أهمية القيم السياسية اللادينية للديموقراطيات الحديثة

هذا المقال منقول عن مدونة بن باز «نبضات بن باز: عقلانية انسانية متحررة»

 

القيم السياسية للديموقراطية الليبرالية:
 
ان السياسة في دولة ليبرالية ديموقراطية لا تستمر عن طريق الجمود بل على العكس يجب ان تتغذى عن طريق اناس منخرطين في العملية السياسية ولديهم بعض القيم الاساسية الضروريه لكي تزدهر الديموقراطية. وهذه القيم ليست دينية ولا مبنية على اي دين وهذا يعني انها بالضروره لادينية اي انها منفصله عن اديان الناس.

 

1- سيادة القانون:
وليس هناك شيء اهم من هذه القيمه. فلا يمكن للديموقراطية الليبرالية ان تتواجد ان لم يكن كل مواطن من ادنى فرد الى اعلى مسئول متساوون امام نفس القوانين. واذا حصل وكان هناك بعض الافراد او الجماعات معفيه من القانون او لا يطبق عليها القانون بشكل محايد فان هذا يعني انها اصبحوا خارج العملية السياسية واصبحوا سادة علينا. وهذا يعني ان القانون لم يعد يعني شيئا. فالقانون يستمد معناه من كونه يطبق على الكل.
 

 

2- الوئام السياسي:
اننا لا نسمع كثيرا عن الوئام في السياسه لانها اصبحت نادرة. في الموسيقى الوئام يعني ان اصوات عدة تغني مقطوعه معينه. في السياسة الوئام يعني وجود وجهات نظر متعددة تتحرك كلها من اجل هدف عام واحد. ان جعلنا للوئام السياسي كقيمة مهمه يعني اننا سنعارض جهود بعض الناس التي ترفض الحوار او تقلل من شأنه من اجل وجهة نظرهم الواحده.
ان اعلاء قيمة الوئام ايضا تقلل من جهود البعض الرامية الى تمزيق الوحده وجعلها اتجاهات مختلفه الى حد كبير جدا.
 
3- الحلول الوسط:
 
السياسة هي فن الممكن وهذا يعني انها جهود براغماتيه لايجاد افضل وسيلة ممكنه لتحقيق اهداف معينه. في المجتمع التعددي المتنوع يظهر لنا جليا ان السياسة لا يمكن ان تتواجد بدون حلول وسط.
ان الجماعات سوف تحصل على بعض ما تريده ولكن بالتاكيد ليس كل ما تريده لان هناك جماعات ذات رغبات اخرى مختلفه. ان اللذين يعارضون الحلول الوسط هم اولئك الذين يعارضون العملية السياسية الديموقراطية.

 


4- الحرية والاستقلال:
 
الديموقراطية تعني الحكم للشعب ولا يمكن ان تتواجد بدون اناس احرار ولديهم الحرية لحكم انفسهم.
اذا كانت السلطه المطلقة بيد الشعب فان هذا سيحدث عندما يكون الناس قادرين على السيطره على انفسهم وقادرين على اكتشاف خيارات لتشكيل حكومتهم. والا فانها ستكون ديكتاتوريه مقنعه بقناع الديموقراطية.

 

5- العلمانيه:
 
وغالبا فان من لا يفهمونها او لا يؤمنون بها يقومون بالسخريه منها. ان العلمانيه هي مكون هام جدا من الديموقراطية الليبرالية. العلمانية هي مبدا سياسي او فلسفي ينص على انه لابد من تواجد بعض مناخ من المعرفه والقيم والمؤسسات والافعال مستقله عن السلطة الدينية. واذا لم يكن هناك مناخ علماني. فان كل شيء سوف يكون تحت سيطره المؤسسات الدينية وهذا يقوض امكانيه الحرية والاستقلال.

 

6- توزيع السلطة والقوة:
 
كلما زاد تركيز القوه في ايدي قليلة كلما زادت المخاطر الموجهه للحرية والاستقلال. حتى وان كانت تلك الاقلية صالحه ولديها نوايا حسنه فان هذا ايضا يشكل خطر على الحريات واستقلاليه الافراد. ولذلك يجب علينا ان نقف ضد تركيز السلطه في يد الحكومة او المؤسسات الدينية او حتى الشركات الخاصه. ان الديموقراطية الليبرالية يتم الحفاظ عليها بضمان توزيع السلطات الاجتماعيه والسياسية بشكل واسع قدر الامكان حتى وان لم يكن بشكل متساوي.

 

7- الانفتاح والصدق:
 
اذا اردنا تطبيق الديموقراطيه فانه يجب ان يعلم الناس ما تقوم به الحكومه بالنيابه عنهم. وهذا يعني تقليل قدرة الحكومة على حفظ الاسرار عن الشعب بشكل حاد. لاننا لو اعطينا الحكومة خطا عريضا لحفظ الاسرار عن الناس فان هذا يؤدي الى جعل الناس غير قادره على اتخاذ قرارات مدروسه، وهذا يعني ان اصحاب السلطات سيملكون من القوه والسلطه ما لم يخولها لهم المحكومون.

 

8- المساواة والعداله:
 
وهما قيمتان سياسيتان مترابطتان. الديموقراطيه الليبرالية تتطلب المساواة لانه ان لم تكن هناك مساواة ستؤول السلطه المطلقه الى اصحاب الصلاحيات او المحميين او الصفوه.
ان الديموقراطية الليبرالية تتطلب العدالة لان هذا هو الاساس لتطبيق القانون على الجميع. ان المجتمع الظالم هو الذي تنتهك فيه سيادة القانون والاخلاق والمساواة. ان العدالة والمساواة ليست بحاجه الى دين يدافع عنهما.

 

سياسة بدون دين:
 
ان هذه القيم هي قيم لادينية وهذا يعني انها لا تشترط ايمان بالله او دين معين لكي تكون صالحه. ان الكثير من المتدينين من الممكن ان يؤمنوا بهذه القيم وقد يرفضها بعض اللادينيين مثلا، ولكن يجب ان نعرف ان هذه الخيارات هي بعيدة عن كونك متدين او لا.
ربما سيقول البعض ان اتباع قيم سياسية مستقله عن الدين فان هذا يعني اننا اساسا نتبع سياسه مستقله عن الدين. وهذا يعني ان الديموقراطية الليبرالية يجب ان تكون لادينية بطريقه اساسية.
اعتقد ان هذا صحيح. ولكن ايضا هذا لا يعني ان كل الافراد والمنظمات ذات التوجه الديموقراطي الليبرالي هم لادينيون. ولكن هذا يعني ان النظام الذي يخلق السياق السياسي والاجتماعي لانشطتهم هو لاديني.
انا اعرف ان هناك متدينين ينظرون بارتياب الى هذا ولكن ليس عليهم فعل ذلك. لانه ببساطه البديل الوحيد هو خيار شكل
معين من دين معين لسلطات دينيه تنصب نفسها كالسلطه الوحيده لتعريف السياق السياسي والاجتماعي، وهذا بالتاكيد يتضارب مع الديموقراطيه الليبرالية التي من المفترض ان لا يؤثر الدين عن حالتك السياسية.
 
ان السياسيين والمنتخبين لهم ربما يكون لديهم قيم دينية تشكل قراراتهم، ولكن النظام السياسي نفسه يجب ان يكون مستقلا عن مزاعم بعض الافراد بان هذه هي اراده الله.
وعند غياب هذه المزاعم فانه بامكان الاشخاص المشاركين في العمليه السياسية العمل بحريه تامه بغض النظر عن اعتقادات المحيطين بهم. وهذا دليل على ان اللادينية للنظام السياسي ليست جيده فقط للنظام السياسي ولكن ايضا للمشاركين فيه من المتدينين.