقود من أبي وأمي لأشتري علبة سكائر أو لأشتري “لفة فلافل”. ولكن الأن كل هذه يبدو لي طعمها أطيب بألف مرة حينما أصبحت تأتي من عرق جبيني. عزيزي, غازلت في مراهقتي فتيات كثيرات, حتى لا أذكر أسماءهن أو حتى عددهن, ولكن يا محلى العيش في حضن زوجتي, ويا طيب قبلتها في الصباح قبل أن أذهب الى العمل. هكذا أنا أعد نفسي إنساناً. وصدقني عزيزي, لا يقتصر الأمر على كاتب هذه الأسطر, بل إسئل أي فلاح يحكي لك عن طيبة ثمراته بعد أن أتت بعرق جبين كثير. وأسأل أي طبيب عائدٍ من المشفى بعد أن أنقذ حياة شخصاً أو شخصان. وأسئل الممرضة “سلوى” – زميلتي في العمل – كيف يكون شعورها وهي تخرج حياة جديدة على هيئة طفل عمره ثوانٍ معدودات من أحشاء أمه التي حملته تسعة أشهر. ولتعد لتسألني أنا عن طيبة غداء زوجتي بعد يوم عمل مرهق وهي تضعه على الطباخ. وبصراحة, أجد في بعض الأحيان متعة من نوع أخر حين يحترق الأكل لأزعل منها وتأتي فتصالحني. فهل ستسغني عن كل هذا؟ هل ستعد نفسك إنساناً بفقدانك لكل هذا؟

وماذا عن الأطفال؟ بلغت أشد سعادتي حينما ولدت إبنتي “ليلى” وحملتها على ذراعي وها هي الأن تطلب مني أن أشتري لها “أي فون” وتذهب الى المدرسة كل صباح, كل هذه المتع (أقصى أنواع المتع) لن أعرفها في الجنة. هل تعلم لماذا؟ لأن من ألف مفهوم الجنة لم تخطر على باله, وحددته كما ذكرت لك سابقاً بيئته الصحراوية البدائية. حيث كان يفتقر الى الأعشاب والأشجار والأنهار وكانت تغزوه شهوة كبيرة لنساء بيضاوات. ناهيك عن الرجل الأسود إن أراد في الجنة نساء سوداوات.

عزيزي القارئ, ماذا لو طلبت في الجنة سكائر؟ ماذا لو طلبت بسكويت, ماذا لو طلبت موبايل؟ ماذا لو طلبت إشتراك أنترنت؟ ماذا لو طلبت برامج apps أقوم بتنصيبها على الموبايل. قد يبدو لك الأمر سخيفاً, ولكن فلتفكر فيه ملياً.

ولنأخذ جانباً أخر ومتاهة منطقية أخرى. قيل لي يوماً ما أن للجنة أبواب, وما زلت الى يومنا هذا, أتساءل عن وضيفة هذه الأبواب! فبما أن هنالك أبواب, فلا بد أن تغلق بطريقة أو أخرى وفي وقت أو أخر. ولا بد لها أن ترتبط بجدران. عدا ذلك فوضع أبواب مفتوحة ليلاً ونهاراً على فراغ لا على جدران يعد أمراً غبياً بعض الشيء. ولو تواجدت الجدران وغلقت الأبواب, فما الغرض منها؟ هل هنالك شخصاً قد يحاول الهروب من الجنة؟ هل هناك من سيحاول التسرب الى داخل الجنة؟ ألا يستطيع الله بكل قواه الميتافيزيقية الجبارة اللامتناهية أن يمنع الهروب أو التسرب دون الحاجة الى جدران؟ أو على الأقل أن يضع حقلاً طاقوياً يمنع المرور من خلاله في حال أن سهو تعالى وحاول أحدهم أن يعبر الحاجز. بالتأكيد لم تكن على بال مؤلف مفهوم الجنة هذه الأفكار فتخليها كقصر يسكن فيه.

أمر أخر, في حالة أن تواجد للجنة حاجز أو جدار وأبواب, لابد أن تكون الجنة محدودة المساحة مهما بلغت مساحتها من العظم, ألم يستطع الخالق ذو القدرات اللامتناهية أن يخلق جنة غير محدودة المساحة؟ أم هو أمر أخر لم يخطر على بال مؤلف هذه الترهات السخيفة.

وصفت بعض النصوص الدينية الإسلامية الجنة بأنها لها عرض يبلغ عرض السماوات والأرض, فلتفكر ملياً في هذه الجملة, أولاً الأرض ليس لها عرض, لأنها ليست مسطحة, بل هي كروية. وحتى إن كان القصد من هذا قطر الأرض, فهذا مثال سخيف ضعيف البلاغة. فهو كالقول بأن عرض بيت فلان كعرض حبة رمل وعرض مليون فدانٍ زراعي. هل وصلتك الفكرة؟

ويأتي في بالي أمر أخر, وهو أهل الأعراف – مكان ما بين الجنة والنار –  فتخيل أنهم جالسون ما بين الجنة والجحيم لمليون تريليون شيزيليون سنة. هل يحاول الله أن يحرق قلوبهم. صدقني عزيزي, لو وضعني الله في الأعراف لأسبه وألعنه وأشتمه بكل قدراتي اللغوية وكل ما أنتقيته من ألفاظ الشوارع. وحتى لو دخلوا الجنة بعد بضعة من الوقت, أود منك الإجابة الصريحة على سؤال يخطر في بالي: لماذا وضعهم الله في تلك المكان وهو سيدخلهم عاجلاً أم أجلاً الجنة؟

جميع تلك المتاهات المنطقية – كما أحب تسميتها – بعيدة عن المفاهيم العلمية, وإن أخذنا بالمفاهيم العلمية ووضعناها جنباً الى جنب مع الجنة, لضحكنا وضحكنا وضحكنا كثيراً. فهل تسمي دينك منطقياً؟ مثلما كان رجل الكهف يبحث عن نفس زميله, أنا أبحث عن تفكيرك الناقد, وأتمنى أن أجده يوماً ما.