رغم أن العلم كشف الكثير عن خفايا وألغاز السموات والأرض، وكشف حقيقة أنه لا توجد سمواتٌ سبعٌ، ولا حتى أرضون سبع إلا أن الأغلبية العظمى من البشر يؤمنون ويبصمون بأصابعهم العشرة أن هناك 7 سمواتٍ و7 أرضين، ويسوقون الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لتأكيد ما يؤمنون به في تحدٍّ سافرٍ للإنجازات العلمية التي حققها العلماء خلال مئات السنين، بل إن بعض المتعالمين منهم – أيّ مدّعي العلم – يأخذون المنجزات العلمية ويحاولون ليّ عنقها وتأويلها؛ لتتناسب مع مزاعمهم الدينية، وخذْ عندك مثالاً لذلك المدعو زغلول الفشار والمدعو صبري الدمرداش الذي يلقي على عقول المسلمين العرب كلّ أسبوعٍ في إحدى القنوات الفضائية سخافاته عليهم لينتزع من المؤمنين منهم آهاتٍ وتسبيحاتٍ، ويحصد من المفكرين منها لعناتٍ، ويصيبهم باليأس في نهضة هذه الأمة من كبوتها التى أوقعها هوسها بالدين فى براثنها وأصبح بينها وبين العالم المتقدم ملايين الفراسخ، بل قلْ مئات السنوات الضوئية، وفي هذا الملف سنحاول تفسير حقيقة السموات السبع والأرضين السبع فى الميثيولوجيا والمعتقدات الدينية المختلفة، وكذلك سنحاول توضيح حقيقة الرقم 7 المقدس وأسباب تقديسه.
السموات السبع من الأساطير القديمة إلى الأديان السماوية
عقل الإنسان البدائي كان ينظر لكلّ ما يحيط به بدهشةٍ وخوفٍ، ينظر إلى السماء فيعتقد أنها مجرّد سقفٍ مثل سقف البيت الذى يحتمى فيه من المطر والبرد، ليس ذلك فحسب بل يعتقد أنها طبقاتٌ فوق بعضها البعض، وعندما ينظر الى الأرض تحت أقدامه يظن أن هناك مخلوقاتٍ أخرى في طبقاتها السحيقة، وقد قسّمها أيضاً مثل السماء إلى طبقاتٍ سبعٍ، في كلّ طبقةٍ منها يعيش نوعٌ من الكائنات يتناسب مع طبيعة هذه الطبقات السحيقة المظلمة، إن الرمزية الأسطورية مستوحاةٌ من تراث الشعوب السامية القديمة، فقد كان للبابليين نفس ذلك التصور للسماوات السبع، وكانت تحيط بمدينة الورقاء سبعة أسوارٍ، كما كان ذالك التصور موجوداً لدى الفرس في الزرادشتية، وفيها صفة السماء الأولى بين حرّ النار وبرد الثلج، وهي مطابقةٌ لما ورد في قرآن المسلمين واستفاض الشُراح فى تفسيره فى التفاسير الإسلامية، ولا بدّ أن تلك المعتقدات قد نقلت بين سائر شعوب المنطقة، بدليل أننا نجدها في الكتب الدينية مثل التلمود الذي فُصّلت فيه صورة السموات ومعراج النبي إدريس على اختلاف رواياته، كما ذكر في كتاب أنوش أو أنس الله أو أدريس المحفوظ كاملاً باللغة السلافونية الكنسية القديمة بجزئيه (The secret of Enoch) و (Second Book of Enoch) وكذلك كتاب أخنوخ المترجم عن النسخة الحبشية.
وربما يكون القسم الأول من الكتاب الثاني لإدريس الذي يعتبر من النصوص اليهودية المعترف بها أكثرها وضوحاً في تفصيل وتصوير السموات السبع في قصة معراجه إلى السماء ورؤيته لسكانها ومقابلته لله شخصياً في السماء السابعة.
[Converted_” width=”375″ height=”1024″ />حيث يذكر الكتاب أنه عندما بلغ إدريس من العمر 365 جاء ملكان إليه وحملاه خلال السموات السبع، واحدةٌ تلو الأخرى، حيث وصف السماء الأولى أنها مكانٌ تسيطر فيها الملائكة على الظواهر المناخية من رياحٍ وطقسٍ، والسماء الثانية فيها سجون الملائكة المتمرّدين والعصاة، وفي السماء الثالثة توجد الجنة والنار لبني البشر، والسماء الرابعة مكانٌ لحركة الشمس والقمر والموصوفة بدقّة، وفي السماء الخامسة يوجد العمالقة من الملائكة الغريغوريين الذين يبكون مصابهم، والذين وصفهم أنهم يشبهون البشر، لكن لهم قاماتٌ عظيمةٌ أكبر من العمالقة، ولهم مئتا أمةٍ، وهم من الملائكة الذين رفضوا طاعة الله، وقد حاول إدريس أن يقنعهم بالعودة إلى طاعته، وذكر في مقاطعٍ أخرى من الكتاب أن (الغريغوريين) نزل منهم البعض إلى الأرض وتناسلوا مع البشر ونشروا في الأرض البلاء والخطيئة، أما السماء السادسة ففيها ملائكةٌ مسؤولون عن تصريف شؤون الكون والناس، أما السماء السابعة ففيها يصف إدريس كيف قاده جبريل إليها، حيث قابل الله وجهاً لوجهٍ، ومسحه الملك ميخائيل بالزيت فأصبح شبيهاً بالملائكة، وهنا أمر الله الملاك فرفائيل (Vereviel) أن يعلّم إدريس 360 كتاباً، فيها كلّ ما هو معلومٌ، وبعد ذلك أطلعه الله على أسرار الخلق التي لا تعلمها حتى الملائكة، ثم عاد إلى الأرض لمدة ثلاثين يوماً.
وكذلك نجد وصوفاتٍ مشابهةً في معراج مانيتون السمنودي فى أسفار التكوين المصرية «الجبتانا» وإن كان الوصف وطريقة العروج إلى السماء لملاقاة الآلهة أكثر عقلانيةٍ ومنطقيةٍ من القصة الإسلامية عن الإسراء والمعراج إلى السموات السبع.
وما لا بدّ لنا ذكره هو قصة المعراج التي قام بها محمّدٌ والتي وصلتنا عن أحاديثه في كتب التراث، ولعل أكثرها إضاءةٌ للفكرة حديث أبي سعيد الخدري عن المعراج الموصوف في كتاب السيرة النبوية لابن هشامٍ، حيث تذكر القصة عروج محمد مع جبريل إلى السموات بالترتيب ولقائه بالأنبياء من قبله، كلّ نبيٍّ في سماءٍ، ومشاهداته ووصوفاته لهذه السموات، وقد بيّن لنا الثعالبي أن للسموات صفاتها، والمعادن والعناصر التي اشتقّت منها وسكانها.
عن ابن عبّاسٍ أن السماء الأولى زمردةٌ خضراء، وأن الثانية من فضةٍ بيضاء، والثالثة من ياقوتةٍ حمراء، والرابعة من درّةٍ بيضاء، والخامسة من ذهبٍ أحمر، والسادسة من ياقوتةٍ صفراء، والسابعة من نورٍ .
عن الربيع بن أنسي أن السماء الدنيا موجٌ مكفوفٌ، وأن الثانية من صخرةٍ، والثالثة من حديدٍ، والرابعة من نحاسٍ، والخامسة من فضةٍ، والسادسة من ذهبٍ.
عن وهب ابن منبه أن أسماءها تباعاً: ديناح, ديقا، رقيع, فيلون, طفطاف, سمساق, إسحاقائل، وفي روايةٍ أخرى أن أسماءها تباعاً: أديما, بسيطا, ثقيلا, بطيحا, متثاقلة أو حينا, ماسكة, وثرى .
وفي وصوفاته لها ذكر الثعالبي أن السماء الدنيا كالحديد المجلي واسمها برقيعا، سكانها ملائكةٌ خلقوا من نارٍ وريحٍ، عليهم ملاك يقال له الرعد موكّلٌ بالسحب والمطر، والسماء الثانية كلون السحاب واسمها قيدوم، فيها ملائكةٌ عليهم ملكٌ اسمه حبيبٌ، نصفه نارٌ ونصفه ثلجٌ بينهما رتقٌ، والثالثة لونها كلون الشبة (الماعون) سكانها ملائكةٌ ذوو أجنحةٍ ووجوهٍ شتّى، والسماء الرابعة كلون الفضة واسمها فيلون، وسكانها ملائكةٌ، والخامسة على لون الذهب الأحمر واسمها لاحوق، والسماء السادسة من ياقوتةٍ حمراء اسمها عاروس، فيها جند الله الأعظم الكروبيون، عليها ملاكٌ جنده سبعون ألفاً، والسماء السابعة من اسمها رقيع درة بيضاء فيها جنود الله من الملائكة وفوقها مرهوثا، وهي غمامةٌ بها رؤساء الملائكة ذوو وجوهٍ شتى وأجنحةٍ وأنوارٍ والعرش في العليين .
إن المتتبّع لأنواع المعادن التي ذُكرت يجد بعض التماسك في صلب كلّ روايةٍ من الروايات، فهي تتدرّج في النقاوة من الأسفل للأعلى، ففوق الحديد النحاس ثم الشبّة ثم الفضة البيضاء، كما أن هناك ضرباً من تصنيف الألوان في تدرّجٍ من لون الحديد المصقول إلى بياض الفضة، فحمرة الذهب فلآلئ الياقوت الأحمر فبياض الدرة وهو لون النور.
وتختلف رواية ابن عباس في أنها تجعل من السماء الدنيا زمردةً خضراء أو رخاماً أبيض، وأتت خضرتها من خضرة جبل قاف، وهذا ما ذكره المقدسي في كتاب البدء والتاريخ .ونجد المنطلق ذاته في رواية الربيع ابن أنس، فيتدرّج من الخسيس إلى الشريف النفيس، إذاً لا بدّ أن وراء هذا التصنيف مراجع وأصولاً ثقافيةً ورمزياتٍ كانت ساريةً في تلك المجتمعات التي أمدّت مخيلة مبتدعي هذه الحكايات العجيبة بمادتها، ولاسيما أهل الكتاب وأصحاب الصنعة، أي الكيميائيون القدامى .
إن تصنيف السموات وسكانها يتطابق مع الأفلاك والكواكب السبعة، ويتطابق أيضاً مع أيام الأسبوع وما يستحبّ فيها من أعمالٍ.
- فالسماء الدنيا يوافقها القمر، معدنه الفضة، بيته السرطان، طبعه باردٌ، رمزه الوزير في المجتمع، يوافقه من أيام الأسبوع الإثنين ويستحبّ فيه السفر.
- السماء الثانية فيوافقها عطارد، معدنه الزئبق، بيته الجوزاء والسنبلة، مزاجي الطبع، رمزه في المجتمع الكاتب، ساكن هذه السماء الموكّل بها ملكٌ نصفه نارٌ ونصفه ثلجٌ، ويوافقه من أيام الأسبوع الأربعاء.
- يوافق السماء الثالثة كوكب الزهرة، معدنه النحاس، بيته الثور والميزان، رمزه امرأةٌ حسناء، يومه الجمعة المناسب للهو والفرح.
- السماء الرابعة فتوافقها الشمس، معدنها الذهب، بيتها الأسد، رمزها في المجتمع الملك، طبعها الحرارة، يومها الأحد الذي يستحسن فيه بداية العمل والبناء، كما أن الله بدأ الخلق فيه.
- السماء الخامسة يناسبها كوكب المريخ، معدنه الحديد، بيته الحمل والعقرب ومن الحديد آلة الحرب، طبعه الحرارة، رمزها الشرطي المعذّب، يومها الثلاثاء وتستحبّ الحجامة فيها والفصد وسفك الدماء.
- السماء السادسة يناسبها المشتري، بيته القوس والحوت، معدنه القصدير، معتدل المزاج، يرمزون له بالقاضي العادل، ويومه الخميس يوم قضاء الحوائج.
- السماء السابعة والأخيرة فيوافقها كوكب زحل، بيته الجدي والدلو، معدنه الرصاص ذو طبعٍ باردٍ، رمزه الشيخ، ولما كان يومه السبت آخر يوم من أيام الخلق فإنه جعلوه للراحة والتفرّغ للصيد .هذا ما ذكره المقدسي في كتاب البدء والتاريخ وكتب التفسير في تفسير آيات سورة التكوير «فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ﴿15﴾ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ﴿16﴾». كما ذكرت هذه الوصوفات والأسماء في روايات المدراش عن الحبر لاكيش والحبر أليعازار مع بعض الاختلافات الطفيفة في التسمية والترتيب.
الأرضون السبع
إن فكرة الأراضين ليست بالفكرة القديمة كما هي فكرة السموات، وإذا تتبّعنا مصدرها سيقودنا البحث للوصول لهضبة التيبيت والبوذية ومدينتها الفاضلة شامبالا التي تقع في جوف الأرض، والتي يستقبل كهان البوذية أوامرهم منها عبر أنفاق إلى باطن الأرض، أما جعل ما تحت الأرض طبقاتٍ وأراضين وعوالم فهذا كان من إضافات الإسلام وانعكاسٍ عن فكرة السموات السبع القديمة، حيث قدم الإسلام الأراضين كجزءٍ إضافيٍ على الصورة الميثيولوجية القديمة للكون، فالأرض وما تحتها لها العديد من القصص والحكايات والأساطير في معتقدات الشعوب المختلفة، لكننا سنركّز على الدين الإسلامي والآيات القرآنية والتفاسير المختلفة .
ذكر القرآن النون، وأقسم به وسُمّيت سورةٌ كاملةٌ باسمه بدايتها كالتالي: ن والقلم وما يسطرون (1).
ومن تفسير ابن كثير لهذه الآية:
حدثنا ابن بشار، حدثنا يحيى، حدثنا سفيان- هو الثوري- حدثنا سليمان – هو الأعمش- عن أبي ظبيان، عن ابن عباس قال: أول ما خلق الله القلم قال: اكتب. قال: وما أكتب ؟ قال: اكتب القدر. فجرى بما يكون من ذلك اليوم إلى يوم قيام الساعة. ثم خلق «النون» ورفع بخار الماء، ففتقت منه السماء، وبسطت الأرض على ظهر النون، فاضطرب النون فمادت الأرض، فأثبتت بالجبال، فإنها لتفخر على الأرض، النون (الحوت العظيم) الذي يستقر على الماء، والماء يستقر فوق الريح.
حديثٌ آخر في ذلك: رواه ابن عساكر، عن أبي عبد الله مولى بني أمية، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول:
«إن أول شيء خلقه الله القلم، ثم خلق النون وهي: الدواة. ثم قال له: اكتب. قال وما أكتب ؟ قال: اكتب ما يكون – أو: ما هو كائنٌ – من عملٍ، أو رزقٍ، أو أثرٍ، أو أجلٍ . فكتب ذلك إلى يوم القيامة، فذلك قوله:) ن والقلم وما يسطرون) ثم ختم على القلم فلم يتكلم إلى يوم القيامة، ثم خلق العقل وقال: وعزتي لأكملنّك فيمن أحببت، ولأنقصنّك ممن أبغضت».
نأتي هنا إلى تفسير المَلك ذي الشكل الآدمي الذي يحمل الأرض مباشرةً، فنرى أن به شبهاً كبيراً من أطلس الحامل للكرة الأرضية عند اليونان القديم، ولاسيما أن عنصراً آخر من هذه العناصر هو الهواء أو الريح الذي كان في نظرة القدامى مقترناً بالظلمات كما ذكر المقدسي في كتاب البدء والتاريخ في الجزء الثاني، أما الثور فلعل وجوده بقيةٌ باقيةٌ من دوره في أساطير المنطقة حيث كان إلهًا من الآلهة اقترن بالقمر لدى الساميين، وكان عند المصريين القدماء إلهًا نتج الكون من استنمائه (جون ولسون – ما قبل الفلسفة) ويذكرنا هذا أيضا بالبقرة السماوية «نوت»، وقد طرح كتاب مشارق أنوار اليقين للحافظ اسم الثور حيث دمج بين المَلك والثور باسم واحد هو «أرياكيل»، وبين مفصل إبهامه وراحتيه أربعون سمةً، وله أربعون ألف قائمةٍ وسبعمئة قرنٍ، وليس هذا الأمر غريباً إذا تذكّرنا أن الأتراك والمغول كانوا يتصوّرون أن الأرض محمولةٌ على ظهر سلحفاةٍ .
كما ذُكِرَ في خطبة البيان للإمام علي تصوّرٌ شبه مطابقٍ عن الأراضين السبع، والتي ننقل منها النص التالي:
قالوا يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الأراضين السبع وكيفيتها، فقال رضي الله عنه: أما الطبقة الأولى فركبها على البحر كلّ أرضٍ إلى الأرض التي تليها خمسمئة عامٍ وهي سبع أطباقٍ، والأرض الثانية بنخر الريح المختلفة، ومنه قوله تعالى (وتصريف الريح)، والأرض الثالثة خلق الله فيها خلقاً وجوههم كوجوه بني آدم، وأفواههم كأفواه الكلاب، وأيديهم كأيدي الناس، وأرجلهم كأرجل البقر، وأصوافهم كأصواف الضان، لا يعصون الله طرفة عين .
وهنا تتطابق الوصوفات مع ما ذكر سابقاً للثعالبي باختلاف تفاصيل طفيفةٍ في عدد فقرات أذناب العقارب من 360 إلى 300 . وأضاف الإمام علي إلى هذا الوصف ذكر قارون حيث خسف الله به الأرض فينزل في الأرض كل يومٍ قامة فلا يبلغ إلى القعر إلا يوم القيامة (عجائب الملكوت – عبد الله الزاهد).
إن الخوض في تلك الأساطير ودراسة مفاهيم العرب القديمة تسلّط الضوء على فكر ومعارف وثقافة تلك الشعوب التي تميزت بإسقاطات الحيوان والنبات والطعام بصورته المحلية الضيقة وبتصويرٍ مبالغٍ فيه للتفاصيل، وحتى إسقاط البنى الهرمية للسلطة التي كانت موجودةً في ذلك الزمان، وهذا هو التوجّه والمنهج الصحيح في دراسة الأسطورة والفكر الأسطوري القديم.
في هذه الأيام يتشدّق علينا الكثير من المحدّثين بالدين والعلم واللابسين لعباءتهما مثل عبد الدائم الكحيل وزغلول النجار بطرح قصصٍ وتفسيراتٍ حديثةٍ جديدةٍ لا تمت لواقع النصوص والعقائد الأصيلة بصلةٍ، فتارةً يقومون بادعاء أن الطبقات الجيولوجية هي الطبقات المذكورة في القرآن حتى لو لم يطابق كلامهم الواقع، فيقومون بإعادة ترتيب وتقسيم الطبقات الجيولوجية حسب ما يتوافق مع ادعائهم؛ لينجح الإعجاز العلمي الذي يؤمّن لهم التبجيل والرزق في مجتمعٍ عطشٍ إلى أي شيءٍ يمنحه شعوراً بالقيمة، و حتى لو كان مجرّد تدليسٍ.
بعض تجلّيات الرقم سبعة
ليس للأعداد والأرقام أيّ قيمةٍ خاصةٍ واقعيةٍ في ذاتها، لكنها ارتبطت بالأساطير والمثيولوجيا، ما أكسبها قيماً قدسيةً وميثيولوجيةً معيّنةً جعلتها ذات تأثيرٍ، ومن هنا أتى تمييز بعض الأعداد عن غيرها مثل الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة والسبعة والاثني عشر والخمسة عشر، ولعل الرقم 7 هو أشهر الأعداد لدى الكثير من الشعوب القديمة، وتقديسه لم يقترن بالكواكب السيّارة إلا في زمنٍ متأخّرٍ عند ازدهار علم التنجيم، ونطرح هنا بعض تجليات الرقم 7 في حضارات الشعوب، وبالأخصّ الشرق أوسطية.
قال وهب بن منبه(1):
كادت الأشياء أن تكون سبعةً، فالسموات سبعٌ والأرضون سبعٌ والجبال سبعٌ والبحار سبعٌ وعمر الدنيا سبعة آلافٍ والأسام سبعةٌ والكواكب سبعةٌ وهي السيّارة، والطواف بالبيت سبعة أشواطٍ، والسعي بين الصفا والمروى سبعةٌ، ورمي الجِمار سبعةٌ، وأبواب جهنم سبعةٌ، ودركاتها سبعةٌ، وامتحان يوسف عليه السلام سبع سنينٍ, قال تعالى: «فلبث في السجن بضع سنينٍ» وإيتاؤه ملك مصر سبع سنينٍ «وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبعٌ عجافٌ»، وكرامة الله للمصطفى (محمد) سبعٌ، قال الله تعالى:«لقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم» والقرآن سبعة أسباعٍ، وتركيب ابن آدم على سبعة أعضاءٍ، وخلقه من سبعة أشياءٍ (مراحل) فقد قال تعالى:«ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين .. إلى قوله .. تبارك الله أحسن الخالقين» ورزق الإنسان وغذاؤه من سبعة أشياءٍ قال تعالى:«فلينظر الإنسان إلى طعامه .. إلى قوله .. متاعًا لكم ولأنعامكم».
وعلى خلفية تقديس الرقم 7 تمّ تقديس الرقم 15 وهو عدد السموات والأرضين بالإضافة للمركز (الأرض التي نعيش بها) وعدد أيام الشهر القمري 7 مضروبةٌ في 4، وكذا من الأرقام سبعون، سبعة آلافٍ، سبعمئة، وذكر الديار بكري في تاريخ الخميس أن القدماء قالوا: (الدنيا سبعة أيامٍ كلّ يومٍ ألف سنةٍ) ونجد اهتمام القدماء في الحضارات السامية والمشرقية بالرقم سبعة، حيث أسقطوه على الكثير من ثقافاتهم فنرى أن العرب قد صنّفوا قصائدهم المختارة في سبع طبقاتٍ، جاعلين في كلّ منها سبع قصائدٍ، كما يظهر في (جمهرة أشعار العرب) لأبي زيد القرشي، وقد اختار من الشعر الجاهلي والمخضرم تسعاً وأربعين قصيدة صنّفها على سبع طبقاتٍ، في كلّ طبقةٍ سبع قصائدٍ .كما اعتقد العرب أن الفنون الرئيسية سبعةٌ: الشعر القريض، الموشح، الدوبيت، الزّجل، الموّال، الكان وكان، القوما، كما علّقوا أفضل القصائد الجاهلية على الكعبة قبل الإسلام، وسُمّيت بالمعلقات السبع لشعراءٍ سبعةٍ: امرؤ القيس، زهير بن أبي سلمى، طرفة بن العبد، عمرو بن كلثوم، عنترة بن شداد العبسي، لبيد بن أبي ربيعة العامري، الحارث بن حلزة اليشكري.
وعند العرب القدماء كانت تعتبر القِداح (الكؤوس المقدسة) الواسطة بين الناس والآلهة، وقد ذكروا أنه كان أمام هبل في جوف الكعبة سبعة أقدحٍ يستقسمون بها إذا اختصموا في أمرٍ أو أرادوا سفراً أو عملاً، فما خَرَجَ عملوا به انتهوا إليه. وقال ابن واضح(2): (كانت العرب تستقسم بالأزلام في كلّ أمورها، وهي القِداح. ولا يكون لها سفرٌ ومقامٌ، ولا نكاحٌ ولا معرفة حالٍ إلا رجعت إلى القِداح. وكانت القداح سبعةً. فكانوا إذا أرادوا أمراً رجعوا إلى القداح فضربوا بها ثم عملوا بما يخرج القداح لا يتعدونه ولا يجوزونه. وكان لهم أمناءٌ على القداح لا يثقون بغيرهم) .
من ميزات العرب أنهم اشتقوا أسماء الكواكب السبعة وغيرها من صفاتها، كما نجد ذلك في معاجم اللغة . فالخنَّس الجواري الكنَّس التي ذُكرت في القرآن – وهي السَّيّار عَدا النِّيرين – إنما سُميت خنَّساً لأنها تسير في البروج والمنازل كسير الشمس والقمر، ثم تَخنس أي تَرجع فيرى أحدها في آخر البروج، وإذا به يكرّ راجعاً إلى الأول (الفرق بين سرعة مدار الكوكب مع الأرض تعطي هذه الظاهرة المعروفة بـ (Retrograde movements)، وسُمّيت كنَّساً لأنها تَكنس أي تَستتر كما تَكنس الظباء.
وعلى الجانب الآخر من قضية الرقم سبعة تجلّى هذا التقسيم في المجتمع العربي القديم، حيث انتشرت عبادة الكواكب فنرى هنا تقديس العرب لسبعة ملائكةٍ بالتوازي مع الكواكب السبع التي كانت معروفةً ويُعتقد أنها تدور حول الأرض، فالعرب كما عرفنا كان لهم معرفة بالفلك، وكانت هذه المعرفة متفاوتةً بينهم، وقد قالوا إن أعلم العرب بالنجوم بني مارية بن كلب وبنو مرَّة بن همام بن شيبان. كما كانت عبادة النجوم عند قوم أشدّ منها عند آخرين (من كتاب محمود سليم الحوت الميثولوجيا عند العرب).
وعبد العرب ملائكة السماوات السبع وهم يسبّحون حتى قيام الساعة، فإذا قامت يقولون: سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك. وهم في السماء الدنيا على صور البقر، وفي الثانية على صور العقبان، وفي الثالثة نسورٌ، والرابعة خيلٌ، والخامسة حورٌ عينٌ، والسادسة ولدانٌ، والسابعة بنو آد موكّلٌ بهم على الترتيب، الملائكة:
- إسماعيل
- ميخائيل
- صاعديائيل
- صلصائيل
- كلكائيل
- سمحائيل
- روبائيل
لم يكن تصنيف العرب للكواكب كسبعة سيّاراتٍ في السماء شيئاً جديداً، فهو يعود لنظريات البابليين التي انتقلت للإغريق القديم في عام 600 قبل الميلاد وبلغت تلك النظريات صورتها المثالية في كتاب بطليموس (المجسطي) الذي ألَّفه في القرن الثاني الميلادي. وقد اعتبر هذا النموذج الذي ألّفه بطليموس المرجع الأساس في العالم الغربي والذي تفوّق على ما عداه من مؤلفات في علم الفلك، وظل على هذه المكانة طيلة 13 قرنًا. كان الإغريق والرومان يعرفون سبعة كواكبٍ، وكانوا يعتقدون أن تلك الكواكب تدور حول الأرض وفقًا لقوانين بطليموس. وكان ترتيبهم، وفقًا لقوانين بطليموس، بدءًا من الأرض كالآتي: القمر ثم عطارد ثم الزهرة ثم الشمس ثم المريخ ثم المشترى ثم زحل. كما تتجلى إسقاطات هذا الرقم على أمورٍ أكثر قدماً مثل تقسيم الأيام في أسابيعٍ، فارتبطت مسميّات أيامها بالآلهة والطقوس المرتبطة بها، فالأسماء الأساسية القديمة كانت مأخوذةً من الإغريقية القديمة، وليست مجرّد ترقيمٍ كما هي في اللغة العربية، وارتبطت بأسماء الآلهة المتمثلة بالكواكب التي كان يعتقد أنها تدور حول الأرض على الشكل التالي :
- Sunday . Sōl وتعني يوم الشمس
- Monday . Luna وتعني يوم القمر
- Tuesday . Mars وتعني يوم المريخ
- Wednesday . Mercurius وتعني يوم عطارد
- Thursday . Iuppiter وتعني يوم المشتري
- Friday . Venus وتعني يوم الزهرة
لم يقتصر إسقاط الرقم سبعة فقط على تصنيفاتٍ وتسميات الموجودات والظواهر التي استطاع الإنسان رؤيتها وإدراكها ومعرفتها، بل تعدّاه إلى تصنيف البلاد والأراضي والبحار، فقد اعتقد العرب ومن قبلهم الزردشتيين أن الأرض سبعة أقاليمٍ وسبع مناطقٍ.
فاعتقد العرب أن الأرض المسكونة تُقسَم سبعة أقسامٍ، ويقول الشيخ كمال الدين الدّميري (صاحب كتاب حياة الحيوان):
«إن الربع المسكون من أقاليم الأرض قسِّم سبعة أقسامٍ، كلّ قسمٍ يسمّى إقليماً كأنه بساطٌ مفروشٌ من المشرق إلى المغرب، طوله وعرضه من جهة الجنوب إلى جهة الشمال. وهي مختلفة الطول، فأطولها وأعرضها الإقليم الأول، فإن طوله من المشرق إلى المغرب نحو 3000 آلاف فرسخٍ، عرضه من الجنوب إلى الشمال نحو 150 فرسخاً، وأقصرها طولاً وعرضاً الإقليم السابع، فإن طوله من المشرق إلى المغرب نحو 1500 فرسخٍ، وعرضه من الجنوب إلى الشمال نحو 70 فرسخاً».(3)
أما سائر الأقاليم التي بينهما فيختلف طولها وعرضها بالزيادة والنقصان، ثم إن هذه الأقسام ليست أقساماً طبيعيةً لكنها خطوطٌ وهميةٌ وضعها الملوك الأوّلون الذين طافوا بالربع المسكون من الأرض؛ ليعلم بها حدود البلدان والممالك مثل أفريدون وإسكندر وأردشير .
مما سبق نرى أن تقديس الرقم 7 وارتباطه بالميثيولوجيا والأساطير انتقل من ثقافةٍ إلى أخرى، ومن دينٍ إلى آخر، وصولاً للإسلام الذي جمع من كل الثقافات وأضاف عليها نكهته المحلية الخاصة المغرقة بالتصوير، لتنتج هذه الثقافة والميثيولوجيا الخلّابة والمتميزة في كل جوانبها وصورها، لكن علينا أن ننظر لها على حقيقتها ونعاملها على أنها ثقافةٌ أسطوريةٌ قديمةٌ تميّز هذا الجزء من الأرض، وألا نسمح للدين ورجالاته أن يفسدوا جمال الأدبيّات القديمة كما أفسدوا العلم بجعل العلم والأساطير خليطاً على شكلٍ كائنٍ مشوّهٍ بهدف الدفاع عن الدين وإيجاد زبائنَ للوهم.
الهوامش:
- الإمام وهب بن منبه (34 هـ – 114 هـ) تابعيٌّ جليلٌ، له معرفةٌ بكتب الأوائل، إخباريٌّ قصصيٌّ يُعد أقدم من كتب في الإسلام. روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في التفسير.
- ابن واضح الشيخ العالم المُعمّر الصدوق أبو بكر أحمد بن يوسف بن أحمد بن إبراهيم بن أيوب بن عمرو بن مسلم بن واضح الثقفي الأصبهاني الخشاب المؤذن.
- بحسب معنى ابن منظور للفرسخ الذي يساوي 5.76 كم نرى أن مساحة أكبر إقليم هو 14,929,920 كم2 أي بحجم قارة أستراليا مع جزيرة لورد هاو مرّتين، أما أصغر إقليم من هذه الأقاليم السبعة فإن مساحته تساوي 3,483,648 كم2 أي أكبر من الهند بقليلٍ.
المراجع:
- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لأبي الفرج عبد الرحمان بن علي بن محمد ابن الجوزي
- مروج الذهب للمسعودي عرائس المجالس لإبن إسحاق أحمد بن ابراهيم الثعلبي
- البدء والتاريخ للمقدسي
- موسوعة أساطير العرب عن الجاهلية ودلالاتها للدكتور محمد عجينة
منشورات ذات شعبية